انتشرت الحادثة التي وقعت في قصر الإمبراطورة إلى طبقة النبلاء العليا في اليوم التالي مباشرة.
فرغم أن الإمبراطورة لوريلين تمسك بزمام الأمور في القصر الإمبراطوري وتفرض سيطرتها على جميع العاملين فيه ووزراء الشؤون الداخلية، فإن غالبية النبلاء ينتمون إلى فصيل الأمير الثاني بقيادة دوق باميروس.
ومهما حاولت الإمبراطورة ضبط آذان وأعين القصر، فإن مجرد وجود الأمير الثاني لوسيو داخل القصر يجعل تسرب الأحاديث إلى النبلاء أمراً لا مفر منه.
وكما هو الحال دائماً، انطلقت الشائعات من قصر دوق باميروس، حيث يجتمع نبلاء قمة هرم بيرتل.
باميروس، أورلانت، كليف، وبلاريس.
أعمدة الطبقة العليا في بيرتل اجتمعوا يتبادلون الأحاديث:
“يقال إن جلالة الإمبراطورة تواطأت مع قبيلة كانكورا. لقد باعت معلومات سرية خطيرة، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ لكن ما سمعته أنا هو أنها استفزت قبيلة كانكورا وأوشكت على تدمير التحالف معهم. فأي الروايتين صحيحة، يا صاحب السمو؟”
ابتسم دوق باميروس ابتسامة غامضة وهو يرفع فنجان الشاي إلى شفتيه.
“على ما يبدو، تم العثور على شيء لا ينبغي أن يوجد في قصر الإمبراطورة. أياً كانت الحقيقة، يبدو أن جلالتها أحدثت فضيحة مع قبيلة كانكورا.”
“أرأيت؟ لقد كان خطأ منذ البداية أن تُرفع امرأة بلا أصل إلى مقام الإمبراطورة!”
قالها مركيز أورلانت بغضبٍ شديد.
كان والد الإمبراطورة الراحلة، وجد الأمير الثاني لوسيو من جهة الأم، ويحمل ضغينة كبيرة تجاه لوريلين التي انتزعت مكان ابنته المتوفاة.
أشار إليه دوق باميروس مهدئاً إياه، ثم تابع قائلاً:
“ويُقال أيضاً، أن ‘ذلك هيزيت’ قد استُدعي سراً إلى القصر الإمبراطوري.”
“ماذا قلت؟ إذًا ماركيز هيزيت دخل القصر بنفسه؟ ذلك الكسول الثقيل؟”
“يبدو أن هناك نزاعاً بينه وبين الإمبراطورة بشأن كنز قبيلة كانكورا.”
“وهذا يعني أن أحدهما، إما هيزيت أو الإمبراطورة، يكذب قطعاً؟”
“تماماً. أحدهما سيسقط في هذا النزاع لا محالة، وذلك لا يضرّنا بشيء.”
وفي يومٍ واحد فقط، غزت الشائعات أرجاء المجتمع الأرستقراطي بأكمله.
“يا لهذا الحدث المثير! أتساءل كيف ستكون نهايته! من يا ترى سينحاز إليه جلالة الإمبراطور؟”
“وإن كانت الإمبراطورة ستُسحق أمام الهيزايت، فذلك سيكون مشهداً ممتعاً أيضاً، أليس كذلك؟”
“سمعت أن ابن الماركيز هيزيت وسيم جداً! تراه سيأتي معه؟”
“كم أودّ رؤية تلك المواجهة بعيني… لكن، دوق باميروس سيوافينا بالأخبار، أليس كذلك؟”
وهكذا مرّ يومان غارقان في لغط الشائعات، وها قد أتى يوم المواجهة المنتظَرة.
* * *
في ظهيرة ذلك اليوم، كانت لوريلين تمشي ذهاباً وإياباً في قلق شديد.
‘قريباً سيهجم رجال هيزيت. لا بد أن أضع خطة مضادة.’
كانت قد رصدت بعض ثغراتهم، لكنها لم تشعر بالاطمئنان التام.
فهي محاصَرة داخل قصر الإمبراطورة، لا يمكنها مقابلة أخيها ولا حتى عملاء بوابة بايل السريين.
شعرت وكأنها على وشك أن تنتزع شعرها من رأسها.
كم من السنوات مضت، وخططها لا تسير كما تشتهي!
لكي تُحكم قبضتها وتكبح جماح دوق فِمبروس، جعلت وزراء الشؤون الداخلية كلهم إلى صفها. ورغم أنها لم تجد بعد “الحكيم” و”الهرطوقي من برج السحر”، فقد أصبحت صاحبة السلطة الفعلية في القصر، ومنعت النبلاء من الهيمنة المطلقة.
وهكذا، كانت تحقق نجاحات ملحوظة في وجه الأمير الثاني.
ولكن لماذا، لماذا وحدها الأمور المتعلقة بالأمير الثالث وهيزايت تتعثر بهذا الشكل المتكرر؟
قائد فرقة الأسد الأسود، ليون بودافِتي، لم يعد بعد.
وحتى قتلة بوابة بايل، ماتوا متجمدين قبل أن يتسللوا إلى أراضي هيزيت.
ثم فجأة، تُوجَّه إليها كراهية قبيلة كانكورا.
‘وكأن قوة غامضة تردّ كل سهامي وتمنعها من إصابة هدفها.’
ما سرّ تلك الأراضي التافهة، ولماذا تواجه كل هذا التعقيد بسببها؟
‘انتظري… ماذا لو أن إرسال قائد كانكورا إلى العاصمة كان أيضاً من تخطيط هيزيت؟’
شعرت لوريلين بقشعريرة تسري في جسدها.
تنينة الجبل الجليدي، نخبة أساتذة الأكاديمية، الأميرة مونيكا من ريتشنبارتن عبر البحار، وحتى قبيلة كانكورا… كلهم إلى جانب هيزيت؟
لو كان ذلك صحيحاً، فلم يعُد الأمر مجرد بادرة خطر أو بذرة فوضى.
بينما هي مترددة في خطواتها، كان هيزيت قد أرسى جذوراً قوية في أرضه القاحلة.
وباتت تلك الجذور تمتدّ إلى أعماق لا يمكن تصورها.
ومع ذلك، كان في الأمر شيء غريب، شيء يناقض المنطق.
ثلاث سنوات.
هل يعقل أن يتغير الحال بهذا الشكل الجذري خلال ثلاث سنوات فقط؟
وبالاعتماد على النفس فحسب؟
لوريلين كانت لتراهن على معصمها بأنها لا تصدّق ذلك.
‘هؤلاء لم يظهروا في الساحة السياسية منذ أجيال. لا يمكن أن يكون هذا النجاح ثمرة جهودهم وحدهم.’
لا بد أن وراء هيزيت داعماً، ربما حتى أذكى وأكثر دهاءً من دوق باميروس نفسه. مخطّط شديد الحذر والدقة.
‘هذا النوع من الأشخاص… كم أودّ أن أستميله إلى جانبي. فقط لو أستطيع سحبه إلى هنا…’
دقّ الباب فجأة.
أحد الحراس الملكيين الجدد المكلَّفين بحماية قصر الإمبراطورة انحنى باحترام ليعلن قدوم عائلة هيزيت.
“جلالتك، لقد وصل دوق هيزايت الحدودي وأفراد أسرته. يُرجى التوجّه فوراً إلى قاعة المثول.”
“…مفهوم. سأتوجّه الآن.”
نهضت لوريلين من مكانها.
وكان ألبرت، الذي بدا غارقاً في أفكار لا تقل عمقاً عن والدته، قد نهض بوجه متجهم.
“سأذهب أيضاً، يا أمي. لا بد لي أن أفهم مجريات الأمور. فأنا الأمير بعد كل شيء.”
“…حسناً، ألبرت. لنذهب معاً، أنا وأنت.”
وهكذا دخلا معاً قاعة المثول.
وهناك، وسط رجال هيزيت ، لمح الاثنان وجهاً لم يكن بالإمكان تصديقه.
* * *
كانت المرة الأولى منذ زمنٍ طويل التي تطأ فيها أريليتيا أرض قصر ديلفور الإمبراطوري.
“هيّا، أمسكي يدي، أريليتيا. لو ضللتِ طريقك في القصر فستكون مصيبة.”
أمسك جلين بيد أريليتيا. بدا متوتراً أكثر مما يفترض فيمن يقول هذا الكلام.
“أنا لا أضيع.”
“لكن لا أحد يعلم ما قد يحدث.”
ولم تُعلّق أريليتيا، بل سارعت الخطى وهي تمسك يده بهدوء.
كانت عائلة هيزايت، بقيادة الماركيز روسو، تتجه نحو القصر الرئيسي بإرشاد من كبير الخدم.
‘مرت ثلاث سنوات على العودة، وقبلها كنت أعيش في قصر فِمبروس قبل أن أطرد… إذًا، أعود إلى القصر بعد عشر سنوات تقريباً؟’
رغم أن السنوات التي قضتها بعيداً كانت طويلة، فإن الذكريات التي رافقتها في هذا المكان كانت أعمق بكثير. تستطيع أن تتخيّل زوايا القصر وعناصره حتى وهي مغمضة العينين.
قصر الإمبراطور، الذي لُقّب بقصر الذهب، كان يتوهج تحت أشعة الشمس وكأنه شمسٌ بحد ذاته.
في حياتها الأولى، كانت تقطن في قصر الإمبراطورة وقصر ولي العهد.
وفي حياتها الثانية، كانت تنتقل بين قصر الأمير الثاني وقصر دوق باميروس. لم تملك يوماً مكانة رسمية تُفاخر بها، بل كانت دوماً ضيفة عابرة.
زارت القصر الرئيسي مرةً واحدة فقط.
‘يوم تتويج ألبرت.’
كان يوماً لا يمكن أن يُنسى بالنسبة لأريليتيا.
في حياتها الأولى، اليوم الذي نصّبت فيه بيديها السيد الذي ربّته بنفسها على العرش.
دقّات، دقّات… دقّات.
قلبها كان يهوي للأسفل في كل خفقة.
دقّات، دقّات…
جفّ حلقها، وكان في صدرها شيء يتدفّق كالسيل ولا يُكبح.
رغم مرور كل هذا الوقت، لم تستطع نسيان ذلك اليوم.
كل سعادة وفرح وابتهاج شعرت به في حياتها اختُصر في تلك اللحظة.
‘لا، كفى. لا تفكّري بالأمر.’
فركت عينيها لتطرد الذكرى من رأسها.
طمست وجه ألبرت التاجيّ الذي يحمل الصولجان من ذاكرتها، وزرعت ملامح لاسيان في مكانه.
في مخيلتها، كان الإمبراطور العتيد مزيجاً عجيباً من جسد ألبرت الطويل ووجه الصبي لاسيان.
ومع ذلك، كان المشهد أجمل بكثير.
أجمل بدرجات لا تُحصى، إلى حدّ لا يمكن مقارنته.
رغم بدائية الخيال، فإن العينين الحمراوين المشعتين كانتا بحق عيني إمبراطور.
حينها فقط، استطاعت أن تتنفس.
شدّت أريليتيا يد جلين بقوة.
‘هذا هو مستقبلي. لا بد أن أرى هذا المشهد بعيني قبل أن أموت.’
وبينما هي تغرق في أحلامها، أضاء حجر الاتصال المعلَّق حول عنقها للحظة خاطفة.
وفي تلك اللحظة، كانت قاعة المثول قد أصبحت على بُعد خطوات.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات