شحبت ملامح وجه اللورد نيمار فجأة، كأن الحياة انسحبت من جسده.
“الدفاع عن الحدود أمر إمبراطوري صادر من جلالة الإمبراطور إلى عائلة هيزيت! أ… ألا تنوي عصيان الأمر الإمبراطوري؟!”
“كنت أنوي زيارة العاصمة الإمبراطورية لهذا الغرض على أية حال، يا لورد نيمار. صدفة مباركة أن العاصفة الثلجية التي أرهقتنا قد توقفت أخيرًا، والطريق أصبح سالكًا.”
“إذا اختُرقت الحراسة، فستتحول هذه المنطقة إلى خراب في لحظات…!”
“أمن إقليم نيمار ليس من مسؤولية عائلة هيزيت، بل من مسؤوليتكم أنتم، عائلة نيمار. لا بد أن لديكم حرسكم الخاص، أليس كذلك؟”
“…”
“وإن احتجتم إلى العون، فبإمكانكم القدوم بأنفسكم. الطريق مفتوح، ومن له حاجة، فعليه أن يتحرك.”
“سيدي الشاب، مهما يكن، كيف تتخذ قرارًا بهذه السرعة؟ حياة سكان الإقليم كلهم على المحك!”
“هذا قراري.”
أمال جلين رأسه قليلًا، وابتسم ابتسامة دافئة تحمل من السخرية بقدر ما تحمل من الثقة.
“الهدايا تُمنح بإرادة المانح، أليس كذلك؟”
“هـ… هذا…”
بدأت الدموع تترقرق في عيني اللورد نيمار.
* * *
“أستاذتي، هل أحسنتُ التصرف؟”
كانت أذن جلين محمرتين قليلًا من الحماس. وجهه المشرق بابتسامة عريضة كشفت عن أسنانه جعلته يبدو كجرو ضخم متلهف.
تسعة عشر عامًا… حقًا يبدو ابن التاسعة عشرة.
كانت أريليتيا معتادة على رؤية جلين، ماركيز الحدود، صلبًا كالجبل، ففوجئت بهذا الجانب الطفولي منه.
حين كنت في التاسعة عشرة، لم أعرف حتى كيف أبتسم هكذا.
بل إنها لم تعش لتتجاوز ذلك العمر في حياتها السابقة.
“أحسنتَ… يا أحمق.”
“ارتحتُ لسماع ذلك. شكرًا لكِ. بفضلكِ أدركتُ شيئًا بالغ الأهمية.”
قبل لحظات، انتزعوا من اللورد نيمار تعهدًا مكتوبًا بإعادة كل الأموال التي نهبها ظلمًا على مدى سنوات.
“أعيدوا إلينا كل دفاتر المعاملات التي جرت بينكم وبين إقليم هيزيت خلال العشرين سنة الماضية. سنراجعها بندًا بندًا، ونحسب ما سرقتموه حتى آخر قطعة نقد. وما سنفعله بعلاقتنا بعد ذلك، سيقرره والدي، كونت هيزيت.”
الآن، وقد توقفت العاصفة التي عزلت هيزيت عن العالم، أصبح بالإمكان تأمين الغذاء والموارد من أماكن أخرى، فلم تعد نيمار ذات أهمية كما كانت.
كان طبيعيًا أن يشحب وجه اللورد كصفحة بيضاء.
“بصراحة… لا أشعر براحة تامة، فكأنني عرضتُ الأبرياء في هذا الإقليم للخطر.”
حك جلين حاجبه بخجل.
“لكن عليّ أن أفكر أولًا فيمن تقع حمايتهم على عاتقي. إذا خسرتُ شعبي في سبيل مبادئ عامة كالتضحية والإنسانية، فذلك هو العمى بعينه.”
“ومع ذلك، هذا لا يجعلك شخصًا سيئًا.”
رغم نبرتها الحادة سابقًا، أحبت أريليتيا هذا الجانب من جلين.
ذلك القلب الذي لا يطيق رؤية الضعفاء يُظلمون.
الإصرار العنيد على العدل.
وذلك الطبع المستقيم حتى السذاجة، الذي يفضل السلام العام على المكاسب الشخصية.
بفضل هذا القلب، نجوتُ في حياتي الثانية.
وبفضله أيضًا، يثق به فرسان إقليمه وسكانه، مما يجعل ولاءه لهم سلاحًا ودرعًا لا يُضاهى.
“لا تقلق، سيدي. لن نطالبه بإعادة كل ما التهمه حرفيًا.”
فاللورد نيمار، رغم نهبه الشره، لم يكن يملك ثروة طائلة أصلًا. فهل بقي شيء من أموال العشرين عامًا في خزائنه؟
ليعيد الأموال إلى هيزيت، سيتعين عليه عصر سكانه كالإسفنج، وهذا سيؤدي إلى إفلاسه.
بصراحة، لا يهمني مصير هؤلاء الناس هنا.
لكن جلين… سيظل متأثرًا بما حدث.
ها هو، حتى الآن… رغم أنه الضحية، يبدو وجهه مشرقًا بالأمل.
ثم إن نيمار هي الجسر الرابط بين هيزيت والمدن الكبرى. لهم بعض النفوذ، وسيكون من المؤسف التخلي عنهم تمامًا.
ولهذا… فإن استغلالهم إلى أقصى حد هو القرار الأمثل.
ابتسمت أريليتيا من زاوية فمها.
