22
“هيه… الطردُ من الأكاديميَّة؟ أليسَ هذا قاسيًا بعضَ الشيء؟”
تمتم كارل بقلق، مُتلَّفتًا حولَهُ، بينما مسحَ العرقَ الباردَ الذي بدأَ يتجمَّعُ على جبهتِه. عندها سألته كلوي بنبرةٍ هادئة:
“هل تشعرُ بالتوتُّر؟”
“بالطبع! هذا اختبارُ أكاديميَّة لوميرن في السحر! من المؤكَّدِ أنَّ صعوبتَهُ ستكونُ خارجةً عن المألوف!”
“لا أعتقدُ أنَّهُ سيضعُ أسئلةً تتجاوزُ مستوى الطلَّابِ الجدد.”
“محظوظةٌ أنتِ، يا طالبةَ الشرف…”
لم يكن قلقُ كارل بلا مبرِّر؛ فهو بالكادِ اجتازَ اختبارَ القبول، لذا كان يشعرُ برهبةٍ شديدةٍ من هذا الامتحانِ المفاجئ. ولم يكن الوحيدَ الذي تملَّكهُ القلقُ في القاعة.
“الطردُ من الأكاديميَّة؟!”
“هذا غيرُ منطقيٍّ إطلاقًا!”
نظرَ إليهم رين بعينينِ باردتينِ وقالَ بنبرةٍ حازمة:
“لدى الأساتذةِ كاملُ الصلاحيةِ لاتِّخاذِ قرارِ الطرد، ومن المؤكَّدِ أنَّكم جميعًا على درايةٍ بهذه الحقيقة.”
“لكن، لا يُمكنُ طردُ طالبٍ دونَ سببٍ وجيه!”
“بالطبع، لا يُمكنُ ذلكَ دونَ سببٍ مشروع.”
طَقْ!
نَقَرَ رين بطرفِ إصبعِه على ورقةِ الاختبارِ أمامَه، ثم تابعَ قائلاً:
“لكن إن لم تتمكَّنوا من اجتيازِ اختبارٍ بهذهِ البساطة، فأنتم لا تستحقُّونَ تعلُّمَ السحرِ في لوميرن من الأساس.”
عندها، رفعَ أحدُ الطلَّابِ، الذي يبدو أنَّهُ من قسمٍ آخر، يدَهُ وسأل:
“ماذا عن الطلَّابِ الذين يُريدونَ دراسةَ السحرِ كمجالٍ فرعيّ؟”
“بإمكانِهم حضورُ الدروسِ العامَّةِ في السحر، لكن لا يُمكنُهم الالتحاقُ بالمقرَّراتِ التخصُّصية.”
“وماذا عن الطلَّابِ الراغبينَ في أن يكونوا مزدوجي التخصُّص؟”
“مزدوجو التخصُّص، هاه…”
توقَّفَ رين للحظةٍ قبلَ أن يبتسمَ ابتسامةً غامضة.
“قد يكتشفُ بعضُكم موهبةً سحريَّةً خفيَّةً خلالَ الدروسِ التجريبيَّة.”
تبادلَ الطلَّابُ النظراتِ بارتباكٍ بسببِ هذا التصريحِ غيرِ المتوقَّع، لكنَّ رين أكملَ بنبرةٍ أخفَّ، وإن ظلَّت نبراتُ عينيهِ باردةً وقاسيةً كالسيف:
“لكن بسببِ هذهِ الفكرةِ الساذجة، فإنَّ الطلَّابَ الذين يُريدونَ دراسةَ السحرِ كتخصُّصٍ فرعيٍّ سيخضعونَ لنفسِ هذا الاختبارِ أيضًا.”
“……!”
بعضُ الطلَّابِ تقلَّصوا في أماكنِهم من شدَّةِ التوتُّر.
“أليسَ من الوقاحةِ أن يحاولَ شخصٌ لم يسبقْ لهُ دراسةُ السحرِ الوقوفَ جنبًا إلى جنبٍ معَ أولئكَ الذين كرَّسوا حياتَهم له؟”
ظلَّ رين يبتسمُ، لكنَّ عينَيْهِ كانتا تلمعانِ ببرودٍ شديدٍ.
