✦ ✦
مضت عشر ثوانٍ.
لكن، وعلى عكس التوقعات… لم يظهر شيء.
ومن بعيد، جاء صوت ينادي: “يا آنسة الصغيرة! لقد اختبأنا جميعًا!”
‘لكن… كان من المفترض أن يكون هنا!’
لقد قرأت ذلك في الكتاب!
‘لو جاءت الخادمات الآن… ستكون كارثة!’
بدأ القلق ينهش قلبها الصغير، وسرعان ما صار خفقانه يتردّد كطبولٍ في أذنيها.
وفي تلك اللحظة، لمعت فكرة كالبرق في ذهن آيري…
‘التعويذة السحرية!’
فلا يمكن استدعاء الصديق الموعود دون تعويذة!
تذكّرت آيري إحدى التعاويذ من الأنمي الذي تحبّه، وبدأت تهمس بها بتركيز: “يا مفتاح الظلام… امنحني القوة؟”
لكن… لم يُفلح الأمر.
أغلقت قبضتيها الصغيرة بقوة، وراحت تغوص في تفكيرٍ عميق.
ذكريات أحلامها — أو ماضيها المجهول كـ ‘إيرين’ — ما زالت حاضرة بوضوح مخيف.
وفجأة، وقع ما لم يكن بالحسبان.
“يا آنسة! ألن تأتِ للبحث عنا؟ لقد اختبأنا!”
“أيتها الصغيرة الدائرية! هل اصطدمتِ بجذع الشجرة وجرحتِ نفسك؟!”
لا وقت للتردّد!
خادمات الشمال نفد صبرهنّ، ويبدو أنهنّ على وشك العودة.
البطلة الصغيرة في مأزق حقيقي.
وفي لحظةٍ كأنها نُزعت من إحدى معجزات القصص…
استحضرت آيري — من بين كل التعاويذ التي سمعتها في حياتها — مزيجًا غريبًا من تعاويذ أنمي وسحر وقصص خيالية: “بيبيدي بابيدي بو! موون بريزم باور! أفادا كيدافرا!”
جمعت كفّيها كمن يُصلّي، وهمست نحو عقدة الشجرة: ‘أرجوك… أخرج الآن!’
دون، دوندون…
في ذهنها، بلغ لحن “ريجنت، فارس العدالة” ذروته الكبرى.
ثم، فجأة…
طقطق، طق طق طق.
كأن الزمن نفسه توقّف.
لم يتبقَّ في هذا العالم سوى آيري… والشجرة.
وفجأة، بدأت غلالةٌ من الضباب الكثيف تتراقص حول الجذع، كأنها روح تستيقظ من نومٍ أبدي.
فتحت آيري عينيها على وسعهما، تحدّق في المجهول.
[أعظم كائن استدعاء في عائلة أورتيزو، خُتم جنبًا إلى جنب مع روح شجرة البلوط. لقد اشتاق طويلًا لاكتساب جسد، من خلال عقد مع بشري.]
‘إنه يحاول أن يتجسّد… ليعود للحياة!’
[كائنات الاستدعاء التابعة لعائلة أورتيزو، هي رفاق قادرون على تحويل مستدعيهم إلى أقوى كائنات هذا العالم.]
الغريب أنها تذكّرت تلك العبارات بحذافيرها.
وفي تلك اللحظة… بدأ الضباب يتكاثف أكثر.
هل اقتربت اللحظة؟
هل سيظهر أخيرًا؟ الكائن الأسطوري؟!
قبضت آيري على يديها، وصرخت في حماسة: “أخيرًا… لقد تحرّرت من الختم! كهاهاها!”
من داخل الضباب، انبعث صوت بدا كشرير أسطوري مخيف: “هيهيههيي… أخيرًا!”
ثم بدأت كتلة الضباب تتمايل حول الشجرة في مشهد غامض.
حدّقت آيري بشغفٍ ممزوج بالخوف، قلبها يخفق بشدّة.
‘قالوا إنه وحش رهيب… هل له قرون؟ هل هو عملاق؟’
إن كان كذلك… فلا بد أن أبدأ بحركة التايكواندو الحاسمة!
لكن الانتظار طال، والضباب لم يتحرّك.
بدأ الجوع يتسلّل إلى معدتها الصغيرة.
‘آه… أريد كعكة الزنجبيل التي أعطتني إياها جدتي!’
