بـعـد 24 عـامًــا

تَرَشَّحَتْ المياه بشكل قوي عندما انغَمَسَت جوان في مياه بولينيزيا. 

من حولها، تفرَّقَتْ أسرابٌ حيوية من الأسماك في كل الاتجاهات، وحركاتها الصامتة خلقت طيفًا من الألوان الزاهية، كأنها لوحة متنقلة تهرب من أعين الناظرين.

‘آه، هذا الشعور لا يُضاهى.’

فكرت جوان في نفسها. 

“لماذا أشعر بأنني على قيد الحياة فقط حين أغوص في هذا البحر الأزرق العميق والحي؟”

انطلقت في المياه كالحورية، وكأن جسدها مجهَّزًا بزعنفة كبيرة. لكن جوان لم تكن حورية بحر، بل كانت رياضية في الغطس الحر.

من أصل كوري وبريطاني، أظهرت جوان موهبة استثنائية، فبعد تسعة أشهر فقط من تعلُّم الغطس وهي طفلة، كانت قد وصلت إلى عمق 100 متر.

“ربما وُلِدتُ من أجل البحر.”

كانت جوان تشعر بذلك كلما دخلت المياه. ذات مرة قالت لأبيها إنه يبدو وكأنها قد وُلدت لتعيش في البحر. كان والدها يهز رأسه، ضاحكًا على خيالها الواسع.

“أنا مباركة من بوسايدون!” قالتها، مبتسمة.

“بالطبع، بالطبع.” كان يجيب بابتسامة.

“مباركة من بوسايدون؟ بل من الساحرة البحرية سيرين!” 

كان أخوها يعلِّق من بعيد، دائمًا مستعدًا للسخرية من حماستها.

لكن جوان لم تدع سخريته يؤثر فيها. سواء كانت سيرين أو ابنة بوسايدون، كان البحر دائمًا مصدرًا لا ينضب من الراحة والسكينة بالنسبة لها.

ثم سمعت الصوت… صوتًا عميقًا ورنانًا.

بــووونــغ!~

رفعت رأسها، فشاهدت ظلَّ قارب ضخم يلوح فوق سطح المياه.

‘هذا هو.’ فكرت جوان في نفسها.

عبست، حتى تحت الماء.

“لقد تم تحذيركِ بعدم الغطس هنا.”

دوى صوت رجل بارد عبر مكبر الصوت.

ظهرت جوان وألقت نظرة إليه. كان على القارب مديرها وبعض الموظفين، الذين كانوا يعترضون بشدة. 

رغم أن لديهم إذنًا حكوميًا كاملاً للغطس في المنطقة، كانت اللجنة المحلية قد اعترضت بشدة، مشيرة إلى المخاوف البيئية.

“أليس هذا ذهابًا بعيدًا؟”

خفض الرجل مكبر الصوت. كان طويلًا، ذا بنيان قوي، وحضور قائد لا يُخطئ. ورغم أن نظاراته الشمسية كانت تخفي جزءًا كبيرًا من وجهه، فإن أنفه الحاد وفكّه المربع كانا يتركان انطباعًا قويًّا.

لكن لماذا كانت جوان تركز على مظهره؟ المشكلة الحقيقية هي أنه كان المعارض لغطسها… عدوًا في نظرها!

“لماذا لا يمكنني الغطس هنا؟”

كانت تطفو على سطح الماء وهي تزيل نظاراتها، وصوتها يصل إلى قلوب الجميع وسط الأمواج، لتظهر ندبة خفيفة على جبينها تحت أشعة الشمس.

أزال الرجل نظاراته الشمسية.

رجل من أصول آسيوية؟ تحته، كشف شعره الأسود المتناثر عن وجهه الوسيم.

“لأن هذه هي المسار البحري.”

استقر نظره عليها وهو يتحدث بالكورية.

‘كوري؟’ فكرت جوان .’ويبدو أنه يعرف أنني من أصل كوري.’

“ستمرّ حوتة قريبًا. أحذركِ من باب الاهتمام—اخرجي من الماء. قد تتعرضين للأذى.”

آه، لذلك كان السبب. عَبَسَت جوان قليلًا. كانت صورته مجرد سِيَلة ظلية ضد الضوء الخلفي، لكنها اختفت بسرعة.

غمرتها مشاعر غريبة من الألفة والحنين. هل لأنه كان كوريًا؟

“جوان هاردي.”

فجأة، ناداها باسمها.

‘هل يعرفني؟’

نظرت جوان إليه مجددًا.

بعد فوزها ببطولة الغطس الحر، ظهرت جوان في وسائل الإعلام عدة مرات، لذلك لم يكن غريبًا أن يتعرف عليها الناس.

“ماذا عن الخروج معي في موعد الليلة؟”

سأل الرجل بابتسامة واثقة. انفجر الحضور على القاربين في موجة من التصفيق والتعليقات المستفزة.

‘ما الذي يفعله هذا الرجل؟’

فكرت جوان، متجاهلة إياه تمامًا وهي تصعد إلى قاربها. 

وبينما كانت تخرج من الماء، كان جسدها الرشيق والمتناسق في ملابس السباحة يتلألأ تحت أشعة الشمس، مما أثار موجة أخرى من التصفيق من قارب حرس السواحل. 

لاحظت حتى أن الرجل رفع قبضته في اتجاه الحضور، إشارة تحذير ومرحة في الوقت نفسه.

“سألتقي بك في المنتجع الساعة السابعة مساءً.”

قال الرجل.

“أوه، يا لها من سخافة.”

أجابت جوان بسخرية وضحكت ضحكة خفيفه، متجاهلة اقتراحه الجريء.

لكن ذهنها كان يتجول في ملابسها التي كانت قد وضعتها في حقيبتها.

“إذا سمحتِ لي، سأريك أفضل مأكولات بحرية في العالم.” نادى الرجل مرة أخرى. 

“وليلة لا تُنسى.”

أضاف تعليقه الأخير ليثير موجة جديدة من الضحك بين القاربين.

‘يبدو أن هذا الرجل يريد الانتحار.’

فكرت جوان، مرسلة له ابتسامة خبيثة، جذابة.

“ستكون أنت من سيحظى بليلة لا تُنسى—لكن هل أنت مستعد لذلك؟”

كان ضوء الشمس الحارق يحرق البحر، وحرارته تتلألأ عبر سطح الماء.

الــنــهــایـــة