رفعتُ رأسي عند كلام بليد، فرأيتُ الماركيز فرناندي يتردّد في الممر. كان من الواضح أنّه ينتظرني.
‘…هل هذا الممرّ الوحيد المؤدّي إلى غرفة الدّوق؟’
[لا أعرف بالضّبط. إذا كنتِ تشعرين بالإزعاج، دعينا نتجنّبه و نبحث عن طريقٍ آخر. في أسوأ الحالات، يمكننا دخول الغرفة من النّافذة.]
شعرتُ بالثقل من فكرة مواجهة الماركيز وحدي، فجذبتني فكرة بليد. لكن، بينما كنتُ أفكّر، تقابلت أعيننا.
بدا أنّه قد فاتَ الأوان لتجنّبه، فأومأتُ بتحيّةٍ خفيفةٍ بإحراج و حاولتُ المرور.
“الفارسة ماريان.”
“نعم، سيدي الماركيز.”
أجبتُ بوضعيّةٍ مستقيمة عندما ناداني. لا أزال لا أشعر أنّه جدّي، لذا قرّرتُ معاملته كما أعامل كبار النّبلاء عادةً.
“…هل تناولتِ عشاءكِ؟”
تذكّرتُ أنّ الوقت قد تجاوزَ المساء بالفعل. لم أشعر بالجوع، ولم أنتبه لمرور الوقت وأنا أبكي في الخارج.
“أنا بخير.”
“ألم تتخطّي وجبة الغداء أيضًا؟ تعالي معي.”
شعرتُ بالحيرة من تصرّف الماركيز الذي ينوي إرشادي بنفسه. لا يمكنني أن أجعل ماركيزًا يعمل كمرشدٍ لي.
“آه، سأسأل أحد الخدم لاحقًا…”
“لقد أعدّوا الطعام منذُ ساعات. وأنا أيضًا لم أتناول العشاء.”
لم أجد ما أقوله بعد كلامه.
الوقت الآن قد تجاوزَ التاسعة مساءً بالتأكيد. بناءً على ما رأيته من الدّوق السابق، فإن النبلاء في مثل عمره يتناولون العشاء بحلول السادسة و يخلدون للنّوم بحلول الحادية عشرة.
أن يظلّ بلا عشاء حتى الآن يعني أنّه كان ينتظرني بالفعل.
تبعتُه وأنا أشعر بقليلٍ من عدم الراحة و سألتُ:
“…وهل تناول الآخرون طعامهم؟”
“نعم.”
أومأ الماركيز برأسه و نظرَ إليَّ قليلًا.
“لقد وصل الأمير لوكاس على رأس جيشٍ كبير. يبدو أنّه استعدَّ جيّدًا.”
“آه…”
يبدو أن لوكاس، الذي كان يتقدّم كقوّةٍ احتياطيّة تحسبًا لأيّ طارئ، قد وصلَ أيضًا. كان سبب وجود جيشٍ كبير هو الاستعداد لمعركةٍ شاملة في حال فقدان ملك الشياطين للسّيطرة.
“كان تحضير الطعام لهم على عجلٍ أمرًا مزعجًا.”
خدشتُ مؤخّرة رأسي بإحراج. ظهور جيشٍ من عشرة آلاف جنديّ فجأةً كان كفيلًا بإرباك الماركيز. لكن، لحسنِ الحظ، اكتشاف أنني ابنة ملك الشياطين أنقذنا من الحرب، و هذا بحـدّ ذاته حسن حظّ كبير.
“الدّوق تناولَ القليل من الطعام و نـام. كان يعتمد على الأدوية للتغذية سابقًا، لذا هذا أمرٌ جيّد.”
“….!”
شعرتُ بالارتياح عند سماع أن كايدن تناول الطعام. لا بدّ أن قوّة ستيلا المقدّسة فعّالة. نظرَ إليّ الماركيز و قال:
“إذا تناولتِ طعامكِ، سيرتاح قلب الدوق.”
نظرتُ إليه بعينين متسعتين قليلًا. لاحظتُ أن عيني الماركيز المتجعدتين منتفختان قليلًا. تذكّرتُ مشهد بكائـه. لم أرَ من قبل رجلًا نبيلًا في سِنّـه يبكي هكذا.
أشحتُ بنظري و أجبتُ:
“…نعم، حسنًا.”
كانت غرفة الطعام في القلعة القديمة هادئة وجميلة.
شعرتُ بالأسف تجاهَ الخدم الذين أعدّوا كلّ هذه الأطباق الفاخرة في هذا الوقت.
على عكسِ الطاولة المبهرة، كان العشاء مع الماركيز محرجًا للغاية. كان يجلس في المقعد الرئيسي، و أنا على يمينه، كنّـا نأكل في صمت و أصوات الملاعق و الشوك تتردّد.
[يا لها من وجبةٍ هادئة.]
أومأتُ برأسي قليلًا لتمتمة بليد.
‘نعم. لكن الطّعام لذيذ. هل هذا اللحم من تخصّص منطقة فرناندي؟’
[أعتقد أنّه لحم وحش.]
‘ماذا…؟’
توقّفتُ عن تقطيع الطعام مندهشةً، وفي تلكَ اللحظة، تحدّث الماركيز:
“إذا لم يكن لديكِ مانع، هل يمكنني مناداتكِ باسمكِ فقط؟”
نظرتُ إليه بعينين متسعتين. كان التّوتر واضحًا على وجه النبيل المسنّ.
لكي يناديني أنا ، الفارسة التي أقـرَّ بها الإمبراطور و أحد اثنين فقط من سادة السيف في الإمبراطورية، دونَ لقب، له معنيان: إمّا أنّه يريد القتال، أو أنّه يريد التقرّب منّي.
من الواضح أن الماركيز يقصد الخيار الأخير.
كبتُّ رغبتي في حكّ رأسي بقوّة و أجبتُ:
“نعم، نادِني كما يناسبك.”
سعلَ الماركيز دون داعٍ و قال:
“حسنًا، ماريان.”
شعرتُ بغرابةٍ جعلت أطراف أصابعي تتشنّج.
“إذا أردتِ، يمكنكِ البقاء هنا متى شئتِ.”
“…أرجو أن تعتني بي حتّى يتعافى الدّوق.”
بما أنني سأبقى حتى يشفى كايدن على أيّ حال، أجبتُ هكذا. بدا الماركيز متأثّرًا قليلًا، كأنّه كان يريد مني البقاء في القلعة بشكلٍ دائم، لكنّه توقّفَ عن الكلام.
لكنني، بما أنني و كايدن كالجسد الواحد، لم أستطع إلّا أن أرفضَ بشكلٍ غير مباشر.
دفعتُ قطعة اللحم إلى فمي بسرعة، متمنّيةً إنهاء الطعام و الذّهاب إلى كايدن.
“إذا كان لديكِ أيّ سؤال، يمكنكِ أن تسأليني عن أيّ شيء.”
“سؤال؟”
سألتُ بوجهٍ مرتبك، فابتسمَ الماركيز بضعف.
“عن شارل… أقصد، عن والدتكِ. إذا كنتِ تريدين معرفة أيّ شيء عنها، سأخبركِ بكلّ شيء.”
“…..”
تجمّدَ جسدي للحظة.
كلمة “أمّ” كانت غريبةً جدًّا. كنتُ أظنّ أنّها كلمة لا وجود لها في حياتي…..
تردّدتُ طويلًا قبل أن أعبّر عن مشاعري بصعوبة:
“…في الحقيقة، لم أكن أعلم أن لي أمًّـا، لذا لا أعرف ماذا أسأل.”
نظرَ إليّ الماركيز للحظة ثم تحدّث:
“مظهرها، شخصيّتها، أيّ شيءٍ صغير عنها لا بأس به.”
أدركتُ فجأةً الحقيقة البديهيّة أن مظهري و طباعي ورثتهما من والديّ.
تذكّرتُ مظهر ملك الشياطين، الذي يُفترض أنّه والدي. شعرٌ أسود، عينان حمراوان، وجهٌ باردٌ كالتّمثال. لا أشبهه و لو بمقدارٍ قليل.
إذن…
“آه، ما لون شعر… أمّي؟”
تلعثمتُ دونَ قصد. لم أنطق بكلمة “أمّ” من قبل، فشعرتُ بالتوتر. وبّختُ نفسي داخليًّا على غبائي، لكن الماركيز أجابَ بابتسامةٍ لطيفة:
“ماريان، شعرها أحمر مثل شعركِ. لكن عينيها كانتا زرقاوين. أعتقد أن عينيكِ الرّماديّتين تشبهان عينيّ.”
“آه…”
“و زاوية عينيكِ تشبهها أيضًا. ورثتِها من زوجتي، أي جدّتكِ. توفّيت قبل ولادتكِ. كانت شارل في الثامنة حينها.”
تذكّر الماركيز وفاة زوجته و ابتسمَ بحزنٍ للحظة. لكنّه سرعان ما استعادَ رباطة جأشه و حثّني:
“بعد العشاء، سأريكِ لوحات عائلة فرناندي. سترين شارل و جدّتكِ أيضًا.”
“…حسنًا.”
إذن، هناك لوحات.
بالطّبع، كعائلة نبيلة كبيرة، لا بدّ أنّهم رسموا لوحاتٍ في المناسبات المهمّة.
تذكّرتُ أن كايدن قال ذات مرّة إنّه رأى لوحةً لامرأةٍ تشبهني. هل كانت تلكَ لوحة أمّي في قلعة الماركيز؟
“ماريان.”
“آه، نعم.”
انتبهتُ عندما ناداني الماركيز. تردّد قليلًا ثم تحدّث بصوتٍ متوتر، لا يليق بنبيلٍ كبير:
“قد يكون ظهور جدّكِ فجأةً أمرًا محيّرًا… لكن تذكّري أن عائلة فرناندي تقف خلفكِ دائمًا، سواء واجهتِ صعوبة، أو احتجتِ إلى مكانٍ تلجئين إليه، أو احتجتِ إلى مساعدةٍ في أيّ وقت.”
“……”
شعرتُ بالغرابة.
أخذَ قلبي يخفق بقوّة، و أطراف أصابعي تشنّجت، و كأنّ قلبي يطفو.
لم أعرف ماذا أقول.
“رغمَ كونكِ تشبهين شارل كثيرًا… لم أتعرّف عليكِ. لقد كبرتُ في السنّ.”
ضحكَ الماركيز بسخريةٍ من نفسه. استمعتُ إليه في صمت، و أنا ابتسمُ بإحراج.
* * *
بعد العشاء المحرج مع الماركيز، رأيتُ لوحة أمّي.
شعرها الأحمر المتموّج بجمالٍ و فستانها الثمين كانا يبدوان غريبين بالنّسبةِ لي.
لاحظَ الماركيز إحراجي، فقال إنّ شكل فمي و شخصيّتي الجريئة تشبهانها.
بعد قضاء وقتٍ طويلٍ معه، أصبحَ الوقت متأخّرًا جدًّا. سألني الماركيز إن كنتُ أريد النوم، لكنني اخترتُ البقاء إلى جانب كايدن للعناية به طوال اللّيل.
افترقتُ عن الماركيز و توجّهتُ إلى غرفة كايدن. لم أكن أتخيّل أن يكون لي عائلة. مشيتُ في الممر بوجهٍ ذاهل.
‘بليد.’
[ماذا؟]
‘ما شعور الطّيران في السماء؟’
[لماذا تسألين عن هذا فجأةً؟]
‘لا، فقط… أشعر و كأنّني أطفو.’
[هاه.]
جلسَ بليد على كتفي و ضحكَ بخفّة.
[حسنًا، قد يكون الأمر محرجًا في البداية، لكن حاولي التعوّد على الماركيز. إنّه قريبكِ.]
‘نعم…’
قريب. هل هناك كلمةٌ أكثر غرابة منها؟
بينما كنتُ أفكّر، وصلتُ إلى باب غرفة كايدن.
كنتُ أتوق لإخباره بكلّ هذا. كان لديّ الكثير لأسأله.
كيف كان متأكّدًا أنني ابنة ملك الشياطين؟ كان هناك الكثير من القصص لنتشاركها عندما يتعافى.
أدرتُ مقبض الباب بحذر. حرصتُ على عدم إصدار صوتٍ لأن كايدن كان نائمًا، لكن…
“لا أعرف إن كان الدّوق سيستيقظ.”
تردّدَ صوت ستيلا في أذني.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 84"