2
2
الفصل الثاني
“كل شيء ممكن حين يتعلّق بالعرش…”
[بعد شهرين في المنفى ، في خندق ماريان خلف التيارات الملتوية، في آبيس]
آريستا:
لطالما كان يغلبني بهذه الجملة و يتركني وحيدة أفكر على أقل من مهل ، ظن أنني سأنضم إلى إنقلابه الدامي ولكنني وجدتُ نفسي أهرب إلى مصير مجهول فقط مدفوعة بأيادي تحاول سحبي و دفعي إلى النجاة
الدم أثقل من الماء …
لا أظن أن هذه المقولة تنفع بعد الآن .أحيانًا، في الأعماق التي لا يصل إليها حتى الضوء، لا يكون الخوف هو ما يقتلنا… بل الذكرى.
كانت آريستا مستلقية داخل سفينة مهجورة غارقة تحدق بعينين ذابلتين، تراقص شقائق النعمان من خلال فتحة كبيرة في السفينة، تطل عليها من فوق سفح بين جدارين صخريين من خندق ماريان، في ليلة باردة مظلمة . و في جوف الصمت إخترق فجأة صوت صرير الحطب المتآكل للسفنية التي مر على غرقها أكثر من سنة ، فقد مضى على هروبها قرابة شهرين . أخر مرة رأت فيها فردا من المملكة كان آركان قائد الحرس الملكي رفقة جنوده بحثا عنها و لكنه أثناء ملاحقته لها … شيء غريب حدث… جعلها تتذكر هذه الذكرى المحفورة في قلبها…
[ قبل شهرين من الإنقلاب الملكي في ممكلة كوينتارا]
آريستا:
“الخالة دونا ، أين أنتي ؟”
دخلت آريستا مطبخ القصر فوجدت الطاولة مليئة بألذ الأطباق المفضلة لها مثل الروبيان المشكل و خس البحر ،فسال لعابها بعدما لم تستطع تمالك نفسها ،فنظرت خلفها بمكر تتأكد بأنها بمفردها ثم مدت يدها إلى الطعام لتذوق البعض منه…
فجأة و بدون أي مقدمات ، دخلت كبيرة الطهاة في القصر الملكي .ووجها شاحب و ملامحها مخطوفة من الصدمة ، ركضت إلى آريستا التي لاحظة حضورها فأخذتها قائلة و هي تزرف الهواء بصعوبة
دونا :
“أأميرتي ،أميرتي إبقى صامتة و إختبىء الآن ، لا وقت لدينا .. هيا قبل أن يمسكوا بكِ ..”
فردت عليها أريستا محاولة فهم الوضع قائلة
آريستا: “ماذا ؟!… ماذا هناك ؟”
فأمسكت دونا آريستا من يدها و خبأتها داخل أدراج الخزينة و نبهت عليها بعدم إصدار أي صوت أو مغادرة المكان حتى تحضر ، كانت آريستا متعجبة و خائفة و هي تشبك يديها و تهمس قائلة
آريستا:
“ماذا يحدث ؟…ماذا يحدث؟ “
فمدت يدها تحاول الإمساك بيد دونا التي كانت وافقة بجانب الخزينة من الجهة الأخرى لمنضدة العمل ، فجأة دخل ثلاث حراس ملكيين فبدؤوا بتفتيش المطبخ فنطق أحدهم قائلا
الحارس الملكي :
“أين هي ؟”
فردت عليه دونا متظاهرة بالعمل و زعنفتها لا تكاد تحملها من شدة الخوف و التوتر قائلة
دونا :
“ماذا يحدث هنا ؟… عن ماذا تتحدث ؟”
فرد عليها الحارس بحزم غاضبا
الحارس :
“الأميرة آريستا! ، ألم تأتي عندكي كعادتها؟”
فردت عليه نافية معرفة مكانها قائلة بحزم
دونا :
“لا !، لم تأتي أبدا اليوم و لكنني رأيتها لتو تعلب في الحديقة على الأرجوحة “
فظل الحارس يحدق في عينيها حتى دخل حارس آخر قائلا :
“سيدي… لقد وجدنا الأميرة روكسانا “
فأجابه الحارس الملكي و هو يغادر المطبخ قائلا :
“إذهبوا إلى الحديقة الخارجية… حالا، و إعتقلوا الأميرة “
عندما خرجوا من المطبخ تنهدت دونا بصعوبة ثم تقدمت عند باب المطبخ تتفقد الممر و هرعت بسرعة تُخرج آريستا من الخزينة و أمرتها بالهروب حالا خارج المملكة ،فإندهشت آريستا قائلة بإستغراب شديد
“ماذا يحدث؟ ، لماذا كانوا يبحثون عني ؟،و ما سبب هذه الضجة كلها ؟”
فأجابتها بصوت واهن مذعور و هي تقودها خارج المطبخ عبر الباب الخلفي المؤدي إلى السلالم و هي ترتعش :
“أخوك … سموك ، أخوك إنقلب على الملك و سجن عائلتك كلها في الزنزانة و الآن هو يبحث عنك ،هيا أسرعي سوف أهربكِ خارج الممكلة قبل أن يمسكوا بك!”
فسبحتا معا إلى البوابة الزرقاء التي كانت فارغة من الحراس إلى غاية جدار صخري مرصوص فأزاحت دونا صخرة واحدة و أمرت آريستا بالسباحة بعيدا و عيونها مغرورقة بالدموع و بالإحتماء بنباتات الطحالب البحرية و شقائق النعمان حتى لا يراها أحدا ، فأمسكت آريستا بيدها، ترتجف بكاءا و خوفا قائلة:
“و لكن… لا أريد أن أترككي ،فأنا خائفة !”
فردت عليها تتلمس خذها البارد ببطء و تقلب شعرها المنسدل خلف أذني آريستا قائلة :
دونا:
“أبدا ! ، لا تخافي و كوني قوية يا أميرتي ، ففي وسط الظلام الدامس ، لا بد أن تشرق الشمس مجددا …هيا لا وقت لدينا إسبحي بعيدا ، إنجي بحياتك و لا تنسينا أبدا” .
فجأة سمعت صوت الحراس يصرخ قائلا :
“أنتِ !، توفقي بأمر بالملك !”
فدفعتها بعيدا و أمسكوا بدونا وهي تحاول الإفلات منهم و تحرر منهم فلمح الحارس الأميرة و هي تهرب بإتجاه الحاجز المرجاني وهي تستمر بالسباحة دون أن تنظر خلفها ،ثم ٱعتقلوا دونا و أخذوها إلى ملكهم الجديد…
[ خارج حدود المملكة / خلف الحاجز المرجاني]
سبحت آريستا متخطية الحاجز المرجاني و الدموع لم تنشف من خذيها و هي تُحكم القبضة على قلادتها الذهبية التي أهدتها إياها جدتها ، عندما رأت الحراس يعتقلون دونا البريئة التي لم تفعل شيء إطلاق و تسبح بكل ما أوتيت من قوة.
في تلك الأثناء بدأ لون البحر يَعتم شيئا فشيئا و هي تقترب من أحكل المياه في البحر ، مياه منطقة آبيس ،
أخطر منطقة في البحر كله.. مياهه السوداء التي تزداد كحلة و عتمة كلما توغلت فيها ، رمال ملوثة فقدت بريقها ، نمت عليها أعشاب شوكية خطيرة ، شظايا متناثرة للخشب المحطم في كل مكان و كأنه ساحة حرب إلى أن وصلت إلى مكان أشبه بمستنقع لفوهات تنفث مياه حرارية مسمومة ، فقررت السباحة فوق الركام ففوجئت بعدد ثعابين البحر و أسماك الراي الصاعق التي كانت تسبح بين الطحالب البحرية و صخور المرجانية .
فجأة سمعت صوت الحراس يصرخون بحثا عنها في الأرجاء فشهقت خوفا و نزلت إلى الأسفل تسبح بسرعة عبر طحالب البحر الطويلة متحاشية الإصطدام بأي أنقليس جائع إلى أن وصلت إلى مكان مظلم مليئ بالسفن المهجورة، فإختبأت داخل إحدى السفن الغارقة كأنها مقبرة، و مع كل ضجيج أو صوت يقترب من سفنيتها الغارقة العاجزة عن الإبحار بعيدا ،تخبؤ نفسها أكثر و تحشر نفسها في الزاوية. فجأة شعرت بيد باردة وطأة كتفها ،فصرخت خائفة تبكي مذعورة قائلة :
آريستا :
“لا ! ،أتركوني…”
فأغلق حوري يرتدي درعا فضيا و عينيه يلمعان بالإرتياح ،فمها لتهدأ حتى لا يشعر أحد بوجودهم داخل السفنية لهنينة هامسا
آركان :
“إهدئي سموك ،لا تقلقي لن أأُذيكِ ! “
فنظرت إليه بتعجب و عينيها تنهمر دموعا ثم قالت بصوت مرتعش
آريستا :
“آركان؟!… ماذا تفعل هنا ؟، ماذا يحدث؟ ، هل صحيح أن أخي إنقلب على الملك و إعتقل عائلتي كلها ؟”
تجمد أركان للحظة دون أن ينظر إليها بحزن،ثم فنظر إليها و هز رأسه بثقل، فإنهارت تنخفض إلى الأسفل يائسة حزينة ، فنزل عندها ممسكا بيدها قائلا :
آركان :
“يا مولاتي يجب عليك أن تختبئ جيدا و ألا تعودي إلى المملكة و إلا فسيعتقلونك كما إعتقلوا العائلة الملكية…”
فقاطعت كلامه قائلة
آريستا :
“أخبرني متى حدث ذلك و لماذا ؟”
فأجابها وهو يلتفت في الأرجاء خوفا من دخول أحد الحراس عليهم قائلا
آركان :
“لست أدري و لكن الأمير آرس كان قد تمكن من ضمن عددا لابأس به من الحراس و المستشارين من أجل الإنقلاب على الملك إيريد و عندما سمعت أنه سوف يعتقل كل من في القصر أمرت دونا بتهريبك فورا !”
فأجابت آريستا متعجبة منصدمة من كلامه قائلة
آريستا :
“لا ..لا يعقل! ، لا يمكن ، لماذا قد يفعل أخي شيئا فظيعا كهذا؟… و ماذا حدث لدونا فقد رأيتهم يمسكون بها أثناء هروبي ؟”
فتردد قليلا عاجزا عن الحديث ، فنظرت إليه تحكم قبض يديه برعشة:
آريستا :
“أخبرني …ماذا حدث لدونا ؟! “
فرد عليها مطأطأ رأسه بتردد
آركان :
“لقد تمّ … إعتقالها أيضا و الأمر بإعدامها فجر يوم غدا بتهمة الخيانة بعدما رأوها تُهربكِ من القصر.
شهقت آريستا ووضعت يدها على فمها ، تتألم من فاجعة ما سمعته و الدموع تنساب على خديها من صدمة مذعورة ،ثم نهض آركان و ساعدها على النهوض هو يربت على كتفها قائلا :
آركان :
“أنا آسف يا مولاتي لقد حاولت التدخل و لكن … يبدو أنه ليس آرس الذي نعرفه و لهذا يجب عليك الإختباء و عدم الرجوع مجددا ، فأنا قد تمكنت من إنقاذك هذه المرة … و لكن في المرة القادمة لن يكون الأمر سهلا إطلاقا… لكن لا تقلقي سأرى ما إن كنت سأتمكن من تفقدكي يوميا و لكن لا أعدك بذلك و لهذا كوني شجاعة “
ثم غادر عندما سمع صوت الحارس ينادي عليه من الخارج فأشار عليها للإختباء سريعا ثم سبح خارج السفينة يحاول تضليلهم بالبحث أكثر من جهة الغرب و قام بتوديعها فهمست خلفه
آريستا :
“هل ستعود غدا ؟”
فأجابها متردد ا مديرا ظهره إياها
آركان :
“سـ سأحاول …”
ثم قالت بحزم :
آريستا :
“إذا من فضلك أحضر معك قلما و أوراقا للكتابة و فانوسا صغيرا ، حسنا ؟”
فأجابها متعجبا ينظر إليها بطرف عينه
آركان :
“لـ لماذا ؟ “
فأجابته آريستا بحزم قائلة:
“سوف تعرف غذا ،لن أسمح بالأمر أن يمر هكذا أبدا “
فأومأ برأسه و سبح بعيدا ،تاركا إياها خلفه و لكنه لم يعهد أبدا بأن رآها تتحدث بنظرة جادة حازمة و هو يهمس قائلا
آركان :
“الوداع… يا أميرة “
يتبع…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 - آريستا...لم ينتهي دورك بعد 2025-08-06
- 2 - كل شيء ممكن حين يتعلّق بالعرش 2025-08-05
- 1 - العهد الجديد 2025-08-04
التعليقات لهذا الفصل " 2"