أربكني سؤاله المفاجئ عن مصيرِ طفلته. عبستُ و أنا أحاولُ استيعاب الموقف، عندما رفعَ رئيس السحرة رأسه ببطء و تكلّم.
“يا سيدي ملك الشّياطين… كما تتوقع بالتأكيد، ابنتكَ التي بحثتَ عنها بحرقة…”
“سألتُ عن مصيرها.”
قاطعه ملك الشّياطين.
بدأت طاقةٌ شرّيرة تتصاعد منه مجدّدًا. أدركتُ غريزيًا أننا إذا تركنا رئيس السحرة يواصل الكلام، فلن ننجو جميعًا.
“ابنتكَ التي بحثتَ عنها بحرقة ماتت على أيدي البشرِ منذُ زمن! انسَ الأمر الآن و استعد سيطرة الشّياطين على القارّة!”
صرخََ رئيس السحرة بصوتٍ مرتجف.
تجمّدت الأجواء للحظة.
ثم انتشرت طاقةٌ سوداء من ملك الشّياطين.
“كيف تجرؤ…!”
بدأت ريح عاتية تظهر من حوله. اهتزت الأرض، و سمعتُ صوت تشقّق الجدران من حولنا.
“ابنتي لم تمـت!”
انفجرت طاقةٌ هائلة. بدا أن مجرّد احتكاك بها قد يقتلنا.
أسرعَ لوكاس برفع ستيلا و بدأَ بالهروب. أنا و كايدن أدركنا أن البقاء هنا سيؤدّي إلى كارثة، فركضنا دونَ أن ننظر خلفنا.
كوغوغونغ!
مع ضجيج هائل، بدأ قصر الألماس ينهار. واصل رئيس السحرة، الذي لم يستوعب بعد الموقف، الكلام وسط الفوضى.
“يا ملك الشّياطين! لا تتعلّق بابنة ولدت من إنسانة، و انظر إلينا بعطف…”
لم يكمل كلامه.
نظرتُ خلفي أثناءَ الركض، فرأيتُ رأسه مفصولًا عن جسده.
أعظم سحرة إمبراطورية غراتيه خسرَ حياته في لحظة. شعرت بقشعريرة في ظهري.
“ماريان! لا تتشتّتي!”
صرخَ كايدن و هو يسحب يدي. أعدتُ تركيزي و ركضت نحوَ المدخل.
ما إن هربنا حتى سمعت صوت انهيار هائل، و انهار! قصر الألماس بالكامل. تناثرت الشظايا والغبار في كلّ مكان.
غطّينا أنفسنا بهالة من الطّاقة، و تصدّينا أنا و كايدن للشّظايا الكبيرة بالسيوف، محافظين على سلامة لوكاس و ستيلا اللذين كانا أضعف نسبيًا.
“جلالته و أخي…”
سمعتُ لوكاس يتمتمُ أثناء هروبه. لقد قضى الإمبراطور و وليّ العهد نحبهما في قصر الألماس.
مهما كانت علاقاتهم السّياسية، كانوا عائلته المرتبطة بالدم. لا يمكن تخيّل مشاعره الآن.
لكن لم يكن هناك وقتٌ حتى لكلماتِ مواساة قصيرة. عندما خرجنا من قصر الألماس، كان العالم الخارجي يشبه الجحيم.
“نيكس…”
رفعت ستيلا عينيها إلى السّماء الممزقة.
لم تكن وحدها؛ النّاس الذين لم يتمكّنوا من الهروب من القصر الإمبراطوري نظروا إلى السّماء بوجوه يائسة.
أردتُ أنا أيضًا أن أصرخَ مناديةً نيكس.
اتّسع جرح السماء، متوهجًا بلون أحمر كالحمم. ثم بدأت كتل من الحمم تتساقط كالبرد.
“اللّعنة! كلكم، اختبئوا تحتَ الأغطية!”
صرخنا حتّى بحّت أصواتنا. أمسكَ كايدن بلوكاس، و أنا أمسكت بستيلا، و رمينا بأنفسنا خلف شظية ضخمة.
اهتزت الأرض. تناثر الشّرر، و تردّدت صرخات ممزقة من كلّ مكان.
كان الجحيم بعينه.
“اللعنة، كيفَ سنوقف هذا…! سموّ الدّوق، ألا توجد طريقة؟”
سألتُ كايدن بصوتٍ عاجل، لكن الإجابة جاءت من مكانٍ آخر.
“انتهى كل شيء.”
تمتمتْ ستيلا بوجه خالٍ من التّعبير.
“ماذا تقصدين؟”
عندما سألها كايدن، أجابتْ كدمية.
“لقد رأيتُ المستقبل. سنموت جميعًا.”
“……”
سادَ الصّمت.
لم يسأل أحد كيف رأت ستيلا المستقبل. لقد رأينا للتو ملكَ الشّياطين بنفسه، فما الغريب في قديسة ترى المستقبل؟
فجأةً، دوى صوت عويل ملك الشّياطين، الذي طارَ إلى السماء، في العالم.
“إذا ماتت ابنتي، فأحضروا جثّتها على الأقل! آه!”
مع صرخة غضب وحشيّة، تساقطت المزيد من كتل الحمم كالمطر.
“هذا… لا يمكن إيقافه.”
تمتمَ لوكاس بصوتٍ خافت.
كان محقًا.
غضب ملك الشياطين ليسَ شيئًا يستطيع البشر التعامل معه.
شعرتُ بنظرة كايدن ، و التقت أعيننا.
“هل يمكننا النّجاة إذا هربنا؟”
كان ينظرُ إليّ، لكن سؤاله كان موجّهًا إلى ستيلا. نظرتُ بين ستيلا و كايدن و أنا مذهولة.
“كلاكما سيّد سيف، لذا قد تنجوان إذا حاولتما. أنتما أسرع من حصانٍ يجري.”
للحظة، شعرت بالذهول.
كان كايدن يسأل إذا كنّا سننجو إذا تخلّينا عن لوكاس وستيلا و هربنا لوحدنا.
“ماذا…!”
حاولتُ النهوض، لكن كايدن أمسكَ يدي و سحبني للأسفل.
“ماريان، اجلسي. هذا خطير.”
“سموّ الدوق!”
كيفَ يمكنه التّفكير في التخلي عن أشخاص بجوارنا مباشرة!
نظرتُ ستيلا إلينا و تمتمت.
“لا بأس. أمام هذه الكارثة، ما الذي يمكننا فعله؟ مَنٔ يستطيع العيش يجبُ أن يعيش . اهربا أنتما الاثنان بعيدًا. و عندما تعيشان، سجّـلا ما حدث هنا.”
سجّلوه في التّاريخ. هذا ما كانت تقوله القديسة.
في الحقيقة، أردتُ أن أعيش.
بدتْ فكرة الهروب مع كايدن بمثابةِ فرصةٍ للنجاة، مستخدمين المهمة التي ألقتها ستيلا كذريعة.
لكن ماذا عن النّاس الذين هنا؟ ماذا عن عائلتي في قصر الدوق؟
الدّوق السابق، السّيدة مارتشي، بيديل، فيتو، دورانتي، الطّباخ، الخدم، الخادمات، البستاني، وعائلاتهم. و ماذا عن سكّان العاصمة؟
ماذا عنهم؟
فجأةً، مرّت كلمات الدّوق السّابق في ذهني كالبرق.
“هل تعتقدين أن كونكِ نبيلة أمر عظيم؟ قدراتكِ و تصرفاتكِ هما ما يجعلانكِ تبدين نبيلة!”
عضضت شفتي بقوّة و نظرتُ حولي.
لوكاس يحدّق بصدمة في القصر الإمبراطوري المدمر، ستيلا تنظرّ ببلاهة إلى كتل الحمم التي تسقطُ خارج القصر في العاصمة.
نبيل مسنٌّ يمسك رأسه مرتجفًا، خادمة تمسكُ بسلة الغسيل كخط حياة و هي تبكي، و صبّيٌ خادم ملقى على الأرض ينادي على والدته.
الوحيدان القادران على مواجهة ولو طرفٍ من قوّة ملك الشّياطين هنا هما أنا و كايدن.
“سموّ الدوق.”
“ماريان، أرجوك.”
أمسكَ كايدن يديّ بقوة و أطرق رأسه. لقد أدركَ ما سأقوله.
“أرجوكِ، لنهرب.”
الدّوق العظيم لفالتشتاين، ملك الشمال، توسّلَ لي أن نهجر الجميع و نهرب.
نظرت إليه للحظة، ثم فتحتُ فمي ببطء.
“عندما كنتُ في الأحياء الفقيرة، كنتُ أريد فقط أن آكل حتى أشبع.”
كوغونغ،
سقطت كتلة حمم قريبة مع صوت مدوٍ.
“من شدّة الجوع، سرقت الخبز مع أطفال الأحياء الفقيرة، أكلت طعامًا سقطَ من الآخرين، وحتى اصطدتُ الفئران. لا أعتقد أنّ هناك شيئًا لم أجربه.”
رفعَ كايدن رأسه. كانت عيناه الزرقاوان ترتعشان.
“على الرّغمِ من كل هذا النّضال لأعيش، كانوا يموتون. لوسي التي تنازلت عن طعامها لي و ماتت جوعًا، ليون الذي ضُرب حتى الموت لسرقته الخبز، و المتشردة المريضة التي اعتنت بي لأنني كنتُ صغيرة.”
أخذت نفسًا عميقًا.
“لقد ماتوا جميعًا.”
“ماريان…”
أمسكت يد كايدن بقوّة.
“لم أعد أريدُ رؤية النّاس يموتون.”
تقلّص وجهه و تحدّثَ بصوتٍ مكتوم.
“لذا، هل تريدين الموت بنفسكِ؟”
سحبت زوايا فمي بقوة. حاولت الابتسام، لكنني لا أعرف إن نجحت.
“سموّ الدوق، في الحقيقة، كنتُ أريد أن أصبح نبيلة.”
“……”
“عندما كنتُ أتوسّل على الأرض، كان النبلاء هم مَن يرمون لي العملات الفضية. كانوا أغنياء، يرتدون ملابس فاخرة، و يأكلون طعامًا دسمًا. كنتُ أغارُ منهم.”
في الأيّام التي كنت أتلقى فيها عملة فضية، كنا، أنا و أطفال الأحياء الفقيرة، نأكل الخبز الطازج معًا.
كان الخبز الطّازج السّاخن لذيذًا جدًا.
كنتُ أعتقد أنّني لو أكلته مرّةً واحدة، لن أتمنى شيئًا آخر. لكن بعد أن بدأت عملي كمرتزقة، وأصبحت سيّدة سيف، و أصبحتُ موكلةً إلى فالتشتاين، أصبح بإمكاني أكله كما أشاء.
“لكنني تعلمت أن كونك نبيلًا يأتي مع المسؤولية.”
تعلمتُ ذلكَ في فالتشتاين.
“عندما أموت، سأموت بشرف.”
أغمضَ كايدن عينيه. لقد أدركَ أنه لا يستطيعُ تغيير قراري.
كنتُ ممتنة له و شعرتُ بالأسف تجاهه. لقد اعتنى بي و هو صغير، علّمني، و تحمّلني.
كـم عانى، و هو لم يكنْ سوى في الثامنة عشرة.
مرّت لحظة لقائنا الأوّل في ذهني.
عيونٌ زرقاء تنظرُ إليّ من فوق حقل ثلجي، و شعر أسود و رداء أسود يرفرفان في الريح.
ابتسمتُ بخفة و ودّعته للمرّة الأخيرة.
“سموّ الدوق، شكرًا لكلّ شيء. لن أنسى لطفكَ حتى لحظة موتي…”
“لقد فاجأتِنـي.”
قاطعني كايدن.
رفعَ جفنيه ببطء. تلكَ العيون الزرقاء التي رأيتها في لقائنا الأوّل حدّقتْ بي مباشرةً.
“إذا كنتِ ستموتين بشرف، فسأموت و أنا أحمي من أحبّ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 69"