الفصل 23

“آه! ما الذي تفعلينه؟!”  

“وأنتَ، كيف تجرؤ على استخدام سحر التخفي في القصر؟ ما الذي تفعله؟” 

عندما سألتُ بنبرةٍ حذرة، أمسكَ الساحر ذراعه وحدّق بي. رددتُ النظرة بنفس الطريقة.  

“كنتُ أنفذ مهمةً رسمية!”  

“في القصر؟”  

في القصر، يُمنع استخدام السحر خارج حالات الطوارئ أو التدريب.  

خاصّةً سحر التخفي، الذي يبدو مثاليًا للاغتيال.  

“مهمتي تتطلب الخروج، لكن لا يمكن أن يُكشف تحركي، لذا كنتُ متخفيًا منذُ وجودي في القصر!”  

رفعتُ حاجبًا و نظرتُ إلى الساحر. شعرٌ بنفسجي، وجهٌ هزيل، و هالاتٌ سوداء تحت عينيه، وهي سمةٌ نمطية للسحرة.  

“إذن، لماذا لم تستخدم التخفي عند البوابة؟”  

“لو استخدمتُ التخفي من بوابة القصر، كانوا سيعرفون أنني ساحرٌ في مهمةٍ سرية و لن يكون هذا سرًّا في بعد ذلك!؟ هل أنتِ غبية؟ آه ، هذا متوقع من الفرسان!”  

صرخَ الساحر بحدة. كدتُ أشعر بالأسف، لكن كلامه أزعجني.  

في الحقيقة، العلاقة بين السحرة والفرسان لم تكن جيدة.  

يحتقرنا السحرة، معتبرين أن عقولنا مليئة بالعضلات فقط، بينما يسخر الفرسان من السحرة، قائلين إن أطرافهم ستنكسر بلمسةٍ واحدة.  

‘هاه… مزعج. دعينا نتجاوز الأمر.’  

في الماضي، كنتُ سأتحدّاه للمبارزة فورًا.  

“حسنًا، أعتذر. أنا ماريان كروغمان، سيّدة السيف ذاتُ الشعر الأحمر. هل يمكنكَ إلى أين تنتمي؟”  

كنتُ أريد التّأكد من هويته. لكن عندما سمع اسمي، تغيرت سلوكياته فجأةً إلى الغطرسة.  

“ها! أنتِ، مجرد فارسة متهورة، تجرئين على التطاول دونَ معرفة مَنٔ أنا؟!”  

تمالكتُ غضبي وسألتُ:  

“مَنْ أنتَ؟”  

“ماذا؟! كيف تجرؤين على التحدث إليّ بلهجةٍ غير رسمية؟ أنا الساحر المباشر للأميرة الثالثة كارولين!”

الفرسان أو السحرة المباشرون للملكيين يحصلون دائمًا على ألقابٍ نبيلة.  

هذا يعني أنهم ماهرون ويحتلون مكانةً يفخرون بها، مما يفسّر غطرسته.  

“وماذا في ذلك؟”  

لم أهتم كثيرًا. عندما نقرتُ أذني بإصبعي الصغير ونفختُ، بدا الساحر غاضبًا جدًا.  

“أنتِ! كيف تجرؤين! حتى لو كنتِ سيّدة سيف، لا يمكنكِ احتقاري!” 

‘مزعج.’  

كنتُ أشعر بالملل من الاستماع إلى هذا الشخص البسيط. بينما كنتُ أفكر في المغادرة،  

“مرحبًا! السيدة ماريان!”  

رآني فرسان من الحرس الملكي الذين كانوا يمرّون بالقرب و وقفوا لتحيّتي باحترام.  

حتى لو كنتُ فارسةً بلا لقب، فإن كوني سيّدة سيف جعلني مختلفةً عن الفرسان العاديين. بمعنى آخر، كنتُ شخصيةً محترمة بين الفرسان.  

لكن السّاحر قال ما لا يجب قوله.  

“ما هؤلاء؟ اسمعي، أيتها المتهورة! إذا ركعتِ و توسلتِ، سأتغاضى هذه المرة!”  

عند هذه الكلمات، التفتَ جميع الفرسان نحوه.  

“ماذا؟ الركوع؟!”  

“حتى لو كانت السيدة ماريان متهورة، ماذا قلتَ؟!”

“ليس حتّى‘السيدة المتهورة’، بل ناديتها فقط بـ ‘المتهورة’؟ هل السحرة وقحون هكذا؟!”  

“بالضبط! احترم الأدب!”  

مَنْ الذين يدعوني متهورة الآن؟  

حدّقتُ في الفرسان الذين قالوا هذا، ثم خلعتُ قفازي وألقيته على وجه الساحر.  

صفعه!  

“آه! ما هذا؟!”  

كان الساحر قد خاف قليلًا من توبيخ الفرسان، لكنه غضب عندما أمسك بالقفاز الذي سقط من وجهه.  

ما هذا؟  

“تحدٍّ للمبارزة. ألا تعرف؟”  

اصفرّ وجه الساحر.  

＊ ＊ ＊

استدار كايدن بوجهٍ متفاجئ.  

“ماذا؟ ماريان ستخوض مبارزةً مع ساحر؟”

قال فيتو بنبرةٍ حزينة:  

“نعم، والساحر هو الساحر المباشر للأميرة كارولين.” 

“يا إلهي.”  

أمسكَ كايدن رأسه. مبارزة مع الساحر المباشر للأميرة؟ 

“ألم تتخلّص تاكَ الفتاة من عادة الغضب السريع؟!”  

نقر ليوبولد، جدّ كايدن و الدّوق سابق، بلسانه.  

كان كايدن يقيمُ في قصر الدوق في العاصمة. و كان ليوبولد هناك أيضًا، مما يعني أنهما يلتقيان يوميًا.  

وهذا يعني أن كايدن كان يعاني من هجمات جدّه لترتيب لقاءات زواج.  

“يجب أن أذهب.”  

عندما نهضَ كايدن، مستغلًا الفرصة، غضب ليوبولد.

“وماذا عن لقاء الزواج هذا المساء؟!”  

“جدي، أنتَ تعرف مكانة ماريان في القصر.” 

ضربَ ليوبولد مسند الكرسي بقبضته.  

“إنها تستحق ذلك! لو لم تخفض تلكَ الفتاة نفسها مثل أفعى ملتصقة بالأرض، و هي تهلّل لولي العهد، لما تجرأ الآخرون على النّظر إليها باستخفاف! إنّها سيّدة سيف، يا للهول!”  

كان كلامه صحيحًا.  

لقد كانت ماريان دائمًا متذللةً أمامَ وليّ العهد ماريوس، مما جعله ينظر إليها بازدراء، وانتقل هذا السّلوك إلى الآخرين.  

“وإلى متى ستظل تتستّر على أفعالها؟ كلاكما تجاوز العشرين، عازبان عجوزان!”  

بالنّسبة لليوبولد، كان زواج الشّباب هو الأولوية.  

“أخطط لتزويجكَ، ثمّ سأبحث عن شخصٍ مناسب لماريان! أعرف أنكَ تعتبرها أختًا صغيرة، لكن حانَ وقت أن يسلكَ كل منكما طريقه!”  

كان ليوبولد يطالبُ كايدن بأن يتوقف عن الاهتمام بأمور ماريان. لكن كايدن شعرَ بقشعريرة من كلامه.  

“…هل تخطّط لترتيب لقاء زواج لماريان؟”  

“نعم! يجب أن تتزوج قريبًا. في أيامي، كانت الفتاة في العشرين تُعتبر عانسًا! الآن يقولون إن 22 أو 23 هو العمر المناسب، لكن ماريان…”  

“ماريان صغيرة.”  

“أيها الغبي! 23 عامًا ليست صغيرة! الفتيات النبيلات في هذا العمر إما متزوجات أو لديهن طفل!”  

“لكن…!”  

“سموّ الدوق!”  

قبل أن يعترض كايدن، ناداه فيتو بنبرةٍ عاجلة.  

“لقد تصاعدت مبارزة ماريان مع السّاحر إلى نزاع بين الفرسان و السحرة!”  

أمسكَ كايدن و ليوبولد رأسيهما في نفسِ الوقت.

نادى كايدن ليوبولد بهدوء.  

“جدي.”  

لوّح ليوبولد بيده دونَ سؤال.  

“اذهب.”  

“حاضر.”  

اضطر ليوبولد للتّخلي عن لقاء زواج حفيده لهذا اليوم.  

＊ ＊ ＊

انتهت المبارزة مع السّاحر قبل أن تبدأ.  

لماذا؟ لأنّ التحدي تحول من نزاعٍ شخصي بيني و بين ذلكَ الساحر الأرجواني إلى صراعٍ جماعي.  

“ماذا؟! كيف تجرؤون على احتقار سيدتنا المتهورة بكلمة ‘متهورة’ فقط؟ هيا نذهب لنضع هؤلاء السحرة في مكانهم!”  

“هيا!”  

غضب الفرسان،  

“الفرسان الأغبياء يحاولون قمعنا بالقوة؟ عقولهم مليئة بالمعكرونة! هيا لنسحقهم!”  

“لنفعل ذلك!”  

غضبَ السحرة.  

تحولت ساحة التدريب إلى ساحة معركة بالشتائم بين الفرسان والسحرة، وتصاعد الأمر إلى درجة استخدام القوة تقريبًا.  

…في الحقيقة، استخدمَ البعض بالفعل القوة والسحر.  

“أيها العضليون! نار!”  

“ملابسي الجديدة احترقت! أيها الأوغاد! خذوا سيفي!”  

كانت فوضى عارمة.  

[لماذا تصاعدَ الأمر هكذا؟]  

كان بليد مرتبكًا، وأنا أيضًا. في تلكَ اللحظة، رأى قائد الحرس المار بالقرب الصدمة.  

“ما الذي تفعلونه؟!”