الفصل 30
رأيتُ كارولين تُجادل كايدن، لكنني لم أعد أسمع كلامها.
‘كايدن… يحترمني؟’
شعرتُ بدغدغةٍ في صدري. أخذَ وجهي يسخن.
لكنني هززتُ رأسي بسرعة.
‘لا، إنه يقول هذا للتًخلص من الأميرة.’
الاحترام؟ لا يعقل. من المؤكد أنه قال ذلكَ لرفضِ كارولين بقوة.
ثم وصلني صوت كايدن واضحًا:
“سموّ الأميرة، ماريان صديقتي، رفيقتي، حبي الوحيد. أرجوكِ، لا تُهينيها بكلماتٍ وقحة بعد الآن.”
شعرتُ بدغدغةٍ في جسدي بأكمله بسببِ كلامه.
‘آه، حتى أخمص قدميّ تُدغدغ.’
حركتُ أصابع قدمي. لكن يبدو أن صوت كايدن كان مرتفعًا، إذ بدأ النبلاء يتهامسون:
“هل قال الدوق للتو… عن المتهورة أنها حبّـه؟”
“نعم، سمعتُ ذلك بوضوح.”
“هل حذّر الأميرة من إهانة السّيدة ماريان؟”
تغيرت أجواء النبلاء فجأةً.
أولئك الذين كانوا يسخرون مني وينادونني بالمتهورة بدأت نظراتهم تتحول إلى حسد.
خاصةً عيون النساء.
كان كايدن جذّابًا بالفعل.
طويل، قوي البنية، و.وجهه؟ وصفه البعض بالتمثال. و فوق ذلك، مكانته المثالية.
كان بلا شكّ رجلًا مباركًا .
أما أنا…
“سيبدأ المؤتمر الكبير قريبًا! أيها السادة والسيدات، تفضلوا بالدخول إلى قاعة الاجتماع!”
صرخَ أحد الخدم، فتجمّع النّبلاء ودخلوا القاعة.
اقتربَ كايدن مني. شعرتُ بنظرات كارولين القاتلة، لكن اقتراب كايدن جعلني أتجاهلها.
شعرتُ برغبةٍ في الهروب.
“ماريان.”
مـدَّ كايدن يده. لم أستطع مواجهة عينيه مباشرةً فسألتُ و أنا أنظر إليه بنظراتٍ خاطفة:
“لماذا فجأةً؟”
كان النبلاء ينظرون إلينا بفضول. أدركتُ مشاعري:
‘أنا محرجة!’
دونَ أن يعرف ما أشعر به، رفعَ كايدن حاجبًا وقال:
“امسكي يدي.”
…هل هذا جزء من الخطة؟ لا، ربّما مجرّد مرافقة تقليدية.
شعرتُ بالظلم لأنني الوحيدة التي تشعر بالحرج والاضطراب.
لكن رفض يده هنا قد يثير شكوكَ الآخرين.
وضعتُ يدي اليمنى على يده بهدوء. أمسكَ كايدن يدي بقوة وقال:
“هيا.”
أومأتُ بشفتين متدليتين.
* * *
بدأ المؤتمر الكبير.
افتتحَ الإمبراطور الجلسة، و طُرحت القضايا المهمة من مناطق الإمبراطورية.
أهمها كانت تصاعد هجمات الوحوش في الشرق.
كانت العاصمة قريبةً من جبال الشرق، وكان هناك تكهنات بأن هجوم القصر الأخير كان بتحريضٍ من شيطانٍ ذكي يتحكّم بالوحوش.
قالَ الإمبراطور بقلق:
“هل الوضع في الشّرق سيءٌ لهذه الدرجة؟”
“أعتذر، جلالتك.”
انحنى الماركيز فرناندي، حامي الشرق.
“قبل عشرين عامًا، لم تكن الوحوش بهذا الشراسة.”
“يبدو أن الشّياطين الدنيا و الوحوش فقدوا نظام القيادة تمامًا.”
“نعم. اختفى الشيطان الأعلى الذي كان يتفاهم مع البشر، و لا أعرف لماذا.”
تذكّرَ كايدن قصصًا قديمة رواها له ليوبولد عندما كان طفلًا:
“في الماضي، كنا نتاجر مع الشياطين. كما نربي الماشية، كانوا يربّون الوحوش و نتاجر بها. لكن فجأةً، اختلّ النظام. لم تكن الوحوش تهاجمُ البشر بهذا العنف.”
قبلَ عشرين عامًا، كان كايدن في السابعة أو الثامنة.
تنهّدَ النّبلاء الأكبر سنًا، متذكرين تلكَ الأيام: “كانت أيامًا جيدة.”
تحدّثَ الإمبراطور:
“و مع ذلك، ألم تظهر قديسةٌ في الشرق؟ هذا أمرٌ يستحق الاحتفال.”
نظرَ كايدن إلى الأمير لوكاس، و بجانبه فتاة ذات شعر وردي.
سمعَ أن القديسة ابنة بارون من الشرق. بدت مرتبكة، وهي ترمش بعيونٍ كبيرة في مثل هذا الموقف الكبير.
نظر كايدن إلى ماريان، التي كانت تقف بهدوء بجانبه.
“…..”
كانت ماريان نائمةً بعيونٍ شبه مغلقة.
‘…. إذا كانت هذه موهبة فهي موهوبةً حقًّا.’
أثنى الإمبراطور على ستيلا:
“ما أظهرتِه من قوةٍ مقدسة الليلة الماضية كان مذهلاً. اعملي من أجل ازدهار الإمبراطورية.”
“إنّه شرفٌ عظيم، جلالتك.”
“نعم. و…”
تنحنح الإمبراطور وقال الموضوع الذي كان الجميع ينتظره:
“أمس، حدثت حادثةٌ كبيرة أخرى، أليس كذلك؟”
تحولت أنظار النبلاء إليّ أنا و كايدن.
ضغطَ كايدن على يدي، كإشارةٍ لي للاستيقاظ.
“آه!”
ارتجفتُ و نظرتُ حولي بينما أتذوق فمي كأنني كنتُ أحلم.
“سمعتُ أن دوق فالتشتاين تقدّمَ بعرض زواج للسيدة ماريان. هل هذا صحيح؟”
“نعم، صحيح.”
أجابَ كايدن بثقة، فترددت همهمات النبلاء.
“هل تتواعدان منذُ زمن حقًّا؟”
“نعم.”
“همم، هذا غريب. يقول الكثيرون إنكما تكذبان.”
شعرتُ بعرقٍ بارد على يدي الممسكة بكايدن. كنتُ متوترة. ضغطَ كايدن على يدي مطمئنًا، ثم نظرَ حوله بنظراتٍ حادة، فخفضَ النبلاء رؤوسهم.
تحدّثَ كايدن:
“لا أعرف مَنٔ ينشر هذه الشائعات، لكن أمور الأحبّاء لا يعرفها إلا هم.”
صرخَ أحد النبلاء فجأةً:
“جلالتك! لا يجب أن توافق على زواجهما أبدًا!”
عبسَ كايدن و نظرَ إلى النبيل، وهو كونتٌ من إقطاعيةٍ قريبة من فالتشتاين.
“كلاهما سيّد سيف! إذا تزوجا، ستصبح قوة فالتشتاين مخيفة! هذا تهديدٌ للإقطاعيات القريبة!”
صرخَ نبلاء آخرون قريبون من فالتشتاين:
“صحيح! هذا مخيف!”
“نحن نعارض هذا الزواج!”
“إنهما يكذبان!”
“على سادة السّيف أن يستيقظا!”
كان سخيفًا أن يطالبوا بـ”الاستيقاظ”.
صاحت ماريان، التي بدت مستاءةً أيضًا:
“بفضلِ مَنٔ تعتقدون أنكم تعيشون بأمانٍ دونَ هجمات الوحوش؟!”
“ماذا قلتِ؟!”
احتجَّ النبلاء، مدعين أنها وقحة أمام الإمبراطور، متجاهلين تناقضهم في المطالبة بـ”الاستيقاظ”.
رفعَ الإمبراطور يده لتهدئة الوضع:
“كفى!”
ساد الهدوء، لكن همسات النبلاء استمرت:
“إذا تزوجا، ستصبح قوتهما كبيرة جدًا.”
“أليس هذا خطرًا؟”
سخرَ كايدن من خوف هؤلاء الأرانب.
نظرَ الإمبراطور إلى النّبلاء:
“إذا كانا يحبان بعضهما، فكيف أعترض؟”
تفاجأ كايدن. توقّعَ أن يعترض الإمبراطور.
تدخّل الأمير لوكاس:
“جلالتك، زواجهما ليس المشكلة الآن. الوضع الذي رأيته بنفسي في الشّرق خطير. ألا يجب أن نستعين بسادة السيف؟”
تدخّلَ وليّ العهد ماريوس:
“صحيح، جلالتك. سأذهب مع ماريان إلى الشرق للقضاء على الوحوش.”
سخرَ كايدن.
كان الإمبراطور يعلم أن ابنيه سيتصرفان هكذا.
“ما هذا الكلام يا أخي؟ يجبُ أن تحمي العاصمة. سأذهب مع ماريان إلى الشرق.”
“ألستَ مَنٔ عادَ بالأمس. أنتَ متعب، لذا دع الشرق لي.”
غضبَ كايدن.
كان الأمير و وليّ العهد يحاولان فصل ماريان عنه، و يضعانها بجانبهما بمهارة، بينما عيناه مفتوحتان.
كانت ماريان مضطربة.
لا يجب أن تذهب ماريان إلى الشرق. قتال الوحوش مع الجنود مستحيل بالنّسبة لها الآن، فهي يُغمى عليها عندَ رؤية الدم.
“إذا كان الأمر يتعلق بالشرق، سأذهب أنا.”
هـزَّ الأمير و وليّ العهد رأسيهما:
“سموّ الدوق، يجب أنْ تحمي أنتَ الشّمال. ماريان كافية.”
“صحيح، يجبُ عليكَ أن تحمي الشمال!”
شعرت ماريان بالخطر و صاحت:
“لا، لا أستطيع الذّهاب!”
تحوّلت أنظار الجميع إليها. وبّخها الإمبراطور بصرامة:
“ألم تكوني ترفضين من أجل الزواج؟”
“لا!”
نظرَ كايدن إليها بقلق.
كان ينوي الذّهاب إلى الشرق بنفسه وإخبارها ألا تتدخل، لكن قبلَ أن يفعل، ألقت ماريون بقنبلة:
“أنا… حامل!”
التعليقات لهذا الفصل " 30"