1
“ليتكِ تعلمين كم الضوضاء في الخارج، آنستي. رغم أن الليل قد حلّ، إلا أن الصخب لا يقلّ عن صخب النهار.”
قالت الخادمة “آيمي” وهي تمشط شعر “أديلين” وتتحدث بحماس.
“إنه مهرجان عيد ميلاد صاحب السمو ولي العهد، وهناك حفلة راقصة غدًا أيضًا.”
“حفلة في القصر الإمبراطوري! لقد مضى زمنٌ طويل على آخر حفلة إمبراطورية، أليس كذلك؟ والأروع من ذلك أنها حفلة تنكرية! لا أستطيع الانتظار لرؤية مدى روعتها. آنستي ستتألق دون شك، لقد بذلنا جهدًا كبيرًا لهذا اليوم!”
كانت “آيمي” تبدي حماسة لا تهتزّ، على عكس “أديلين” التي ظلت هادئة، هدوءً لا متناهٍ، اكتفت بابتسامة باهتة دون أن يظهر على ملامحها أيّ ترقّب أو حماسة تجاه الحفلة التي عادت بعد خمس سنوات من الغياب.
“لقد حلّ يوم الحفلة أخيرًا.”
بالطبع قد حلّ. فـ”أديلين” تعرف نهاية كل الأحداث.
لقد مرّ عليها ثمانية أعوام منذ فتحت عينيها لتجد نفسها قد حلت في جسد “أديلين تيين”، إحدى شخصيات الرواية. دورها – الذي باتت معتادة عليه – لم يكن سوى “الشريرة”.
شريرة تموت على يد البطل وهي تحيك مؤامرة لقتل البطلة بالسم.
وغدًا… غدًا هو اليوم الذي يلتقي فيه البطل والبطلة لأول مرة، ويقعان في الحب من النظرة الأولى.
‘نعم، إن استطعت أن أصمد لثلاثة أشهر فقط بعد الغد…’
فذلك يعني أنها ستكون قادرة على الموت على يد البطل، وأن تنهي بذلك هذا الاحتلال الممل لهذا الجسد الغريب.
ربما يرى الآخرون في الموت شيئًا مرعبًا، لكنها تراه الخلاص الوحيد. فالعيش في حياة لا تتغير مهما حاولت، هو عذابٌ يفوق الخيال.
زهرة واحدة تغيّر مصيرًا، إنقاذ حياة يبدّل كل شيء.
لكن، حتى أكثر ما كانت ترغب فيه “أديلين” بشغف، كان محكومًا بأن لا يحدث إن لم يكن مكتوبًا في النص الأصلي. ولهذا، ما جدوى حفلة راقصة رائعة؟ أو حفلة تنكرية سرّية؟ لا شيء منها يهم “أديلين”.
‘رجاءً، دعْهُما يلتقيان بسلام غدًا، ويقعان في الحب من النظرة الأولى… رجاءً!’
كان لها أمنية واحدة فقط.
أن يقع البطل والبطلة في الحب بسلاسة، دون تعقيدات. حينها فقط، ستكون قادرة على وداع “أديلين تيين”.
—
“يا إلهي، آنستي… إنكِ جميلة بحق.”
“بالفعل. أنتِ أجمل امرأة رأيتها في حياتي!”
“كيف يمكن لإنسانة أن تكون بهذا الجمال؟ من المؤسف أن تخفي وجهكِ خلف قناع، آنستي.”
كانت الخادمات مندهشات، لا يملكن إلا التعبير عن إعجابهن.
ولم يكن ذلك مجاملة أو مبالغة. فقد كانت “أديلين”، بعد أن تم تزيينها وتجهيزها للحفل، مبهرة بحق.
شعرها الأشقر المموج، المرفوع والمزين بالجواهر، عيناها الخضراوان الباهرتان كأنهما زمردتان، وشفاهها الحمراء التي زادت من نصاعة بشرتها البيضاء كثلج نقي. كلّ تفصيلة فيها كانت ساحرة.
وفوق ذلك، كان فستانها الأزرق السماوي الذي كشف عن كتفيها، يزيد من رقتها ورونقها المترف الذي لا يشبه سواها.