على الجانبِ الآخر، كانت كلوي تُومئُ برأسِها بحماسةٍ شديدةٍ، وكأنَّها توافقُ على كلِّ كلمةٍ قالها.
“الحدُّ الأدنى للنجاحِ في الاختبارِ هو 40 نقطة من أصلِ 100.”
“هاه…”
أطلقَ الطلَّابُ أنفاسًا طويلةً من الارتياح. كان الحدُّ الأدنى للنجاحِ أقلَّ ممَّا توقَّعوا.
عندها، نَقَرَ رين بأصابعِه، وظهرَ في الهواءِ ساعةٌ رمليَّةٌ عملاقة، تحلِّقُ فوقَ رؤوسِ الطلَّاب.
“زمنُ الاختبارِ هو ساعةٌ واحدة. بإمكانِكم تسليمُ أوراقِكم والمغادرةِ إن انتهيتُم قبلَ ذلك.”
بدأ الطلَّابُ بإخراجِ أقلامِهم.
“إذًا… لنبدأ.”
فُووش…
بدأَ الرملُ في الساعةِ العملاقةِ بالتدفُّقِ نحوَ الأسفل، مُعلِنًا بدءَ الاختبار.
رفعَ الطلَّابُ أقلامَهم، وبدؤوا في تصفُّحِ أوراقِ الاختبار.
كان الامتحانُ مكوَّنًا من:
كُتيِّبٍ للأسئلة.
ورقةٍ للإجابات.
عدَّةِ أوراقٍ فارغةٍ لحلِّ المُعادلاتِ السحريَّة.
أخذت أصواتُ الأقلامِ تملأُ القاعة، لكنَّ وجهَ ليو تجمَّدَ ما إن قرأَ السؤالَ الأوَّل.
“اشرحْ التأثيرَ الناتجَ عن دمجِ الصِّيَغِ السحريَّةِ التالية.”
شعرَ فجأةً بصداعٍ يُداهمُه.
“ما هذا… ما هذهِ التعاويذ؟”
إنَّ أكبرَ تغييرٍ طرأَ على مهاراتِه، مقارنةً بحياتِه السابقة، كان السحر بلا شك.
فالسحرُ مجالٌ يعتمدُ على البحثِ والاستكشاف، وعلى الرغمِ من أنَّ لغةَ الرُّون الأساسيَّةَ ظلَّت كما هي، إلَّا أنَّ طريقةَ استخدامِ الصِّيَغِ السحريَّةِ قد تغيَّرت عبرَ العصور.
وخلالَ هذا العصرِ تحديدًا، شهدتِ الصِّيَغُ السحريَّةُ قفزةً هائلةً بفضلِ ظهورِ تقنيَّةِ “سجلِّ الأبطال”!
لم يكن ليو قد اطَّلعَ على أيِّ كتابِ سحرٍ منذَ أن تجسَّدَ من جديد، لذا كان من الطبيعي أن يكونَ جاهلًا تمامًا بتركيبةِ التعاويذِ السحريَّةِ في هذا العصر.
ألقى نظرةً إلى جانبه، فرأى كارل، الذي كان قبل قليلٍ على وشكِ البكاء، يُمسكُ بقلمِه ويبدأُ بحلِّ المسائلِ تدريجيًا.
أمَّا كلوي، فكانت تكتبُ إجاباتِها بسرعةٍ مُذهلة دونَ أيِّ تردُّد.
“يا إلهي، هؤلاءِ الفتيانُ أذكياءُ فعلًا… هل يُمكنُهم حلُّ مثلِ هذهِ التركيباتِ المعقَّدةِ في أذهانِهم؟!”
ارتسمت على وجهِ ليو ملامحُ الذهول، لكنه سرعانَ ما أخذَ نَفَسًا عميقًا ليهدِّئَ نفسَه.
“حسنًا… سأحاولُ على الأقلِّ استيعابَ الأساليبِ السحريَّةِ المستخدمةِ في هذا العصر. حتى إن كانت التعاويذُ تتغيَّرُ بمرورِ الزمن، فإنَّ البُنيةَ العامَّةَ لها تظلُّ كما هي، لذا يُمكنُني تخمينُ الإجاباتِ إلى حدٍّ ما.”
استجمعَ ليو عزيمتَهُ وشدَّ قبضتَه.
“لا يُمكنُني أن أطردَ من حصَّتي الدراسيَّةِ الأولى بهذهِ السهولة!”
مهما يكن، فقد كانَ في حياتِه السابقةِ البطلَ العظيمَ الذي أنقذَ العالم، ولا يُمكنُه أن يُدنِّسَ كرامتَهُ بمثلِ هذا الفشل!
عندها، أضاءت عيناهُ ببريقٍ حادٍّ وبدأَ يحلُّ التعاويذَ بسرعةٍ مُخيفة!
“رائع! كلُّ الأسئلةِ المطروحةِ هنا تدورُ حولَ تعاويذَ أعرفُها مُسبقًا!”
في الجهةِ الأخرى، كان كارل يُنهي حلَّ مسائلِه، ثم أطلقَ تنهيدةً طويلةً من الارتياح.
“هاه… لم يكنَ الامتحانُ بالصعوبةِ التي تخيَّلتُها…”
على عكسِ توقُّعاتِه، لم تكنِ الأسئلةُ صعبةً للغاية، بل كان أغلبُها تعاويذَ سبقَ أن حفظَها عن ظهرِ قلب.
صحيحٌ أنَّ عمليَّةَ الجمعِ بين التعاويذ كانت مُعقَّدة، لكن كما قال البروفسور رين، من لا يستطيعُ حلَّ مسائلَ بهذهِ الدرجةِ من الصعوبة، لا يستحقُّ أن يدرسَ السحرَ في لوميرن.
تحوَّلت أنظارُ كارل إلى كلوي، التي كانت تكتبُ الإجاباتِ دونَ الحاجةِ إلى أيِّ عملياتِ حلٍّ مُفصَّلة!
“يا لهَا من عبقريَّة… بإمكانِها إجراءُ حساباتِ التعاويذِ المُعقَّدةِ في ذهنِها دونَ الحاجةِ إلى أيِّ ورقةٍ إضافيَّة…”
ثم التفتَ إلى ليو، فوجدَهُ يُحرِّكُ قلمَهُ بسرعةٍ غيرِ طبيعيَّة، لكن… كانت هناكَ مشكلة.
رغمَ سرعتهِ الفائقةِ في الكتابة، إلَّا أنَّ ورقةَ الإجابةِ أمامَهُ كانت فارغةً تمامًا!
“ما الذي يحدثُ معه؟! ألم يقُل إنَّهُ يرغبُ في أن يكونَ مُزدوجَ التخصُّص؟! يبدو أنَّهُ يفتقرُ إلى المعرفةِ الكافيةِ حولَ التعاويذ!”
بناءً على هذا، فمن المرجَّحِ أنَّ ليو لن يستطيعَ اجتيازَ الاختبار، وبالتالي لن يتمكَّنَ من حضورِ أيِّ دروسٍ تخصُّصيَّةٍ في السحر.
عبسَ كارل قليلًا، إذ كان يشعرُ بالأسف لأنَّهُ لن يتمكَّنَ من حضورِ دروسِ السحرِ مع ليو بعدَ الآن.
“بقيَ ثلاثونَ دقيقةً!”
“أوه، لا! لا وقتَ لديَّ للقلقِ بشأنِ الآخرينِ الآن… عليَّ أن أُكملَ حلَّ الأسئلة!”
في هذهِ الأثناء، كان ليو قد ملأَ إحدى أوراقِ الحلِّ عن آخرِها قبلَ أن يتوقَّفَ للحظةٍ، وهو يُحدِّقُ في المسائلِ بغضب.
“أيُّ وغدٍ لعينٍ هو الذي اخترعَ هذهِ التعاويذِ المعقَّدة؟!”
لو كانَ لديهِ وقتٌ كافٍ، لكانَ قادرًا على تحليلِ كلِّ التعاويذِ وحلِّها، لكن المُشكلةَ كانت في ضيقِ الوقت.
فتحَ الورقةَ على السؤالِ التالي، لكنَّهُ لم يكن أفضلَ حالًا؛ فقد كانَ مليئًا بتعاويذَ يراها لأوَّلِ مرَّةٍ في حياتِه.
أخذَ يُمرِّرُ يدَهُ في شعرِه، وهو يواصلُ قراءةَ الأسئلةِ بعصبيَّة، حتَّى وصلَ إلى آخرِ سؤالٍ في الاختبار، حيث توقَّفت عيناهُ عندَهُ.
كان الامتحانُ يتكوَّنُ من 50 سؤالًا، ومن السؤال 1 إلى 49، كانت جميعُها أسئلةَ جمعِ تعاويذ.
لكنَّ السؤالَ الأخير كان مُختلفًا بعضَ الشيءِ؛ إذ كانَ عبارةً عن تحليلِ تعويذةٍ مُحدَّدةٍ وإيجادِ النتيجةِ النهائيَّة لها.
لم تكنِ التعويذةُ معقَّدةً كما هو الحالُ معَ التعاويذِ السابقة، لذا تمكَّنَ ليو من حلِّها ذِهنيًا بسهولةٍ، وكتبَ الإجابةَ بسرعةٍ على ورقةِ الإجابة.
ثم وقفَ من مقعدِه.
التفتَ الطلَّابُ إلى ليو بدهشةٍ وهم يُحدِّقونَ به.
“لقد استسلم…”
تنهَّدَ كارل وهو يُحدِّقُ بصديقِه، الذي كان يسيرُ نحوَ المُساعدِ لتسليمِ ورقةِ الإجابة.
“حسنًا، هذا متوقَّع… لم يتمكَّنْ حتى من حلِّ السؤالِ الأوَّل، فمِن المُؤكَّدِ أنَّهُ أدركَ أخيرًا أنَّ الاستمرارَ سيكونُ مُجرَّدَ إضاعةٍ للوقت.”
“ربَّما عليهِ أن يتخلَّى عن فكرةِ دراسةِ السحر…”
من بين 50 سؤالًا، لم يكن ليو يعرفُ سوى إجابةِ سؤالٍ واحدٍ فقط، فكيفَ لهُ أن يُتابعَ دروسَ السحرِ في الأكاديميَّة؟
“حسنًا، بإمكانِه دائمًا تعلُّمُ السحرِ بنفسِه.”
وبينما كانَ يُفكِّرُ في ذلك، غادرَ ليو القاعة، مُحمَّلًا بالإحباطِ من نفسِه.
ظلَّت الساعةُ الرمليَّةُ تُواصلُ العدَّ التنازلي، لكنَّ أيَّ طالبٍ آخرَ لم ينهضْ من مقعدِه بعد.
حتى الطلَّابُ الذين اختاروا السحرَ كتخصُّصٍ فرعيٍّ لم يكونوا بذلكَ الجهل، فقد امتلكوا حدًّا أدنى من المعرفة حولَهُ على الأقل.
“انتهى الوقت! على الجميعِ تسليمُ أوراقِهم إلى المُساعدين.”
“آه… أخيرًا! هذا الاختبارُ كانَ مُرهقًا!”
مدَّ كارل ذراعَيْه بتكاسل، ثم التفتَ إلى كلوي وسألَها:
“هيه، ما كان جواب السؤالِ الأخير؟ لم أستطعْ حلَّهُ أبدًا.”
قال كارل وهو يهزُّ رأسَهُ بإرهاق، بينما كانت كلوي تُحدِّقُ بهِ بملامحَ مُنزعجةٍ بعضَ الشيءِ.
“لم يكنَ لديَّ ما يكفي من الوقتِ لحلِّه بالكاملِ أيضًا.”
“حقًّا؟ حسنًا، لقد كانَ صعبًا بشكلٍ مُزعج…”
“ماذا عن ليو؟”
“على ما يبدو، لم يستطعْ حلَّ أيِّ سؤالٍ على الإطلاق.”
“آه، لهذا السببِ غادرَ القاعة…”
أومأت كلوي برأسِها، ثم وقفت من مقعدِها وتوجَّهت إلى شخصٍ ما.
شعرَ كارل بالفضول، فتبعَها من الخلف.
“أخي! هذا هو الجوابُ الصحيح، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح!”
“رائع!”
المكانُ الذي توجَّهت إليه كلوي كان حيثُ يجلسُ كلٌّ من اباد وتشيلسي.
“تشيلسي، مرحبًا.”
“هم؟ كارل؟ ومن هذه الفتاة؟”
“هذهِ كلوي مولر.”
“رئيسةُ طُلَّابِ الشمال؟!”
اتَّسعت عينا تشيلسي بدهشة.
“سُررتُ بلقائِك، أنا اباد لوالين. هل تمكَّنتِ من حلِّ السؤالِ الأخير؟”
“لم يكن لديَّ وقتٌ كافٍ لحلِّه بالكامل. وأنت؟”
“أنا كذلك.”
أخرجت كلوي ورقةَ اختبارِها.
“أنا فضوليَّةٌ لمعرفةِ مدى اختلافِ حلِّي عن حلِّك. هل يُمكنُنا المقارنة؟”
“أنا أيضًا كنتُ أرغبُ في فعلِ ذلك.”
كانت ورقةُ كلوي مُمتلئةً عن آخرِها بحلِّ التعويذةِ الأخيرة، ولم يكنَ اباد أقلَّ منها.
أطلقَ كارل صفيرًا مُنبهِرًا.
“كما هو مُتوقَّعٌ من الطُلَّابِ الأوائل… لو كانَ لديهم وقتٌ كافٍ، لتمكَّنوا من حلِّ كلِّ الأسئلة!”
“ماذا عن ليو؟”
“منذ أن غادرَ قاعةَ الامتحانِ، لم أرهُ داخلَ مبنى السحرِ مُطلقًا. أظنُّ أنَّهُ لم يستطعْ حلَّ أيِّ سؤالٍ على الإطلاق.”
“حسنًا، من الطبيعيِّ أن تكونَ هذهِ المسائلُ مُستحيلةً على فارسٍ لحلِّها.”
أومأت تشيلسي برأسِها، إذ كانت تعتقدُ أنَّ ليو مجرَّدُ فارسٍ بارعٍ.
في تلك اللحظة، صعدَ البروفيسور رين مرَّةً أخرى إلى المنصَّة، فسارعَ الطلَّابُ إلى العودةِ إلى مقاعِدهم.
“لقد بذلتُم جُهدًا كبيرًا في هذا الامتحان.”
قال البروفيسور رين بابتسامةٍ أنيقة.
“قريبًا، سيُنهي المُساعدونَ تصحيحَ أوراقِكم. وحتى ذلكَ الحين، سأُقدِّمُ لكم لمحةً سريعةً عن دروسِي في نظريَّةِ السحر.”
وهكذا بدأَ البروفيسور رين بإلقاءِ محاضرتِه.
كانَ الطلَّابُ يُنصِتونَ إليهِ باندهاش، فلم يكنَ لديهم خيارٌ سوى الإعجابِ بأسلوبِه الفريدِ في التدريس.
كانت كُلُّ كلمةٍ يقولُها تنغرسُ بوضوحٍ في أذهانِهم.
لقد أدركُوا على الفورِ أنَّهم يجلسُون أمامَ أستاذٍ من الطرازِ الرفيع.
“يا لهُ من حظٍّ رائعٍ أن نحضرَ دروسَ شخصٍ كهذا!”
غمرتِ الطلَّابَ مشاعرُ الحماسةِ والتوقُّع.
وبمُجرَّدِ أن انتهى البروفيسور رين من حديثِه، دخلَ مُساعدٌ إلى القاعةِ حامِلًا الأوراق.
“أستاذي، لقد انتهينا من تصحيحِ الامتحان.”
“حسنًا، فلنُلقِ نظرةً على النتائجِ معًا.”
في تلكَ اللحظة، دخلَ مُساعدونَ آخرون حاملين لوحًا كبيرًا يحتوي على ترتيبِ الطلَّابِ حسبَ درجاتِهم.
“في الحقيقة، تكوَّنَ هذا الامتحانُ من 49 سؤالًا بقيمةِ نقطةٍ واحدةٍ لكلٍّ منها، وسؤالٍ أخيرٍ بقيمةِ 51 نقطة.”
بدأَ الطلَّابُ يهمسُونَ لبعضِهم البعضِ في تعجُّب، فتابعَ البروفيسور رين شرحَه.
“هذا الامتحانُ ليسَ فقط لتحديدِ الطلَّابِ المؤهَّلينَ لدراسةِ السحرِ كتخصُّصٍ رئيسي، بل هو أيضًا أحدُ المبادئِ الأساسيَّةِ لدروسِي.”
“خلالَ القرونِ الأخيرة، شهدَ مجالُ التعويذاتِ السحريَّةِ قفزةً هائلةً في التطوُّر. وبسببِ هذا، أصبحَ من المُمكنِ اليوم استخدامُ التعويذاتِ بِحفظِ شروطِ تفعيلِها فقط، دون الحاجةِ إلى فهمِ بنيتِها بشكلٍ كامل.”
مدَّ البروفيسور رين كفَّهُ، فانبثقت تعويذةٌ سحريَّةٌ مشعَّةٌ بفعلِ الطاقةِ السحريَّة.
ثم قبضَ عليها بقوَّة!
تفتَّتت التعويذةُ بالكامل، وتناثرت شظايا السحرِ في كلِّ اتجاه.
“هذا التطوُّر في التعويذاتِ السحريَّةِ أدَّى إلى انحدارِ مستوى السَّحَرة!”
جعلتِ الصيحةُ المُفاجئةُ الطلَّابَ يقفزونَ في أماكنِهم بصدمة.
“في العصرِ الحديثِ، أصبحَ توجُّهُ السَّحَرةِ يقتصرُ على حفظِ أكبرِ عددٍ ممكنٍ من التعويذات! صحيحٌ أنَّ هذا يجعلُ استخدامَ السحرِ أسهلَ بكثيرٍ… لكن!”
“هل يمكنُ اعتبارُ هؤلاءِ سَحَرةً حقيقيِّين؟!
السِّحرُ ليس حفظًا، بل بحثٌ وفَهم!
لكن، ماذا يفعلُ سَحَرتُنا الشَّبابُ اليوم؟! يُهملُونَ فهمَ التعويذاتِ، وينشغلُونَ بحفظِها فقط!
إنَّ تطوُّرَ التعويذاتِ أدَّى إلى تراجعِ مستوى السَّحَرة!”
رفعَ البروفيسور رين يدَيهِ عاليًا.
وظهرَت في الهواءِ مجموعةٌ هائلةٌ من التعويذاتِ السِّحريَّة.
“هذه هي خلاصةُ أبحاثي السِّحريَّة. ليست تعويذاتٍ تقليديَّةً يدرُسُها الجميعُ، بل هي تعويذاتٌ ابتكرتُها بنفسي، من البدايةِ إلى النهاية.
كم عددُ السَّحَرةِ في هذا العصرِ ممَّن يُجرونَ أبحاثًا لابتكارِ تعويذاتِهم الخاصَّة؟”
تألَّقت التعويذاتُ المُعلَّقةُ في الهواء، وكأنَّها تُجسِّدُ العالمَ السِّحريَّ الفريدَ الذي بناه البروفيسور رين لنفسِه.
“المواجهةُ بينَ السَّحَرةِ ليست مجرَّدَ صِراعِ قُوَّةٍ سِحريَّة! بل هي أيضًا صِراعٌ حول مدى سرعةِ فهمِ تعويذاتِ الخصمِ وتفكيكِها!
الاعتمادُ على الحفظِ وحدَهُ لن يرفعَكم إلى مراتبَ عُليا، ولهذا…”
سحبت يداهُ بلُطف، فاختفت جميعُ التعويذاتِ في الهواء.
“سأُقدِّمُ لكم دروسًا ترفعُ من مستوى فهمِكم للتعويذات! لكي تُصبحوا سَحَرةً حقيقيِّين!”
كان صوتهُ مفعمًا بالحماسة، وشدَّ حماسُهُ قلوبَ الطلَّاب.
العبارةُ “سَحَرةٌ حقيقيُّون” كانت كافيةً لإشعالِ الحماسِ في نفوسِهم!
بدأ الطلَّابُ يُصفِّقونَ بحماسٍ شديدٍ.
أومأ البروفيسور رين برأسِه، ثم أشارَ إلى اللَّوحةِ المُعلَّقة.
“يمكنُكم الآن الاطِّلاعُ على نتائجِكم. والطلَّابُ الذين حصلُوا على أقلِّ من 40 نقطة… للأسف، لن يكونُوا قادرينَ على حضورِ دروسي. يُمكنُكم مغادرةُ القاعة.”
اندفعَ الطلَّابُ إلى اللوحةِ ليُشاهدُوا الترتيب.
راقبَ البروفيسور رين الطلَّابَ بتمعُّن، حتَّى اقتربَ منهُ أحدُ الأساتذة.
“أستاذي.”
“ماذا هناك، أيُّها الأستاذُ المُساعد؟”
“هناك طالبٌ استطاعَ حلَّ السؤالِ الأخير.”
“ماذا؟ هناك من حصلَ على 100 نقطة؟!”
اتَّسعت عينا البروفيسور رين بدهشة.
“هل يمكنُ أن يكون… اباد؟ أم كلوي؟! يا إلهي! أخيرًا وجدتُ التلميذَ الذي طالما حلمتُ بتدريبِه!”
لكنَّ المُساعدَ سارعَ بنفيِ ذلك.
“لا، ليس 100 نقطة.”
“ماذا؟! كيف يكونُ قد حلَّ السؤالَ الأخيرِ دونَ أن يحصلَ على العلامةِ الكاملة؟”
ارتسمت على وجهِ البروفيسور رين ملامحُ الحيرة.
فأيُّ شخصٍ قادرٍ على حلِّ ذلكَ السؤالِ الصعب، من المفترضِ أن يكونَ قد أجابَ بسهولةٍ عن الأسئلةِ الأخرى!
“هل ركَّزَ فقط على حلِّ السؤالِ الأخيرِ، ونسيَ بقيَّةَ الأسئلة؟”
“ليس هذا هو السبب.”
أخرجَ الأستاذُ المُساعدُ ورقةَ الإجابةِ وأعطاها للبروفيسور رين.
“انظر بنفسِك.”
أخذَ البروفيسور رين الورقةَ، ثم اتَّسعت عيناهُ في صدمة.
كانت الورقةُ بيضاءَ بالكامل… باستثناءِ إجابةِ السؤالِ الأخير!”
صمتَ لوهلةٍ، ثم سألَ بصوتٍ حازم:
“من هو هذا الطالب؟!”
اقتربَت كلوي من اللَّوحة، وحدَّقت مُباشرةً في أعلى الأسماءِ ترتيبًا.
ثم… تجمَّدت في مكانِها.
المركز الثاني: كلوي مولر، اباد لوالين. (49 نقطة)
المركز الثالث: تشيلسي لوالين. (48 نقطة)
ظنَّت في البدايةِ أنَّها قد قرأت الاسمَ خطأً.
لكنَّ المركزَ الأوَّلَ كان واضحًا أمامَها:
المركز الأول: ليو بلوف. (51 نقطة)
شدَّت قبضتَها، ثم التفتَت بسرعةٍ نحوَ المقع
دِ الذي كان يجلسُ فيهِ ليو أثناءَ الامتحان.
كانت ورقةُ الإجابةِ الخاصَّةُ بهِ لا تزالُ هناك!
ركضَت إلى المقعدِ والتقطَت الورقةَ بيدينِ مُرتجِفتين.
ثم… اتَّسعت عيناها في صدمةٍ مُطلقة.
“مـ… ما هذا بحقِّ الجحيم؟!”
لم يكن السببُ إجابتهُ الصحيحةَ للسؤالِ الأخير، بل الطريقةُ التي حلَّ بها التعويذةَ الأولى.
كلوي حدَّقت في الورقةِ بذهولٍ، قلبُها ينبضُ بعنف.
“ليو بلوف… من يكونُ هذا الفتى حقًّا؟!”