“إذاً، لا بدّ من إقناع تلك الفتاة بأي طريقة كانت وجعلها تأتي إلى هنا.”
لكن، الكونت الشمالي وابنه لا يتركانها وحدها أبداً…
استرجع ألبرت في ذهنه صورة الشاب الذي احتضن الطفلة فور انتهاء المواجهة الثلاثية.
أفراد عشيرة هيزيت يتفوقون في القتال الحر على أي فارس من فرسان القصر الإمبراطوري. الأساليب التقليدية لن تجدي نفعاً معهم.
‘إن عادوا إلى الشمال، فلن يكون هناك فرصة أخرى. يجب أن نأخذ الطفلة منهم قبل أن يحدث ذلك…’
غير أن لوريلين قالت بحسم:
“لا، لا داعي للعجلة إطلاقاً. حتى لو استغرق الأمر شهوراً، أو حتى سنوات، طالما يمكننا إرجاع الزمن، فبوسعنا البدء من جديد.”
حتى خسارتها المتعمدة في المواجهة الثلاثية أمام هيزيت كانت بسبب هذا السبب.
لتحقيق ما هو أعظم، كان لا بدّ من التراجع قليلاً الآن ومراقبة الفرصة التالية.
“كل ما نحتاج إليه هو أن نُجبر الطفلة على استخدام قدرتها مرة واحدة فقط. أن نجعلها تظن أنه لا خيار أمامها سوى إرجاع الزمن. وبقوة… شديدة جداً!”
“وكيف؟”
“فكر قليلاً. متى يتمنى الإنسان أن يعود إلى الماضي؟ عندما يكون سعيداً؟ حينما يضحك أو يشعر بالفرح؟ كلا، يا عزيزي.”
ارتسمت على شفتي لوريلين ابتسامة ممتلئة بالثقة والانتصار.
“ذاك يحدث فقط عندما يغوص الإنسان في وحل الندم واليأس.”
“…!”
“حين يوجد شيء يائسٌ لاسترجاعه، ولو كان عليه أن يبيع روحه مقابله. أو حينما يكون الألم أكبر من أن يُحتمل، لدرجة يتمنى فيها لو أمكنه محو كل الذكريات. حينها، يتوق الإنسان إلى معجزة.”
ثم اقتربت لوريلين من أذن ابنها، وهمست بكلمات خفية.
اتسعت عينا ألبرت لفهمه ما تعنيه، لكن ملامحه سرعان ما انحنت بابتسامة خفيفة.
“نعم، يا أمي. فهمت قصدك.”
“أحسنت. ابقَ قوياً حتى تعود والدتك، يا ألبرت.”
احتضنته لوريلين بقوة.
هذه المعركة لم تنتهِ بعد.
* * *
ما إن أصدر الإمبراطور أمر التفرق، حتى اختفى الحرس الملكي برفقة الإمبراطورة والأمير الأول.
“يبدو أن الأمور انتهت على نحو جيد.”
رفع جلين أريليتيا من على الكرسي كما لو كان يقتلع نباتاً من الأرض.
“انتهى الأمر، فلنعد إلى البيت.”
وخلال شرح روسو لموقف هيزيت بهدوء، كان اهتمام جلين منصباً بالكامل على معلمته الصغيرة.
لقد ظن أنها ستضحك بخبث بعد أن انتصرت ببراعة في تلك المواجهة أمام الإمبراطورة، كما تفعل دائماً. لكن أريليتيا بدت هادئة على نحو غريب.
لاحظ روسو أيضاً هذا التغير غير المألوف في سلوكها.
ففتح على الفور حقيبة صفراء اللون، وأخرج منها عبوة من الجرعات السحرية.
“أيتها الصغيرة، خذي هذا الدواء أولاً.”
“تناوليه بسرعة لنغادر. لا أشعر بالأمان ونحن لا نزال هنا…”
لكن أريليتيا هزت رأسها بشدة، وسحبت جاكيت جلين بإصرار.
“اتجه للأمام أولاً.”
“هاه؟ أ-أوه، حسنًا…”
لم يستطع مقاومة العزم القوي في صوتها، فتحرك جسده تلقائياً.
سار جلين على طول الطريق خارج القصر الرئيسي، ثم قالت أريليتيا بكلمات قصيرة:
“انعطف يساراً.”
“أه… حسنًا…”
“عند نهاية هذا المنعطف، انعطف يميناً، ثم سر ثلاثين خطوة… لا، بخطوتك الكبيرة، عشرون فقط.”
رغم أن لديه الكثير من الأسئلة، أطاعها جلين بصمت.
لكن كلما مشى، شعر أن هناك شيئًا مريباً. القصر الذي يظهر في الأفق… أليس هذا قصر الإمبراطورة؟
وما إن أنهى عشرين خطوة، حتى قفزت أريليتيا بسرعة إلى العشب.
“سأتوجه إلى الحديقة الخلفية لقصر الإمبراطورة.”
“ماذااا؟!”
“تعال أنت بعد عشر دقائق بالضبط.”
‘يجب أن أرى ألبرت.’
قبضت أريليتيا على قبضتيها بشدة وسارت بخطى سريعة.
* * *
إن عدنا إلى الوراء، يمكن القول إن ألبرت كان، في جوهره، غير مبالٍ بأريليتيا.
نشأ كالزهور في قصر أمه، محاطًا بنعومتها وظلها، وكان متعجرفًا متكبّرًا يعترف به الجميع.
لكن، لو كان قد عاملها طوال سبع سنوات بذلك الغرور الفارغ فقط، لما كانت أريليتيا لتبذل كل ذلك الجهد في خدمته بإخلاص.
بمعنى آخر، كان هناك ما يكفي من الود في تعاملاته معها ليمحو بعض من تصرفاته المتغطرسة.
فهو كان يرسل لها الهدايا الكبيرة والصغيرة بشكل شبه يومي، ويدعوها إلى العشاء مرة واحدة على الأقل كل أسبوع.
ومن بين جميع مقربيه، لم يُسمح بتناول الطعام معه إلا لريكي وأريليتيا.
وكم من مرة أثنى عليهما علنًا، حتى كاد أنفاهما يلامسان السماء.
وعندما ينال المرء مثل هذه المعاملة الخاصة بشكل يومي، يسهل أن يعتقد أنه يعني شيئًا استثنائيًا للشخص الآخر.
“لدي سؤال يا سمو الأمير. هل رأيت والديّ من قبل؟”
“رأيت والدك مرة. حينما قُبض عليه وهو يحاول اغتيال الإمبراطور.”
“وأمي؟”
“…لا، لم أراها. لكن، لماذا تسألين فجأة؟ تشتاقين إليهما؟”
“هل يمكنني أن أكون صادقة؟”
“لا، لا تفعلي.”
“…”
“والداكِ خائنان للدولة. لا يجب أن تتحدثي عنهم بإيجابية، لا أمامي ولا في أي مكان من هذا البلد، أريل. هذا لمصلحتك.”
“…”
“ما الذي يدفعكِ للتفكير في أشياء كهذه؟ هل أخطأت في حقكِ، أريليتيا؟”
‘يا صاحب السمو…!’
“أنا فقط كنت فضولية. إن كانت أمي منحتني هذه القدرة، فلا بد أنها أيضًا كانت متحكمة في الزمن. أردت أن أعرف نسبها. أليس من حقي أن أعرف ذلك؟”
“حسنًا. سأطلب من بايل مون التحقيق. أعتقد أن منزل كاديز وبعض ممتلكاته صار ضمن ملكية العرش.”
“منزل كاديز؟”
“نعم. ربما تجدين هناك بعض المتعلقات التي تركها والداك. وإن رغبتِ، يمكنني أن أمنحك المنزل.”
“أوه…”
“لا يمكنني الدفاع عنهم، لكن صدقيني، هذا ما أشعر به حقًا. أنا أريدكِ أن تكوني سعيدة.”
استفاقت أريليتيا فجأة.
رنّ في أذنيها صوت توبيخ الإبرة الصغيرة:
“استفيقي. لا تستسلمي للمشاعر الفارغة!”
‘مشاعر فارغة…’
نظرت أريليتيا من حولها. كانت في منتصف الطريق المؤدي إلى قصر الإمبراطورة. لو لم تتدارك نفسها، لكادت تندفع إليه مباشرة.
“توقفي. التقطي أنفاسك. لا تسببي المشاكل.”
جلست أريليتيا على جانب الطريق، وسط الممر المؤدي إلى قصر الإمبراطورة.
‘اهدئي، بهدوء.’
خلال المواجهة الثلاثية، حاولت تهدئة قلبها الذي كان يغلي داخلها.
لكن الأمر لم يكن سهلاً. كان ألبرت جالسًا في الجهة المقابلة، فكيف لها أن تظل هادئة؟
إن فكرت بعقلانية، فإن حياتها الأولى، حيث كانت تقف إلى جانبه، أصبحت مجرد ذكرى من الماضي السحيق.
صحيح أنها عادت بالزمن عشرة أعوام، لكن ما عاشته من أيام مكررة جعل ذاك الماضي يبدو وكأنه منذ عقود.
ورغم ذلك، لم يُمحَ من ذاكرتها أي لحظة من لحظات خدمتها المخلصة له.
لأنها كانت صادقة جداً.
‘تلك كانت أيام أثبت فيها نفسي.’
اليوم الذي وجدت فيه للمرة الأولى شيئًا تجيده.
اليوم الذي تلقت فيه مكافأة عادلة مقابل عملها.
اليوم الذي أدركت فيه أنها قادرة على جعل الآخرين يبتسمون.
أيام كانت مقتنعة بأن الطريق الذي تسلكه هو طريق الصواب.
أيام كانت تبتسم دون تردد لمجرد تلقيها مديحًا بسيطًا… كانت تلك أنقى أيامها.
ألبرت كان سيدها الذي تخدمه، وكان أيضًا الشخص الذي أحبّته ببراءة.
ربما هو أكثر من رأى ابتسامتها في حياتها كلها.
لقد منحت أريليتيا أجمل لحظات عمرها، وكل ما امتلكته من صدق وشغف، لذلك الزمن.
وربما، رغم ما في الأمر من خجل وسخافة، لم تستطع نسيان تلك المشاعر في حياتها الثانية.
لم تكن تفتقد ألبرت، بل كانت ترفض الاعتراف بأن ذلك الزمن كان خاطئًا. كانت كبرياءً غبياً بلا فائدة.
حتى عندما انضمت للأمير الثاني لوسيو وسعت لجعله إمبراطورًا، لم تكن تفعل ذلك بدافع الحب له وحده.
كانت فقط… تريد أن تجثو ألبرت أمامها، وتسأله مباشرة:
‘هل كنتُ بلا قيمة إلا بسبب تلك القدرة؟ أما كنتُ أعني لك أي شيء… أنا كبشرية؟’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات