الفصل 40
لم يكن كايدن يتوقّع أنّ الرّابط الذي تخيّله بشكلٍ غامض سيكون “رابط زوجيّة”. بل أنّ الآخرين يعتقدون أنّ ماريان حامل بطفله.
بالطّبع، كلّ ذلك كذب.
عادَ كايدن إلى الواقع، ونظرَ بوجه متضايق إلى جانب ماريان التي كانت تتمتم “أمم، أمم” وهي تتجوّل في عالم الأحلام.
“همم.”
تحرّكت ماريان نحو كايدن. فكتم أنفاسه.
“…..”
نظرَ إلى وجه ماريان بعينين مغلقتين بهدوء. كانت ملامحها الدّقيقة كما كانت في طفولتها، لكنّها نضجت الآن.
شعرَ باضطراب داخلي.
لقد مرّت عشر سنوات. وقت كافٍ لتحوّل طفلة إلى بالغة.
“هاه…”
استدارَ كايدن بعيدًا عن ماريان. أمسكَ جبهته بيده.
‘أنتِ تنامين بهدوء.’
شعرَ بالظّلم.
كان واضحًا أنّه لن ينام ولو للحظة.
* * *
“آآآه!”
تثاءبت بفم مفتوح و تمدّدت.
“يبدو أنّكِ نمتِ جيّدًا. قد يدخل ذباب إلى فمكِ.”
“آه!”
فوجئت عندما التقى نظري بكايدن الجالس على الأريكة.
“سموّ الدّوق، ما بال وجهكَ؟”
“وما به وجهي؟”
“يبدو كمن قضى ليلتين دونَ نوم في محاربة الوحوش.”
“على عكسِ شخصٍ ما، كنتُ غارقًا في التّفكير.”
ما الذي يعنيه؟ ظهرت دهشتي على وجهي، فنهض كايدن بابتسامةٍ خافتة.
“اغتسلي بسرعة و انزلي. لنتناول الفطور.”
أومأت برأسي، ففتحَ كايدن الباب. كانت الخادمات ينتظرن خارجًا بماء الاغتسال و المناشف.
هل نمتُ لهذه الدّرجة؟
ظهرَ هذا السّؤال على وجهي، فأجابَ كايدن:
“القصر يبدأ صباحه قبل القلعة بنصف ساعة، حسب جدول جدّي. لكنّكِ حامل، لذا قالوا لكِ أن تتصرّفي براحتكِ.”
“آه، سأغتسل و أخرج فورًا.”
“حسنًا….”
غادرَ كايدن الغرفة.
أنهيت استعداداتي بسرعة و نزلت إلى غرفة الطّعام.
كان الدّوق السّابق وكايدن و السّيّدة مارتشي يجلسون حولَ الطّاولة ينتظرونني.
نهضَ كايدن عندما ظهرت و سحبَ كرسيًّا لي.
نظرت إليه بعينين متسعتين لهذا اللّطف غير المعتاد، فقال الدّوق السّابق بنبرة راضية:
“منظركما الودود يسرّ النّاظرين.”
ابتسمت على الفور. تذكّرت أنّ كايدن يؤدّي تمثيليّته بإتقان.
“هل نمتِ جيّدًا اللّيلة؟”
“نعم، بفضلِ عناية الجميع، تمكّنت من الرّاحة.”
أجبت بأدب، فأومأ الدّوق السّابق وقال:
“الأهم من كلّ شيء هو صحّتكِ، ماريان. هيّا، لنأكل. الطّفل في بطنكِ سيبكي جوعًا.”
“ههه.”
ضحكت آليًّا وبدأت أتناول الفطور.
رأتني السّيّدة مارتشي آكل بنهمّ فقالت إنّه لحسن الحظّ أنّني لا أعاني من غثيان الصّباح. أوصاني الدّوق السّابق بأكل المزيد برضا.
ارتجفت عيناي، لكنّني حاولت الحفاظ على ابتسامتي. لم تقلّ شهيّتي رغمَ الأنظار الموجّهة إليّ.
ربّما بسببِ أيّام الفقر حيث كنت أعاني من الجوع، حتّى الآن، عندما أرى الطّعام، أريد أن أضع كلّ شيء في فمي.
“خذي، تناولي هذا أيضًا.”
“هه، شكرًا. تناول أنتَ أيضًا، سموّ الدّوق السّابق.”
“طلبت تحضير الفواكه المتنوّعة للحلوى. ربّما هناك فاكهة تفضّلينها.”
“آه، هه، شكرًا، سيّدة مارشي.”
أتناول كلّ ما يُقدّم لي، لكنّه ثقيل.
كانا يعاملانني بلطفٍ مضاعف مقارنة بالمعتاد.
نظرت إلى كايدن كأنّني أطلبُ منه التّدخّل.
لكنّه بدا غارقًا في التّفكير، متجاهلًا نظراتي، رغمَ أنّه لا يمكن أن يغفلها.
شعرت بالإحباط و برزت شفتي، فسأل الدّوق السّابق كايدن:
“متى ستُقام مراسم الزّفاف؟”
“بعد شهر.”
“كح!”
كدتُ أبصق الطّعام من المفاجأة.
“شـ، شهر؟”
“نعم. قال جلالة الإمبراطور إنّه سيُعيرنا قصر الألماس.”
فتحت فمي بدهشة.
كان قصر الالماس يُستخدم في المناسبات المهمّة، مثل تسليم التّاج في تتويج الإمبراطور أو زواج الأمراء. مكان لا يدخله النّبلاء العاديّون.
كما هو متوقّع من عائلة فالتشتاين، حتّى يُعار لهم.
لكن، متى تقرّر الزّفاف هذا بهذه السّرعة؟
قرأ كايدن تعبيري وشرح:
“بينما كنتِ تحت تأثير السّحر تهاجمين فرسان القصر، كنتُ أتحدّث مع جلالة الإمبراطور.”
“فهمت. لكن، أليس ذلكَ سريعًا جدًّا؟ توقّعت ستّة أشهر على الأقل.”
ذُعرت السّيّدة مارتشي:
“مستحيل! الزّفاف يحدث مرّة واحدة، لا يمكن للعروس أن تُقيم مراسمها و بطنها منتفخ!”
صحيح، أنا “حامل”.
عرقت داخليًّا.
شرحَ كايدن أنّه لذلك حدّدَ موعد الزّفاف بأسرعِ ما يمكن.
ضحكت بإحراج و دفعت البطاطس في فمي. كلّما تحدّثت، شعرت أنّ حملي المزيّف سينكشف.
“بالنّسبةِ لفستان الزّفاف، أظنّ أنّه يجب تعديل فستان والدتي.”
نظرَ كايدن إليّ بوجه آسف، موضحًا أنّ الوقت الضّيق اضطرّه لذلك.
لمَ يعتذر؟ كنتُ سعيدة.
متى سأرتدي فستانًا فاخرًا كهذا؟ لم أهتم كثيرًا.
“نعم، هذا جيّد.”
وبّخ الدّوق السّابق كايدن بعدمِ رضا:
“لا توجد عروس تريد ارتداء فستان مستعمل. كُـن أفضل لماريان في المستقبل.”
“نعم، سأكون زوجًا مخلصًا أكثرَ من أيّ شخص.”
أجابَ كايدن بوجهٍ نادم. أُعجبت بمهارته في التّمثيل.
كيف يستطيع إظهار هذه التّعابير على الفور رغمَ الانتقادات؟
“أنا حقًا لا أمانع.”
ضحكت بإحراج، فنظرَ إليّ الجميع حول الطّاولة بعيون شفقة.
لم أفهمهم. بحسبِ ذكريات حياتي السّابقة، حتّى في العالم الحديث، استئجار فستان زفاف أمر شائع.
لكن، بما أنّ التّحضير للزّفاف قد يستغرق عامًا، كنتُ قلقة من الوقت الضّيق.
“لكن، هل يمكن التّحضير في شهر واحد؟”
نظرَ كايدن إليّ بوجه مطمئن:
“لا تقلقي. المال يحلّ كلّ شيء.”
أومأ الدّوق السّابق.
“صحيح. من اليوم، سنكون مشغولين. أوّلًا، سنزور الصّائغ لصنع خاتم. سأدفع المزيد لتوظيف أمهر صائغ سحريّ.”
ابتسمت السّيّدة مارتشي بلطف:
“الدّعوات يمكن لساحر أن ينسخها. سيكلّف ذلك بعضَ المال.”
قال الدّوق السّابق بحماس:
“المال لدينا بكثرة. لذلك انفقوا بلا حدود.”
ضحكتُ بلا روح: “هههه.”
[يا إلهي، المال شيء رائع. هذا مزعج، لكنّني أحسدهم.]
وافقتُ على كلامِ بليد بحماس.
استمرّت الوجبة في جوّ ودّي. بدا الدّوق السّابق في مزاج جيّد، فبدأ يروي قصصًا قديمة.
“تذكّرتُ طفولتكِ، ماريان. هل تتذكّرين ما فعلتِ عندما أصبتُ بنزلة برد؟”
“آه…”
أشحت بنظري عن الدّوق السّابق الذي يستعيد ماضيّ المحرج. أجابت السّيّدة مارتشي:
“ههه، أتذكّر أيضًا. كان عمر ماريان ثلاثة عشر عامًا، أليس كذلك؟ عندما مرض سموّ الدّوق ، أصرت على العناية به، فوضعت منشفة مبلّلة غيرَ معصورة على وجهه.”
خفضت رأسي و اعتذرت:
“أنا آسفة حقًا.”
“ههه! تلكَ المياه جعلتني أستفيق تمامًا!”
“أنا آسفة…”
احمرَّ وجهي من الإحراج.
عندما كنتُ طفلة قادمة من الأحياء الفقيرة، لم أكن أعرف كيف أعالجَ و أعتني بأحد. التّفكير بذلك يجعلني أشعر بالدّوار.
في ذلكَ الوقت، كان ليوبولد، الدّوق السّابق، لا يزال يحمل لقب الدّوق، سيد عائلة فالتشتاين. ومع ذلك، تجرّأت على فعل ذلك.
حسنا لكي أدافع عن نفسي، يجبُ الإشارة إلى أنّ رغمَ كونِ ليوبولد صلبًا و مخيفًا، إلاّ أنّه كان يربّت على رأسي أحيانًا و يعطيني بسكويت، كـجدٍّ لطيف.
شعرت حينها بلطفِ شخصٍ بالغ لأوّل مرّة، فأردت فعلَ شيءٍ له عندما سمعت بمرضه، لكنّ عنايتي به كانت خرقاء.
ربّما يروي الدّوق السّابق القصّة لأنّه يعرف مشاعري. وضعت طماطم في فمي بإحراج.
نظر إليّ الدّوق السّابق برضا وقال:
“تلكَ الصّغيرة كبرت و ستتزوّج حفيدي، بل وستمنحني حفيدًا عظيمًا.”
“كح، كح.”
التعليقات لهذا الفصل " 40"