لكنّ “أديلين” لم تُبدِ أي انبهار، سواء بجمالها أو بما ترتديه.
“آنستي، هل أنتِ متأكدة من أنكِ لا تريدين زينة من الزهور على شعركِ؟ ولو وردتين فقط…”
“المجوهرات التي أرتديها الآن تكفيني. بل إنها أكثر مما أحتاج.”
“كيف تقولين ذلك! كل السيدات الأخريات يضعن أنواع الزهور والمجوهرات!”
“هذا يكفي. لا حاجة لأكثر.”
أصرّت “أديلين” بحزم. فبطلة الحفلة الحقيقية كانت “فانيسا”، لا “أديلين”. ومهما فعلت السيدات، بما فيهن “أديلين”، فإن “فانيسا” هي من كُتب لها أن تكون محط الأنظار. هكذا كُتب في الرواية، ولم يحدث أن خالفت الأحداث مسارها يومًا.
“لم يحدث يومًا أن خالفت الرواية نفسها…”
ظهورها الأول الساحر، والذي عُدّ من أعظم الظهورات في تاريخ الإمبراطورية، وتحولها إلى نجمة المجتمعات الراقية، وحتى طوابير الخطّاب الذين اصطفوا قبل الحفل… كلّ شيء كان كما في الرواية.
ثمانية أعوام مرّت، ولم يخرج شيء عن النص.
“آنستي، الماركيز بانتظاركِ.”
“حسنًا. سآتي حالًا.”
نظرت “أديلين” إلى انعكاسها للمرة الأخيرة، ثم خرجت ببطء إلى الرواق. نزلت السلالم الرخامية البيضاء بهدوء، وهناك في الأسفل كان شقيقها، “إينوك تيين”، يقف بابتسامة على وجهه.
“يا للجمال! من المؤسف أن الحفلة تنكرية، أديلين. جمالكِ لا يُخفى.”
“رجاءً، لا تُضخم الأمر يا أخي. بل إن ارتداء القناع أكثر راحة لي، وهذه نعمة.”
“ماذا تقولين! أنا أرى أن—”
“لنذهب، أخي.”
نظر “إينوك” إليها بنظرة احتجاج، لكنها لم تُعره انتباهًا، وصعدت إلى العربة بوجه خالٍ من الحماسة.
—
“يبدو أن نبلاء الإمبراطورية قد اجتمعوا كلهم هنا.”
كلمات “إينوك” لم تكن مبالغة. فقاعة الحفل الكبرى في القصر الإمبراطوري كانت تغصّ بالحضور، وكلّهم من نخب الطبقة الأرستقراطية.
بينما كان “إينوك” يتلقى التحايا ويتجه للحديث مع بعضهم، بقيت “أديلين” وحيدة، فاندمجت بشكل طبيعي مع بعض السيدات والآنسات.
“آه، إنها ابنة الماركيز تيين.”
“لقد مرّ وقت طويل، دوقة فلورا.”
“حتى مع القناع، لا يمكن إخفاء جمالك.”
“تُبالغين في لطفكِ.”
حتى الدوقة “فلورا”، المعروفة بندرتها في الإطراء، أبدت إعجابًا بجمال “أديلين”، لكنها بقيت كما هي، هادئة لا تتأثر.
“بعد خمس أعوام على وفاة الإمبراطورة، ها نحن نشهد حفلة جديدة في هذه القاعة.”
“لقد استغرقهم الأمر طويلًا. جلالة الإمبراطور حزين، فقد فقد زوجته التي أحبها كثيرًا.”
“لكن الحياة لا تتوقف. ولهذا بدأ يتحرك من جديد، أليس كذلك؟ حتى زواج ولي العهد لم يعد يحتمل التأجيل.”
“صحيح. وربما تكون هذه الحفلة… هو هو. العجائز أمثالنا لم يعد لهن حظ، لكن الشابات متحمسات حقًا. أليس كذلك، يا آنسة تيين؟”
ضحكت السيدات اللواتي كنّ بجوار الدوقة، وتوجهن بالكلام إلى “أديلين”. لكنها اكتفت بابتسامة خفيفة دون إجابة.
