صوتٌ مخيفٌ تردَّد في سماء الليل. كان يشبه صرخة كائنٍ لا ينتمي لا إلى البشر ولا إلى الوحوش، مما جعله أكثر غرابة.
شعرتُ بقشعريرةٍ تسري في جسدي.
“وجهه…”
عندما تمتمَ كايدن، نظرتُ إلى وجه فيليس فوجدتُ جلده يذوب .
سرعانَ ما انبعثت منه هالةٌ غير طبيعيّة.
أنا وكايدن وجَّهنا سيوفنا نحوه على الفور.
بدأ فيليس، الذي تحوَّل بشكلٍ غريب، يتألَّم وهو يمسك بوجهه.
“لا… يجب أن أقضي على البشر… آه، الاندماج، الاندماج لا يحدث…”
ثم فجأةً، فتحَ عينيه بعنف. نظر إلينا بنظرةٍ حادّة وقال:
“بسببِ هؤلاء البشر المزعجين، تعطَّلت خطتي.”
تمتمتُ دون وعيٍ من شدّة الذهول:
“لماذا الأشرار يجيدون لوم الآخرين هكذا؟”
“ماريان، إنه قادم.”
ما إن انتهى كايدن من كلامه حتى انقضَّ فيليس نحونا كالسهم.
“بليد!”
[تمسّكا جيّدًا!]
مع صرختي، هبط بليد بسرعة. انحنيتُ أنا وكايدن و تشبَّثنا بحراشف بليد الصلبة المرتفعة قليلًا.
مـرَّ فيليس فوقنا في لمح البصر.
تمتمَ كايدن:
“لو اصطدم بنا مباشرة، لكدنا نسقط.”
و هكذا بدأ سباقٌ بين بليد و فيليس. كانا يطيران في الجو متعرِّجين، بينما يهدِّد كلٌّ منهما الآخر.
صرخَ فيليس نحو بليد:
“أليس التنّين تابعًا لنـا، نحن الشياطين؟! سلِّم هذين البشريَّين!”
[أيًّا كان، أنا لستُ في صفّك!]
“أيّها الوغد!”
أطلقَ فيليس سحرًا ناريًّا قويًّا. ردَّ كايدن عليه بضربةٍ من سيفه فصدَّه على الفور.
صرختُ موجّهةً سؤالي إلى بليد:
“بليد، هل أنتَ بخير الآن؟ هل تعرف شيئًا عن نقاط ضعف هذا الرجل، بما أنكما من نفس الجنس الشيطاني؟”
[أنا منهمكٌ في هذا الطيران المجنون بعد أن أصبحتُ بالغًا، و أشعر أن شعرَ رأسي سينفجر! فكّري بنفسكِ!]
“أنتَ لا تملك شعرًا أصلًا!”
[إذا دقَّقتِ النظر، سترين زغبًا!]
صرخَ بليد بصوتٍ مليء بالغضب.
بدا و كأن صوته وهيئته أصبحا يتردَّدان في السماء، بينما يسمعهما الجميع.
كان كايدن مشغولًا بـصدِّ الهجمات السحريّة التي يطلقها فيليس.
حاولتُ أن أفكّر بسرعة.
“لا أعرف. سأستهدف قلبه أولًا!”
بينما كنتُ أتّخذ وضعيّة الهجوم، صرخَ كايدن:
“القلب هو الهدف الصحيح! لكن لن يكون الأمر سهلًا!”
كما قال، كان استهداف قلب فيليس يشبه المعجزة.
بينما كان بليد و فيليس يؤدّيان حركاتٍ بهلوانيّة مذهلة في الجو، كانت هجماتٌ سحريّة تتسلّل بين الفينة والأخرى، و كان كايدن مشغولًا بصدِّها.
حتّى مع وجود كايدن و تنّين إلى جانبي كحليفين، كان من الصعب جدًّا مواجهة فيليس وحده.
علاوةً على ذلك، كنتُ قد استنفدتُ طاقتي بالكامل.
بصراحة، لم يكن لديَّ حتّى القوّة لرفع السيف.
ومع ذلك، ربّما أستطيع استجماع آخر هالةٍ لرميها نحو قلب فيليس.
بدأتُ ببطءٍ في توجيه الهالة إلى سيفي.
إذا أصبتُ الهدف بدقّة…
[آه!]
“بليد!”
ثُقب الجناح الأيمن الكبير لبليد. لقد أصابه أحد السهام السحريّة العديدة التي أطلقها فيليس كالإبر.
[آه، لا أستطيع الطيران أكثر! تمسّكا جيّدًا!]
هبطَ بليد نحو الأرض.
كانت السرعة تزداد، وشعرتُ أن جسدي سيرتفع في الهواء. عندها صرخَ كايدن:
“ماريان، هل أنتِ بخير؟!”
“نعم، نعم!”
اضطررتُ إلى نقل الهالة التي كنتُ أضعها في السيف إلى يدي لأتمسَّك بحراشف التنّين بقوّة.
في تلكَ اللحظة، شعرتُ بإحساسٍ مشؤوم، و سَرت قشعريرةٌ في ظهري.
تقابلت عيناي مع عيني فيليس، الذي كان يهبط بنفس السّرعة بجانبنا.
فتحَ عينيه على وسعهما و مزَّق فمه بالصّراخ:
“موتوا موتوا موتوا موتوا!”
صرخَ فيليس كالمجنون و هو يطلق سحرًا أسود مشؤومًا بعشوائيّة.
كان كايدن يصدُّه بجهد، لكن بعض الضربات أصابت بليد لا محالة.
[آغغ! آآه!]
“بليد!”
ناديتُ على بليد بقلبٍ يعتصره الألم.
في تلكَ اللحظة، كنتُ أتشبَّث ببليد الذي كان يهوي إلى الأرض بسرعةٍ أكبر، و لم أكن قادرةً على فعل شيء.
كان الحفاظ على الهالة في يدي يستنفد قوايَ بالكامل.
“آه، فيليس!”
في تلكَ اللحظة، رمى كايدن سيفه المشحون بالهالة نحو فيليس. اخترق السّيف جناح فيليس بعد أن مـرَّ بجانب خصره.
“آآخ!”
صرخَ فيليس و ابتعد عنّا. رأيتُ الدم يتناثر من خصره.
فوجئتُ أنا أيضًا.
“الدّوق؟!”
أن يرمي الفارس سيفه؟
نحنُ الذين نعتبر السّيف امتدادًا لأطرافنا.
كان هذا تصرُّفًا لم يكن ليحدث أبدًا في الظروف العاديّة، مما يعني أنّنا في أزمةٍ حقيقيّة.
قال كايدن:
“إذا أصيب بليد أكثر، قد يموت.”
شعرتُ بألمٍ في قلبي و أنا أرى تنّيني الصغير مغطّى بالجروح.
كان الدم الذي يتدفَّق من جانبه و أماكن أخرى، يتناثر في الهواء.
أمام هذا المنظر، ضبابٌ غشى عينيَّ.
[أنا، آه، بخير! هذا لا شيء!]
حاولَ بليد تحمُّل الألم و تظاهرَ بالقوّة. عضضتُ شفتيّ بقوّة عند سماع صوته.
لحسنِ الحظ، بدا أن فيليس أُصيب أيضًا بجروحٍ خطيرة. كان يهبط وهو يمسك خصره بيده المتحوّلة بشكلٍ غريب.
حاولَ بليد تقليل السرعة مع اقترابنا من الأرض، لكنّه أطلق أنينًا بسببِ الضغط على جروحه.
ما إن وصلنا إلى الأرض حتى نزلنا أنا وكايدن من على ظهر بليد لتخفيف وزنه ولو قليلًا. كنتُ قلقةً جدًّا و لا أستطيع الوقوف ساكنة.
“بليد، هل أنتَ بخير؟ ماذا أفعل…”
[مثل هذه الجروح تلتئم باللعاب.]
“لكن…”
عندما عانقتُ بليد الكبير بحنان، سمعتُ تمتمة كايدن من جانبي:
“…أشعر بالغيرة.”
[استعدّا و انظرا إلى فيليس.]
كما قال بليد، عدَّلتُ وقفتي و نظرتُ إلى فيليس.
كان قد هبط على بُعد خمسة أمتار منّا، و هو يحرّك جناحيه.
رفعتُ سيفي بوجهٍ متوتّر، و نظرتُ إلى كايدن من زاوية عيني و سألتُ:
“دوق ، هل أعطيكَ سيفي؟”
“لا، لا بأس.”
“أنا مرهقة الآن ولا قوّة لديّ. أعتقد أنّه من الأفضل أن تستخدم سيفي.”
“لا ينبغي لفارسٍ أن يعطي سيفه لشخصٍ آخر.”
“لكن…”
رفعَ كايدن خنجرًا احتياطيًّا كان يحمله.
“انظري إلى الأمام، ماريان.”
نظرتُ إلى فيليس وأنا أشعر بالقلق.
كان فيليس يطأطئ رأسه، يترنَّح بطريقةٍ غريبة وهو يتمتم:
“أنا أتألَّم… جسدي غريب. لماذا…؟”
عندما دقَّقتُ النظر، رأيتُ أن أجزاءً من جسده تنتفخ و كأنّ شيئًا ما يحاول الخروج. ثم ظهرت ذراعٌ أخرى من خصره المصاب بجروحٍ خطيرة بفعل كايدن.
فأخذ فيليس يصرخ.
“أصبح لديه أربعة أذرع.”
قال كايدن بصوتٍ متوتر.
تمتمتُ أنا أيضًا بينما أتصبَّب عرقًا باردًا:
“هذا الشكل يشبه…”
“نعم. يبدو أنّه يتحوَّل إلى وحش.”
كما قال، كان جسد فيليس ينمو بصوتٍ مخيف، و وجهه يتحوَّل إلى فـمٍ يشبه الوحوش أو الكائنات الشيطانيّة، و بدأ شعره ينمو بسرعة.
[هذه هي عقوبة امتصاصه لجوهر ملك الشياطين بطريقةٍ غير طبيعيّة.]
عندما تمتم بليد، رفعَ فيليس رأسه فجأة. لم يعد وجهه يحمل أيّ ملامح بشريّة.
“ملك الشياطين؟ ما الذي يعنيه ملك الشياطين…؟”
فجأة، صرخ:
“أنا…! أنا الآن ملك الشّياطين و الوحوش! سأقتل كلّ البشر و أصبح سيد هذه الأرض!”
كآخر محاولةٍ يائسة، صرخَ بغضب. عبستُ و صرختُ:
“انظر إلى نفسكَ، فيليس! أنتَ لستَ شيطانًا الآن، بل وحشٌ و كائنٌ شيطانيّ! اختياركَ كان خطأً!”
“لا… لا…”
هـزَّ فيليس رأسه بألم. لكنّه ربّما أحسَّ بالنهاية تقترب.
كان واضحًا للجميع أنّه ليس في حالةٍ طبيعيّة. لقد امتصَّ جوهر ملك الشياطين فاكتسب قوّةً هائلة، لكنّه لم يستطع التحكّم بها، فبدأ جسده، الحاوية، ينهار.
‘لن يصمدَ طويلًا.’
تبادلتُ أنا و كايدن النظرات. اتّفقنا ضمنيًّا على كسب الوقت.
كان الأمر صعبًا، لكن إذا تحمّلنا، فالنصر سيكون لنا بلا شكّ.
“…لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا.”
تمتمَ فيليس و هو يميلُ برأسه. راقبته بعينين ضيّقتين.
كانت عيناه تلمعان بخطر.
“إذا كنتُ سأموت، فسأقتلكما معي.”
ماذا؟
في تلكَ اللحظة، بدأ ضوءٌ أبيض ساطع ينبعث من جسده.
[هذا الوغد المجنون…!]
“ماذا؟ ما الذي يحدث؟”
سألتُ بسرعة، فصرخَ بليد:
[إنّه ينوي الانفجار!]
التعليقات لهذا الفصل " 91"