الفصل 49
عندما لاحظَ الحشد خروجنا، بدأوا يصرخون و يتجمّعون. حذّر بيديل بصوت عالٍ:
“ابتعدوا! لن أغفرَ لمَنْ يُحـرّك يدًا تجاه السّيدة ماريان أو الدوق!”
تراجع الناس.
خرجت من الباب و سألتُ بيديل عما يحدث:
“لماذا تجمّع كلّ هؤلاء؟”
“يبدو أنّهم تعرّفوا على عربة الدوقية و تجمّعوا.”
سأل كايدن بحيرة:
“لا أفهم. لمَ يتجمّع الناس رغمَ وصولنا بعربة الدوقية؟”
نظرتُ إلى بيديل بنفسِ الحيرة. ردَّ بنظرةٍ كأنّه يستغرب سؤالنا:
“من الطبيعيّ ذلك. أنتما الآن أشهر موضوع، أو بالأحرى، أشهر إشاعة في الإمبراطورية. خصوصًا السّيدة ماريان.”
آه، تذكّرت أن السّيدة مارتشي قالت شيئًا عن “نجومية الشيطان” أو ما شابه.
لكنني لم أتوقّع أن يتجمّع حشد بهذا الحجم. شعرت بالحيرة.
“السّيدة ماريان! وقّعي لي! آه! أنتِ قدوتی!”
“سموّ الدوق! اترك تلكَ المتهوّرة!”
كان شعورًا غريبًا أن يوجد مَنْ يحبني و مَنْ يكرهني معًا.
هل هذا مصير المشاهير؟
تذكّرت قول مغنٍ شهير في حياتي السابقة: النجوم لديهم معجبون و منتقدون، و كلاهما مجانين.
“الطّفل في بطنها قد لا يكون طفلَ الدّوق!”
“ماذا؟! مَنْ أنتَ لتشوّه سمعة السّيدة ماريان؟ توقّف عن نشرِ الإشاعات!”
“إنّها متهوّرة التقت عدّة رجال، فأي إشاعة تقصد؟ الدوق المسكين!”
“أيّها الوغد! الهجوم على السّيدة ماريان هو هجوم عليّ!”
“أيتها المرأة!”
“مهلاً، أوقفوهم!”
كان الوضع فوضى عارمة.
شعرت بالدوار و نظرتُ إلى المشهد بعيونٍ مشوشة. كان كايدن يمسك رأسه كأنّه يعاني من صداع.
فُتح باب متجر المجوهرات خلفنا، و اقتربَ المدير ألفريد من كايدن و همس:
“سموّ الدوق، اخرجوا من الباب الخلفي.”
أومأ كايدن و أمسكَ يدي. عندما هممنا بالدخول، صرخ أحدهم:
“أيّتها المرأة الشيطانية! ابتعدي عن الدوق!”
“السّيدة ماريان!”
بام!
التفتُّ بعيون مصدومة. كانت بيضة مكسورة تتدفق على وجه بيديل.
“بيديل!”
تركت يد كايدن و ركضت إليه، فسمعت همهمات من الحشد:
“يا إلهي، مَنٔ رمى البيضة؟ على شخصٍ نبيل…”
“و هل تلكَ المتهوّرة نبيلة؟ إنّها من عامّة الشعب!”
“الفرسان شبه نبلاء. و علاوةً على ذلك، قد تصبح زوجة الدوق.”
“بالمناسبة، هل رأيتم كيف تركت يد الدوق؟”
“نعم، كما هو متوقّع من متهوّرة تجذب الرجال…”
تأجّج غضبي. الإهانات تزعجني بما فيه الكفاية، و الآن يرمون البيض؟ سأمسك هذا الوغد!
“مَنٔ هذا الوغ…”
عندما هممت بالاندفاع نحوَ مَنٔ رمى البيض، أمسكَ كايدن معصمي.
“ماريان.”
“سموّ الدوق، دعني! هذا الوغد…”
“ماريان.”
مع استمرار ندائه، التفتّ إليه، فهزّ رأسه.
“لكن!”
“أنا بخير، سيّدة ماريان.”
مسحَ بيديل البيضة من وجهه وقال:
“ادخلي إلى المتجر. سأبقى هنا.”
قال ألفريد بوجهٍ شاحب:
“ادخلي بسرعة، قد يحدث شيء كبير.”
كان موظفو المتجر يصرخون على الحشد ليتفرّق. لكن الناس ردّوا بأن يفسحوا الطريق.
كانت فوضى.
قال بيديل لألفريد:
“أنتَ المدير ، أليس كذلك؟ اطلب من موظفيكَ استدعاء الحرس.”
تعاملَ بيديل مع الموقف ببراعة. كان هادئًا رغم أنّه شاب تعرّض للبيض.
جذبني كايدن.
“ماريان، هذا ليسَ الوقت المناسب. تحمّلي.”
عضضت شفتيّ بغضب، فهمسَ كايدن بهدوء:
“هل رأيتِ وجهه؟ سنغريه إلى مكانٍ خالٍ و نضربه.”
اتسعت عيناي، و رأيتّ وجه كايدن الغاضب. ضحكت بخبث و تمتمت:
“حسنًا.”
* * *
خرجَ كايدن و ماريان من الباب الخلفي إلى موقف العربات. لم يتحدّثا، لكن كلاهما كان يطحن أسنانه.
كانا يفكّران:
‘لا يوجد شيء آخر يهمّ، لكن مَنٔ رمى البيض، سنعاقبه.’
لو سمعهما الدوق السّابق ، لوبّخهما لأن اثنين من سادة السيف يخططان لضرب مواطن. لكن عيونهما كانت تحترق بالانتقام.
اقتربا من عربة عائلة فالتشتاين. فاستقبلهما السائق متفاجئًا:
“جئتما مبكرًا! لكن لماذا أتيتما هنا… كان يمكنني المجيء إليكما بنفسي”
“حدثَ شيءٌ في المتجر.”
أجابَ كايدن وهو يطحن أسنانه. التفتت ماريان، فأصدرت رقبتها صوتًا، و سألت:
“رالف، هل يوجد رداء في العربة؟”
أومأ السائق بسرعة:
“نعم! لكن لماذا تريدينه…”
“أحضر اثنين، لي و للدوق. و عُـدْ إلى القصر أولاً.”
“ماذا؟
قال كايدن:
“أخبر جدّي أنّني و ماريان سنبيتُ في الفندق اليوم، احتفالاً بانتهاء حبس ماريان.”
“حسنًا، دعني أوصلكما إلى الفندق…”
أظهر السائق تفانيًا، لكن ماريان هزّت رأسها:
“لدينا عمل.”
ابتسمَ كايدن و ماريان بشرّ. فارتجف رالف و صمت.
في تلكَ اللّيلة.
قضيا النهار يبحثان عن من رمى البيض، و وجداه يتجول في الشارع و تبعاه. انتظرا حتّى دخل مكانًا منعزلًا.
كان بإمكانهما اعتقاله بسلطة الدوق.
لكن بعد ردود فعل الحشد، كان من الواضح أن معاقبته باسم فالتشتاين ستجعل الصحف الشعبية تكتب عنهما.
“نفاق دوق الشمال و المتهوّرة! مواطن مسكين يتعرّض للضّرب!”
لا يمكن تجاهل الرأي العام قبلَ زفاف القرن.
على أيّ حال، كان لعائلة فالتشتاين شعار قديم:
“ردّ الجميل بضعفين، و الانتقام بخمسة أضعاف.”
أثناء التتبّع، ناقشا كيفيّة معاقبته.
همست ماريان:
“سأضربه ثلاث مرات.”
“لماذا ثلاث؟”
“واحدة لإهانتي، واحدة لضرب بيديل بالبيض، و واحدة لإهانة الدوق.”
أومأ كايدن:
“منطقيّ”
“وماذا عنكَ سموّك؟”
“اسمي.”
“…حتّى في هذا الوقت، تريدُ سماع اسمكَ؟”
“نعم.”
تنهّدت ماريان و سألت:
“سيٌدي كايدن، ماذا ستفعل؟”
“تخلّي عن ‘سيّدي’ أيضًا. سأضربه ثلاث مرات، لنفس أسبابكِ.”
“حسنًا.”
ضحكا بخبث و استمرّا في تتبّعه. كسادة سيف، كان من السّهل عليهما عدم الظهور أمام الناس.
كان الغروب يقترب.
عندما أظلمت المنطقة، ذهبَ الرجل إلى ضفّة النهر.
تساءلت ماريان لمَ لا يعود إلى بيته و يذهب إلى مكان منعزل، رغمَ أنّه لا يبدو فقيرًا.
سألت، فنظرَ كايدن بعيون ضيّقة و همس:
” مشبوه. لنتابعه أكثر.”
“حسنًا.”
مـرّ الرجل بقوارب مهترئة و ذهبَ تحتَ جسر، حيث كان اثنان من الأوغاد ينتظران مع طفلين بائسين.
نظرت ماريان و كايدن لبعضهما. ثم همست:
“لا يبدو مواطنًا عاديًا.”
“يبدو وغدًا من الأزقة.”
“لكن لماذا جاء هذا الوغد إلينا و رمى البيض؟”
“بالفعل، يزدادُ الأمر غموضًا.”
وضعا أذنيهما لسماع حديثهم.
تحدّث رجلٌ يشبه الخيار إلى مَنٔ رمى البيض:
“كيف سارت الأمور؟”
“رميتُ البيض، لكن الحارس تلقّاها.”
“همم، هل هذا كافٍ لإذلال المتهوّرة؟”
“يبدو ناقصًا.”
شعرَ كايدن و ماريان بالحيرة. كان حديثهم يوحي بقصد إذلال ماريان.
صرخَ رجل يشبه البطاطس على الطفلين:
“أنتما! هل تنشران الإشاعات كما أمرنا؟”
أومأ الطفلان برعب. تحدّث الطّفل الأكبر بصوتٍ مرتجف:
“إشاعة أن المشاغبة حامل من رجلٍ آخر و تخدع الدّوق انتشرت بالفعل.”
التعليقات لهذا الفصل " 49"