✧༺༻✧ الفصل الثالث ✧༺༻✧
⋆。°✩﹤❄️ القلعة البيضاء ❄️﹥✩°。⋆
رغم الحاجز الصلد الذي شكّلته الخادمات الشاهقات القامة، الممشوقات الجسد، المحصنات بالقوة والسحر، شقّت آيري طريقها بشجاعة لا تليق إلا بأبطال الأساطير، واقتحمت الغرفة الكبرى في قلعة أورتيزو المهيبة.
لكن — ويا للمفارقة المدوية — فبدلًا من أن ترتقي بسيفها لتخوض معركة خلاص العالم، كما وعدت ذات يوم بنظرة مشتعلة وأحلام عظيمة…
ها هي الآن محشورة منذ أكثر من عشر ساعات في زيّ غريب أشبه برغيف أبيض منتفخ، يُدعى “بدلة حجب المانا”، لا يُشبه إلا الخبز الطازج حين يُترك في سلة مقدسة.
“لفّوها بإحكام. لا نريد لذرة من المانا أن تتسلل إلى جسدها الضعيف.”
“……؟”
“ولا تنسَين الأدوات السحرية… على كل بوصة من جسدها، دون استثناء.”
في تلك اللحظة، لم يتبقَّ من آيري سوى عينين تتدحرجان كحبتين من اللؤلؤ في كومة ثلج، أما جسدها، فقد غدا كهيئة رجل ثلجي ضخم، مدوّر، ساكن، بلا حول ولا قوة.
أحاطت بها الخادمات بعضلاتهن المفتولة، تجهّزن لتهذيب شكلها، غير أنّ أيديهن، وإن امتلكت القوة، فقد كانت عاجزة عن الرقة، فكانت لمساتهن أشبه بعبث الأطفال بالطين.
واحدة منهن تمتمت، بعينين مضطربتين:
“إنها صغيرة… صغيرة للغاية…”
بينما الأخرى شهقت بقلق: “لا أعلم أين أضع يدي حتى!”
حينها فقط، تقدّمت قائدة الخادمات — السيدة الوحيدة التي استطاعت الحديث بلغة تُفهم — وانحنت على ركبة واحدة، وقد غمر صوتها أسى دفين:
“معذرة يا آنستي، فمناعتكِ ضعيفة للغاية… لم يكن بوسعنا إلا اللجوء لهذا. لو علمنا باكرًا، لجلبنا لكِ أدوات سحرية تليق بمقامكِ.”
صمتٌ… ثم شرارة.
نظرت آيري إليها بعينين مضطربتين كجناحي فراشة في مهبّ الريح.
‘أنا؟ ضعيفة؟! لقد اجتزتُ اختبار المركز الوطني للفنون القتالية!’
‘حتى المعلّم نفسه قال إنني الأبرز بين حملة الأحزمة في سن التاسعة!’
صرخت: “أنا… أنا قوية جدًا!”
لكن صرختها، التي وُلدت من أعماق الكبرياء الطفولي، اختفت كالدخان، لم تجد أذنًا واحدة تصغي.
وفي لمح البصر، لُفّ جسدها بالكامل بذلك الرداء الأبيض المستدير، حتى بدا ككعكة أرز محشوة بالسحر والمهانة.
أذرعها وساقاها تقيّدتا بإحكام، ولم يظهر من كيانها إلا وجه صغير يطلّ من فجوة الثوب كزهر اللوتس المحتبس في قلب الجليد.
وقفت إحدى الخادمات إلى جانبها، تحدق في المرآة، وفجأة — بلا سابق إنذار — نزعت جزءًا من ردائها، وصرخت وهي تضرب صدرها كالوحوش المقدسة في الغابات القديمة:
“تباً! ما هذه الروعة؟! إنها سموّ اللطافة المستديرة!!”
……؟
‘هل… هل تقصدني أنا؟’
أدارت آيري عينيها نحوها، ببطء شديد، كأنها تراقب مشهدًا من مسرحية عبثية.
الخادمة، وقد أخذتها الحماسة، صارت تضرب صدرها مثل غوريلا متحمّسة دون أن تدرك وقع كلماتها.
أدارت آيري نظرها نحو المرآة، تأملت وجهها وسط الثوب الأبيض.
‘أعرف هذا الشكل…’
كعكات الأرز التي كانت جدّتها تُعدّها في حياتها الماضية بكل حبّ وحرص.
نعم…
لقد تحوّلت إلى كعكة أرز. كعكة حقيقية، مستديرة، لامعة.
“أمـ، هلّا فككتنّ عني هذا الشيء؟”
“كلا. ذلك مستحيل.”
كوووكووونغ! (اهتزاز عنيف في الفؤاد والوجدان)
توسّعت عينا آيري بذهولٍ مدوٍّ، فاهتزت أعماقها كأنها تلقت صدمة من برق الحقيقة.
‘لماذا… بحق؟’
“الجميع هنا لا يضطر إلى ارتداء هذا… الكعك الخبزي.”
“كـ… كعك خبزي؟ هل هذا… اسم رسمي؟”
“نعم.”
“كعك خبزي” — اسمٌ ابتكرته آيري في لحظة من العبقرية الطفولية؛ مزيج بين الخبز والكعك.
الخادمات لم يُدركن عمق المعنى، لكن الأطفال أصلًا سحرة الكلمات، يختلقون ما يعجز عنه اللغويون.
قالت آيري بجدية تفوق سنّها، وعينيها تحملان ظلال أسئلة كثيرة:
“لمَ لا يرتديه الجميع وأنا فقط المضطرة لذلك؟”
“ذاك لأن…”
هل من الممكن… هل من الممكن أن تكون منبوذة؟
لكن ألم يقل الكتاب المدرسي إن التنمر أمر خاطئ؟! محظور؟ لا إنساني؟
شدّت قبضتها الصغيرة بقوة، وتمتمت بصوت يكاد يختفي:
“أخبرنني بالحقيقة، أرجوكن. لستُ من ذلك النوع من الفتيات اللواتي يتحطمن بسبب أمور تافهة.”
رغم صدق كلماتها، إلا أن الخادمات تبادلن نظرات غريبة، مترددة.
وأخيرًا، أخذت قائدة الخادمات نفسًا عميقًا، وتقدّمت ببطء، وهمست بخشوع:
“لأن الآنسة آيري… ليست من المحصنين.”
“…المصحنين؟”
“نعم. أولئك الذين وُهِبوا أجسادًا مقاومة للمانا.”
نظرت إليها الخادمات بعينين تلمعان بالشفقة.
أغمضت آيري عينيها، وأصغت.
“فهمت الآن… لأنني لستُ محصنة، أُجبر على ارتداء هذا الكعك الخبزي… وعليّ الرحيل بعد أسبوع…”
أخيرًا، فهمت كل شيء.
آيري ليست من الشمال.
لذا، لم يُسمح لها بأن تُقاتل مثل الأبطال.
بل عليها أن تُلفّ كما يُلفّ الرضيع، ويُخبّأ.
انكمشت على نفسها أكثر، كأنها تحولت إلى حبّة فاصوليا، وهمست:
“فهمت… لا بأس، أنا بخير.”
لأن الأبطال العظماء لا يسقطون لأجل أمر تافه كهذا.
هي ليست في الخامسة، بل في التاسعة.
ولن تسمح لنفسها أن تبدو ضعيفة.
“الآن… يمكنكم جميعًا أن تغادروا.”
حاولت الخادمات تهدئتها، لكن في النهاية، أطلقن تنهيدة واحدة وغادرن، وأغلقن الباب خلفهن.
ظنّوا أنها ستنهار.
لكن آيري لم تنهَر.
‘أنا لن أنهار! أنا أحمل الحزام!’
أنا بطلة من الدرجة الثانية، ولا تُهزم البطلات من أجل زيٍّ سخيف.
رفعت رأسها، ونظرت إلى الفراغ بعينين تلمعان بالعزم.
ثم أخرجت من جيبها دفتراً صغيرًا، خطّت فيه ما جلبها إلى هذه القلعة.
❖ هدف آيري الأعظم ❖
أن تأكل أطيب الأطعمة مع جدتها، حتى تمتلئ قلوبهما سعادة وبهجة!
✦ سعادة لا توصف!
✦ أعشاب كثيرة! خضار كثيرة! ديك حبشي كبييير!
❖ كيف تصل إلى هذا الحلم؟ ❖
يجب أن تنقذ العالم.
كي لا تفقد جدتها، التي تحبها أكثر من أي كائن في هذا الوجود.
❖ العدو؟ ❖
المانا السوداء الشريرة التي تجتاح الشمال.
ستُمحى… بالكامل!
❖ الطريقة؟ ❖
ليست واضحة تمامًا…
لكن… قيل إن لمسة واحدة تكفي!
أرادت آيري أن تقبض يدها الصغيرة في عزيمة، لكن…
سُررر…
‘هيينغ… يدي لا تتحرك.’
محاصَرة داخل قوقعة الكعك الخبزي الأبيض، أخذت الدوّامة تلتفّ في رأسها، كأنّها سابحةٌ في غيمة من النعاس والذهول.
زفرت تنهيدة طويلة، خرجت من قلبٍ صغيرٍ منهك، يحمل من الهموم ما لا يليق بطفولةٍ لم تكتمل.
ومع ذلك…
فهي الآن داخل قلعة أورتيزو.
قلبها الصغير خفق بارتباك عذب، كأنما يهمس لها القدر: “ها قد بدأ كل شيء.”
سحبت الغطاء الوثير فوق جسدها المستدير، وتكوّرت تحته كزهرة لوتس مطوّقة بالثلج، تخبئ حنينها بين طيّات الدفء.
‘أشتاق إليكِ يا جدتي…’
في كل ليلة، حين تلتفّ بجسدها للنوم، كانت ذراعا جدتها تحتضنها بعناية العالم كلّه، لا تطمئن لجسدها فحسب، بل لروحها أيضًا.
أما هذه الليلة…
فهي الأولى في عمرها التي تخلد فيها للنوم، دون حضن جدتها— لا من هذا العالم، ولا من ذاك الذي مضى.
تمدّدت فوق سريرٍ بارد كالجليد، وشعرت فجأة أنّ هذا العالم الواسع لا يساوي أكثر من علبة صفيح فارغة، يتردّد فيها صدى الوحشة.
‘لكن… إن كنتُ بطلة حقًا، فعليّ أن أتحمّل هذا.’
كوّرت الغطاء حولها بشجاعة، كما يُكوّر المحارب درعه حول قلبه.
وهكذا، مرّت أولى لياليها في قلعة أورتيزو…
بصمتٍ مهيب، يشبه صمت المعابد المنسية.
✦༺༻✦
وفي اليوم التالي، على أقصى خطوط الدفاع الشمالية، حيث يتكاثف رماد الوحوش وتتعفّر الأرض بأنفاس “المانا السوداء”، هبّت الرياح بأخبارٍ غير متوقعة، عبرت جبهات الحرب المشتعلة كهمسةٍ مستعجلة:
“مباركٌ لك، يا صاحب السموّ!”
“ماذا؟ هل قُضي على الوحوش؟ هل أستطيع العودة إلى منزلي؟”
“لا تمامًا، الوحوش لا تزال تتدفق… لكن — الآنسةآيري وصلت إلى الشمال!”
“آه…”
وفي تلك اللحظة، شقّ دوق أورتيزو — ديكلان — وحشًا عملاقًا على هيئة فيل مدرّع، بسيفه الساحق، دون أن يرتعش رمشٌ في عينيه.
إلى جانبه وقف راسفين، خادمه الأوفى ويده اليمنى، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ عريضة لا تخلو من الحماسة:
“لقد أتت الآنسة آيري بنفسها! لا ندري السبب… لكن ألا يجدر بك الذهاب لاستقبالها، مولاي؟”
لو كان أبًا كسائر البشر، لكان خبر وصول ابنته باعثًا للفرح.
لكن ديكلان… لم يكن كسائر الآباء.
