كانت قاعة الاستقبال في القصر الإمبراطوري تشبه ما تتذكره أريليتيا، ومع ذلك، كانت تختلف عنها في بعض النواحي.
كان الإمبراطور جالسًا على العرش. ظنت أن الإمبراطورة ستكون قد وصلت أولًا، ولم تتوقع أبدًا أن يكون الإمبراطور هو من ينتظرهم.
لم يكن جلين وحده من شعر بالارتباك، بل أريليتيا أيضًا، غير أن لوسو لم يُبدِ أي عجلة أو اضطراب.
انحنوا ثلاث مرات، مرة عند المدخل، ثم في منتصف السجادة، وأخيرًا أمام الدرجات المؤدية إلى العرش.
بعد تلك الانحناءات الثلاث، تكتمل آداب المثول أمام حاكم الإمبراطورية.
“نُحيّي شمس بيرتيل. ليكن حُمى الغابة والبرج مع هذه الأرض إلى الأبد.”
“لقد مرّ وقت طويل، ماركيز. أليس لقائي بك هو الأول منذ عشرة أعوام؟”
“لقد انقضت السنون سريعًا، جلالتك.”
“أنت لم تتغيّر البتة. أما أنا، فقد شخت كثيرًا.”
“لا يبدو عليك ذلك أبدًا، جلالتك.”
أجاب روسو بجمود. حتى أمام الإمبراطور، لم تتغير طبيعته الصارمة.
ضحك الإمبراطور ضحكة خفيفة.
“ما زلت مملًا كما عهدتك. لكن ربما لهذا السبب أنت أكثر إثارة للاهتمام؟”
رفعت أريليتيا رأسها قليلًا.
رغم أن ملامحه تطابق ملامح الأميرة مونيكا، إلا أن الإمبراطور لم يشع منه ذلك الشعور اللين الذي كانت تبثّه هي.
انطباعه أشبه بقاضٍ بارد لا يرحم.
ولكن، كانت هناك لمحة من العبث عند زاويتي عينيه وفمه، كطفل يجهل قسوة العالم. رجل لا يمكن اختصاره في وصفٍ واحد.
تجعد جبين أريليتيا قليلًا.
‘لدي شعور سيئ.’
‘ربما، الجبل الحقيقي الذي على لاسيان تجاوزه ليس أحد الأخوين الآخرين…’
وقبل أن تُتمّ فكرتها، خاطب الإمبراطور جلين.
“وهل مرت ثلاث سنوات على لقائنا، يا لورد؟”
“هل كنت بخير في تلك الأثناء، جلالتك؟”
“كيف تجد الحياة في هيزيت؟ أخشى أن تكون ضيقة وصغيرة عليك.”
“بفضل نعمة جلالتك، أعيش دون أي مشاكل.”
غير أن الحوار بدا غير سلس.
لكن على ما يبدو، وحدها أريليتيا من لاحظت ذلك، أما روسو وجلين فقد تحدثا بثبات دون إظهار أي حرج.
‘سؤاله عن الحياة في هيزيت يوحي أن جلين لم يكن يعيش هناك من قبل، أليس كذلك؟’
والآن وقد فكرت في الأمر، تذكّرت لحظات عدة أوحت بأن جلين ليس الابن البيولوجي لروسو. ويبدو أن الإمبراطور كان يعرف هذا أيضًا.
‘إذًا، من يكون جلين في الحقيقة؟’
عندما أعادت التفكير، وجدت أنها لا تعرف شيئًا عن جلين، الذي لم يكن وريث هيزيت.
‘سأحرص على سؤاله لاحقًا.’
“ولكن، من تكون هذه الطفلة؟ لا أذكر أنني استدعيت أحدًا من خارج أسرة هيزيت.”
انتقل نظر الإمبراطور إلى أريليتيا.
كانت مختبئة خلف الشاب، حتى إنها لم تلفت الانتباه في البداية، لكن خيطًا ورديًا يتحرك كأنّه خيط من الصوف أثار فضول الإمبراطور، ليتبيّن أنها طفلة صغيرة كانت تختبئ.
كانت تحمل حقيبة صفراء تكاد توازي حجم جسدها، ومن أعلاها برزت أذنا أرنب لم تدخل الحقيبة بالكامل.
“آه، هذه الطفلة…”
تردّد جلين، غير قادر على تقديم أريليتيا إلى العلن.
العيون في القصر كثيرة، وكان مجيء الحكيمة إلى متناول يد الإمبراطورة بحد ذاته مقلقًا، فما بالك بإظهارها أمام الإمبراطور ذاته؟
لحسن الحظ، صاح أحد الخدم من خارج القاعة مجددًا:
“الإمبراطورة وجلالة الأمير الأول قد وصلا، يا جلالة الإمبراطور!”
“فليدخلا. نؤجل هذه المحادثة إلى ما بعد.”
فُتحت الستائر المخملية على مصراعيها.
بدأ قلب أريليتيا ينبض بشدّة.
دخلت إمبراطورة بيرتيل والأمير الأول إلى قاعة الاستقبال. كانا يشبهان بعضهما بعضًا، ومع ذلك يختلفان.
كانت الإمبراطورة طويلة القامة، وقد رفعت شعرها الكستنائي الداكن بطريقة تعزز من كثافته.
رغم قسوتها الخفية، كان مظهرها الخارجي هادئًا وودودًا للغاية. طلتها العذبة أضيفت إليها لمسة من الفخامة.
بجانبها كان يقف فتى طويل القامة.
هيكله العظمي رفيع ومرن، وملامحه مرتبة ونقية، معظمها يبدو موروثًا من جهة والدته، ما عدا عينيه الحمراوين، اللتين ورثهما من الإمبراطور بلا شك.
ألقى ألبرت، الذي كان يتفحّص أسرة هيزيت بلا اهتمام، نظرة ليرى فتاة قصيرة تمسك بيد ماركيز هيزيت. بدا أنها في الثامنة من عمرها، وكانت تحدّق فيه دون أن ترمش.
ما شدّ الأنظار بشدّة هو شعرها الوردي الفاقع، النادر الظهور.
وفوق ذلك…
‘…عيون فيروزية؟’
ردة فعل لوريلين كانت أقوى من ابنها، فحين رأت الفتاة كادت أن تعض لسانها من الصدمة.
شعر وردي غامق، وعيون فيروزية؟ لم تر هذه الطفلة من قبل، لكن شكلها مألوف على نحو غريب.
“نُحيّي جلالة الإمبراطور… مضى وقت طويل، ماركيز.”
“نُحيّي أم الأمة. ليغمر حُمى الغابة والبرج جلالتك.”
انحنت الطفلة مع الماركيز، لكن انحناءها كان مائلًا بعض الشيء.
رغم صغر سنها، لم تُظهر أي تردد في حضرة سادة الإمبراطورية.
بل لم تطرف عينًا واحدة، وبدت قوة حضورها الجذابة جليّة على وجهها اللطيف.
‘مستحيل… لا، ليس مستحيلًا.’
أدركت لوريلين في لحظة من هي الجهة الحقيقية التي جرّتها وألبرت إلى هذا الموقف.
‘حكيمة الغابة البيضاء!’
شعرت وكأن عينيها انفتحتا فجأة.
الحكيمة التي عجزت الإمبراطورية عن العثور عليها طوال سنوات عديدة، رغم التفتيش الدقيق.
أمامها الآن السلاح الأشد فتكًا، الذي قد يمنحها ليس فقط العرش، بل السيادة على القارة بأسرها.
لم تستطع لوريلين كبح ابتسامة مفاجئة زحفت على وجهها.
‘ها، الآن بدأت الأمور تزداد إثارة.’
