صرختُ مذهولة، فتظاهرَ كايدن بخفض رأسه.
“يا لها من عقوبة قاسية لتبدي هذا التعبير.”
“أنتَ تطلبُ منّي ارتداء فستان الآن!”
“نعم.”
في الحفلات، يصطحبُ النّبلاء شركاء. قد يحضر العازبون بمفردهم، لكن غالبًا ما يكونون مع أفراد عائلاتهم.
عندما كنتُ في السّادسة عشرة، كان كايدن شريكي بصفته وصيّي .
لكن بالنّسبة للنّبلاء، سيّدة السيف من أصل متواضع، كانت مجرّد هدفٍ سهل للسّخرية.
لم أرتدِ فستانًا منذُ ذلك اليوم.
“لا أريد!”
“هذه هي العقوبة.”
“آغغغ!”
لم أستطع الرّد. كان كايدن ينظر إليّ بعيونٍ صارمة.
[إنّها فرصة مثاليّة لتحسين صورتكِ! لماذا ترفضين؟]
‘…أكره ذلك، هذا كلّ شيء.’
كما قال بليد، قد يبدو للآخرين أنّ هذه مكافأة وليست عقوبة.
لكن بالنّسبةِ لي، كانت عقوبة.
على مدى عشر سنوات، لم أتأقلم مع المجتمع النّبيل.
بالنّسبةِ لهم، كنتُ من أصل متواضع، كائنًا لا يريدون لمسه حتّى بأطراف أصابعهم.
عندما أرتدي زيّ الفارس، لا يقولون شيئًا. لكن لو ارتديتُ فستانًا، كنتُ أعرف ما سيقولونه.
‘سيسخرون منّي، قائلين إنّني متهوّرة ترتدي جلدًا لا يناسبها.’
خفضتُ رأسي و تمتمتُ:
“…سيسخر منّي النّبلاء.”
“لن يفعلوا. لقد أعدّت السّيّدة مارتشي فستانًا جميلًا.”
حاولَ كايدن تهدئتي. عبستُ بشفتيّ.
“ما زلتُ لا أريد.”
“ابقي بجانبي فقط.”
“سيظلّون يتحدّثون.”
كانت سمعي، كسيّدة سيف، أقوى بكثير من الأشخاص العاديّين.
“سأجعلكِ لا تنتبهين لهم.”
“هل أنا طفلة؟”
“لستِ طفلة…. أنتِ جرو صغير.”
حدّقتُ في كايدن، ثمّ تنهّدتُ.
منذُ فترةٍ طويلة، كان كايدن يبذلُ جهودًا كبيرة ليجعلني أتقلمُ مع المجتمع النّبيل.
أعرفُ أنّه يريدُ مصلحتي.
لكنّه لم يكن يومًا من أصلٍ متواضع؛ إنّه دوق بالولادة.
نظرَ إليّ كايدن بعيونٍ هادئة، تعكس عزيمة لا تتزعزع.
“ما هي إجابتكِ؟”
…حسنًا، سأذهب!
لنفكّر أنّ هذا جزء من كسبِ ودّ كايدن. حتّى لو لم أرغب في ذلك، يجب أن أفعله.
“هاه….. لا تُعلّق بشيء إذا لم يناسبني الفستان.”
لم أستطعْ إخفاء تنهيدتي.
* * *
في اليوم التّالي،
ما إن استيقظتُ حتّى اقتحمت الخادمات الغرفة لمساعدتي في التّزيّن، مما جعلني في حالةِ فوضى.
غسل وتنظيف، وتلميع، ثم إلباسي طبقات من الأقمشة الخفيفة المتموجة
“كنتُ أعلم أنّ الفستان سيناسبكِ!”
“سيّدة مارتشي، لا تكذبي.”
رددتُ بتذمّر، لكنّ صورتي في المرآة لم تكن سيّئة.
‘فستان بعد سبع سنوات.’
فحصتُ مظهري بإحراج.
كنتُ أرتدي زيًّا عسكريًا يوميًّا، والآن بينما كنتُ مرتدية قماشًا يبدو و كأنّه سينهار بحركةٍ واحدة، شعرتُ بعدم الرّاحة.
نظرت السّيّدة مارتشي إليّ بفخر وابتسمت.
“هههه، ذوقي لم يمت بعد. الآن، يجب أن ترتدي الثّلاثين فستانًا المعدّة لكِ خلالَ إقامتكِ في القصر!”
“ماذا؟”
التفتّ إلى السّيّدة مارتشي مصدومة، ظننتُ أنّني أسأتُ السّمع:
“ثلاثة فساتين، صحيح؟”
“يا إلهي، ماذا تقولين؟ شهر كامل، إذن ثلاثون فستانًا!”
لم أفهم.
“ثلاثون… فستانًا؟”
“كم أتمنّى لو أستطيع مرافقتكِ… حقًّا مؤسف.”
“لا، لا، لكن متى أعددتِ كلّ هذه الفساتين؟”
سألتُ مرتبكة، فاتّسعت عينا السّيّدة مارتشي.
“ألم تعلمي؟ كان الدّوق يعدّ فساتينكِ كلّ عام.”
“…ماذا؟”
تجمّدتُ.
لم أكن أعلم أبدًا.
بعد عيد ميلاد الإمبراطور في السّادسة عشرة، حيث تعرّضتُ للإهانة من النّبلاء، لم أرتدِ فستانًا مرّة أخرى.
ارتديتُ زيّ الفارس أو ملابس رجاليّة مريحة.
لكن خلالَ كلّ تلكَ السّنوات، كان يعدّ فساتين؟
“مستحيل… لم يحدث هذا من قبل.”
تمتمتُ بوجهٍ مصدوم، فابتسمت السّيّدة مارتشي.
“قال الدّوق إنّه لا يعرف متى قد تغيّرين رأيكِ و ترغبين في ارتداء فستان. الدّوق شخصٌ دقيق في التّخطيط.”
شعرتُ بشيءٍ غريب.
“…هل بيعت الفساتين القديمة؟”
هزّت السّيّدة مارتشي رأسها.
“لا، كلّها محفوظة في غرفة ملابسكِ.”
كان لديّ غرفة ملابس خاصّة؟ لم أعلم بهذا أبدًا.
ظننتُ أنّ السّيّدة مارتشي أو الخادمات كنّ يخترن ملابسي عندما كنتُ في القلعة.
و افترضتُ أنّ الملابس التي لم أرها بيعت.
كنتُ مذهولة لدرجة أنّني لم أجد ما أقوله.
جئتُ إلى هنا في الثّالثة عشرة. كنتُ صغيرة جدًّا لمثلِ هذه المناسبات.
عادةً، تبدأ النّساء النّبيلات الظّهور في السّادسة عشرة.
ربّما أعدّ كايدن كلّ شيء لأجل ظهوري الأوّل. لكنّني لم أرتدِ فستانًا بعدَ ذلك.
إذن…
“فساتين الستّ سنوات تلكَ… متراكمة؟”
“بالطّبع. هيا، لنضع المكياج و نرتّب شعركِ. يا فتيات!”
استدعت السّيّدة مارتشي الخادمات و هي تهمهم.
جُررتُ إلى طاولة التّزيّن.
شعرتُ بشيءٍ ساخن يتصاعد من صدري.
أنا مجرّد متهوّرة من أصلٍ متواضع.
* * *
كان كايدن و لوكاس، بعد أن أنهيا استعداداتهما، ينتظران ماريان عندَ.الباب الرّئيسي في الطّابق الأوّل.
ارتدى كايدن، كسيّد سيف، زيًّا أسود مغطّى بالعديد من الأوسمة.
مع عباءة مزيّنة ببطانة حمراء، كان يعكس هيبته المميّزة.
على النّقيض، ارتدى لوكاس زيًّا أبيض مزخرفًا بخيوط ذهبيّة، مع عباءة مزيّنة بفراء الأرنب الأبيض، مما جعله يبدو كملاك هبط من السّماء.
لكن لم يتبادلا أيّ تعليقات على مظهريهما، بل ظلّا يحدّقان في السّلّم المغطّى بالسّجاد الأحمر.
كانا يشعران بالملل. يعرفان أنّ تحضير النّساء يستغرق وقتًا، لكن الملل لا مفرّ منه.
في تلكَ اللّحظة، سُمع صوت من الأعلى.
“سيّدة مارتشي، الحذاء غير مريح. لا أستطيع المشي.”
“تحمّلي حتّى العربة. إذا قلتِ إنّكِ ستذهبين حافية، سأبكي!”
“و أيضاً، ضعي سيفًا داخل التنّورة…”
“آه، أرجوكِ، سيّدة ماريان. سيف داخل فستان سيّدة؟ توقّفي عن هذا الكلام المروّع!”
ظهرت ماريان و السّيّدة مارتشي و هما تتحدّثان كما لو كانتا في مسرحيّة هزليّة. شعرت ماريان بالنّظرات الموجّهة نحوها، فرفعت رأسها.
“آه، سموّ الدّوق، سموّ الأمير.”
نزلت ماريان الدّرج مرتدية فستانًا أزرقًا يناسب شعرها الأحمر و عباءة زرقاء داكنة.
تأرجح الفستان بطريقةٍ جعلت الأمر يبدو و كأنّ نسيمًا يحيطُ بماريان.
مع مكياج خفيف، كان وجهها يتوهّج. شفتاها، كما لو تحملان بتلة زهرة، تنشر ضوءًا أحمر خافتًا.
أُعجب الجميع عندَ الباب الرّئيسي بمظهر ماريان. لم يتوقّع أحد هذا.
حتّى كايدن، الذي رأى ماريان بفستان قبل سبع سنوات.
“جميلة جدًّا، ماريان.”
اقتربَ لوكاس من الدّرج و مـدَّ يده إليها.
تردّدت ماريان لكونها غير معتادة على المرافقة، لكنّها ابتسمت بإحراج و وضعت يدها على يده.
“شكرًا، لوكاس.”
“أعني ذلك. ظننتُ أنّ ملاكً تهبط.”
“…هذا، نوعًا ما…”
احمرَّ وجه ماريان. بدت مرتبكة جدًّا، لم تسمع مثل هذه المجاملات من قبل.
أدارت عينيها، ثمّ التقت بعيني كايدن.
“…كيف أبدو في نظركَ، سموّ الدّوق؟”
نظرَ كايدن إليها بوجه خالٍ من التعبير.
لم يردّ. فشعرت ماريان، التي كانت تتوقّع مجاملة، بخيبةِ أمل و تمتمت:
“لا يناسبني، أليس كذلك…”
“تبدين جيّدة.”
“حقًّا؟”
“نعم.”
تنفّست ماريان الصّعداء بارتياح.
استمرَّ لوكاس في مدحها و هو يقودها. مرّا بكايدن و خرجا من الباب.
تبعهما كايدن و هو يفكّر:
‘هذا ليس مجرّد جيّدة…..’
التعليقات لهذا الفصل " 14"