عندما أخبرتُ ماريان خلال العشاء عن حديثي مع لوكاس، جاء ردّها مفاجئًا. كنتُ أظنّ أنّها ستعارض بشدّة، فتوقّفتُ للحظة وسألتُ:
“…تقولين جيّد؟”
كانت ماريان تمسح فم بينيلوبي التي تجلس بجانبها و قالت:
“نعم. بيني صغيرة جدًا ولا تستطيع التأقلم جيّدًا مع إيفان و ثيودور. ربّما شعرت بالإهمال قليلاً. ألا تعتقد أنّ وجود صديق في نفسِ العمر سيجعلها سعيدة؟”
نظرَ كايدن إلى إيفان و ثيودور. كانا يجلسان جنبًا إلى جنب على الطاولة، يتناولان الطعام ببطء و يتكلّمان معًا.
“اليوم كان ممتعًا حقًا.”
“أجل، لكنّه كان ناقصًا… كنتُ أريد المزيد.”
“صحيح.”
شعرَ كايدن بالذّعر للحظة خوفًا من أن يذكرا ركوبهما على ظهر بليد.
إذا سمعت ماريان عن ذلك، فلن ينتهي الأمر بمجرّدِ النوم في غرفة منفصلة.
نظرَ إليها بحذر و قال:
“يبدو أنّ هذا صحيح.”
“أليس كذلك؟ بالطبع، رأي بيني هو الأهم. بيني، هل تريدين صديقًا في نفسِ عمركِ؟”
لم تجب بينيلوبي على سؤال ماريان، واكتفت بمضغ الطعام ببطء. فسألت ماريان مجدّدًا:
“همم؟ ماذا عنكِ، بيني؟”
“ما أعرف.”
“يجب أن تقولي ‘لا أعرف’.”
“لا!”
“…هاه.”
تنفّست ماريان بعمق لتتمالكَ صبرها.
كان كايدن يعلم أنّ ماريان سترسل إليه نظرةً حادّة إذا قال ذلك، لكنّه وجد المشهد لطيفًا. ماريان و ابنتها المتطابقة معها، تجلسان جنبًا إلى جنب بعبوس متشابه، كانتا رائعتين جدًا.
“لا أعرف من أين حصلت على هذا العناد.”
تذمّرت ماريان، فتمتم كايدن دونَ وعي:
“مِمّـنْ قد تكون ورثتـه؟”
“ماذا قلت؟”
عندما سألته ماريان بحدّة، سعل كايدن دون داعٍ و قال لإيفان و ثيودور:
“يا أطفال، اجلسوا بشكلٍ صحيح و كلوا.”
“حسنًا!”
أجابَ الأطفال معًا و عـدّلا جلستهما.
نظرت ماريان إلى كايدن بعيون ضيّقة وقالت:
“على أيّ حال، سنسأل بيني لاحقًا عندما تكون في مزاج جيّد. إذا أحبّت الفكرة، فأنا موافقة.”
كان من الواضح أنّ لوكاس يمهّد لزواجٍ سياسيّ. كانت ماريان تدرك ذلك، لكن ردّها الإيجابي جعلَ كايدن يشعر ببعض الاستياء.
“لكن، ماريان، الإمبراطور لديه نوايا خفيّة.”
“يمكننا رفض ذلكَ من جانبنا. و كما قلتُ، لا يوجد سبب للحذر من العائلة الإمبراطوريّة الآن.”
كان لكلامها بعض المنطق.
فمع كون دوق و دوقة فالتشتاين سادة سيف، ما الذي يمنعهما من رفض عرض زواج سياسي؟ و كما قالت ماريان، لم يكن هناك ضرر من التقرّب من العائلة الإمبراطوريّة الآن.
ومع ذلك، ظلّ كايدن متردّدًا.
‘ماذا لو… ماذا لو أحبّت ابنتي الصغيرة، التي أعشقها، الأمير و أرادت الزّواج منه لاحقًا؟’
تشينغ.
تحطّمَ السكّين الذي كان يحمله كايدن إلى نصفين.
“…كايدن، ما الخطب؟”
هـزّ كايدن رأسه ببطء عند سؤال ماريان. اقترب أحد الخدم الذين كانوا يراقبون العشاء من بعيد بسرعة وحمل سكّينًا جديدًا.
لكن أفكار كايدن لم تتوقّف.
‘ماذا لو… وقعت بيني في غرام الأمير الذي يشبه لوكاس و أرادت أن تعطيه كلّ شيء؟’
شعـرَ كايدن بغضبٍ يتصاعد بداخله. لم يجرؤ على قول ذلك لماريان، لكنّه كانَ يتذكّر بوضوح أيامًا كانت فيها ماريان مفتونة بولي العهد السّابق.
و بينيلوبي هي نسخة طبق الأصل من ماريان، في المظهر و الشخصيّة.
“…أنا بالتأكيد أعارض.”
“حقًا؟ حسنًا… الأطفال لا يزالون صغارًا، يمكننا سؤال بيني لاحقًا.”
كان ذلك يعني أنّ رأي كايدن ليس بهذه الأهميّة. نظر إليها بنظرةٍ متوسّلة قليلاً، لكنّها كانت منشغلة برعاية بينيلوبي.
‘…صحيح، رأي بيني هو الأهم.’
شعرَ كايدن ببعض المرارة.
كان أطفاله، ثمرة حبّه مع ماريان، محبوبين جدًا، لكن عندما تكون كلّ اهتمامات ماريان متوجّهة إليهم، كان يشعرُ ببعض الغيرة.
عندما فكّر في الأمر، وجدَ أنّه قد مرّت أكثر من عشرة أيام منذُ آخر مرّة كانت لهما لحظة رومانسيّة. إدارة الإقليم و رعاية ثلاثة أطفال جعلت الوقت يمـرّ بسرعة.
نظرَ إلى ماريان.
رغمَ أنّها في الثلاثينيات، لا تزال تبدو كما كانت في العشرينيات. التغيير الوحيد هو أنّها أصبحت أكثر صبرًا و هدوءًا من خلال رعاية الأطفال، مما أضاف جوًا ناضجًا إليها.
كانت ماريان دائمًا جميلة. في صغرها، كانت تصرفاتها خشنة، سريعة الغضب، ذات شخصيّة ناريّة، وكلماتها قاسية، و كونها سيّدة سيف قويّة جعل الناس يتردّدون في الاقتراب منها.
لكن مؤخرًا، بسببِ قضائها وقتًا مع الأطفال، أصبحت أكثر ليونة، مما جعلَ الناس يقتربون منها بسهولة أكبر.
بالأخص، كان الفرسان الشباب في الفيلق الذي تتولّاه ينظرون إليها بعيونٍ لامعة. أرادَ كايدن طرد هؤلاء الشباب، لكنّه عضّ على أسنانه وتحمّل، لأنّه رأى أنّ ماريان تحبّ تعليم السّيف بصدق.
‘لو كان بإمكاني، لكنتُ أخفيتها في مكانٍ ما لأراها لوحدي أنا فقط.’
لم يكن يتوقّع أبدًا أن يشعر بهذا الغيرة. نظر إلى الخاتم في إصبعه الأيسر ليهدّئ نفسه.
ثمّ ألقى نظرةً خفية إلى ماريان، ينوي أن يسألها بلطف إذا كان بإمكانهما قضاء وقت معًا الليلة…
“بيني، يجب أن تأكلي الجزر أيضًا. سيجعل عينيكِ مشرقتين~”
“لا أريد! قلتُ إنّي لا أحبّ الجزر! أكرهكِ، ماما!”
تشينغرانغ!
ألقت بينيلوبي بالشوكة بعيدًا.
عـمّ الصمت الثقيل في قاعة الطعام. توقّف الجميع عن التنفس و راقبوا ردّ فعل ماريان.
قالت ماريان بنبرةٍ منخفضة وحادّة:
“بينيلوبي ليليان شاروليز فالتشتاين.”
“…هئ…”
أدركت بينيلوبي الخطر و بدأت تبكي وهي تنظر إلى كايدن. لكنّه أغمض عينيه و أدار رأسه. لم يكن هذا وقت تدخّله.
“لقد أكلتِ ما فيه الكفاية. اذهبي إلى كرسيّ التفكير الآن و اجلسي لعشر دقائق.”
عندما فرضت ماريان العقوبة، بدأت بينيلوبي تبكي بدموع غزيرة.
“لا…! هئئئ!”
“البكاء لن يفيد. هيّا، لنذهب.”
رفعت ماريان بينيلوبي من كرسيّ الأطفال و حملتها، ثمّ غادرت قاعة الطعام. ظلّ أفراد العائلة المتبقّون يتناولون طعامهم بصمت.
فكّـرَ كايدن في نفسه:
‘اليوم أيضًا ضاع…’
*****
كانت بينيلوبي مستلقية على سريرها في غرفتها، عيناها منتفختان من البكاء. كانت تبكي بحرقة حتّى تركت بقع دموع واضحة على الغطاء.
“بيني لا تحب الجزر…”
تمتمت بصوتٍ يشعر بالظلّم و هي تشهق. كانت تكره الجزر، و الفلفل، و الخضروات الخضراء كلّها. لم تفهم لماذا يجبرونها على أكل شيء بلا طعم.
قالوا إنّ عليها أن تأكل جيّدًا لتنمو، لكن الشوكولاتة، والبسكويت، والعصير كانت مسموحة مرّة واحدة يوميًا فقط، و ذلك إذا فعلت شيئًا جيّدًا!
“هذا ظلم!”
كانت غاضبة، غاضبة جدًا لدرجة لا تُطاق.
نهضت بينيلوبي فجأة.
كان من المفترض أن تكون الطفلة الجيّدة نائمة الآن، لكنّها قرّرت أن تكون طفلة مخيفة.
“سأعاقب ماما أيضًا!”
قفزت بينيلوبي من السرير. أخذت حقيبتها التي على شكلِ تنّين و وضعت فيها الجرعة السحريّة التي صنعتها في النهار. ثمّ تسلّلت خارج الغرفة بهدوء.
****
“هاه… يبدو أنّ بيني تمرّ بمرحلة العناد في الثالثة.”
في منتصف الليل، جلستُ أمام مرآة الزينة أرتّب شعري قبل النوم، و تنهّدتُ.
“هل أنتِ متضايقة من توبيخها؟”
اقتربَ كايدن و داعب كتفيّ. اتّكأتُ على جسده و نظرتُ إليه.
“لماذا هي عنيدة هكذا؟ هل كان إيفان و ثيودور كذلك في الثالثة و الرابعة؟”
ملتِ برأسي وأنا أحاول تذكّر تلك الفترة من حياة إيفان وثيودور. مع ضغط تربية الأطفال، لم أعد أتذكّر كيف كانت تلك الأيام. ثيودور كان كذلك قبل عام فقط…
مال كايدن و قبّـلَ جبهتي و همس:
“يبدو أنّ بيني تشبهكِ…احم. كلّ طفل له شخصيّته. أعتقد أنّ امتلاكها شخصيّة قويّة أمر جيّد. بالطبع، يجب علينا كوالدين توجيهها و صقلها.”
ألقيتُ عليه نظرةً حادّة، فغيّـرَ كلامه على الفور. كان كلامه اليوم ناعمًا بشكلٍ مريب. نظرتُ إليه بعيونٍ ضيّقة، فابتسم و قال:
“لقد كنتِ متعبة اليوم، ماريان. ماذا عن كأس نبيذ؟”
نظرتُ إلى طاولة الشاي، فوجدتُ النبيذ جاهزًا. ضحكتُ ونهضتُ.
“لماذا أنتَ لطيف هكذا اليوم؟”
“لأنّكِ كنتِ متعبة.”
احتضنَ كايدن كتفيّ و رافقني. نظرتُ إليه وفكّرتُ:
‘لديه نوايا خفيّة.’
ومع ذلك، شعرتُ بالرضا داخليًا لأجواء الرومانسيّة النادرة هذه.
في بداية زواجنا، كانت النظرات وحدها تُشعل الشرارة، لكن الآن، مع تربية الأطفال، كنتُ أنهار على السّرير و أنام فورًا.
كلّ حركاته، من تقبيل جبهتي، و سحب الكرسي، وسكب النبيذ، كانت ممتعة. شعرتُ بدغدغة في قدميّ لأوّل مرّة منذُ فترة…
فجأةً، سمعتُ خطوات طفل خارج الباب. توقّفنا أنا وكايدن عن قعقعة الكؤوس و نظرنا إلى الباب.
طق…! طق طق!
سمعتُ نقرة خرقاء.
“مَـنْ هناك؟”
على الرّغمِ من أنّني خمّنت صاحب الخطوات، سألتُ من باب الأدب.
“…بيني!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 105"