في تلك اللحظة، لم تكن تفكر في أي شيء سوى أمر واحد. من خلف القناع نصف المغطى بريش أزرق داكن، كانت عيناها الواسعتان، بلونهما الأخضر الباهت، تبحثان في أرجاء القاعة عن “فانيسا”.
“لا بد أن عيني صاحب السمو تجول الآن مثل عينيّ. السيدات الشابات اليوم متأنقات للغاية. انظري إلى ابنة الكونت فيليكس، التي وصلت لتوّها.”
“يا للعجب.”
في تلك اللحظة، دخلت فانيسا إلى القاعة.
امرأة تنحني لها أعناق المجتمع اعترافًا بجمالها.
شعر كستنائي فاتح، ينبض بنعومة الضوء، وعينان بنفس اللون، كأن السماء قد رسمتهما بلون واحد لا يتكرر.
عيناها تغوران في عمق الرؤية، تتحولان إلى هلال حين تبتسم، وفمها، ذلك المنحوت بدقة مذهلة، كان يرسم بسمة كأنها أغنية لا تُنسى.
فانيسا، تلك التي لا تحتاج إلى زينة لتخطف الأنفاس، قد حضرت اليوم في أبهى حلة.
فستان وردي ناعم ينساب فوق خطوط جسدها الرشيق، تتدفق منه الكشاكش وزهور من الخيال، بينما تتلألأ المجوهرات الماسية التي تغمر جسدها، كأنها امتدادٌ لضوء القاعة نفسه.
‘جيد. هذا مطمئن. لا بد أن هذا كافٍ لجذب انتباه الدوق الأكبر.’
تنهدت أديلين بارتياح وهي تُلقي نظرة على فانيسا.
كما تنبأت صفحات الرواية، كانت فانيسا محط الأنظار، تأسر القلوب بنورها.
لكن رغم ذلك، راودتها فكرة غريبة:
‘… لماذا كل هؤلاء يحدقون بي أنا، في هذا اليوم بالذات؟ لم يكن من المفترض أن يولي أحد اهتمامًا لي.’
أرادت التسلل إلى ركنٍ بعيد في القاعة، مستغلة انشغال الجميع بفانيسا، لكن شعورًا غريبًا وخز مؤخرة رأسها.
كان من المفترض أن تتجه كل العيون إلى فانيسا…
لكن الكثير منها ظل يتتبع أديلين، كما لو أن جمالًا آخر قد استيقظ.
هكذا كانت أديلين في تلك الليلة: ساحرة على غير وعي، فاتنة بلا قصد، غامضة دون أن تدري.
‘حسنًا، حان وقت ظهور كايل إنفر…’
لكن قبل أن تتم فكرتها، تبدّلت أجواء القاعة، وتحول كل النظر إلى شخصٍ واحد.
كايل إنفر.
الدوق الأكبر، حاكم الشمال الجليدي، يتقدّم بثبات نحو قلب القاعة، مرتديًا زيه البحري الداكن وقناعًا أبيض.
شعره أسود كالليل، وعيناه بلون العاصفة الشتوية،
جسده الطويل القويّ يُخبر عن سنوات من القتال، من الحماية، من البرد والحديد.
ورغم الشائعات المخيفة التي تلاحقه، تلك التي تتحدث عن دماء وسيوف، إلا أن جماله كان حادًا كالسيف — جعل كل النساء يتوردن حياءً عند رؤيته.
“أهنئك من أعماق قلبي بعيد ميلادك، سموك.”
“شكرًا لك يا كايل، علمت أن الشمال يزدحم بالأعمال هذه الأيام.”
أصغت القاعة كلها لتحية كايل وولي العهد،
كل من فيها… عدا أديلين.
كانت عينا أديلين تتبعان فانيسا فقط، فهي مفتاح الحدث.
ولحسن الحظ، كانت فانيسا تحمر خجلًا وهي تنظر نحو كايل.
‘رائع. لقد أُعجبت به. لم يتبقَّ إلا أن يرقصا ويقعا في الحب. يجب أن أتوقف عن القلق.’
تنفست أديلين الصعداء وتسللت نحو ركن القاعة بصمت.
لم تكن تميل إلى الرقص، وقد استنزفت طاقتها وهي تراقب اللقاء، وكل ما أرادته الآن هو الراحة.
“أوه؟ آنسة تيين! ماذا تفعلين هنا! الرقصة ستبدأ!”
“عذرًا؟ آه، شعرت بالدوار للحظة…”
“هيا! أسرعي وتعالي!”
قبل أن تستقر تمامًا في ركنها، ظهرت فتاة من عائلة الدوق فجأة، وأمسكت بيد أديلين وسحبتها معها.
‘كنت أهرب من الرقصة!’
ابتلعت كلماتها، واستسلمت للجرّ بصمت.
‘هاه؟ ولي العهد لا يرقص أولًا وحده؟’
اقتربت من وسط القاعة، لتجد ولي العهد يقود بعض النبلاء المقرّبين معه نحو المنتصف، وكان كايل بينهم أيضًا.
في الرواية، كان من المفترض أن يرقص ولي العهد مع فتاة يختارها أولًا، ثم يبدأ الجميع باختيار شركائهم، وهناك — هناك تحديدًا — يقع كايل في حب فانيسا أثناء اختلاط الأقدام والمشاعر.
‘ما الذي يحدث؟ لماذا تسير الأحداث بهذا الشكل المختلف؟’
اهتزت نظرات أديلين. هناك شيء مريب في التغيّر الحاصل.
‘لا، لا يمكن… لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا.’
رأت ولي العهد يبتسم وهو يتقدّم نحو فانيسا.
كان واضحًا أنه يتجه نحوها، رغم وجود العديد من الفتيات.
بدأت أديلين تبحث بنظراتها عن كايل.
عليه أن يسرع… عليه أن يمسك يد فانيسا قبل أن يفعل ولي العهد ذلك.
‘… ما هذا؟’
لكن كايل، الذي كانت تفتّش عنه بقلق، لم يكن متجهًا نحو فانيسا.
بل كانت خطواته الواثقة تقوده نحو أديلين.
تمامًا كما كان ولي العهد يسير نحو فانيسا، كان كايل يتوجه نحو أديلين.
“هل ترغبين في رقصة؟”
تجمدت أديلين، تحدق فيه مذهولة، وفمها نصف مفتوح بلا وعي.
كان هذا تطورًا عبثيًا. يخالف تمامًا ما قرأته في الرواية.
لم يكن من المفترض أن يقترب كايل منها.
بل عليه أن يذهب إلى فانيسا، ويخطو على قدمها مرة، ثم — بطريقة ساحرة — يقع في حبها رغم تلك البداية العرجاء.
‘ماذا؟ ما الذي يحدث هنا؟’
في لحظة قصيرة، امتلأ رأس أديلين بعشرات الآلاف من الأفكار.
وفي محاولة لإصلاح هذا المشهد الملتوي، خلعت قناعها بسرعة، كاشفة عن وجهها الحقيقي.
‘أنا لست فانيسا! أنا فتاة أخرى! اذهب إليها قبل فوات الأوان!’
ربما ظنها فانيسا بسبب القناع، فقررت أن تُظهر له الحقيقة.
لكن…
“… إذا رغبتِ في الرقص دون قناع، فلكِ ذلك.”
كايل أساء فهم نيتها تمامًا، وخلع قناعه الأبيض هو الآخر.
وفي لحظة نادرة، وسط قاعة تعجّ بالوجوه المقنّعة، لم يبقَ شيء بين عينيه الزرقاوين الباردتين وعينيها الخضراوين الدافئتين.
نظرة بلا حواجز.
لحظة حب أو هلاك.
كان المشهد مذهلًا إلى حد أن أنظار الجميع تحولت نحوهما.
كأن التاريخ بدأ يُكتب من جديد في تلك الرقصة.
كأن قصة عملاقة على وشك أن تبتلع المجتمع الراقي بأسره.
‘هل جُنّ؟!’
لكن خلف تلك العينين الجميلتين، كانت أديلين تلعن كل شيء…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"