الفصل الجانبي 9
“ماذا؟”
“لا أعرف كيف حدثَ هذا، لكن الصحيفة تقول إنّنا كنّا نلتقي لفترةٍ طويلة، لكن بسببِ الفارق في المكانة، كنتُ أخفي الأمر. و يبدو أنّني قلتُ هذا بنفسي.”
“آه، نعم، هذا صحيح.”
“لكن مِن كلامكِ الآن، يبدو أنّني تقدّمتُ لكِ بخطبة مفاجئة مع كذبة لتجنّبِ عرض الأميرة. هل هذا صحيح؟”
تقلّبت عينا ماريان في حيرة.
“أممم… نعم، هذا صحيح.”
“إذن، هل تزوّجنا بسببِ خطبتي هذه؟”
خشيَ كايدن أن يكون قد أجبرَ ماريان على الزواج باستخدام سلطته، فشعرَ بالقلق و سألَ بجديّة مرّةً أخرى:
“أخبريني بصراحة، هل أُجبرتِ على الزّواج بسببي؟”
ردّت ماريان بتردّد، و كأنّ الأمر صعب التفسير:
“ليسَ إجبارًا بالضرورة. أمم… كنتُ أرغب في التقاعد بسرعة، و… حدثت أمور كثيرة. إنّه أمر معقّد.”
شعرَ كايدن بالارتياح قليلًا عند سماع هذا.
“إذن، هل وافقتِ أنتِ أيضًا؟”
“نعم، هذا ما أقوله.”
“هل أنتِ متأكّدة؟”
“يا إلهي، نعم ، لقد وافقتُ، ولهذا نحن نعيش بسعادة حتّى الآن. اقرأ الصحيفة!”
شعرَ كايدن براحة أكبر.
‘صحيح… أنجبنا ثلاثة أطفال.’
فكّـرَ للحظة ثمّ شاركها ما كان يفكّر به طوالَ اليوم السّابق:
“ظننتُ أنّنا تزوّجنا بسببِ خطأ تسبّبنا به و نحن تحت تأثير الكحول.”
“…ماذا؟”
“لم أكن أعلم أنّني تقدّمتُ لكِ بخطبة أولًا.”
فكّرت ماريان في كلامه للحظة، ثمّ عبست بوجه غاضب و أطلقت هالة عدائيّة:
“ما هذا الهراء…!”
انتفض كايدن و اتّخذ وضعيّة دفاعيّة، فهدّأت ماريان من غضبها و تنفّست بعمق:
“هاه… خطأ بسببِ الخمر؟ لا، هذا لم يحدث أبدًا. توقّف عن التفكير بأشياء غريبة و اقرأ الصحيفة.”
“حسنًا، فهمتُ.”
رفعَ الصّحيفة بسرعة.
‘…لم أتخيّل يومًا أن أخافَ من نظرة ماريان.’
لم يكن شعورًا سيّـئًا.
لكن ماريان، التي كانت تزداد غضبًا كلّما فكّرت في الأمر، استمرّت في التمتمة: “خطأ بسبب الخمر؟ هاه، مضحك. هاه.”
بدا ذلكَ لطيفًا بطريقةٍ ما، فابتسمَ كايدن دونَ وعي.
لكن لحظة رؤيته لعنوان الصحيفة التالية، تفاجأ حتّى كاد يبصق الشاي الذي كان يشربه.
“كح!”
“ما هذا! ما الخطب؟”
غضبت ماريان بشدّة. أشـارَ كايدن إلى الصحيفة بيد مرتجفة و سألَ بحيرة:
“ألم تقولي أنّه لم يكن هناك خطأ؟!”
[المتهوّرة حامل بطفل الدّوق الأكبر؟! فضيحة الحمل قبل الزواج!]
ألقت ماريان نظرةً سريعة على الصحيفة، و كأنّها فهمت ردّ فعله أخيرًا، فأومأت:
“هذا لم يكن خطأً ، بل خدعة.”
“مـاذا؟”
أصيب كايدن بالذهول.
“كيف تكون خدعة؟”
طالب بتفسير و هو يهـزّ الصحيفة بعدم تصديق، فتنهّدت ماريان بعمق و بدأت تروي قصّة طويلة:
“هاه… كان الأمر هكذا…”
* * *
“إيفان… ثيو…”
نادت بيني أخويها الأكبر سنًا بوجهٍ مليء بالقلق. كان الطفلان يرسمان على الأرض في غرفة إيفان، فرفعا رأسيهما عند سماع نداء أختهما الصغرى.
“ما الخطب، بيني؟”
“ما بكِ، بيني؟”
سأل إيفان، فتبعه ثيو. تردّدت بيني وهي تحرّك إصبعيها بحرج. لاحظَ إيفان تردّدها غير المعتاد، فجلس منتصبًا، و فعل ثيو الشيء نفسه.
“ما الذي يقلقكِ؟”
“ما الذي يقلقكِ؟”
“بابا نسيَ… الذاكرة…”
نظرَ إيفان إليها بدهشة و سأل:
“ماذا؟ أبي فقـظَ ذاكرته؟”
“بابا… لا يتذكّر بيني…”
ظـنّ إيفان في البداية أنّ بيني تلعب لعبة ما، لكن عندما رأى الدموع تتساقط من عينيها، أدرك أنّ الأمر جـدّي.
“هاه…”
“لا تبكي، بيني. هل يمكنكِ إخبارنا بالتفصيل؟”
“بيني، لا تبكي…”
عندما بدأت بيبي بالبكاء، كـادَ ثيو أن يبكي أيضًا. لكن إيفان، الأكبر بين أشقّاء فالتشتاين الثلاثة و المسؤول عن المنطق، قال بصوتٍ حازم:
“يا أطفال، الأطفال الشجعان لا يبكون، بل يبحثون عن حلول.”
مع كلماته الحاسمة، كبحت بيبي و ثيو دموعهما رغم شفتيهما المرتجفتين.
تأكّد إيفان من عدم وجود الخدم في الغرفة.
لحسنِ الحظ، لم يتسرّب شيء. كانت بيني الذكيّة قد استغلّت غيابهم لتبدأ الحديث.
فكّـرَ إيفان بجديّة في كلام بيني:
‘أبي فقـدَ ذاكرته… هل هذا ما عنته أمي عندما قالت إنّ رأسه يؤلمه و يجب أن نبقي الأمر سرًا؟’
أومأ لنفسه و سأل بيني:
“بيني، هل يمكنكِ إخباري بالتفصيل؟”
مسحت بيني دموعها بظهر يدها و أومأت:
“هاه… بسببِ بيني…”
“بسببكِ؟”
“نعم… بيني… صنعت دواء سحريًا في غرفة دو… دورانتي دونَ إذن… لذا…”
كلّما تقدّمت بيني في حديثها، ازداد شحوب وجهي إيفان و ثيو.
بعد أن استمع إيفان للقصّة كاملة، سأل بصوت مرتجف:
“إذن… صنعتِ دواءً سحريًا بشكلٍ خاطئ، وفي اليوم التالي، لم يتذكّر أبي بيني؟”
“هاه… نعم. قال بابا عن بيني: ‘مَـنْ هذه الطفلة؟’…”
أغمضت بيني عينيها بقوّة و بكـت بدموع حارّة.
لو رأى جدها الأكبر، ليوبولد الدّوق السابق، هذا المشهد، لـضربَ رأس كايدن ليستعيد ذاكرته فورًا.
تمتمَ إيفان بجديّة:
“إذن، هو فقـظَ ذاكرته حقًا.”
صرخَ ثيو بهدوء:
“الآن تذكّرتُ، لم أرَ أبي أمس و لا اليوم!”
فكّرَ إيفان للحظة ثمّ قال:
“…أمّي منعتنا من رؤية أبي لأنّها لا تريدنا أن نحزن. لأنّه لا يتذكّرنا.”
“لا يمكن!”
غطّى ثيو فمه بيديه، مصدومًا من أنّ والده نسيهم.
“آسفة… كلّه خطأ بيني!”
انفجرت بيني في البكاء، فتبعها ثيو:
“بابا! هاه…”
“أبي! هاه…”
“لا تبكيا، يا أطفال.”
كان إيفان حزينًا أيضًا، لكنه الابن الأكبر لعائلة فالتشتاين، عـضّ شفتيه و أمسكَ بشقيقيه محاولًا كبحَ دموعه.
‘أبي فقـدَ ذاكرته… أنا حزين جدًا.’
أظلمَ وجه إيفان أكثر.
‘إذا لم يكن أبي موجودًا، لا يمكنني ركوب ظهر بليد خلسة أو أكل المزيد من الشوكولاتة دونَ علم أمي.’
كانت أسبابًا واقعيّة جدًا، و مهمّة جدًا في حياة طفل عمره سبع سنوات.
‘لكن لا يمكنني البكاء أمام أشقائي الصغار. البكاء لن يحلّ المشكلة.’
فكّـر إيفان بجديّة:
‘إذا كان الدّواء السحري الخاطئ الذي صنعته بيني هو السّبب، فربّما يمكن استعادة الذاكرة بالسحر أيضًا. هل أسأل دورانتي؟ لكن، هل مِن الآمن إخباره؟’
فكّـرَ الطفل بعمق. كانت والدته دائمًا تقول إنّ هناك دائمًا حلّ حتّى لو انهارت السماء.
“آه!”
تركَ إيفان أشقاءه و ذهبَ إلى رفّ الكتب القريب، وأحضر كتاب قصص.
“ما هذا، إيفان؟”
“ما هذا؟”
توقّف كلّ من بيني و ثيو عن البكاء و نظرا إلى إيفان بفضول. فتحَ إيفان الكتاب على الأرض و أشار إلى رسم في المنتصف:
“يا أطفال، يُقال إنّ هناك حجرًا يحقّق الأمنيات.”
التعليقات لهذا الفصل " 110"