* * *  

 

كان لوكاس يسيرُ مع سيرينا في ممرّات قلعة الدّوق.  

 

“أن تنهضي و تغادري أثناءَ العشاء مع الدّوق، يا لكِ من متسرّعة.”  

 

“آسفة، أخي.”  

 

أقرّت سيرينا بخطئها بوجهٍ متجهّم، لكن سرعان ما ضيّقت عينيها و تذمّرت:  

 

“لكن تلكَ الوضيعة كانت تتصرّف بقلّة أدب!”

  

“سيرينا… السّيّدة ماريان هي أفضل سيف يحمي الإمبراطوريّة، انّها سيّدة سيف. حتّى لو كانت من أصلٍ متواضع، عامليها بأدب.”  

 

عندما وبّخها لوكاس وهو يمسكُ جبهته بيده، زمّت سيرينا شفتيها.  

 

“تسك! لا حاجة لنا بمثل سيّدة السيف كهذه.”  

 

شعرَ لوكاس بصداع يجتاحه و هو ينظر إلى أخته غير النّاضجة.  

 

لم يكن هناكَ أيّ فائدة في عداوة سيّدة سيف.

 

لمواجهةِ مضايقات وليّ العهد و الإمبراطورة، كان على الأخوين كسبُ أقوى الأشخاص إلى جانبهما.  

 

ولهذا جاءا إلى هذه الأرض الشّماليّة البعيدة للقاء كايدن فالتشتاين ، الدوق و سيّد السّيف آخر.  

 

لكن، من خلال ما رآه في مأدبة الغداء اليوم، بدا أنّ كايدن يُقدّر ماريان.  

 

‘هذا يخالف المعلومات التي كنتُ أعرفها. سمعتُ أنّ علاقتهما سيّئة.’  

 

لاحظَ لوكاس كيف كانَ كايدن ينتبه لأدقّ تصرّفات ماريان و يعتني بها.  

 

كان شعورًا مشابهًا لكيفيّة عنايته هو بسيرينا.  

 

‘لقد قضيا عشر سنوات معًا. حسنًا، هذا كافٍ لتتكوّن رابطة أخويّة تتجاوز الزّمالة. الدّوق في الثّامنة و العشرين، و ماريان في الثّالثة و العشرين، أليس كذلك؟’  

 

فكّرَ لوكاس إن كان بإمكانه كسب ماريان إلى جانبه.  

لكن الجميع يعلم أنّ ماريان تحبُّ وليّ العهد، وهو عدوّه.  

 

يبدو أنّه يجب التركيز أكثر على إتمام زواج كايدن و سيرينا الآن. رغمَ الشّائعات الخفيّة عن كون الدّوق…  

 

فجأةً، أمسكت سيرينا بذراعه و هزّته.  

 

“أخي، انظر، الدّوق و السّيّدة ماريان يمرّان هناك.” 

 

أدارَ لوكاس رأسه. رأى شخصين يتجوّلان في الحديقة عبر الرّواق.  

 

كان كايدن يتحدّثُ بابتسامةٍ خفيفة، بينما بدت ماريان غاضبة.  

 

‘نظرات الدّوق كانت…’  

 

دافئة.  

 

كانت عيناه الباردتان في قاعةِ الاحتفال تجاهه هو و سيرينا عكسَ ذلك تمامًا. شعرَ لوكاس بالقلق من هذا الفرق.  

 

فجأةً، التفت كايدن و ماريان نحوهما. أسرعَ لوكاس ليبتسم و يقوم بتحيّتهما، لكن:  

 

“مًُتْ، أيّها الأمير الثّاني!”  

 

ظهرَ قاتل مأجور فجأةً و اندفعَ نحو لوكاس.  

 

“آه!”  

 

حدثَ كلّ شيء في لمح البصر. 

 

“هل أنتما بخير؟!”  

 

هرعَ الحرّاس المحيطون نحو لوكاس و سيرينا.  

 

كان القاتل ممدّدًا على الأرض، و بجانبه حجر بحجم قبضة اليد. ربطَ الحرّاس القاتل بسرعة و جرّوه بعيدًا.  

 

عانقَ لوكاس أخته المذعورة ونظرَ حوله ليفهم ما حدث. التقت عيناه بماريان.  

 

“هل أنتما بخير، سموّ الأمير، و الأميرة؟”  

 

كانت هي و كايدن قد اقتربا بالفعل.  

 

“هل كان… قاتلًا مأجورًا؟”  

 

“يبدو كذلك.”  

 

لم يفهم لوكاس أكثر. 

 

“قاتل مأجور؟ لكن لمَ سقط بهذه السّرعة؟”  

 

كان هذا مختلفًا تمامًا عن المعارك التي خاضها لوكاس. كانت دائمًا مليئة بالدّماء و تتأرجح بين الحياة و الموت.  

 

حتّى لوكاس، المبارز الماهر، لم يلحظ هذا القاتل. كان بالتّأكيد خصمًا قويًّا.  

 

أن يُهزم خصم كهذا في غمضة عين؟ دونَ إراقة قطرة دم؟  

 

هزّت ماريان كتفيها و أجابت: 

 

“كان ضعيفًا بالنّسبة لقاتل. سقطَ بحجرٍ صغير.”  

 

“حجر…” 

 

تمتمَ لوكاس مذهولًا. و دونَ وعي، نظرَ إلى ماريان بعينين متلألئتين.  

 

‘هكذا يكون سادة السيف.’  

 

ثمّ قالت ماريان بنبرةٍ خفيفة، كمَنْ أنهى مهمّته:  

 

“سيّدي الدّوق، سأذهب الآن.”  

 

“إلى أين؟”  

 

التفت كايدن إليها فورًا، كأنّ لوكاس و سيرينا غير موجودين.  

 

“إلى منزلي.”  

 

“ابقي في قلعة الدّوق.”  

 

“لا، يجب أن أعود إلى…” 

 

“إنّه أمر.” 

 

“لا أريد.”  

 

عـمَّ توتّر بينهما. شعرَ لوكاس فجأةً بشيءٍ غريب في هذا الصّمت المتوتر.  

 

‘هل يتواعدان؟’  

 

مرّت هذه الفكرة بذهنه للحظة، لكنّه هزّ رأسه بسرعة.  

 

لمَ قد يختار الدّوق ماريان و هو لا ينقصه شيء؟  

 

تفحّصَ لوكاس الاثنين ببطء. كانا يحدّقان ببعضهما كما لو كانا سيلتهمان بعضهما.  

 

كانت المواجهة شرسة، كما يليق بصراع بين سادة سيف.  

 

في النّهاية، كانت ماريان تتحدّى رئيسها كايدن.  

 

ومع ذلك، لم تبدُ ماريان مرتعبة، بل بدت و كأنّها تتعامل مع الدّوق كـنِدٍّ لها.  

 

من يجرؤ على التّحدّث إلى دوق فالتشتاين بهذه الجرأة؟ حتّى إمبراطور الإمبراطوريّة لا يفعل.  

 

‘يبدو أنّ هناك شيئًا مشتركًا بين سادة السّيف.’ 

 

شعور بالانتماء، تنافس، احترام متبادل.  

 

كان بينهما رابطة مختلفة عن النّاس العاديّين. وبّخ لوكاس نفسه للحظة على شكوكه.  

 

‘كنتُ غبيًّا. هما مجرّد زملاء. أعتذر إلى السّيّدة ماريان، لكن من المستحيل أن يرى الدّوق فيها شريكة عاطفيّة.’  

 

ليس لأنّ ماريان غير جذّابة. بشعرها الأحمر و عينيها الرّماديّتين، كانت امرأة ساحرةً بلا شكّ. لكن…  

 

‘أصلها وضيع جدًّا.’  

 

لو كانت ابنة نبيلة، حتّى من طبقة دنيا، لكان من الممكن التّفكير في احتمال مع الدّوق، لكن…  

 

ما لا يمكن، لا يمكن.  

 

* * *  

 

بدأت مأدبة عشاء محرجةٌ أخرى.  

 

لم يسمح لي كايدن بالعودة إلى المنزل، فوجدتُ نفسي مضطرّة لتناول العشاء بين الأمير الثّاني و الأميرة الرّابعة.  

 

أردتُ الابتعاد قدر الإمكان عن أحداث الرّواية، لكنّني أجدُ نفسي متورّطة مع لوكاس، بطل القصّة، وهذا مقلق.  

 

حدّقتُ في كايدن، المتسبّب في هذا، و أنا أمضغ اللحم.  

 

‘يضحّي بي لأنّه لا يريدُ أن يكون وحيدًا مع العائلة الإمبراطوريّة…!’  

 

التقت نظراتنا. 

 

حرّكَ كايدن حاجبيه ، كأنّه يقول ‘و ماذا ستفعلين؟’.  

 

كبحتُ نفسي بالكاد عن رمي الملعقة و السّكين اللذين كنتُ أمسكهما و أنا أرتجف. 

 

لو لم يكن الأميران موجودين، لرميتهما بالفعل.  

 

“بفضل السّيّدة ماريان، قضيتُ فترة بعد الظّهر بسلام. شكرًا حقًّا.”  

 

خاطبني لوكاس، مشيرًا إلى إنقاذي له من القاتل ظهرًا.  

 

أردتُ أن أقول ‘إذا كنتَ ممتنًّا، ادفع لي’، لكنّني تصرّفت بأدبٍ قدر استطاعتي، كما علّمتني السّيّدة مارتشي.  

 

“لا، لقد فعلتُ ما يجب.”  

 

ردّ لوكاس بابتسامة.  

 

“هذا مطمئن. مستقبل إمبراطوريّة غراتييه مشرق.”

  

…وسيم.  

 

كان بطل القصّة متألّقًا بطريقةٍ مختلفة.  

 

بشعره الفضّي المتناقض مع شعر كايدن الأسود، و عينيه الحمراوين الجميلتين، كان لوكاس وسيمًا مذهلًا.  

 

كانت سيرينا، بذات لون الشّعر و العينين، جميلة أيضًا، لكنّها تفتقر إلى تألّق لوكاس.  

 

‘هل هذه هالة البطل؟ إذا كان كايدن وسيمًا بطريقة رجوليّة، فلوكاس وسيم بطريقة أنثويّة. كم ستكون البطلة التي تحتكر حبّ هؤلاء الرّجال جميلة؟’  

 

ثمّ نظرَ لوكاس إلى سيرينا و قال:  

 

“سيرينا، يجبُ أن تقدّمي شكركِ أنتِ أيضًا.”  

 

نظرت سيرينا، الجالسة بجانبي، إليّ بنظرةٍ متعجرفة و فتحت فمها:  

 

“شكرًا، السّيّدة ماريان.”  

 

“آه، نعم، حسنًا.”  

 

رددتُ بفتور، فنظرت سيرينا إليّ بحدّة.  

 

لم أكن أرغب في أن أكون لطيفة مع مَنٔ يدعونني بالوضيعة.  

 

“تذوّقيه أوّلًا.”  

 

فجأةً، قالت سيرينا للخادمة التي قدّمت الطّعام. انتقلت أنظار الجميع إليها.  

 

“هل هناك مشكلة؟”  

 

سأل كايدن، فاتّسعت عينا سيرينا و أجابت:  

 

“بعد محاولة الاغتيال ظهرًا، أصبحتُ أخاف حتّى من أكل الطّعام. أتمنّى أن تتذوّقه الخادمة أوّلًا.”  

 

‘يبدو هذا و كأنّها لا تثق بعائلة الدّوق.’  

 

مرّت هذه الفكرة بذهني للحظة، لكن تذكّر محاولة الاغتيال اليوم جعل الأمر مفهومًا إلى حدٍّ ما.  

 

يبدو أنّ كايدن فكّر بشكلٍ مشابه، فأشارَ إلى الخادمة لتتذوّق الطّعام.  

 

اقتربت الخادمة من سيرينا و أخذت ملعقة ببطء.  

 

“آه!”  

 

“ماريان!”  

 

حدثَ ذلك في لحظة. رفعت الخادمة السّكين الذي بحوزتها، ليسَ نحو الصّحن، بل نحو رقبة سيرينا.  

 

حاولتُ صدّ يدها، لكن بسببِ حركة سيرينا، اخترقَ السّكين يدي اليسرى.