جثا جلين على ركبة واحدة أمام أريليتيا، ناظرًا إلى عينيها مباشرة، وقد اكتست زرقة عينيه بوقار لم ترَ مثله فيه من قبل.
“فما الذي ينبغي عليّ فعله إذن؟”
بقيت صامتة.
“أنا أدرك، على الأقل، أن ما نحن عليه لا يمكن أن يستمر. لكنني أجهل كيف أصلح الأمر… كل ما تعلمته في الشمال هو كيف أحمي بما أملك من سيف.”
ولم يكن جلين وحده من نشأ على هذا، بل فرسان هيزيت جميعًا. أمضوا أعمارهم يقارعون الوحوش أكثر مما تعاملوا مع البشر. قوّاهم إيمانهم ببعضهم، وحبهم، واعتمادهم المتبادل، لكنهم، خارج حدود إقليمهم، كانوا يُعاملون كقوم بدائيين سُذّج.
وكان قول أريليتيا صوابًا. لا يجوز أن يُستهان بهم على هذا النحو بعد الآن.
“إن كنتِ تعلمين طريقًا أفضل مما أعرف، فدلّيني عليه. سأتعلمه، مهما كان.”
“حقًا، ستفعل ما آمرك به؟”
“نعم، أيتها المعلمة.”
ارتخت ملامح أريليتيا قليلًا، وقد احمرت عيناها وتجهمت شفتاها. مسحت عينيها بكلتا يديها، ثم تنفست بعمق كمن يتهيأ لأمر عظيم، وأشارت خلف جلين.
“عمي دانكن، أعطني الحقيبة، من فضلك.”
“…معلمتي، لماذا تستخدمين نبرة الاحترام مع السير دانكن فقط؟”
“لأنك أحمق، يا سيدي.”
انتقلت الحقيبة الصفراء الزاهية، التي كانت تتدلى من معصم دانكن، إلى يدي أريليتيا.
فتحت الحقيبة المنتفخة كأنها على وشك الانفجار، وأخذ جلين يتأمل محتواها بشغف. لطالما تساءل عن سبب ثقلها اللافت.
“…أهذا ما جلبتِه؟”
خرج من الحقيبة شيء لم يتوقعه أبدًا.
* * *
ألقى البارون نيمار نظرة استياء على فرسان هيزيت الذين اقتحموا قصره دون إشعار مسبق. لم يرسلوا حتى رسولًا يُعلِم بقدومهم، والأسوأ أن ذلك الشاب اليافع – الذي بالكاد بلغ أشدّه – جعل البارون يجلس أمامه، وراح يقرأ لفافة أوراق ضخمة منذ أكثر من نصف ساعة.
كانت اللفافة طويلة لدرجة أن ما قُرئ منها أقل مما بقي ملفوفًا.
‘ما الذي يخطط له هذا الفتى؟’
إلى جانبه، جلست فتاة صغيرة بشعر وردي داكن، تحتضن تلك اللفافة بتركيز غير عادي.
دفع البارون إليها طبقًا من البسكويت لعله يخفف التوتر، لكن نظراتها اشتدت حدة.
انقبض قلبه من رد فعلها، فصَبّ غضبه على جلين.
“أما آن لكم أن تفسروا هذا السلوك الوقح، يا سير هيزيت؟ إنني أبدأ أشعر بالامتعاض.”
“امتعاض.”
ردد جلين الكلمة بهدوء، كأنه يتذوق معناها.
“الامتعاض، تقول؟ دعني أحدثك عما اختبرته اليوم، يا سيدي البارون.”
“ومهما كان ما مررتَ به، فأنا لست ملزمًا بالاستماع إلى شكواك، يا سير…”
“لقد واجهت أمرًا فاضحًا في سوق بلدتك.”
كانت نبرته باردة كصقيع الشتاء.
ارتجف كتف البارون نيمار قليلًا، وإن حاول إخفاء ذلك.
“تُباع السلع التي تكلف فضية واحدة لأبناء نيمار بعشرين ضعفًا لأبناء هيزيت. وليس في متجر واحد، بل في السوق كله.”
“ذ… ذلك لأن المحصول كان شحيحًا هذا العام…”
“وهل كان كذلك العام الماضي؟ وقبله؟”
عجز البارون عن الرد.
فلا مبرر يُعتد به.
في العام الماضي، تحديدًا، كان الموسم وفيرًا، حتى إن كمية المحاصيل المشحونة إلى هيزيت بلغت أرقامًا غير مسبوقة.
لكنه استعاد رباطة جأشه بسرعة، ورفع ذقنه بغطرسة.
“حتى لو بالغنا قليلًا في الأسعار، فما شأنكم؟”
“قليلًا…؟”
“أتظنون أن من حقكم شراء قمحنا وشعيرنا، الذي كدّ فيه فلاحونا بدمائهم وعرقهم، بنفس السعر الذي نبيعه لسكاننا؟ ظننتك أعقل من هذا، يا سير جلين. هذه تجارة، وليست جمعية خيرية. لا تتوقعوا أن تحصلوا على الطعام مجانًا!”
منذ أكثر من عشرين عامًا، وقّع لورد نيمار مع لورد هيزيت اتفاقية تجارة حرة، جعلت هيزيت مستهلكًا دائمًا لمحاصيل نيمار. كان أهل هيزيت يقصدون نيمار كل عام، من الربيع إلى الصيف، لشراء مؤونة الشتاء.
وبما أن أرض الشمال قاحلة، صارت نيمار تزوّد إقليمها وإقليم جارتها، كأنها تطعم مقاطعتين بمحصول واحد.
ورغم دفء نيمار النسبي مقارنة ببقية الشمال، فإن أرضها لم تكن خصبة كالجنوب. كان إنتاجها من الزراعة وتربية المواشي محدودًا.
رغم أن جلين هو اللورد، بدت الفتاة الصغيرة أشد خطرًا.
“يبدو أنك، يا سيدي، تجهل واقع الشمال المنعزل. ارتفاع الأسعار أمر طبيعي هنا.”
“فترفعون السعر عشرين ضعفًا؟”
“ذلك شأن البائع!”
“شأن البائع، تقول…”
ابتسم جلين بسخرية وهو يقلب لفافة جديدة أمامه.
“ثم تأخذون من هيزيت ألف قطعة ذهبية كل عام، بينما تستوردون المؤونة من كاسفل بنصف هذا السعر؟”
“ماذا…؟”
اتسعت عينا البارون، وقد أصابته الصدمة.
أخرجت أريليتيا – كأنها كانت تنتظر تلك اللحظة – حزمة وثائق جديدة من حقيبتها الصفراء.
ما كان يقرأه جلين هو سجل معاملات رسمي من قصر هيزيت. أما ما أخرجته أريليتيا، فكان سجلًا انتزعته بنفسها من أحد التجار المتورطين.
“انظر هنا، سيدي الشاب. باعوا لكم خمسمئة رطل من اللحم بثلاثين ذهبية، ثم بعد أسبوع واحد فقط، اشتروا خمسمئة رطل من كاسفل بفضيتين!”
“…استحوذوا على الفرق بالكامل.”
“والأدهى أن جودة محاصيل كاسفل أفضل! هل فهمت الآن؟”
“باعوا لنا بضاعة رديئة بثمن باهظ، بينما اشتروا الأجود بثمن زهيد… فماذا عن الثلاثين ذهبية؟ أين ذهبت؟”
“انظر أسفل الصفحة. مذكور بوضوح.”
كانت كلمات واضحة، مطبوعة في دفتر الحسابات.
ناوله جلين السجل ليقرأه بنفسه.
“الربح قُسم بين التاجر واللورد بالتساوي، أليس كذلك؟”
“ذلك…”
“يعني أن الإقليم بأكمله اتفق على استغلالنا ونهبنا، أليس كذلك؟”
انقبضت عينا جلين، وتحركت طاقته الداخلية كبركان على وشك الانفجار.
كانت هذه… هالة المحارب.
شعرت أريليتيا بالفخر.
‘أرأيتم؟ هذا هو من استهَنتم به!’
أطلق جلين هالته دون تردد، فتراجع البارون خطوة. كان البشر العاديون يعجزون عن تحمل الهالة النقية حين تُوجه إليهم.
ولذا، لم يُطلقها جلين أبدًا في وجه أحد من العامة.
لكن الآن…
“إن محاصيل نيمار ثمرة كدّكم، لا أنكر ذلك، لكن أموال هيزيت لا تتساقط من السماء!”
كانت كلماته كالحمم، تشتعل بحرارة مع كل مقطع.
“إنها ثمن دماء فرسان هيزيت!”
وأضافت أريليتيا ما حسم الجدل:
“اذهب إلى لوردك، واطلب منه إنزال العقوبة على أولئك التجار الذين تجرؤوا على خداع النبلاء. فقد داسوا على شرف هيزيت، وإن لم تعاملونا باحترام، فلا تظنوا أننا سنرى أنفسنا ملزمين بحمايتكم.”
في تلك اللحظة، شعر جلين كمن تلقى ضربة على قفاه.
كانت كلماتها كالسيف في صراحتها. هيزيت لم تكن مرتزقة رخيصة تحت الطلب.
“اعتبارًا من الآن، سنُعفي السفح الجنوبي، المؤدي من جبال كولدن إلى إقليم نيمار، من مسؤولياتنا الأمنية.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات