في السّماء، دارت دوّامة قرمزية داكنة. تناثرت الحصى الصّغيرة و الغبار في كلّ مكان، بينما ركضَ الناس هنا و هناك يصرخون.
“يا إلهي! زلزال!”
“الجميع، تفرّقوا و اختبئوا!”
“ما هذا الذي في السّماء؟!”
هل هذا حقًا القصر الإمبراطوري؟ سواء كانوا نبلاء أو خدمًا، صرخَ الجميع في فزع دونَ استثناء.
[هل بدأَ طقس الإستدعاء بالفعل؟]
شعرتُ بجسدِ بليد يرتجف في جيبِ صدري.
الشّرخ الذي في السّماء، و الطّاقة الشريرة التي بدأت تنبعث منه، كانت مخيفةً لدرجة تعجل أطراف أصابع الإنسان ترتجف.
“سموّ الدوق، متى ظهرَ هذا؟”
أجابَ كايدن وهو يعبس.
“قبل لحظاتٍ فقط. لا أعرف ما هذا الشّيء الشرير.”
إذا كان قبل لحظات، فهذا يعني بعد زيارة وليّ العهد و رئيس السّحرة مباشرةً.
أغمضتُ عينيّ بقوة ثم فتحتهما. كان عليّ أن أستجمع قواي. لم يكن هناك وقت لأشرحَ لكايدن الآن.
“سموّ الدوق، هذه معلومات سمعتها من مُخبرٍ مجهول.”
“و ما هي؟”
“سأخبركَ و نحن نتحرّك.”
ركضتُ نحـوَ مركز تلكَ الطّاقة الشريرة، و نقلت إليه بأسرعِ ما يمكن ما أخبرني به بليد.
“ماذا؟ رئيس السحرة شيطان عالي المستوى، و هدفه استدعاء ملكِ الشياطين؟”
“نعم. قال المُخبر أنّها مجرّد تكهنات، لكن بالنّظرِ إلى الوضع الآن، قد تكونُ حقيقية.”
“يا إلهي…”
“يقال إن ملكَ الشياطين هو الحاكم المسؤول عن الشّياطين و الوحوش. على أيّ حال، الشّيء الأكيد هو أننا بحاجةٍ لإيقاف هذه الطاقة الشّريرة فورًا.”
“يبدو الأمر كذلك.”
كلّ مخلوقٍ حيّ على هذه الأرض شعرَ به غريزيًا. إذا لم نوقف هذا، سنموت جميعًا. كان علينا إيقاف ذلكَ الشّرخ في السّماء قبل أن يتّسعَ أكثر.
توقّف كايدن عن الركض، فتوقفت معه. كانت الطاقة الشريرة تنبعث من داخل قصرِ الألماس، مباشرةً تحتَ الشّرخ الذي في السماء.
همستُ وأنا أختبئ خلفَ شجرةٍ قريبة، و وجهي متشنج من التوتر.
“هاه، أنا أشعر بالطّاقة المكثفة من الداخل. ما الذي يحدث هنا؟ هل ندخل الآن؟”
“لكن، ماريان.”
“نعم؟”
“مَنٔ هو هذا المخبر المجهول؟ كيفَ يعرف كلّ هذا؟”
ارتبكتُ.
شعرتّ ببليد يرتجف في جيبي، وكأنه هو أيضًا قد ارتبكَ.
“…إذا أخبرتكَ فلن يكون مجهولًا بعد الآن، أليس كذلك؟”
“لا يمكنكِ إخباري أنا حتّى؟”
شعرتُ بأن كايدن قد بدأ يشعرُ بالضيق. سألَ بنظرةٍ حادة.
“هل هو رجل؟”
“أممم…”
لم أستطع الإجابة، و بينما أنا أدير عينيّ في ارتباك، همسَ بليد بسرعة.
[حسنًا، أنا ذكر من الناّحية الفنية.]
“نعم ، هكذا قيل لي…”
لكن، هل لجنسِ التّنين معنى بالنّسبة للبشر؟
“مَنٔ هو؟ هل معلوماته مؤكّدة؟ أين الأدلة على صحّة كلامه؟”
عندما ضغطَ كايدن عليّ، أردت الشّرح لكن الكلمات لم تخرج.
“لا! أعني… أممم…”
كيف أشرحُ عن تنين لا يمكن رؤيته؟
قرّرتُ تأجيل الأمر.
“هذا ليسَ المهم الآن! ألا ترى أن هذا الشّيء الشرير هو الأولوية؟ ألا يمكننا مناقشة هذا بعد إيقافه؟”
ضيّقَ كايدن عينيه.
“…حسنًا، سأسألكِ لاحقًا. هيا بنا.”
[ها، هل تجاوزنا الأمر؟]
“…..”
تجاوزناه، لكن لا أعرف لماذا أشعرُ أن هذا سيسبّب مشاكل لاحقًا. تد
تبعتُ كايدن و أنا أشعر بالقلق، ممسكةً بسيف حصلت عليه من فارس مجهول.
فتحَ كايدن بابًا صغيرًا في قصر الألماس بحذر.
دخلنا بحذر، فرأينا التّمثال يتدلى من السقف، وتحته أشخاص يواجهون بعضهم.
رأيت ظهري لوكاس و ستيلا، و أمامهما وليّ العهد و جينبا، السّاحر المباشر للأميرة كارولين.
خلفهما، كان رئيس السحرة يؤدّي طقسًا سحريًا تحت تمثال الحاكم نيكس مباشرةً.
“ما الذي تفعله، أخي؟”
صرخََ لوكاس وهو يوجه سيفه نحو وليّ العهد.
“كل هذا من أجلها.”
أجابَ وليّ العهد بعيونٍ فارغةٍ كدمية.
لم يلاحظوا دخولنا بعد.
انخفضت أنا و كايدن و تحرّكنا بسرعة، مستخدمين الأعمدة الكبيرة كغطاء. من الصّعب على الأشخاص العاديين ملاحظة حركات سيّد السيف بسهولة.
همسَ كايدن لي.
“ماريان، انظري إلى قدميّ رئيس السحرة.”
نظرت للأسفل، فرأيت دائرة سحرية مرسومة حول رئيس السحرة، مع أشياء مجهولة موضوعة على حدودها.
وفي وسط الدائرة، كان هناك شخص لا ينبغي أن يكون هناك.
تمتمتُ بصوتٍ مندهش.
“…الإمبراطور؟”
“الإمبراطور مات.”
أكّـدَ كايدن . كان الإمبراطور ملقى في وسط الدائرة السحرية، ينزف من فمه، و كأنّه قربان.
“جلالته يكون والدي و والدكَ أيضًا!”
صرخَ لوكاس بصوتٍ يائس، لكن صوته لم يصل إلى وليّ العهد.
“كلّ شيءٍ من أجلها.”
“عُـد إلى رشدكَ، أخي!”
“سموّ الأمير، لقد فقد وليّ العهد عقله. يجبُ أن نخرج من هنا و ننقذ النّاس.”
وليّ العهد يردد كلماته كدمية، لوكاس يصرخ، وستيلا تعلن الحقيقة.
كانت لحظة مشحونة.
فجأةً، التقت عيناي بعيني جينبا.
“ماريان و الدوق؟!”
التفتت ستيلا إلينا، و كانت دموعها تنهمر.
لم يكن هناك وقت للتّردد. أمسكت سيفي بقوة و همست بسرعة.
“سموّ الدوق، فلننفذ خطّة الهجوم المزدوج.”
“حسنًا. سأهاجم رئيس السحرة مباشرةً، و أنتِ كبحي جماح جينبا…”
في تلكَ اللحظة، رفعَ رئيس السّحرة ذراعيه و صرخ.
“أيها الملك العظيم للوحوش! ملك الشياطين! اقضِ على جميع البشر في هذه الأرض واصنع عالمنا! أيها الملك الحقيقي!”
تأخّرنا خطوة.
طاقة هائلة سحقتنا.
حتّى أنا وكايدن لم نستطع تحمّل هذه الطاقة المرعبة. كان الآخرون قد سقطوا بالفعل، واضطررت للرّكوع على ركبة واحدة لتحمّلها.
اهتزّ قصر الألماس بأكمله.
حدثت اهتزازات، و ثقلت الأجواء، وسمعت صوتًا مكتومًا.
استمرّ هذا لفترة، ثم توقفت الضوضاء و الاهتزاز فجأة.
سادَ الهدوء المكان.
فجأةً ، بينما كان كايدن يحتضنني ، ركّزت على التّمثال و أنا بين ذراعيه.
بدأت شقوق تظهر على التّمثال، ثم رنّ صوت تحطمه. تناثرت الشظايا في كلّ مكان.
خرجَ منه رجلٌ ذو شعر أسود طويل. بشرته شاحبة بشكلٍ غير بشري و ملامحه المنحوتة أثارت الرهبة.
رفعَ جفنيه ببطء، فظهرت عينان قرمزيتان.
“آه… آه… أيها الملك الشيطاني!”
ارتجفَ رئيس السحرة من الفرح و هو يهتف بحماس.
لم أكن سعيدةً مثله، لكن جسدي كان يرتجف. كلّ خليّةٍ في جسدي كانت تصرخ من الخوف بسببِ هذا الوجود الساحق.
كان ذلكَ الشّخص ذو الشعر الأسود والملابس السوداء، الذي ينظر إلينا من الأعلى، بوضوح ليس إنسانًا عاديًا.
لقد كان ملك الشّياطين.
“فيليس.”
عندما تكلّم ملك الشّياطين ، اهتزت الأجواء. كان يتكلّم مثلنا، لكن صوته كان يرن في الدماغ.
ركعَ رئيس السحرة و ضربَ رأسه بالأرض و هتف.
“يا ملك الشّياطين ! نعم، أنا فيليس، خادمكَ الأبدي!”
نظرَ ملك الشّياطين حوله ببطء. التقت عينانا للحظة. و هبطَ إلى الأرض ببطء.
“هذا قصر البشر. إذن ، ما سبب استدعائي هنا؟ قدِّم سببًا وجيهًا.”
بدت كلماته كتحذير بأنه إذا لم يكن هناك سببٌ وجيه، فستكون هناك عواقب وخيمة.
هدأ صوته الذي كان يرنّ في الدماغ، و تلاشت الطاقة المرعبة التي كان ينشرها. أدركت أنه كان يراعي البشر الموجودين هنا.
رفعَ رئيس السحرة رأسه بسرعة.
“لقد بحثنا عنكَ لمدّة طويلة، يا ملك الشّياطين . خلال العشرين عامًا التي غبتَ فيها، اضطربت أوضاع الشّياطين و الوحوش، وتجرأ البشر على تحدي سلطتنا!”
سأل ملك الشّياطين بعيونٍ خالية من العاطفة.
“وماذا بعد؟”
“يا ملك الشّياطين ، أرجوك، اعتني بنا مجدّدًا!”
ضربَ رئيس السحرة رأسه بالأرض بصوتٍ يائس. كان يبدو مثيرًا للشفقة.
سادَ الصّمت في قصر الألماس للحظات. أدرت عينيّ لأراقبَ الناس.
كان لوكاس يحتضن ستيلا لحمايتها، و كان وليّ العهد قد أغميَ عليه، و كان جينبا يضرب رأسه بالأرض مثل رئيس السحرة.
أمسكَ كايدن كتفي بقوّة و سحبني إليه أكثر. عضضتُ شفتي. شعرَ كايدن بذلك أيضًا.
قوّتنا لا تقارنُ حتى بأطرافِ أصابع ملكِ الشّياطين.
فتحَ ملك الشّياطين فمه ببطء.
“أينَ ابنتي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 68"