بل إن ملامحه ازدادت تجهّمًا، وكأنّ الاسم ذاته أيقظ فيه شوكة غائرة.
“ابنتي… هنا؟”
“أجل، سيدي. ويبدو أنّها تستعد لمقابلتك الآن.”
“ولماذا تأتي إلى هذه الأرض الملعونة، هذه الأرض التي تقترب من الموت؟”
“تقول إنّ اللقاء بك ضرورة لا مفرّ منها.”
لوّح بيده في الهواء وكأنّه يطرد دخانًا كريهًا:
“أعيدوها من حيث أتت. لتذهب إلى جدّتها. أنا… لن أراها.”
تلك الطفلة التي نشأت في أحضان جدتها، لم تكن تعرف شيئًا عن والدها، ولم يكن ينبغي لها أن تعرف.
فقد تسلّلت المانا السوداء إلى أعماق جسده… تراكمت، وتوغّلت، وبلغت ذروتها.
وصل إلى المرحلة الخامسة — ذروة الخراب.
في العادة، لا يصمد البشر بعد المستوى الثالث، فهم إما يفقدون عقولهم أو يبادون كشرر رماد.
أما في المستوى الرابع، حتى المناعويّون تصبح أنفاسهم مشبعة بالوحشية.
لكن الخامسة…
تلك مرحلة لا يعود الإنسان فيها إنسانًا.
بل يصبح تجسيدًا حيًا للمانا، كيانًا مشبعًا بالظلام والعفن السحريّ.
الاقتراب منه أشبه بالتوقيع على موتٍ محتوم.
حتى المحصنين الأقوياء لا يجرؤون على التواجد قربه طويلًا.
وهو لا يعيش إلا بفضل قواه المنفجرة، طاقة تعصف بكل من حوله.
فكيف بطفلةٍ صغيرة، لا مناعة لها؟
إن اقتربت منه، فستحترق.
ولهذا… لم يشأ رؤيتها.
لم يُرِد حتى أن يلمح ظلها.
منذ لحظة ولادتها، وقد أُرسلت إلى الجنوب.
حتى الرسائل التي كان يخطّها في ليالٍ تئنّ من التعب، بقيت حبيسة الأدراج… خشية أن تُلوّث بيده.
كان عليهما أن يعيشا كأن الآخر لم يوجد قط.
“تحرّوا أسباب مجيئها. وتواصلوا مع الجنوب. أما هي… فأخفوها. في ركنٍ قصيّ، كما تخبّئ الأم حبّة فاصولياء صغيرة وثمينة.”
“فاصولياء صغيرة ثمينة…؟! وماذا بعد؟”
“وبعد أسبوع — لا، بعد 168 ساعة تمامًا — دحرجوها نحو الجنوب.”
“…دحرجوها؟!”
“نعم.”
سجّل راسفين الكلمة بوجهٍ متردّد، وعينين تملؤهما الحيرة.
لكن ديكلان لم يتراجع.
فهو لا يعرف وجهها.
كل ما يذكره… هو ذلك الجسد الصغير، المستدير كفاصولياء ناعمة، حين وُلدت منذ أعوام.
ولهذا… لم تكن بالنسبة له سوى “فاصولياء مستديرة”.
أما عند راسفين… فالأمر لم يكن بهذه البساطة.
“مولاي… دحرجة الأطفال تُعدّ انتهاكًا لقانون حماية القُصّر.”
“افعلوا ما تشاؤون. فقط… لا أريد أن تقع تلك الفاصولياء في مرمى بصري.”
قالها دون أن يلتفت، ودار بوجهه ناحية المعركة من جديد.
‘قالوا إنها سترحل بعد أسبوع… حسنًا. سأقضي الأسبوع في سحق الوحوش حتى آخر قطرة.’
وجه طفلته التي كبرت… جسدها الذي لم يعد دائرةً صغيرة بل طال وتمدد…
كل ذلك لم يهمّه.
ولا يريده أن يهمّه.
إلا إن…
وقعت الكارثة.
وحدها الكارثة… قد تُجبر الأقدار على كتابة ما لم يكن في الحسبان.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"