كايدن فقـدَ ذاكرته بين عشيّة وضحاها. لقد حلّت بنا أكبر أزمة منذُ أن كادت الإمبراطوريّة تنهار.
“إذن… أنتِ و أنا تزوّجنا منذُ حوالي سبع سنوات، و ابننا الأوّل عمره سبع سنوات الآن، و لدينا طفلان آخران بفارقِ عامين؟”
جلستُ على أريكة مكتب كايدن و أومأتُ برأسي. غطّى كايدن وجهه بيده و تأوّه.
“هذا لا يُعقل…”
كانت الحالة حقًا لا تُعقل. قال إنّ عمره الآن سبعة و عشرون عامًا، ممّا يعني أنّ ذكريات تسع سنوات تقريبًا قد اختفت.
هل كان كايدن في ذلكَ الوقت يتخيّل أنّه سيتزوّج منّي؟ أنـا، الوضيعة المنحطّة، و هو دوق أكبر؟
لم تكن المشكلة مجرّد الفارق في المكانة الاجتماعيّة، بل إنّنا لم نكن ننظر إلى بعضنا كشركاء عاطفيّين آنذاك.
شعرتُ بصداعٍ يعتصر رأسي.
قرّرتُ أنّني لا أستطيع حلّ هذه المشكلة بمفردي، فاستدعيتُ السّيدة مارتشي و دورانتي للمساعدة.
دورانتي حصل على رخصة طبيب منذُ بضع سنوات، لذا قد يتمكّن من تقديم رأي مختصّ.
تولّت السّيدة مارتشي رعاية الأطفال، بينما جلس دورانتي معنا في المكتب.
أبعدنا الأطفال بعد أن أخبرناهم بتفسيرات ملائمة، خشية أن يتأذّوا برؤية والدهم كايدن وهو لا يتعرّف عليهم.
‘بيني بكت بالفعل و قالت أنّها خائفة…’
عضضتُ شفتي.
لقد لاحظت بيني على الفور التغيّر المفاجئ في تصرّفات كايدن و تشبّثت بي.
ليلة أمس، كان والدها يعانقها بحرارة، والآن ينكر وجودها فجأة. كيف يمكن لطفلةٍ صغيرة ألا تشعر بذلك؟
كان عليّ استعادة ذاكرة كايدن في أسرع وقت ممكن من أجل الأطفال.
نظرتُ إلى دورانتي الجالس على الأريكة المقابلة و سألته:
“ما رأيكَ يا دورانتي؟ هل لاحظتَ أيّ خلل لدى كايدن؟”
نظرَ إلى كايدن بحذر و قال:
“حسنًا… من الخارج، لا أستطيع أن أجزم. هل كان هناك شيء غير معتاد بالأمس بالنّسبة للدّوق الأكبر؟”
“بالأمس؟”
“نعم. ربّما صدمة على رأسه أو ما شابه…”
هززتُ رأسي.
“لا، على حدّ علمي لم يحدث شيء.”
“ماذا عن الصداع؟”
“لم يذكر شيئًا عن ذلك.”
“وهل تناول طعامه بشكلٍ طبيعي؟”
“الطعام؟ تناول وجبته كالمعتاد، و شرب كأسًا من النبيذ ليلًا، هذا كلّ شيء…”
هـزّ دورانتي رأسه.
“هذا لا يكفي للجزم بشيء. إذا سمحَ الدّوق الأكبر، أودّ أخذ عيّنة دم لفحصها…”
كان دورانتي مضطربًا من الهالة الشرسة التي يبعثها كايدن، وهي مختلفة عن المعتاد.
بدت معنويّات كايدن منخفضة جدًا، و هذا متوقّع. مَـنْ يمكنه قبول هذا الوضع بسهولة بعد أن استيقظ ليجد تسع سنوات قد مرّت؟
حينَ حاولتُ أنا أيضًا التحدّث بحذر، سبقني كايدن و سأل:
“هذا الرّجل هو السّاحر و الطبيب الذي وظّفتُـه؟”
نظرَ إلى دورانتي بنظرة مليئة بالشكّ. بدا و كأنّه يشكّ في كلّ شيء حوله.
حاولتُ تهدئته بألطف أسلوب ممكن:
“نعم، دورانتي ساحر ممتاز حقًا. أنا متأكّدة أنّه سيساعدكَ على استعادة ذاكرتك…”
“ماريان، كنتُ أتساءل منذُ قليل.”
“نعم؟”
“لماذا تنادينني باسمي؟”
“….”
…هذا السؤال أثارني قليلًا.
قبل تسع سنوات، كان من الأنسب أن يُنادى بـ”الدّوق الأكبر”.
بالطّبع، قد يكون ذلكَ غريبًا عليه الآن.
أفهم ذلك، لكن…
لم أستطع منع شعوري بالإحباط.
كان هو نفسه مَـنْ قال ذات مرّة إنّه لن يردّ إذا لم أنادِه باسمه، و الآن يقول هذا!
أدركتُ حقًا أنّه فقـدَ ذاكرته، و أنّ كلّ ما بنيناه على مدى سنوات قد مُحـي تمامًا.
‘…لا مفرّ من ذلك.’
ابتلعتُ تنهيدة داخليّة و حاولتُ تهدئة نفسي.
هو الآن في السابعة و العشرين، وفي ذلك الوقت، لم تكن علاقتنا جيّدة على الإطلاق.
كنتُ حينها أقامر كلّما سنحت الفرصة، أتغنّى بحبّ وليّ العهد في كلّ مكان، و أتسبّب في المشاكل يوميًا تقريبًا.
كيف كان بإمكانه أن يحبّني؟
و بالطبع، أنا أيضًا كنتُ أكره كايدن آنذاك.
‘كنتُ أكره نصائحه و تعليقاته… لكنّني أدركتُ الآن أنّها كانت جميعها لمصلحتي.’
ابتسمتُ بحزن و غيّرتُ طريقة مناداتي:
“…الدّوق الأكبر، هل تسمح بأخذ عيّنة دم؟ دورانتي قد يجد طريقة لتحسين حالتكَ.”
نظرَ إليّ كايدن للحظة، ثمّ أومأ برأسه.
* * *
كان كايدن في حالة ارتباك.
استيقظَ ليجد ماريان نائمة في سريره مرتدية قميص نوم فقط. كانت تلك الصدمة كافية لتفقده صوابه لفترة، لكنّ ما حدثَ بعد ذلك كان أكثر لا يُصدّق.
“ماما، بيني، …”
خرجت طفلة صغيرة تشبه ماريان من تحت الأغطية. شعر أحمر و عينان زرقاوان، طفلة لا يمكن إلا أن تكون نسخة مصغّرة من ماريان.
تداعت إلى ذهنه أفكار لا حصر لها.
‘هل ارتكبت ماريان خطأً ما؟ لكن كيف؟ الطفلة تبدو في الثانية أو الثالثة، هل تسبّبت بمشكلة و هي في العشرين؟ هل لهذا غادرت قصر الدّوق الأكبر لتعيش منفصلة؟ لكن متى حدثَ ذلك؟ طوال هذه المدّة كنتُ أستدعيها بحجج مثل محاربة الوحوش أو المناسبات. أيـن والد الطفل؟ و لماذا هي في سريري؟ ماذا حدثَ ليلة أمس؟ …آه، رأسي يؤلمني و لا أستطيع التذكّر. على أيّ حال، يجب معاقبة ذلك الرجل و سيتمّ تحمّل مسؤوليّة ماريان و الطّفلة في عائلة الدّوق الأكبر…’
بينما كان يفكّر في كلّ الاحتمالات، قاطعته ماريان بجملة جعلته عاجزًا عن التفكير أكثر:
“لقد غادرتُ قصر الدّوق الأكبر و استقللتُ بمنزل منذ ما يقرب من عشر سنوات…”
لم يتمكّن من استعادة رباطة جأشه بعد هذا التصريح، خاصّة مع بكاء الطفلة بصوتٍ أعلى.
كان مشهد ماريان وهي تهدّئ الطفلة بسهولة غريبًا. مظهرها هو نفسه الذي يعرفه، لكنّ هناك شيئًا مختلفًا في أسلوبها، حديثها، و تصرّفاتها.
“كايدن، سآخذ بيني إلى السيدة مارتشي. سأغيّر ملابسي و ألتقي بكَ في المكتب.”
غادرت بهدوء دونَ ارتباك، و كأنّها معتادة على مناداته بـ”كايدن”.
ارتدى هو ملابسه مرتبكًا، تخطّى الإفطار، و انتظر ماريان في المكتب.
لم تأتِ ماريان بمفردها، بل برفقة رجل يُدعى دورانتي، ساحر و طبيب بمظهرٍ غريب. شعرَ كايدن بالانزعاج من الألفة الظّاهرة بينهما.
شرحت ماريان الوضع بهدوء: مرّت تسع سنوات تقريبًا، تزوّجـا خلالها، و لديهما ثلاثة أطفال.
حتّى تلكَ اللحظة، ظـنّ كايدن أنّ ماريان تمزح مزحة ثقيلة. أو ربّما لم يكن مستعدًا لقبول الواقع، فـفضّل أن يعتقد أنّها مزحة.
لكن عندما أحضرت السّيدة مارتشي الشاي للحظة، صُدم كايدن برؤية مظهرها الذي بدا أكبر بعشر سنوات ممّا يتذكّره.
“هل هذه مزحة من الكون؟ ستستعيد ذاكرتك قريبًا، أيّها الدّوق الأكبر.”
“…سيدتي، بلا إساءة، كم عمركِ الآن؟”
“سؤال وقح حقًّـا، لكنّني أتفهّم. أنا في الثامنة و الخمسين هذا العام. الزمن قاسٍ، أليس كذلك؟ لو أعود عشر سنوات فقط، لما كنتُ أتمنّى شيئًا آخر. و بالمناسبة، يا ماريان، الآنسة بينيلوبي تناولت إفطارها و نامت مجدّدًا. يبدو أنّها سهرت الليلة الماضية.”
“شكرًا، يا سيّدة مارتشي.”
بعد خروج السيدة مارتشي، لم يعد بإمكان كايدن إنكار الوضع. لم تكن من النوع الذي يمزح بهذه الطريقة. و مع ذلك، ظلّ مرتبكًا و شعر بصداع يعتصره.
في هذه الأثناء، أجابت ماريان عن أسئلة دورانتي نيابة عنه. بدت و كأنّ ذلكَ أمر طبيعي، لكنّه شعرَ بشيء غريب، فسأل عما كان يشغله:
“ماريان، كنتُ أتساءل منذ قليل.”
“لماذا تنادينني باسمي؟”
كان يظنّ أنّ ماريان التي يعرفها كانت ستناديه بـ”الدّوق الأكبر” حتّى لو تزوّجا.
لكن بدلًا من توضيح السّبب، تحوّلت ماريان فورًا إلى مناداته بـ”الدّوق الأكبر”. شعر بضيق في صدره، و تساءل في نفسه عن سبب ذلك. ثمّ سمحَ لدورانتي بأخذ عيّنة دم.
بعد ذلك، ذهبت ماريان لرؤية الأطفال. خرج دورانتي لفترة و عادَ ليعطيه ألبوم صور و صندوقًا مليئًا بالصور، ثمّ غادر.
بقي كايدن وحيدًا في المكتب، مستلقيًا على ظهر الأريكة، و أطلقَ تنهيدة عميقة.
“أنا… تزوّجتُ ماريان حقًا؟”
لا يزال الأمر لا يُصدّق.
ألقى نظرة على الألبوم و الصّور التي تركها دورانتي، قائلًا إنّها قد تساعد في استعادة ذاكرته. شعر بالدهشة من وجود الصور أصلًا.
حدّقَ طويلًا في صورة زفافه مع ماريان في الكنيسة و هما يتبادلان القبل. ثمّ نظرَ إلى صور الأطفال المبعثرة بجانبه.
“ثلاثة أطفال… هل هذا معقول؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"