كيف يمكن أن يكون هناك شخصٌ مثل هذا؟
قبل لحظات، كان ينكر أنّه باعني إلى المرتزقة، والآن يعترف بذلك بكلّ وقاحة.
شعرتُ بالغضب يتصاعد من تصرّفاته الصادمة، لكنّني شعرتُ فجأةً بقشعريرة تُجمّد جسدي.
“يبدو أنّ أحدهم يكذب…”
تسبّبَ الصّوت المرعب في وقوف شعر رأسي. التفتُ ببطء برأسٍ متصلب لأرى ملك الشّياطين قد نهض من الأريكة.
كانت هالةٌ سوداء مشؤومة تتصاعد من جسده كالضباب.
أمام هذا المشهد المقلق، أغلقتُ أنا و وينزر أفواهنا، بينما كبحَ الآخرون أنفاسهم في توتّـر.
مسحَ ملك الشّياطين الغرفة بوجهٍ خالٍ من التّعبير:
“مَنٔ يجرؤ على خداعي؟”
ضغطت طاقةٌ هائلة على أجسادنا. سمعتُ أنينًا من هنا وهناك، و بعضهم ركع أو سقط. وقفتُ على قدميّ بصعوبة و صرختُ في وجه ملك الشّياطين:
“لا يمكن الوثوق بكلام الفارس ذي الذراع الواحدة!”
برقت عيناه الحمراء:
“و أنـتِ كذلك. ألم أطلب دليلاً واضحًا؟ هل ظننتِ أنّني لن ألاحظ محاولتكِ خداعي بهذه الكلمات التافهة؟”
“أغغ!”
تصاعدت طاقته بشكلٍ أقوى. بينما كنتُ أقاوم لأبقى واقفة، شعرتُ بالارتياح داخليًا للحظة.
كان يتسامح معنا الآن. لو لم يكن كذلك، لما انتهى الأمر بهذه البساطة.
هل لأنّه يعتقد أنّني قد أكون ابنته؟ أم لأنّ هذا المكان هو موطن المرأة التي أحبّها؟
لكنّني كنـتُ مخطئة.
“ربّما يجب أن أقتلَ الجميع.”
ماذا؟
“إذا دمّرتُ كلّ شيء، لن يبقى أيّ هناك أيّ تعلّق.”
يا لـهُ من مجنون!
غمرتني قشعريرة. لقد رأيتُ قبل أسبوعٍ فقط ما يمكن أن يحدث إذا قرّر ذلك.
الشّرخ الأحمر القاني في السماء، صخور الحمم التي تساقطت بلا توقّف، صرخات الناس، والمباني المنهارة.
لا، لا يمكن أن يحدثَ ذلك.
كنتُ على وشكِ التوسّل لكي يمنحني فرصةً أخرى، عندما سمعتُ صوتًا ضعيفًا من الخلف:
“… ماريان…”
“إنّها ابنتكَ…”
فجأةً، اختفت الهالة السوداء.
“هاه! هاه!”
تنفّسَ الجميع الصعداء و أمسكوا بصدورهم.
التفتُ نحو مصدر الصوت.
“الدّوق…!”
كان كايدن يحاول رفع جسده بصعوبة، بينما كانت ستيلا تُسكب القوّة المقدّسة فيه. استغلّت لحظة غضب ملك الشّياطين لإنقاذِ كايدن.
عندما تقابلت أعيننا، همسَ بصوتٍ خافت:
“ماريان…”
كدتُ أبكي عندَ رؤية كايدن يفتح عينيه بصعوبة.
“ما هذا الكلام؟”
مالَ ملك الشّياطين برأسه وسأل. شعره الأسود الطويل المتدلّي بدا مرعبًا.
“ماريان… هي ابنتكَ بالتّأكيد.”
تمتمَ كايدن بصوتٍ متعبٍ مرةً أخرى، وفي لحظة، ظهرَ ملك الشّياطين بجانب سريره. كان ذلكَ انتقالًا لحظيًا.
اندفعتُ نحو السّرير بفزع. كانت بضعَ خطوات فقط، لكنّني لم أستطع مواكبة حركة ملك الشّياطين. تصبّبَ العرق البارد من جبيني.
“كيف يمكنكَ أنْ تكونَ متأكّدًا من ذلك؟”
نظرَ ملك الشّياطين إلى كايدن بنظراتٍ مخيفة، كأنّه سيلوي عنقه إذا لم يقدّم إجابةً مقنعة.
شعرتُ وكأنّ دمي يجفّ.
لماذا يقول كايدن هذا؟
ألم يكن فاقدًا للوعي طوالَ الوقت؟ هل سمع كلام الآخرين حتّى في غيبوبته؟ حتّى لو كان كذلك، لماذا يقول إنّني ابنة ملك الشّياطين، وهو كلامٌ لا معنى له؟
كان رأسي على وشكِ الانفجار، لكن كايدن سألَ ملك الشّياطين :
“ما شعوركَ تجاه القوّة المقدّسة للقدّيسة؟”
ضيّق ملك الشّياطين عينيه وأجابَ:
“مزعجة.”
“وماذا عن الشياطين؟”
“تؤلمهم.”
“و ماذا عن البشر؟”
“تشفيهم.”
سعلَ كايدن بضعفٍ و واصل:
“إذن… ماذا عن ابنةٍ منكَ أنتَ مع بشريّة؟”
“…..”
لم يجب ملك الشّياطين. انتقلت نظرته من كايدن إلى ستيلا، ثمّ توقّفت عندي.
ثم أخذَ يتمتم:
“…لا أعرف.”
لم أستطع إخفاء اهتزاز عينيّ.
[الآن بعد التفكير في ذلكَ ، ماريان، ألم تتألمي من القوّة المقدّسة لستيلا؟]
همسَ بليد بصوتٍ مرتعش. تذكّرتُ ذلك أيضًا، فتشابكت أفكاري.
“…إذن، ماذا عن هجينٍ بين شيطانٍ و إنسان؟ كيف تؤثّر القوّة المقدّسة عليه؟”
عند سؤال كايدن، نظرَ ملك الشّياطين إليّ للحظة ثمّ استدعى دورانتي:
“تعالَ إلى هنا.”
لقد أدرك أنّ دورانتي هجين بين شيطانٍ و إنسان. تحرّكَ دورانتي ببطءٍ بوجهٍ متوتّر.
منذُ أن علمتُ أنّ القوّة المقدّسة تؤلمني، شككتُ في أنّني قد أكون هجينةً بين شيطانٍ وإنسان.
إذا تألّـمَ دورانتي من القوّة المقدّسة، فهذا يعني أنّني هجينة أيضًا. لكن ذلكَ لن يكونَ دليلاً على أنّني ابنة ملك الشّياطين.
لكن ماذا لو لم يشعر دورانتي بالألم؟ تشوّشت أفكاري.
عندما اقترب دورانتي من السرير، حدّقَ ملك الشّياطين إلى ستيلا. لكنّها كانت لا تزال تُسكب القوّة المقدّسة في كايدن دونَ توقّف.
كان ذلك مثيرًا للحيرة. عادةً، يُشفى الناس بسرعة من القوّة المقدّسة، لكن كايدن بدا لا يزال متألمًا، و كان يبدو أنّ الجلوس صعبٌ عليه.
أمـرَ ملك الشّياطين:
“يا خادمة نيكس، اسكبي القوّة المقدّسة في دورانتي.”
“…لكن…”
تردّدت ستيلا ، فازداد قلقي. لماذا لا تستطيع التوقّف؟
“لا بأس إذا توقّفتِ للحظة.”
عند كلام ملك الشّياطين، عضّت ستيلا شفتيها و سحبت يديها ببطء. فجأةً، تدهور وجه كايدن بشكلٍ ملحوظ.
“الدّوق…!”
هرعتُ لدعمه. تنحّت ستيلا جانبًا.
همسَ كايدن بصوتٍ ضعيف:
“ماريان… أنا بخير.”
لم يبدُ بخيرٍ على الإطلاق، كِـدتُ أبكي. لم يكن شحوب وجهه علامةً جيّدة.
هل لأنّه أصيبَ بهجوم ملك الشّياطين فالقوّة المقدّسة لا تعمل جيّدًا؟ أم لأنّه لم يُعالج بشكلٍ صحيح لفترةٍ طويلة و كان ممدّدًا فقط؟
“إذن، سأبدأ.”
“نعم، سيّدتي القدّيسة.”
اقتربت ستيلا من دورانتي و بدأت تُسكب القوّة المقدّسة فيه. كنتُ أنظر إليهما و إلى كايدن في الوقت ذاته بعيونٍ قلقة.
بعد بضع دقائق، سحبت ستيلا يديها ببطء. اختفى الضوء الأبيض من يديها.
ماذا؟ كنتُ متأكّدة أنّ القوّة المقدّسة تؤلمني…
“كيف كان شعوركَ، دورانتي؟”
سألت ستيلا، فنظرَ دورانته إلى جسده وأجاب:
“همم… أشعر بخفّة في جسدي. آه، يبدو أنّ الخدش على يدي قد شُفيَ أيضًا…”
خفّض صوته و هو يراقبُ ملك الشّياطين. كلّنا راقبناه بحذر.
إذن، دورانتي، الهجين بين شيطانٍ و إنسان، شعر بالشفاء من القوّة المقدّسة. بمعنى آخر، تأثيرها عليه كان كتأثيرها على البشر.
فلماذا تؤلمني أنا؟
“ماريان، دوركِ الآن.”
استدعاني ملك الشّياطين. لم أرد الإبتعاد عن كايدن، لكنّه همسَ لي بأن أذهب، فنهضتُ بتردّد.
عندما وقفتُ أمام ستيلا، رأيتُ تعبيرًا غريبًا على وجهها.
“ستيلا…؟”
رفعتُ حاجبًا وناديتها بصوتٍ مرتبك. أخذت نفسًا عميقًا و بدأت فجأة:
“سأبدأ.”
“لا، أنا على أيّ حال سأتألم… آه!”
سكبت ستيلا القوّة المقدّسة فجأة، و قفزتُ من الألم كما توقّعتُ.
“كيف تفعلين ذلكَ فجأة؟”
احتججتُ بوجهٍ ممتلئ بالاستياء، لكنّها، لسببٍ ما، كانت تبتسم .
كان ردّ فعلها محيّرًا.
“ما الذي يحدث…”
“يا إلهي…!”
فجأة، سمعتُ صوتًا مذهولًا. التفتُ لأرى الماركيز فرناندي يركع على الأرض بينما يغطّي وجهه و يبكي.
كان الدّوق السّابق و دورانتي ينظران إليّ بوجوهٍ مذهولة، بينما كان كايدن يبتسم بضعف.
نظرتُ إلى الجميع بعيونٍ متفاجئة:
“لماذا يتصرّف الجميع هكذا…؟”
نظرَ إليّ ملك الشّياطين بوجهٍ خالٍ من التعبير وفتحَ فمه ببطء:
“أنتِ ابنتـي بكلّ تأكيد.”
التعليقات لهذا الفصل " 82"