رمقها ألبرت بطرف عينه. فأومأت لوريلين له إيماءة خفيفة.
نادرًا ما تفتح الحياة بابًا بعد أن تغلق أبوابًا، لكن هذا اللقاء الثلاثي الغريب تحوّل إلى فرصة للفوز بالحكيمة.
دخل من خلفهم قائد فيلق قبيلة كانكورا، سامرخان، مع جنوده.
وأخيرًا، دخل الخادم وهو يدفع عربة ذات عجلات، عليها قطع جرة ملفوفة بعناية في قماش حريري.
“ها قد حضر الجميع.”
طرق الإمبراطور ذراع عرشه بأصبعه السبابة.
“فلنبدأ الحوار إذًا.”
* * *
البداية تكون بعرض الدليل الوحيد المتوفّر في هذه القضية. صكّ التنازل عن ملكية ‘جرة الملذّات’.
“الختم الموجود على هذا الصك ليس ختم بارونية إيڤيليك، يا جلالة الإمبراطور.”
صفعت الإمبراطورة الورقة الموضوعة على الصينية بمروحتها.
فردّ جلين فورًا:
“بالطبع، فبارون إيڤيليك لم يحضر لشراء الجرة بنفسه.”
“لا وقت لدي لألاعيب الكلام، يا لورد.”
قاطعت الإمبراطورة جلين بنبرة عصبية.
“إن لم يكن الختم ختم عائلتي، فذلك الدليل الوحيد الذي بين أيديكم لا قيمة له.”
“ذلك…”
“بل العكس، هذا الصك يُثبت أن عائلة هيزيت حصلت على ‘جرة الملذّات’ من السوق الذهبية. فالختم الموضوع بجانب اسم المتنازل هو ختم هيزيت بلا شك. أي أن ‘جرة الملذّات’ كانت بوضوح ملكًا لهيزيت حتى لحظة اكتشافها في جناحي.”
“…”
“ولم يقترب أحد من خدم جناحي من تلك الجرة، إذًا من الطبيعي أن يكون الجاني الذي وضع الجرة المكسورة في جناحي هو صاحبها السابق، أي عائلة هيزيت. أو بالأحرى، ليس أنتم، بل من تخدمونه. فكنوز البحار الشرقية تعود ملكيتها للأسرة الإمبراطورية، وأنتم قدمتم هذه الجرة بالتأكيد إلى الأمير الثالث.”
أشارت لوريلين بمروحتها إلى الماركيز.
“وفي النهاية، كل هذا يقود إلى استنتاج أن الأمير الثالث هو من حرّض على الأمر.”
“…”
“فلا تظنوا خلاف ذلك. ما يجب عليكم إثباته هنا ليس براءتكم، بل كيف تمكنتم من التسلل إلى جناح الإمبراطورة.”
كانت نظراتها الحادة ونُطقها الواضح، ومنطقها القوي… لا تشوبهم شائبة.
حتى أنها تجنّبت إثارة موضوع تحالف قبيلة كانكورا، وألقت بالمسؤولية على الطرف الآخر بسلاسة مذهلة.
لكن أريليتيا لاحظت شيئًا في نبرة كلام الإمبراطورة وإيماءاتها.
‘هي ليست من النوع الذي يتحدث بهذه السرعة عادة.’
بدت متوترة على نحو غريب. لا لأن الوضع خطر، بل كأنها على موعد لاحق أكثر أهمية.
من الواضح أنها تريد إنهاء هذا النقاش العقيم بأسرع ما يمكن والدخول في الموضوع الرئيسي.
ولاحظت أريليتيا أن نظرات لوريلين تتكرر إلى حيث كانت مختبئة خلف جلين.
وفي تلك اللحظة، خطر في بال روسو وجلين نفس الشعور.
‘لقد تعرّفت عليها.’
‘لقد تعرّفت على أريليتيا. لو أمسكتها مباشرة الآن، ستكون كارثة!’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات