* * *
جاء الربيع. و بدأت البراعم تنبت، وأصبحت الأيام مليئة بتغريد الطيور كل صباح.
لكن قلبي كان يعيش عاصفة ثلجية شمالية.
“سيّدة ماريان، هل أنتِ مستعدّة؟”
“آه… السّيدة مارتشي، هل يجب أن نفعل هذا حقًا؟”
“آه، ما الذي تقولينه؟ لقاء العائلتين قبل الزواج أمر ضروري!”
نعم، لقاء العائلتين.
أنا، التي عشتُ طوالَ حياتي معتقدةً أنني يتيمة بلا عائلة، وجدتُ نفسي أشارك في لقاء عائلتين.
في الشّتاء الماضي، بعد أن تقدّمَ كايدن لخطبتي، تقدمت استعدادات زواجنا بسرعة. بما أننا مررنا بهذا من قبل، ظننت أن الأمور ستسير بسلاسة…
“ماريان، ألا تعتقدين أن علينا مناقشة الزواج مع الماركيز فرناندي؟”
“آه، صحيح. يجب أن نفعل ذلك، أليس كذلك؟ إنه يرسل رسائل من حينٍ لآخر… هل نرسل له دعوة الزفاف؟”
“…دعوة زفاف فقط؟”
“نعم، لماذا؟”
توقّفَ كايدن للحظة ثم ذكّرني بما نسيته:
“حسنًا، الماركيز فرناندي هو جـدّكِ . لذا، بدلاً من مجرّد دعوة زفاف، سيكون من الجيد أن تجتمع عائلاتنا معًا.”
“آه…! أنتَ تقصد لقاء العائلتين، أليس كذلك؟”
“نعم.”
حتى تلكَ اللحظة، كان قلبي مليئًا بالحماس.
لقـاء عائلتين مع أقرباء بالدم! يا له من حلم!
“لم أفكر في هذا أبدًا. سأتحدّث إلى الماركيز.”
“جيد. و…”
توقّفَ كايدن للحظة ثم تكلم ببطء:
“ألا يجب أن نتصل بملك الشّياطين أيضًا؟”
“……”.
حسبَ كلام كايدن، كان وجهي في تلكَ اللّحظة يشبه ورقة مجعدة. دونَ وعي، شعرت برفض غريزي لفكرة إظهار ملك الشياطين لعائلة كايدن.
“…هل هذا ضروريّ حقًا؟ لا أعتقد أنه مهتمّ بزواج البشر.”
“ربّما إنْ زواج البشر الآخرين، لكن زواجكِ سيثير اهتمامه بالتأكيد. و هناك أيضًا الوعد الذي قطعتهِ عندما أنقذني.”
“…..”.
نعم، عندما كان كايدن في غيبوبة، وافق ملك الشياطين على إنقاذه مقابل “تبادل التّحية فقط في المناسبات المهمة”.
الزواج كان مناسبة مهمة. مناسبةً مهمّةً للغاية…
في الحقيقة، كان ملك الشياطين يرسل رسائل من حينٍ لآخر. بما أنه كان يقيم في قصر الماركيز فرناندي، كانت رسائله تأتي مع رسائل الماركيز.
لكنني كنتُ أردّ فقط على رسائل الماركيز. وكيف لا، فمحتوى رسائل ملك الشياطين كان يشبه هذا:
[أنا أنظر إلى صورة شارل. أريد رؤية وجهكِ أيضًا.]
بدونِ مقدمات، سطران فقط. عندما تلقيت الرسالة الأولى، فكّرت كثيرًا في كيفية الرد، لكنني تجاهلتها في النهاية.
تراكمت الرسائل حتى تجاوزت العشرة.
“والداي سيكونان موجودين أيضًا، فماذا لو التقينا جميعًا؟”
سألَ كايدن وهو يراقب تعابيري. كان مظهره المتردد لطيفًا بعضَ الشيء، لكن فكرة وجود والديه جعلتني أكثر قلقًا.
والداه لا يعرفان شيئًا عن ملك الشياطين، فهل من الجيّد أن يلتقيا؟ هل يمكن توقع أدنى درجات اللياقة من ملك الشياطين؟ بدا وكأنه سيتحدّث بوقاحة.
شعرت بصداع يقترب.
“ماريان.”
ناداني كايدن بصوتٍ هادئ وهو ينظر إليّ.
ترددت، ثم أطلقت تنهيدة صغيرة و أومأت.
“…سأكتب الرسالة.”
“قرار جيد.”
وهكذا مـرَّ الوقت…
* * *
صوت سعال محرج.
جوّ مشحونٌ بالتوتر. وجوه متردّدة قليلاً.
بدأ لقاء العائلتين.
في قاعة الولائم في قصر الدّوق الأكبر بالعاصمة، تجمّعَ أفراد العائلتين حول طاولة ضخمة.
جلسَ الدّوق السّابق، الأكبر سنًا ظاهريًا، في رأس الطاولة. على يمينه جلس والدا كايدن، وعلى يساره جلسَ الماركيز فرناندي و ملك الشياطين.
جلست أنا و كايدن في نهاية كل عائلة.
كان بليد على كتفي.
بما أنها مناسبة مهمّة، ارتدى الجميع ملابس رسمية. ارتديت أنا و الرجال زيًا رسميًا، بينما ارتدت والدة كايدن فستانًا.
بدأ الدّوق السّابق الحديث:
“حسنًا، شكرًا للجميع على القدوم من بعيد. أولاً، هذا هو الماركيز فرناندي، جـدّ ماريان الذي وجدَ حفيدته المفقودة.”
أومأ الماركيز بتحيّةٍ خفيفة.
“و هذا ابني، باستيان، والد كايدن.”
أومأ والد كايدن أيضًا.
“و هذه زوجة ابني، ليليان، والدة كايدن.”
أومأت والدة كايدن.
“وهذا…”
كنتُ متوترةً إلى درجة الجنون.
لقد أوصيتُ ملك الشياطين في الرسالة بألا يتحدث بوقاحة و أن يحترم آداب اللياقة الأساسية.
طلبتُ أيضًا من الماركيز تعليمه لضمان عدم قوله شيئًا غريبًا، لكن بما أنه ملك الشياطين، لم أكن متأكدةً من كيفية سير الأمور.
“والد ماريان، المرتزق داميان، الذي وجد ابنته المفقودة.”
أومأَ ملك الشياطين برأسه. شعرت بالراحة.
اتفقنا، من أجل والديّ كايدن اللذين لا يعرفان شيئًا عنه، على تقديمه كمرتزق متجوّل.
خشيت أن يرفض ملك الشياطين، لكنه قال فقط ببرود: “افعلي ما تريدين.”
“و أخيرًا، صديق ماريان، التنين بليد.”
طارَ بليد و لوّح بتحيّةٍ في الهواء ليراه الجميع.
بعد انتهاء التقديم، نهض كايدن.
“أشكر عائلاتنا التي جاءت على عجل لخبر زواجنا. آمل أن تكون هذه فرصة لتناول الطعام و التعرف على بعضنا بشكلٍ مريح.”
بعد كلماته، دخلَ الخدم وبدأوا في تقديم الطعام. مع انتشار رائحة الطعام اللذيذة، أصبح الجو أكثر استرخاءً.
سأل الدّوق السابق الماركيز:
“كيف حال الإقطاعية هذه الأيام؟ هل تظهر الوحوش؟”
“كما تعلم، بما أن الشّخص الذي يقيم في قصر الماركيز…”
“آه.”
مـرَّ جو محرج بينهما للحظة.
نظرت إلى ملك الشياطين من زاوية عيني، و أنا قلقة من أن ينزعج. لكن لحسنِ الحظ، لم يظهر أي رد فعل، فقط نظرَ إليّ بوجه خالٍ من التعبير.
عندها، قالت ليليان، والدة كايدن:
“أنا سعيدة جدًا لأن ماريان وجدت جدّها و والدها المفقودين.”
أجابَ الماركيز:
“شكرًا ، إنه حقًّا يبدو كالحلم.”
نظرَ إليّ بعيون حالمة. كلما نظرَ إليّ الماركيز هكذا، شعرت بالحرج و اختبأت خلف ملك الشياطين كدرع.
واصلت ليليان سؤالي عن أحوالي:
“ماريان، هل أنتِ بخير؟”
“نعم. عادت هالتي مؤخرًا.”
“آه، هذا رائع. في الحقيقة، كنتُ منهارة عندما سمعت عن حملكِ… و الأخبار التي تلت ذلك. كان يجب أن أعتني بكِ، لكنني كنتُ مريضة جدًا حينها…”
عبّرت عن أسفها بصوتٍ ضعيف. تفاجأت بذكر قصة الحمل المزيفة، لكنني هززت رأسي لأطمئنها.
“لا، سيّدتي. أنا الآن بصحّةٍ جيّدة بما يكفي للتدرب طوالَ اليوم، فلا داعي للقلق.”
“هذا جيّد. لكن ناديني أمي الآن. نحن عائلة، أليس كذلك؟”
شعرتُ بالدهشة والفرح. ترددت للحظة ثم قلت:
“حسنًا، سأفعل.”
“جيّد. أنا سعيدة جدًا لأن لدينا عروسًا صحية كهذه. أليس كذلك، عزيزي؟”
“بالطّبع، عزيزتي. جرّبـي هذا.”
“آه، يا له من زوج!”
كان باستيان، والد كايدن، منشغلاً تمامًا بليليان، يحاول إطعامها.
احمرّ وجه ليليان و تصرّفت كفتاة خجولة.
هـزّ الدّوق السابق رأسه لهذا المشهد، بينما بدا كايدن معتادًا عليه.
بعد أن أكلت ليليان القليل، سألت ملك الشياطين:
“إذن، داميان، لقد وجدت ماريان بعد أكثر من عشرين عامًا؟”
ارتفعَ التوتر فجأة. نظرت إلى ملك الشياطين بقلق، فالتقت نظراتنا للحظة قبل أن يتكلم:
“نعم.”
هاه. لم يتحدث بوقاحة، و مـرّ الأمر بسلام. شعرت بالراحة، لكن كلماته التالية جعلتني أتجمد:
“أشعر بالأسف فقط لأنّني لم أستطع التّعرف على طفلتي بعد أن كبرت على الفور.”
التعليقات لهذا الفصل " 95"