* * *
كانت الرّحلة إلى القصرِ الإمبراطوريّ بسيطة.
ركبنا عربةً إلى دائرة النّقل السّحريّة خارجَ قلعة الدّوق، و من هناك انتقلنا مباشرةً.
في لحظة، وصلنا إلى دائرة سحريّة قربَ القصر الإمبراطوريّ. من هناك، استغرقت الرّحلة بالعربة إلى القصر نصف ساعة.
“أن أضطرّ للإنفصال عن ماريان الجميلة، هذا محزن جدًّا.”
ما إن وصلنا إلى القصر حتّى بدأ لوكاس بالتّذمّر. ضحكتُ بإحراج فقط.
كان لوكاس شريك شقيقته سيرينا، لذا كان عليه الذّهاب.
“ارقصي معي لاحقًا.”
جعلني طلب لوكاس أرتبك.
“أنا لا أجيد الرّقص.”
“مَنٔ يرقص بالسّيف يقول هذا؟ هاها.”
“أنا جادّة…”
“آه، سيرينا ستوبّخني إن تأخّرت. سأذهب أوّلًا.”
قبّـلَ لوكاس ظهر يدي و غادر.
كانت المرّة الأولى، فشعرتُ بالارتباك الشّديد. حدّقَ كايدن بشراسة في مؤخّرة رأس لوكاس.
لكن سرعان ما أدركتُ أنّ الأمور كانت أفضل عندما كان لوكاس موجودًا.
“……”
“……”
بقينا أنا و كايدن وحدنا، و ساد صمتٌ محرج. شعرتُ كأنّ نسيمًا باردًا هـبّ فجأةً.
لم يكن داخل قاعة الحفل، بل في ممرّ القصر، فلا سبب لمرور الرّيح.
في تلكَ اللّحظة، اقتربَ خادم وقال إنّه سيأخذ عباءتي.
أومأتُ و خلعتُ عباءتي وسلّمتها له. ظهر كتفاي اللذان كانا مغطّين سابقًا.
فجأةً، أمسكَ كايدن بالعباءة. نظر إليه الخادم مرتبكًا.
“…؟ سموّ الدّوق؟”
“…خذها.”
“يجبُ أن تتركها…”
نظرتُ إليه بحيرة، فأفلتَ كايدن العباءة متردّدًا.
اختفى الخادم بسرعةٍ مع العباءة، و عدنا وحدنا.
شعرتُ بتوتّرٍ غريب بسببِ الأجواء الغير معتادة.
فجأةً ، شعرتُ بحكّة في أنفي.
“أتشو!”
“هل أطلب إعادة العباءة؟”
سألَ كايدن على الفور.
“لا، أنفي كان يحكّ.”
“حسنًا.”
صمتَ مرّة أخرى.
ما الذي يجعل الأجواء هكذا؟ هل الفستان لا يناسبني حقًّا؟ هل كذبَ كايدن عليّ؟ كان يجبُ أن أرتدي زيًّا عسكريًا؟
ملأت الأفكار السّلبيّة رأسي.
سعلَ كايدن بخفّة و مـدّ يده إليّ.
“…هيا، هل نذهب؟”
بدا وجهه محرجًا، لكن إيماءته جعلتني أشعر بالأمان.
وضعتُ يدي على يده و أجبتُ:
“نعم!”
* * *
عندما دخلتُ أنا و كايدن إلى قاعة الحفل، اتّجهت أعين النّبلاء إلينا.
تجاهلتُ تلكَ النّظرات و رفعتُ رأسي. كسيّدة سيف، حضرتُ الحفلات كلّ عام. لم تكن هذه النّظرات تهمّني.
‘إن أرادوا السّخرية، فليسخروا!’
لكن عندما دخلتُ القاعة بفستان، شعرتُ بالتّوتّر ممّا قد يقولونه.
بدأ النّبلاء بالهمس.
“مَنٔ هي السيّدة التي جاءت مع دوق فالتشتاين؟”
“أن يرافقها الدّوق…”
“فتاة ذاتُ شعرٍ أحمر جميل.”
مذهلًا، لم يتعرّف عليّ النّبلاء.
فستان و قليل من المكياج جعلوني غير معروفة.
شعرتُ بالذّهول، فضحكَ كايدن بجانبي.
“لم يتعرّفوا عليكِ.”
“بالفعل. هل أنا غير معروفة لهذه الدّرجة؟”
“ليسَ إلى هذا الحدّ.”
“أليس كذلك؟ هذا سخيف.”
عندما غضبتُ، تمتمَ كايدن:
“أنتِ من النوع الذي يجذب الأنظار أينما كنتِ.”
“ماذا؟ هل هذا مديح أم ذمّ؟”
“اليوم، إنّه مديح.”
فكّرتُ للحظة، ثمّ حدّقتُ فيه بعيونٍ عابسة.
“ماذا، إذن في الأيّام الأخرى، كنتُ أجذب الأنظار بشكلٍ سيء؟”
ضحكَ كايدن بخفّة فقط.
حدّقتُ فيه، لكنّه بدا غريبًا اليوم بزيّه الأنيق، فأشحتُ بنظري. لماذا يضحك هكذا؟
[ماريان، لا تنسي أن تكسبي ودّ كايدن.]
تذكّرتُ فجأةً كلام بليد.
صحيح، نسيتُ الفساتين التي كان كايدن يعدّها كلّ عام.
أردتُ شكره، لكن في العربة إلى القصر، كان لوكاس موجودًا، فلم أستطع التّحدّث.
الآن بدا توقيتًا جيّدًا.
“سـ، سموّ الدّوق.”
“… ما الأمر؟”
اللّعنة، لقد تلعثمتُ. يا للإحراج.
تردّدتُ.
شعرتُ بالخجل الشّديد من التّعبير عن الامتنان.
شعرتُ بنظرات كايدن تحدّق في وجهي. بدا أنّ العرق البارد يتصبّب منّي.
“الفستان…”
“شمس الإمبراطوريّة الصّغيرة، وليّ العهد ماريوس يصل!”
ما إن بدأتُ الحديث حتّى ظهر وليّ العهد.
ماريوس غراتييه، بشعره الأشقر المتلألئ وعينيه الخضراوين الجميلتين، ظهرَ على المنصّة و هو ينظر إلى النّبلاء بغطرسة.
أدّى الجميع التّحيّة لوليّ العهد.
رفعَ يده إشارةً للرّاحة، فعادت الموسيقى لتُعزف في القاعة.
رأيتُ وليّ العهد لأوّل مرّة منذُ عام.
في الماضي، كان قلبي سيخفق و وجهي يحمّر و كنتُ سأفقد صوابي. لكن لم أشعر بشيءٍ من هذا.
‘هل بسبب إدراكي لحياتي السّابقة؟’
هل يمكن أن يتغيّر قلبي فجأةً؟ كنتُ أتساءل عن ذلك لكن قرّرتُ عدم التّفكير بعمق. قلوب البشر كالقصب.
“هممم.”
“ما الأمر؟”
عندما سألَ كايدن، نظرتُ إليه و همستُ:
“وليّ العهد وسيم حقًّا.”
“…..”
عبسَ كايدن قليلًا دونَ ردّ.
لم أكن أنتظر ردّه، فاستمرّيتُ في مشاهدة وليّ العهد.
كان وسيمًا حقًّا. هل يحتاج المرء أن يكون بهذا الجمال لمنافسة البطل؟
إذا كان لوكاس، بطل الرّواية، جميلًا بشكلٍ بريء، فإنّ وليّ العهد كان وسيمًا بشكلٍ حادّ.
كلاهما لديه وسامة مختلفة، ربّما تناسب أذواقًا متنوّعة.
و كايدن…
“ماذا؟”
شعرَ كايدن بنظرتي و نظرَ إليّ. أدرتُ رأسي بسرعة و قلتُ : “لا شيء.”
* * *
“وليّ العهد وسيم حقًّا.”
أفسدت كلمات ماريان مزاج كايدن فجأةً.
كان يعرف أنّ ماريان تحبّ وليّ العهد. لكن اليوم، شعر بضيقٍ خاص.
‘لماذا؟’
في تلكَ اللّحظة، اقتربَ بعض النّبلاء بشجاعة من كايدن و ماريان.
شعرَ بشدّ يدها التي كان يمسكها لمرافقتها.
بدت متوترة.
“تصرّفي كالمعتاد.”
“ماذا؟”
نظرت ماريان إليه بحيرة. لم تدرك أنّها متوترة.
قبلَ أن تردّ، تحدّث النّبلاء:
“نحيّي دوق فالتشتاين.”
“كيف حالك؟”
“مَنٔ هي السيّدة الجميلة التي بجانبكَ؟”
تدفّقت الأسئلة من كلّ جانب. كانت معظمها عن ماريان.
لم يفهم كايدن كيفَ لم يتعرّفوا عليها. بدت ماريان كذلك، فقدّمت نفسها ببرود:
“أنا ماريان كروغمان.”
كان لذلك أثرٌ كبير.
“مستحيل!”
“تلك السيّدة… لا، تلكَ المرأة هي نفسها المتهوّرة؟”
“يا إلهي، إنّها أكثر…”
في تلكَ اللّحظة.
“ماريان؟”
اقترب وليّ العهد.
عند ظهوره، انفرج النّبلاء كما لو كان بحر الأحمر ينقسم.
“نحيّي وليّ العهد.”
“نحيّي وليّ العهد.”
قدّمَ كايدن و ماريان تحيّتهما معًا. رغمَ ارتدائها فستانًا، أدّت ماريان تحيّة خفيفة كالمعتاد.
“كفى تحيّة.”
رفعَ كايدن و ماريان رأسيهما. ألقى كايدن نظرةً جانبيّة على ماريان.
توقّع أن تنظر إلى وليّ العهد بعيونٍ متلألئة كالمعتاد.
لكن ماريان كانت تنظر إليه بهدوء.
بل… بدا كأنّها لا تنظرُ إليه أصلًا.
‘عينا ماريان… مشوّشتان؟’
التعليقات لهذا الفصل " 15"