“أخبره أننا سنغض الطرف عن الماضي، بشرط أن يقدم نصف محصوله كل عام مجانًا. وإن تأخر، نسحب الحراسة فورًا.”
“وما المهلة؟”
“مهلة؟ لا مهلة. هذه شراكة مصيرية… إلى أن تقوم الساعة.”
* * *
كانت المؤن التي سلّمها اللورد نيمار تكفي لملء عشرين عربة، وما لم يكفه، سدّده نقدًا.
“خـ… خمسمئة قطعة ذهبية…”
قالها والدموع تترقرق في عينيه، وهو يسلم كيس النقود الثقيل.
“حاول أن تكون حاكمًا أفضل بعد هذا، حسنًا؟ الحاكم مسؤول عن رعيته، أليس كذلك؟”
“سـ… سأضع ذلك في الاعتبار، نعم…”
كان ينشج بالبكاء، حتى انتفخت أسفل عينيه.
تأثر بعض فرسان هيزيت، وارتخت تعابيرهم الحازمة.
يا إلهي، كم هم طيبون.
كيف سيعيد بناء الإقليم مع هؤلاء الطيبين الساذجين؟ بدا الأمر مستحيلًا.
اقترب جلين منها وهمس:
“أستاذة أريل، ماذا سنفعل بالعينة التي جلبناها؟ ألم تكوني تنوين بيعها هنا في نيمار؟”
“لا، كانت تمهيدًا فقط.”
فلم تأتِ إلى هذا المكان بغرض التجارة حقًا، فحجمه صغير ولا يملك إمكانات مالية كبيرة.
كما أن سكان نيمار لا يحتاجون إلى مكونات الجرعات أصلًا.
إذن، لماذا جئتُ؟
في أثناء تفكير جلين، اشتكى أحد العمال المشرفين على العربات المحملة باللحوم:
“ستفسد بسرعة إن تركناها هكذا. الجو غريب مؤخرًا، درجات الحرارة ارتفعت فجأة. يجب تجميدها في مخزن الجليد بالوادي، ثم تغليفها بشكل خاص، وإلا ستتعفن.”
“هذا ما قالوه، يا سيد جلين…”
قال اللورد، وهو يراقب جلين بعين قلقة، وقد شحب لونه أكثر.
“حتى لو تأخر الأمر، سنقوم بتجميدها ونرسلها لاحقًا إلى هيزيت. ربما يستغرق ذلك عشرة أيام، فهل يناسبكم؟”
“أستاذة أريل، ما رأيك؟”
هزت رأسها، وفتحت حقيبتها الصفراء لتُخرج كرة زجاجية صغيرة.
وما إن فتحت الغطاء، حتى انطلقت ومضة كالألعاب النارية، تبعثرت منها ثلوج ناعمة في الهواء.
“جـ… جنية الثلج؟!”
بدأت الجنية تدور فوق العربات، تنثر الثلج كالنجوم، ثم هبت ريح قارسة، فجمّدت اللحوم فورًا.
فتح اللورد فمه ذهولًا.
“لكن جنية الثلج مشهورة بشراستها! كيف استطعتِ ترويضها؟!”
“يا سيدي.”
قفز اللورد فزعًا حين التفتت إليه الطفلة ذات العينين الجليديتين.
كانت تحدق فيه بثبات لا يتزعزع.
“انشر الشائعات. في كاسفل.”
“عـ… عفوًا؟ شائعات عن ماذا؟”
“أن هيزيت تفيض بمكونات الجرعات ذات السمة الجليدية.”
هل… تحدثت إليّ باحترام؟
لكن نظراتها الحادة، وقامتها المستقيمة، لا تشبهان طفلة صغيرة.
هيئتها الوقورة، وعيناها الثاقبتان للأرواح… والمعاملة الرسمية التي تحظى بها من الجميع.
حين أحضرها السيد إلى الداخل، شعر بالغرابة. والآن أدرك السبب.
ربما… ليست طفلة على الإطلاق.
هي اليد الخفية التي تحرك كل شيء.
وفور أن أدرك اللورد نيمار هذه الحقيقة، انحنى لها فورًا:
“مفهوم، أستاذة. لكن، هل لي أن أعرف اسمكِ الكريم؟”
لماذا يسأل عن اسمي؟
تعجبت أريليتيا، لكنها لم تجد سببًا يمنعها من الإجابة.
“أريل.”
أريل…!
ارتعدت أجراس في رأسه مع هذا الاسم.
“اتركي الأمر لي، يا أستاذة! سأجعل الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم!”
“في هيزيت، توجد أستاذة تُدعى أريل، خبيرة في مكونات الجرعات الجليدية!”
وفي عقله، اكتملت العبارة التسويقية:
أيها السحرة الباحثون عن الكنوز النادرة، اذهبوا إلى هيزيت وابحثوا عن الأستاذة أريل!
“…؟”
نظرت إليه أريليتيا بذهول، ثم ركضت بسرعة إلى جلين.
“ابتسم، سيدي الشاب.”
“هاه؟”
“بثقة. لا تقل شيئًا، فقط ابتسم.”
هذه لحظة ذهبية. اللحظة التي تغيرت فيها صورة هيزيت في عقل اللورد.
ابتسم جلين والفرسان خلفه، جميعهم في وقت واحد. كانت أشعة الشمس تنعكس على جليد الجنية من خلفهم في مشهد ساحر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات