“ماذا؟ سحر؟”
تحدّثَ كايدن بصوتٍ خافت:
“نعم. شعرتُ بلحظةٍ وجيزة من القوّة السحرية.”
أعجبتُ بذلك.
“حتى هذه القوة السحرية الضئيلة تستطيع الشعور بها، يا سموّ الدوق؟”
“الأهمّ من ذلك، هل أنتِ بخير بعد رؤية الدم؟”
“نعم. ربّما لأنّه قليل، أو لأنّ الموقف سخيفٌ جدًّا.”
سخرتُ.
لم أعرف التفاصيل، لكن هذا الموقف كان مرهقًا بالتّأكيد.
نظرَ كايدن إليّ ثم ساعدني على الوقوف:
“ماريان، استمعي جيّدًا. من الآن فصاعدًا…”
“ما هذا الفعل!”
قاطعَ الإمبراطور كلام كايدن بصراخٍ غاضب:
“خدشٌ على وجه ولي العهد! أعدموا هذا الرجل فورًا و احتجزوا ماريان! الآن!”
غضبَ الإمبراطور بشدّةٍ لإصابة ابنه. أمسكَ فرسان القصر ذراعي ّالفارس الأعرج و سحبوه.
“آه! أنا بريء! لستُ أنا! ماريان مَنْ أمرتني!”
اختفى خارجَ الباب بينما كان لا يزال يلقي اللّوم عليّ.
كانت القاعة مضطربة. كان الأطباء و الفرسان يحيطون بوليّ العهد، يفحصون جرحه و يحمونه منّي.
اقتربَ بعضُ الفرسان مني بحذر.
يبدو أنهم متردّدون في إلقاء القبض على سيّدة سيف مثلي، أو خائفون.
“رئيس السّحرة، ما هذا الفعل؟”
تقدّمَ كايدن أمامي كأنه يحميني، محدقًا برئيس السحرة تحتَ المنصة وهو يزمجر.
“لا أعرفُ عما تتحدّث.”
تظاهرَ رئيس السحرة بالجهل، فطحن كايدن أسنانه.
يبدو أن رئيس السحرة هو الجاني. استخدمَ سحرًا ليطير زرّ كمّي نحوَ ولي العهد.
لكن شرحَ ذلكَ للآخرين كان غامضًا. لم أشعر أنا نفسي بتلكَ القوّة السحرية الدقيقة، فمَنْ سيصدّق كايدن؟
كان الأمر مثيرًا للسخرية.
هل يفعلون كل هذا العرضِ لإسقاطي؟
“ماذا تنتظرون؟ احتجزوا ماريان! دوق، لا تحاول حمايتها!”
“جلالتكَ تتجاوز الحدود!”
صرخَ كايدن غاضبًا، مما أخافَ النبلاء:
“هل سيتسبّب هذا بمشكلةٍ كبيرة؟”
“إذا استخدمَ الدّوق و المتهوّرة القوة، ستكون كارثة.”
“هل… يجب أن نهرب؟”
“لكن رئيس السّحرة موجود، أليس كذلك؟”
تنهّدتُ بعمق.
أتفهّم خوف الضعفاء.
في طفولتي بالأحياء الفقيرة، كنتُ أرتجف من الخوف لعدمِ امتلاكي القوة.
الوضع مختلف، لكن الفجوة بين سيّد سيف و اشخاصٍ عاديين أكبر من تلكَ التي بين الكبار والصغار، فلم يكن هناك خيار سوى تفهّم موقفهم.
أمسكتُ ذراع كايدن:
“سموّ الدوق، لا بأس. سأذهب و أعود.”
“ماريان!”
التفتَ كايدن إليّ. تمتمتُ بصوتٍ خافت له فقط:
“هناكَ مدنيّون قريبون. تحمّل قليلاً و انتظر. سأخرج بريئة. أنتَ تعلم أنهم يحاولون تعطيل زواجنا.”
“…..”
نظرَ كايدن إليّ بحزن، مغمضًا عينيه بقوة، و أسنانه مشدودة حتى برزت عضلات فكه.
ابتسمتُ بجهد:
“سأعود.”
“…آسف. سآتي لأخذكِ قريبًا.”
“نعم، سأنتظركَ.”
ابتعدَ كايدن جانبًا. تقدّمتُ بنفسي نحو الفرسان. عندما مررتُ بولي العهد، همسَ لي:
“ماريان، توسّلي إليّ.”
تجاهلته و توجهتُ إلى السّجن.
* * *
[مريحٌ أكثر مما توقعت.]
دارَ بليد في السّجن و هو يتفحّصه. جلستُ على السّرير موضّحة:
“هذا سجن النّبلاء. يحتوي على كلّ شيءٍ تقريبًا.”
[يا لها من مفاجأة. إنّه جيّد باستثناء كونه تحتَ الأرض. سرير، أريكة، طاولة، و حتى فواكه إذا شعرتِ بالجوع. كنتُ قلقًا، لكن يا لحسن الحظّ.]
“حسنًا، القضبان لا تبعثُ على القلق.”
[القضبان لا تعني شيئًا لكِ. اكسريها و ستنتهي القضية. أنتِ تختارين البقاء.]
ضحكتُ على كلام بليد و استلقيتُ. كان السرير مريحًا، و كان هناك ثريا في السقف.
ثريا في سجنٍ تحتَ الأرض، مضحكٌ حقًّا.
لم أتوقع العودة إلى هنا.
كنتُ في الثالثة عشرة آنذاك، أليس كذلك؟
كنتُ أنتظر في القصر لتكريمي كفارسةٍ من الإمبراطور.
كان الجميع ينظرونَ إليّ كأنّني قردٌ في حديقة حيوان، متحمّسين لظهور أصغر سيّدة سيف.
بالنّسبة لي، أنا المرتزقة من الأحياء الفقيرة، لم يكن ذلكَ الاهتمام مرحّبًا به.
كان أطفال النّبلاء في عمري الأكثر اهتمامًا، يوجّهون كلمات قاسية بلا مبالاة:
“آه، هل هناك رائحة كريهة؟”
“رائحة القمامة! ههه!”
في البداية، تجاهلتهم.
لم أكن سأراهم كثيرًا، و إثارة المشاكل ستؤذيني. إغضاب النبلاء قد يعني الضرب أو الموت.
تحملتُ حتى انفجرتُ بسببِ جملة:
“سمعتُ أن عائلة فالتشتاين سترعاكِ؟”
“يا له من عارٍ على الدوقية، أن تأخذ قمامة كهذه.”
الآن، تبدو كلمات تافهة. لكن حينها شعرتُ بالحزن الشديد، فدمرتُ جدارًا في القصر.
هربَ الأطفال و هم يبكون، و جاءَ الكبار يوبّخونني ويشيرون إليّ. شعرتُ بالخوف.
رأيتُ كايدن حينها يركضّ نحوي.
احتُجزتُ لتهديدي الأطفال و تدمير جدار القصر.
“توبي بعمق!”
“…..؟”
أدخلني حارسٌ صارم إلى هنا. رنَّ صوت إغلاق القضبان. لكنني كنتُ مرتبكة، لأن الغرفة كانت رائعة جدًا لتكون سجنًا.
شعرتُ بالقلق، فجلستُ قرب القضبان أعانق ركبتيّ، منتظرة أن يأخذوني إلى سجنٍ حقيقيّ.
جاءَ كايدن بعد لحظات:
“لمَ تجلسين على الأرض الباردة؟”
“يبدو أنهم أخطأوا في السّجن الذين جلبوني إليه.”
“ماذا تعنين؟”
“هذا المكان مريحٌ جدًّا. هناكَ طعام أيضًا.”
كان تعبير كايدن مضحكًا. عيون متّسعة و فم مفتوح، كان غيرَ متأكّد مما يقول.
كان عمره ثمانية عشر عامًا فقط آنذاك.
“…آسفة.”
“عن ماذا؟”
“اضطررتَ للإهتمام بي. آسفة على إثارة المشاكل…”
استمررتُ بالاعتذار:
“لكن إذا ذهبتُ إلى الشمال، سأكونُ مطيعة. سأكون طفلةً جيّدة.”
“…..”
نظرَ كايدن إليّ بصمت. جـفّ حلقي تحتَ نظرته. لم أرد فقدانه لذا كان عليّ إثبات قيمتي:
“أنا… أجيدُ استخدامَ السّيف. أقتل الوحوش جيدًا، سأكون مفيدةً في الّشمال. و أنا… أجيد التنظيف و الغسيل.”
سأل كايدن بعد لحظة:
“و ماذا عن الطبخ؟”
“أ-أنا لا أجيدُ الطبخ…”
تلعثمتُ.
كان رؤية الطعام نادرًا. لكن كايدن قال شيئًا غير متوقع:
“سأعلمكِ.”
“…هل النبلاء يطبخون؟”
“لستُ بارعًا، لكنني أعرف طبقًا أو اثنين.”
“واو، النبلاء يطبخون أيضًا.”
ضحكَ كايدن و مـدَّ يده عبر القضبان، مداعبًا رأسي بحركةٍ خرقاء:
“تحملتِ جيّدًا دونَ البكاء.”
“لماذا سأبكي؟”
“وجهكِ بدا و كأنه سينهار عندما قالوا إنكِ ستُسجنين.”
“آه! لا بأس. البكاء يجعلني عطشةً فقط، و هذا السّجن يمكنني تحمّله مئات المرات.”
“…هذا مزعج. و أيضًا إذا شعرتِ بالعطش، اشربي الماء.”
“قد لا يكون هناك ماء نظيف.”
“سأعطيكِ ماءً نظيفًا دائمًا.”
“مَـنْ؟”
“أنا.”
“شكرًا لكَ.”
“إذن، يمكنكِ البكاء متى ما أردتِ.”
[ماريان، استيقظي! هناك شخصٌ قادم!]
التعليقات لهذا الفصل " 63"