✧༺༻✧ الفصل الرابع ✧༺༻✧
✦ ✦ ✦
نعم…
لقد كانت فاجعة بكل المقاييس.
ففي اليوم الأول فقط من وصولها إلى الشمال، انكشفت أمام أعين آيري حقيقة صاعقة، هزّت كيانها كعاصفة تضرب قلاع الحلم.
في ذلك اليوم، وبين أروقة القلعة الغارقة في السكون، أبصرت آيري ضبابًا داكنًا ينساب حول خادمة ذات وجه مشرق وابتسامة ناعمة…
‘ذلك الكيان… إنه الشيطان! لا، بل المانا السوداء الملعونة!’
وما إن استشعرت الخطر، حتى اندفعت بقلب المحارب النقي، محاولة تطهيرها بقوة النور. لكنها…
“أنا آسفة، أيتها الخادمة النبيلة، لقد أمسكتُ بيدكِ دون إذن!”
“هـ… ها؟ لماذا تمسكين بيدي العضلية؟! في الشمال، إمساك اليد فجأة يعني نية القتل، أتعلمين؟!”
“لـ… لا! لا أقصد شيئًا كهذا! فقولي لي… هل تشعرين بشيءٍ حين تلمسين يدي؟!”
“… إنها ناعمة؟ رقيقة؟ دافئة؟ كأنها يدٌ لا تنتمي لهذا العالم البارد؟”
‘مستحيل…! الضباب لا يزال هناك، يدور ويتموّج! لم يتلاشَ!’
أليست هي “المطهِّرة المختارة”؟ ألم يُقال إن صعودها إلى الشمال سيُفعّل قواها المقدّسة؟
ولكن… حتى حين أمسكت بيد المصابة، لم يحدث شيء. لا شعاع، لا اهتزاز، لا تطهير.
بل وازدادت الحيرة… إذ لم يكن هذا الضباب مرئيًا سوى لقلّة قليلة.
وهنا… وقعت الصدمة التالية.
“متى يعود دوق أورتيزو، يا ترى؟”
“يُقال إنه لن يعود هذا الأسبوع… لكنه أوصى بأن نوفر لكِ الراحة التامة حتى يحين موعد رحيلكِ، يا آنسة آيري.”
كارثة جديدة.
‘إذًا… هل سأُطرد بعد ست ليالٍ؟ دون أن أرى الدوق؟ دون أن أُطهّر أحدًا؟!’
يا له من مصير مفجع!
‘وهكذا… سيسقط هذا العالم في هاوية الفناء؟!’
توهّجت نظرة آيري، وقبضت على يدها الصغيرة بكل ما تملكه من عزيمة.
‘لا! لا يمكن أن أظلّ مكتوفة اليدين!’
‘فكّري يا آيري… ماذا كان ليفعل “ريجنت”، بطل العدالة، في مثل هذا الموقف؟’
ذلك الأنمي الأسطوري، “ريجنت، فارس العدالة”، الذي كانت تتابعه بشغف حين كانت لا تزال تُدعى “آرين”، كان نبراسًا لها.
ولأنها تحفظ كلماته عن ظهر قلب، فقد سرعان ما لمعت الفكرة في ذهنها.
كانت هناك لحظة خالدة، حين واجه ريجنت أحد أعظم الأشرار وقال له:
“ريجنت… لقد هُزمتُ! كيف غلبتني؟!”
“لأني… لستُ مثلك.”
“ما الذي يجعلك مختلفًا؟! من تكون؟!”
“البطل الحقيقي… لا يُقاتل وحده، بل يسير كتفًا بكتف مع رفاقه.”
وحينها… ظهر خلفه خمسة من أصدقائه، يمشون في صفٍّ مهيب، وخلفهم شمس المغيب تلون السماء بألوان البطولة.
‘يا له من مشهدٍ خالد!’
[أصدقاؤنا الصغار، لا تنسوا: البطل الحقيقي لا يُقاتل بمفرده.]
‘نعم! لا يمكنني فعل كل شيء وحدي!’
البطل الحقّ، لا يسير وحيدًا في دروب المعركة، بل تحفّه الأرواح النبيلة، وتدعمه أيادٍ صادقة.
بملامح يعلوها العزم، استحضرت آيري الرؤيا التي رافقتها في أحلامها:
‘هنا… في أعماق هذا المكان، يرقد “الصديق” الذي سيجعلني أقوى…’
ذلك الكائن، الذي لم ينله أحدٌ من قبل… ذلك “الرفيق المصيريّ”.
لكن…
آيري — بكل براءتها وشجاعتها — لم تكن تعلم بعد…
أن هذا “الصديق” الذي ستوقظه قريبًا، ما هو إلا كيانٌ عظيم، رهيب، ومخيف إلى حد لا يُوصف.
✦ ✦ ✦
حلّ الليل أخيرًا، وألقى برده على أروقة القلعة الساكنة.
كان الكبار قد غطّوا في سباتٍ عميق، تغمرهم الأحلام أو يطويهم التعب.
أما آيري، تلك الصغيرة الشجاعة، فقد غادرت سريرها في هدوء، تحتضن بطنها الجائع بذراعين نحيلتين، ولكن بإرادة لا تُقهر.
‘ها هي أولى خطوات البطل العظيم تُخطّ فوق ثلوج المصير!’
وفي ذهنها، انطلقت الموسيقى الخلفية لأنميها المفضل “ريجنت، فارس العدالة” — ذلك اللحن المهيب الذي يعزف دومًا في اللحظات المصيرية…
دون! دوندون!
ومع دويّ ذلك الإيقاع، خطت آيري أولى خطواتها وكأنها تسير في موكب قَدر ملوّن بالبطولة.
لكن…
ما إن فتحت باب غرفتها، حتى اصطدمت بمشهد غير متوقع.
“أوه! الصغيرة الدائرية! أقصد… آنسة النبيلة!”
كانت خادمات الشمال — طويلات القامة، قويات البنية — يشكّلن جدارًا حيًّا في الممر أمامها.
“لدينا ما نود إبلاغكِ به، آنسة.”
‘أوه! هلّا تفضّلتن؟ هل ترغبن في اللعب بقوّتي الخارقة؟’
“أو ربما تشتهين وجبة ليلية؟ لدينا فطيرة سردين متخمّرة… تقوّي العضلات وتُرعب الأعداء.”
‘لا، شكرًا… لا أريدها مطلقًا. فطيرة سردين متخمّرة؟ أيّ كابوس هذا؟’
وقبل أن تستوعب ما يحدث، كانت خمس خادمات قد أحطن بها كالسياج، كما لو كانت كنزًا ثمينًا لا يُمسّ.
نظرت إليهنّ آيري — طوال القامة، مفتولات العضلات، يملأن المكان صلابة — وشعرت بشيء من التوتر.
‘لكن لا… لا مجال للارتباك! يجب أن أستدعي صديقي الوحش، مهما كان الثمن!’
ولحسن الحظ، كانت قد اكتشفت نقطة ضعفهنّ مبكرًا.
فجمعت كفّيها بأدبٍ شديد، ثم انحنت بلطافة وقالت بصوت نقي:
“أعتذر، لكن… هل لي أن أطلب منكنّ معروفًا؟”
“طـ… طلب؟ ليس أمرًا؟ هل قالت حقًا ‘من فضلكن’؟!”
“نعم، إنه طلب بكل تواضع!”
قهقهت آيري في سرّها بخبثٍ ناعم.
كانت تعرف أن خادمات الشمال، رغم هيبتهنّ وخشونتهنّ، طيبات القلب، وتربكهنّ اللباقة كثيرًا.
يبدين وكأنهنّ لم يُعامَلن بلطف من قبل — كما لو أنهنّ اعتدن على الأطفال الوقحين الذين لا يعرفون سوى الصراخ والركل!
وهذا، كان سلاح آيري السري.
قالت بثقة تعادل قوة ألف فارس:
“أرغب في تمشية قصيرة في الحديقة، أمام الغرفة.”
“فـ… في هذا الوقت المتأخر؟”
“أعلم أنكنّ مشغولات، وأعتذر إن سببت إزعاجًا… لكنني أرغب بذلك حقًا، بشدة.”
تجمّدت الخادمات في أماكنهنّ، وكأن كلمة “أعتذر” هبطت عليهنّ من كوكبٍ آخر.
ثم تمتمت آيري، برقة بالغة:
“هل… هل هذا غير مسموح؟”
عيناها اللامعتان، ونبرتها اللطيفة، وسؤالها الذي منحهنّ حق القرار…
كل ذلك أذاب قلوبهنّ دون مقاومة.
✦ ✦ ✦
‘تمامًا كما خططت، هيهيههيهي.’
ضحكت آيري في أعماقها، مستحضرة جملة شهيرة من “ريجنت، فارس العدالة”.
‘لا شكّ أن صديقي الوحش مختبئ في مكان لا يسهل العثور عليه!’
لكنها لم تكن فتاة عادية.
لقد أمضت سنوات طفولتها برفقة جدتها العاشقة للأزهار، تلعب بين النباتات وتهمس للأشجار.
وما إن وصلت إلى الحديقة…
حتى شهقت دهشة.
“مـ… ماذا؟! لا توجد سوى شجرة واحدة؟!”
“أجل، يا آنسة. إنها الوحيدة التي بقيت حيّة في الشمال… فكل الباقي التهمته المانا السوداء.”
يا للمفاجأة.
لقد وصلت إلى الشجرة مباشرة.
والآن، بقيت عقبة أخيرة…
أن تتخلص من الخادمات اللواتي يلاحقنها كظلّ لا يفارق.
‘لكن بما أنني بطلة عظيمة… فقد خطرت لي فكرة عبقرية!’
وقفت آيري أمام الشجرة، ورفعت صوتها وكأنها تعلن بيانًا ملكيًا:
“آه! خطر لي شيء! هل نلعب لعبة الغميضة؟”
“الغميضة؟ حقًا؟”
أومأت آيري بحماسٍ يُضاهي حرصها على تنفيذ خطتها.
لكن هل ستقبل الخادمات بلعب الغميضة مع طفلة في هذا الوقت؟
ومع ذلك، لم تجد في رأسها الصغير وسيلة أفضل لإبعادهنّ.
وفي تلك اللحظة — وبدون إنذار — ترقرقت الدموع في عيني إحدى الخادمات.
‘هـ… ها؟ لماذا البكاء الآن؟!’
“آه… لم يطلب منا أحد من قبل أن نلعب الغميضة… أنتِ أول من يفعلها، أيتها الصغيرة النبيلة.”
“عادةً ما يصرخ الأطفال ويشتموننا، ثم يفرضون علينا أن نكون ‘الطالبة’، رغماً عنّا…”
كلمة “الطالبة” هنا تُستخدم كترجمة لكلمة It أو tagger في لعبة الغميضة، أي الشخص الذي يبدأ بالعدّ ويحاول الإمساك باللاعبين الآخرين.
‘ما هذا الجحيم الذي تعيشه خادمات الشمال؟!’
لكن بفضل تلك المعاناة… حصلت آيري على ما أرادت.
“عظيم! إذًا سأكون أنا ‘الطالبة’! اختبئن جميعًا، وسأبدأ العدّ!”
وبينما بدأت في العد، كانت عيناها تتسللان إلى عقدة خشبية صغيرة قرب شجرة البلوط.
‘الآن فقط فهمت لماذا لم يكتشف أحد هذا المكان من قبل!’
استحضرت من ذاكرتها فقرة من كتابها السري “وحوش سهول الشمال الجليدية”:
‘لا يمكن استدعاء المخلوق الأسطوري، ولا إبرام العقد، ما لم تتناغم ذبذبات الأرواح بينه وبين المستدعي.’
ولم يكن هنالك من يمتلك هذه الذبذبات…
سوى آيري.
بطلة العالم المختارة.
نظرت حولها بسرعة — الجميع كان قد اختفى.
فاندفعت نحو العقدة، ومدّت يدها الصغيرة داخلها بخفةٍ تُخفي الحماسة واللهفة.
لا وقت للتردد!
لا بد من استدعاء صديقها المارد… قبل أن يعود أي أحد.
الكبار مخلوقات خطرة…
لديهم عيون في مؤخرة رؤوسهم، وقلوب تفضحك قبل أن تنطق.
قبضت آيري على يديها بقوة، واستعدّت للخطوة المصيرية.
اللحظة التي لا رجوع بعدها…
“أيها الكائن الجبار… مخلوق الاستدعاء العظيم… أو بالأحرى، المارد الأسطوري…”
قالتها بلسانها الصغير المتلعثم، تنطقها بكل ما أوتيت من عزم.
ثم اقتربت من العقدة، وهمست في خشوع:
“أنا… من نسل أورتيزو…”
‘ما كانت الجملة التالية؟’
تردّدت لحظة… ثم نادت:
“أرجوك… أظهر لي هيئتك التي رأيتُها في رؤياي… الآن، فورًا!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"