3
استمتعوا
“هَاه!”
فتحت عينيّ على اتساعهما ونهضت فجأة من مكاني.
شدَدت اللحاف بسرعة واحتضنته بقوة، فساعدني ملمسه الناعم قليلًا على تهدئة نفسي.
‘…هذا ليس حلمًا، صحيح؟‘
أخذت أنظر حولي بسرعة.
نظرت إلى يدي.
ما زالت صغيرة وضعيفة.
ويبدو أن الحبر قد تلطخ بها لأنني غفوت أثناء الكتابة الليلة الماضية.
تحت الوسادة، وجدت الدفتر الذي كنت قد خبأته بآخر ما تبقى لي من وعي، وحين أدرت رأسي، رأيت على الطاولة المجاورة طبقًا من العصيدة الباردة.
لا شك أن الخادمة التي جاءت مبكرًا هي من أحضرته.
“أوه، الجو بارد…”
المدفأة، التي كانت مشتعلة بوهج دافئ حتى منتصف الليل، قد انطفأت دون أن أدري، ولم يبق منها سوى البرودة.
نزلت من السرير وأخذت بعض الحطب المتراكم في الزاوية وألقيته داخل المدفأة، ثم مزقت الأوراق المبعثرة التي كنت قد دونت فيها أفكاري الليلة الماضية، وجمعتها لاستخدامها كوقود للاشتعال.
لم يكن هناك حاجة للاحتفاظ بأي دليل، فقد انتهيت من ترتيب أفكاري بالفعل.
“أين أعواد الثقاب؟“
آه، الجو بارد جدًا.
ارتجفت وأنا أبحث بنظري عن علبة الثقاب فوق المدفأة، ثم وقفت على أطراف قدمي ومددت يدي.
“همم…”
قصيرة.
يدي قصيرة جدًا!
لم يكن أمامي خيار سوى التنهد وسحب الكرسي أمام المكتب.
بجهد كبير، تسلقت الكرسي ووقفت على أطراف قدمي مرة أخرى حتى تمكنت أخيرًا من الإمساك بعلبة الثقاب.
صغيرة جدًا…
حتى أن يدي، التي صارت أصغر مما كانت عليه في الماضي، بدت لي ضئيلة للغاية.
قبضت على عود الثقاب بقوة، ثم حكيته بجانب العلبة حتى اشتعل.
أشعلت الورقة وألقيتها داخل المدفأة، وسرعان ما التهمت النيران الحطب الجاف.
أبعدت الكرسي وجلست القرفصاء بالقرب من اللهب، أنفخ في يدي وأدفئ جسدي.
كان والدي يأتي دائمًا في الليل، إما قبل أن أنام أو بعد أن أغفو، ولهذا السبب، لم تكن مدفأتي تُشعل عادةً إلا في وقت متأخر من بعد الظهر، عندما يُحضر لي العشاء.
‘الخادمات ماكرات كما هو متوقع.’
لكنني اعتدت على الأمر، فقد تعرضت لمضايقاتهن لفترة طويلة.
لم يكن الأمر يصل إلى حد الاعتداء أو الأذى المباشر، لذا لم يكن لدي رغبة في الانتقام.
فإن كنت أعتبر نفسي من العامة، فمن الطبيعي أن أتعلم إشعال المدفأة بنفسي عندما تنطفئ.
كما أن مجرد إحضارهن لي الطعام هو أمر يستحق الامتنان.
فبدلًا من تجاهل حفيدته المريضة التي لا تفعل سوى استهلاك نفقات العلاج، على الأقل منحني جدي خادمة تعتني بي، وهذا في حد ذاته نوع من اللطف.
نهضت وجلست على السرير بعد أن دافئ جسدي، ثم بدأت أتناول العصيدة الباردة بسرعة قبل أن أضع الوعاء جانبًا.
‘أولًا، عليّ الذهاب للحصول على الصحيفة اليوم.’
في هذا العمر، لم أكن أقرأ الصحف بعد، لكن إذا تحدثت مع كبير الخدم، يمكنني الحصول على الجريدة التي قرأها جدي.
كبير الخدم كان من القلائل في هذا المنزل الذين لا ينظرون إليّ بازدراء، لذلك كنت أشعر بالراحة عند الحديث معه.
نزلت من السرير وارتديت فستانًا من الخزانة، ثم التحفت بشال.
كان ارتداؤه بيدي الصغيرة أمرًا متعبًا، مما جعله يبدو مائلًا قليلًا، لكنه كان دافئًا، وهذا ما يهم.
القصر الذي كنت أعيش فيه مع والدي كان جناحًا منفصلًا عن القصر الرئيسي.
يُقال إن جدي طرد والدي إلى هنا لأنه لم يكن يريد رؤيته بعد أن أحضرني معه.
‘…كان مخيفًا للغاية.’
كنت قد رأيته بضع مرات في الماضي.
على عكس والدي الذي كان يتمتع بمظهر وسيم وهادئ، كان هو ضخم الجسد وعابس الملامح، وكان يرمقني دائمًا بنظرات حادة.
ولهذا، كنت أخشى جدي…
بل بالأحرى، كنت أخشى سيد العائلة.
لففت الشال بإحكام حولي وخرجت.
كان الطقس باردًا جدًا بسبب الشتاء، ولم يكن الشال كافيًا لحمايتي من البرد القارس.
رأيت تمثالًا لحيوان واقف على أربع أرجل بأنياب حادة وطويلة.
كان النمر الأسود، رمز العائلة.
دوقية تيغريتو.
إحدى الدعائم الأساسية للإمبراطورية، التي تسيطر على الأراضي الجنوبية الشاسعة.
كان هناك أسطورة تقول إن سلف العائلة كان نمرًا أسود حمى التنين الذهبي، لذلك أصبح هذا الحيوان رمزًا للعائلة.
أما جدي، ماغنوم تيغريتو، سيد الدوقية الحالي، فكان بطل الإمبراطورية الذي قهر جميع القبائل البربرية في الجنوب وجلب السلام للمنطقة.
قيل إنه يملك قدرة غامضة، لكن كل ما كنت أعرفه أنه كان يترك خلفه رائحة احتراق كلما مرّ بمكان ما.
في الماضي، كنت أجمع المعلومات لأحاول كسب محبته، لذا كنت أعرف عنه الكثير.
وأكثر ما كان يكرهه هو التمرد والأنساب غير الواضحة… لكن والدي خالف كلا الأمرين.
ولهذا السبب، تم طردنا إلى الجناح المنفصل.
سرّعت من خطواتي، واستغرقت ساعة تقريبًا للوصول إلى القصر الرئيسي.
حين كنت صغيرة وأحمل في أحضان والدي، لم يكن الأمر يستغرق حتى عشرين دقيقة.
“هاه… الجو بارد.”
يجب أن أنهي حديثي سريعًا وأعود.
عندما اقتربت من بوابة القصر، نظر إليّ الحراس بتعبير متشكك، ثم عبس أحدهم وسأل:
“…من أنتِ؟ إذا كنتِ تبحثين عن مساكن الخدم، فهي هناك.”
كما توقعت، لم يكونوا يعرفونني، فقد كانت هذه ثالث مرة أزور فيها القصر الرئيسي في هذا العمر.
“أوه… لا، في الواقع، جئت لمقابلة كبير الخدم.”
“كبير الخدم؟ هل أُرسلتِ في مهمة ما؟ لم نتلقَّ أي تعليمات بشأن ذلك… هل يعرف أحدكم من تكون هذه الطفلة؟“
وبينما كانوا يتناقشون، انحنى أحد الحراس وأخرج شيئًا من جيبه.
كانت قطعة حلوى.
“آسف يا صغيرة، لكن لا يمكن لأي شخص الدخول إلى هنا…”
وفجأة، قاطعهم صوت مألوف:
“ما هذه الجلبة؟“
ارتبك الحارس وقفز واقفًا بسرعة.
آه، إنه صوت مألوف، وإن كان يبدو أكثر شبابًا الآن.
التفتُ إليه بوجه مشرق وابتسمت.
“كبير الخدم بيل! آسفة على القدوم فجأة!”
بدأت أقفز في مكاني وألوّح بيدي حتى أتمكن من لفت انتباهه.
“أخبرتني من قبل أنه يمكنني المجيء إليك عند الحاجة… هل تتذكرني؟“
حدّق فيّ للحظة، ثم اتسعت عيناه في صدمة.
“…الانسة ليديا؟“
“نعم! أنا ليديا!”
“يا إلهي، لقد جئتِ وحدكِ في هذا الطقس البارد؟ ما الذي جاء بكِ إلى هنا…؟ لا، بادئ ذي بدء، ادخلي بسرعة.”
“أوه….”
هل يمكنني الدخول حقًا؟
أملتُ رأسي قليلًا بتردد.
أعتقد أن جدي قال لي سابقًا ألا أقترب حتى من القصر الرئيسي.
‘ماذا لو أدخلني وتسبب ذلك بمشكلة لكبير الخدم ؟‘
ابتسمتُ ابتسامة عريضة وهززتُ رأسي بقوة.
“لا، لا بأس! عليّ الذهاب بسرعة! في الحقيقة، أنا هنا من أجل الصحيفة!”
“…الصحيفة؟“
“نعم! هل يمكنك إرسال الصحيفة التي ينتهي جدي من قراءتها مع وجبة العشاء؟“
اتسعت عينا كبير الخدم بدهشة، ثم أومأ برأسه في حيرة.
“هذا ليس بالأمر الصعب… لكن، على الأقل ادخلي قليلًا لتدفئي جسدكِ، وسأطلب تجهيز عربة لكِ.”
“لا، لا بأس! يمكنني الاعتناء بنفسي!”
قبضتُ يدي الصغيرة بإحكام، محاوِلةً أن أبدو واثقة ومفيدة، لكن كبير الخدم قطّب جبينه قليلًا.
‘آه، هل تصرفتُ بتسرع؟ يجب أن أذهب قبل أن أفسد الأمر.’
بصراحة، الجو بارد جدًا.
“شكرا لك! إذن من فضلك! إنه أمر لا بد منه! إذن سأذهب!”
انحنيتُ بسرعة ثم هرولتُ نازلةً الدرج بخطوات سريعة.
“آنسة! انتظري لحظة، سأجلب لكِ وشاحًا…!”
ناداني كبير الخدم على عجل، لكني لوّحتُ له بيدي رافضةً.
‘انتهى الأمر!’
شعرتُ بدقات قلبي تتسارع، فوضعتُ يدي على صدري. لحسن الحظ، لم أرتجف أثناء حديثي.
‘صحيح أن جسدي أصبح أصغر، لكنه أقوى مما كان عليه في الماضي.’
لقد مشيتُ لمدة ساعة، ومع ذلك لا يزال بإمكاني السير أكثر.
حقًا، طاقة الأطفال لا تُستهان بها.
حاولتُ العودة بنفس الحماس الذي جئتُ به، لكن الهواء البارد جعل وجنتيّ تتجمدان، فارتجف جسدي لا إراديًا.
كما بدأتُ أشعر ببعض الألم في ساقي.
“آه…”
هل يجب أن أستريح قليلًا؟
تلفتُّ حولي، ولاحظتُ مجموعة من القطط متجمعة تحت شجرة، تتشابك أجسادها بإحكام.
‘تبدو دافئة…’
نظرتُ بحذر، ثم اقتربتُ منها ببطء وانخفضتُ إلى مستواها.
أطلقت القطط مواءً غير مرتاح وهي تحاول التملص، لكن عندما دسستُ يدي بين أجسادها المتلاصقة، شعرتُ بدفء لطيف.
“اسمحوا لي أن أنضم إليكم قليلاً…”
بهدوء، احتضنتُ إحدى القطط الكبيرة، فأطلقت مواءً غير مرتاح، لكنها سرعان ما هدأت.
وبعد لحظات، بدأت القطط الأخرى القريبة تتجمع حولي، وكأنها استلطفت دفء جسدي، متلاصقة معي بإحكام.
مع هذا الدفء المريح، شعرتُ بجفوني تثقلان ببطء.
‘سأرتاح قليلًا ثم أواصل طريقي…’
وبمجرد أن خطرت هذه الفكرة ببالي، تدلى رأسي إلى الأمام.
“…ما هذا بحق الجحيم؟“
لم أكن أعلم أن صوتًا خشنًا وحادًا، يحمل مزيجًا من الدهشة والانزعاج، قد انطلق فوق رأسي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter