“جدتي… لقد التقيتُ بمن أريد أن أتزوجه.”
“حقًّا؟”
ارتفع صوتي باندهاشٍ، وانفرج صدري كزهرةٍ ترتوي بغيثٍ مفاجئ.
كانت السعادة التي غمرتني غريبةً عن تلك البساطة التي عرفتها في صغري؛ كانت خليطًا آسرًا من الزهو، والحنوّ، والحزن العميق الذي لا تسمع أنينه إلا روحك.
آهٍ، لِمَ تتعقد المشاعر كلما مرّ بنا قطار الزمن؟
في طفولتنا، كانت السعادة نقيّة كجدولٍ جارٍ، أما الآن، فهي نهرٌ تتشابك فيه ينابيع الحنين والندم والفخر.
ومع ذلك، كانت سعادتي صادقةً لا مراء فيها.
وكيف لا، وحبيبتي يوجين، زهرة قلبي، تهمس لي ببدايةٍ جديدة لحياتها؟
“يا لها من بشارة! ومن يكون هذا الذي سكن فؤادكِ، صغيرتي؟”
ضحكت حفيدتي بصوتٍ متوهج وقالت:
“شخصٌ رائع، جدتي… رائعٌ بحق. ونحن الآن في طريقنا إليكِ. أردناها مفاجأة، لكن خشيتُ عليكِ من وقعها، فآثرت أن أنبئكِ. أنتِ في المنزل، أليس كذلك؟”
“بلى، بلى! أين أنتما الآن؟”
أية سعادةٍ أعظم من قدوم حفيدتي مع رفيق دربها؟
كيف كبرتِ يا يوجين حتى صرتِ عروسًا تُزفُّ إلى حبيبها؟
غير أن صوتًا قديما ارتدّ في أذني كسهمٍ مسموم:
> “لن أعود إلى هنا ثانية… لا أريد أن أراكِ مجددًا، أمي.”
كانت تلك ابنتي، جي-يون، وقد حفرت كلماتها أخاديد داميةً في قلبي.
اسمها، الذي لم أقوَ على نطقه، ظل شوكةً مغروسة في أعماقي لا تذبل.
يوجين…
هــل كـانـت أمـكِ قـادمـة مـعـكِ؟
“سنصل عند الظهيرة، جدتي. هيا، لنخرج معًا ونتناول غداءً شهيًّا. ولا تجرئي على الأكل قبلنا!”
ضحكتُ والحنين يثقل صوتي: “ومن أين لي أن أذهب؟ ستعدّ جدتكِ لكما مائدةً تليق بمقامكما.”
“لا يا جدتي! لا تتعبي نفسكِ. فرحتكِ وحدها تكفينا.”
فـرحـتـي…
ألم يكن جديرًا بي أن أفرح؟
ابتسمتُ وكأنها أمامي، تحدق في وجهي بضياء عينيها، بينما الدمع يسيل في قلبي دون أن يراه أحد.
“كفى حديثًا، عودا سريعًا. سأُعدّ طعامًا بسيطًا هنا، في المنزل.”
ضحكت يوجين ضحكتها العذبة، رنينها كجرسٍ بلله المطر.
يا لبهاء قدوم الزائرين!
قلبي، الذي ألف الصمت الطويل، نبض فجأة كحديقةٍ أزهرت بعد سبات.
جسدي المتعب استعاد خفةً لم يعرفها منذ دهر.
ماذا أفعل؟ بأي شيء أبدأ؟
هرولتُ عبر الغرفة جيئةً وذهابًا.
سأنتعل حذائي الجديد، ذلك الذي ما مسّه غبار.
ثم، كيف يكون الفتى الذي اختارته صغيرتي؟
يوجين… كانت دومًا زهرةً بين أشواك العالم، ذكيةً، ناعمة القلب.
ذهب إلى الولايات المتحدة، درست في أعرق الجامعات، وجدت طريقها إلى واحدةٍ من كبريات دور الأزياء، مثلما كانت أمها ذات يوم مبدعةً بين أقرانها.
طافت يوجين بين البلدان، وارتقت إلى مرتبة قائدة فريق، واحترمها الجميع لطموحها وإبداعها.
ولم يكن الزواج يعني لها الكثير وسط طموحاتها، مثلها مثل كثيرين من جيلها، الذين باتوا يعدّون الزواج قيدًا لا سبيلاً إلى السعادة.
كنا كثيرًا ما نهمس في متجرنا الصغير: “لا تفتحوا باب الحديث عن الزواج للشباب، دعوهم يأتون به حين يشاؤون.”
كنت أقول في نفسي، مزهوةً بتجربتي:
‘لو خُيّرت ثانيةً، لما وطئتُ درب الزواج.’
من ذا الذي يرغب في قيودٍ، وعالمٌ كامل ينتظر أن يُكتشف؟
تعمل، تسافر، تحب كما يحلو لكَ، بلا قيود ولا حدود.
لكن إن كانت يوجين قد وجدت حبّها، وسعادتها فيه، فلن أكون إلا أول المباركين.
سرحتُ بعيدًا في أحلامي، فلم أرَ الحجر الذي اعترض طريقي، فتعثرت، وكدت أهوي أرضًا.
امتدت يدي تستنجد بالجدار، وتألّم معصمي من أثر السقوط.
آهٍ، كم يخذلنا الجسد حين تسرح بنا الروح بعيدًا…
نسيم يوليو الدافئ لامس عنقي، والعرق بدأ يخط سطوره على ملابسي.
لا بد أن أبدو أنيقةً، مشرقةً، أمام زوج حفيدتي المنتظر.
رفعت رأسي بقوة، وقلت همسًا: “سأنجح.”
أمامي، امتد المشهد المعتاد، وكأنه لوحةٌ قديمةٌ لا تبهت ألوانها:
جدرانٌ يتدلّى منها عبق أزهار البوق البرتقالية، وأعمدة كهرباءٍ مائلة تحضن البحر الأزرق الخفي بين ذراعيها.
ذلك البحر… الذي عشتُ على ضفافه عمرًا.
“أمــي!”
سمعت الصوت ينبثق من أعماق الذاكرة.
تخيلت طفلةً تركض نحوي من بين الأمواج، شعرها قصيرٌ يلامس جبهتها، عيناها سوداوان كالتوت الناضج، وحقيبتها الحمراء تتراقص فوق كتفيها الصغيرتين.
ترى، هل احتضنتُ تلك الطفلة يومًا؟
هل شددتها إلى صدري كما ينبغي؟
هززت رأسي، أفرّ من طيفٍ يطاردني منذ سنين.
لكن الألم كان أسبق من أن ينسى.
كطعناتٍ خفية، كان الندم يثخن قلبي، كلما حاولت النسيان.
لماذا لا يذهب الألم مهما مرت السنين؟
هززت رأسي برفض، وقلت لنفسي:
“ما فات لا يُبدَّل. الأخطاء، الندم، الخيبات… تظل كالوشم في القلب.”
ليس أمامنا إلا أن نسير قُدمًا.
خطوةً… فخطوة…
أليس هذا كل ما يُمكن للإنسان أن يفعله حين يطوي العمر صفحةً تلو صفحة؟
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"