فقط التفكير بالكعك جعل فمها يفيض باللعاب.
‘لو كنت أعلم أن الاستدعاء سيأخذ هذا الوقت، لأحضرت الكعك وانتظرت وأنا أتناوله!’
‘لكن… يجب أن أتحمّل! لستُ طفلة عادية… أنا آيري، ذات التسعة أعوام، العائدة من ماضٍ غامض!’
ومع هذا الإصرار… واصلت انتظارها بصبرٍ بطولي.
وبعد لحظاتٍ قليلة…
كما لو أن إيمانها الصادق قد أذاب الغيوم — بدأ الضباب يتبدّد.
وما إن انقشع حتى…
“هـ… هاه…”
ظهر الكائن أخيرًا من خلف الضباب الكثيف.
رأس مستدير، يدان مستديرتان، جسد مستدير، وساقان مستديرتان!
كان يشبه كعكة زنجبيل صغيرة بحجم راحة اليد.
عينان من الشوكولا، وفمٌ أبيض مرسوم بعناية.
‘لقد ظهر… الكائن المستدعى!’
ابتسمت آيري بسعادة غامرة.
“مرحبًا!”
“هيهي… أيتها البطلة التي ستنقذ العالم معي..!”
“سعيدة بلقائك!”
الكائن، الذي كان يمدّ يديه نحوها بمهابة شريرة، تجمّدت ملامحه في دهشة.
“هيهي، سُررت بلقائكِ… لا، لحظة. ما الذي يحدث؟ لماذا ذراعاي قصيرة هكذا؟!”
“لا أعلم!”
مالت آيري برأسها في براءة، بينما فرك الكائن عيناه المصنوعتين من الشوكولا.
ثم فجأة، انفجر غاضبًا:
“أنتِ من جعلتيني أبدو ككعكة!”
“أنا؟ لم أفعل شيئًا، أقسم بذلك!”
ارتبكت آيري، بينما ضرب الكائن الأرض بقدمه.
حاول أن يبدو مهيبًا، لكن حركته الصغيرة كانت مضحكة جدًا.
“كائنات الاستدعاء تتجسّد بالشكل الذي يتمنّاه مستدعيها!”
“هاه؟”
‘كلمات صعبة… لم أفهم شيئًا’
“يعني أنكِ أردتِ مني أن أبدو ككعكة!”
ـ “حسنًا…”
في تلك اللحظة، كانت آيري جائعة جوعًا لا يُحتمل، وكل ما تتمناه في الدنيا قطعة من كعكة الزنجبيل التي صنعتها جدّتها بأناملها المحبة.
ذلك فقط، لا أكثر.
وما إن شرحت الأمر، حتى بدأت عينا الكائن — المصنوعتان من رقائق الشوكولا — بالارتعاش بعنف، وكأنهما لا تصدقان ما تسمعان.
“أيعقل… أن هذا الجسد الجليل، هذا الكيان المجيد، تحوّل إلى مجرد كعكة هشة بسبب لحظة جوعٍ بشريّة؟!”
نظرت آيري إلى جسده المستدير، وهي تهمس بدهشة خافتة:
“واو… لماذا كعكة؟”
ركل الكائن الأرض بأقدامه المستديرة، وصرخ بعنفوان:
“لقد تم استدعائي ذات مرّة من قِبل مؤسس عائلة أورتيزو العظيمة! حينها كنتُ تنينًا مهيبًا، أقوى من أن يُروَّض!”
“واااه! مذهل للغاية!”
“نعم! كنت رمزًا للقوة والعظمة! ثم استدعاني بطل أسطوري في التسعين من عمره، سيد السيف الذي هزم آلاف الأعداء! عندها تجسّدت كطائر الفينيق الخالد، الذي تهتف له الجماهير!”
“واااه! طائر فينيق؟! هذا أروع ما سمعت!”
“ولكن… ولكن…!”
“ولكن ماذا؟”
انخفض صوته فجأة، وسقط على الأرض كأنه فقد روحه:
“انظري إلى هذه الذراع البنية المقرمشة!”
“مشوية بإتقان!”
“وهاتان العينان المصنوعتان من الشوكولا! بالكاد أستطيع الرؤية!”
“أوه، كم تبدو لطيفًا!”
“و… وهذه الرأس الصلعاء!”
“…”
أطلق الكائن تنهيدة طويلة، جلس على الأرض، ثم تمتم وكأنه فقد الأمل:
“هذا الجسد الجليل… أضحى مجرد كعكة بحجم كفّ اليد، لا تُثير إلا الشفقة!”
اقتربت آيري منه بحذر، واحتضنته براحة يدها الصغيرة، كما لو كان كنزًا هشًا.
لقد بدا أشبه بكعكة ذائبة غُمرت في الحليب الدافئ.
لكن بالنسبة لآيري… كان أغلى أصدقائها.
قالت ببراءة وإخلاص:
“لا بأس على الإطلاق! الكعك لذيذ جدًا! مقرمش، وإن أُضيف إليه الشوكولا صار حلوًا، وإن رُشّ عليه الملح صار مالحًا ومميزًا!”
وحين لم يرد، تابعت بابتسامة عريضة:
“حلو ومالح في آنٍ معًا!”
تنهّد الكائن — أو بالأحرى “كعكة الحلو والمالح” — وأرخى كتفيه باستسلام.
ثم، وقد شعر أن لا جدوى من الجدال، غيّر الحديث:
“إذًا… لماذا استدعيتني؟”
فأجابت بثقة لا تليق إلا بالأبطال:
“لأننا سننقذ العالم… معًا!”
هبّت نسمة عابرة على الأرض الجافة.
“أ… أنتِ؟ ستنقذين العالم؟”
“أجل!”
“وما هي قدراتكِ الخارقة يا فتاة؟”
رفعت آيري قبضتها الصغيرة في الهواء بكل فخر:
“أجيد الحركات القتالية! وأعرف كيف أقاتل!”
“…؟”
“أنا قوية جدًا!”
لوّحت بقبضتها في الهواء، فتنهد الكائن تنهيدة مثقلة بالتاريخ:
“لقد كنت دومًا الرفيق الأعظم لأبطال هذا العالم… كيف آل بي المطاف إلى مربّية أطفال؟!”
لكن لا مفر من الواقع.
مدّ الكائن يده البنية المستديرة نحو آيري:
“على أية حال، بما أنكِ من استدعاني… فقد تمّ العقد بيننا.”
وما إن لامست إصبعها الأبيض الصغير كفّه البنية المستديرة، حتى انبثق بينهما وميضٌ أبيض ناعم، كأن نجمًا صغيرًا انفجر بصمت.
قال الكائن بصوت مهيب:
“سنسير معًا في رحلةٍ عظيمة… لإنقاذ هذا العالم.”
قبضت آيري على يده بشجاعة، ثم خطت خطوتها الأولى.
وبذلك، اكتمل العقد بين فتاة صغيرة وكعكة.
خطوة قد تبدو تافهة… لكنها كانت، بلا شك، أول خطوة نحو خلاص هذا العالم.
✦ ✦ ✦
بعد لحظات من تمثيل لعبة الغميضة مع الخادمات، عادت آيري إلى غرفتها برفقة الكائن.
“…”
“…”
ذلك الحماس الجليل الذي اشتعل في قلبيهما منذ قليل… تبخّر، ولم يتبقَّ سوى صمت ثقيل.
ولم يكن ذلك غريبًا، فقد قالت آيري:
“أعني… لا أعلم كيف أستخدم قوتي!”
تجمّدت عينا الكائن في مكانهما:
“ماااذا؟!”
“لقد قيل إنني أداة تطهير، منقذة هذا العالم… لكن لا أعرف كيف أعمل!”
حدّق الكائن فيها نظرة مشكّكة، ثم تمتم بنبرة تحليلية:
“هممم… دعيني أتحقّق من خصائصكِ وقدراتكِ.”
اتّسعت عينا آيري ببريق مبتهج:
“واو! يمكنك فعل ذلك؟!”
“بالطبع. مهارتي الأعظم هي: مساعدة المستدعي على أن يُصبح الأقوى.”
أغمض الكائن عيناه المصنوعتان من الشوكولا، ثم فتحهما ببطء.
وفي اللحظة التالية، بدأت حبيبات صغيرة من آيس كريم تتجمّع على جبينه، كأنما دخل في حالة تركيزٍ قصوى.
راقبته آيري بلهفة، قبضتاها مضمومتان بترقّب.
وأخيرًا…
فُتح فمه استعدادًا لإعلان النتيجة العظمى…
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"