في صباح اليوم التالي، دخلت خادمةٌ صغيرة تحمل بين ذراعيها باقةً من الزهور وبدأت تزيّن بها غرفتي.
و حدقت طويلًا في تلك الأزهار المجهولة الاسم قبل أن أشكر ليلي. فابتسمت بوجه مشرق و ردّت،
“لا شكر على واجب يا آنسة سوبيل. ألا تحتاجين إلى شيء آخر؟”
كانت مكانتي في قلعة أغريست لا تزال غامضةً بعض الشيء. ولذلك لم تكن لي خادمةٌ خاصة بي.
لم يكن الأمر مرهقًا كثيرًا، لكنه لم يخلُ من بعض الإزعاج أحيانًا. غير أنني أدركت منذ فترة أن ليلي صارت تعتني بي كأنها خادمةٌ شخصية لي.
“لا، لا أحتاج. فقط أشكركِ على جلبكِ هذه الزهور الجميلة في كل مرة.”
وكان ذلك صحيحًا. فلولا هذه الزهور التي تجلبها، كم كانت ستبدو هذه الغرفة الكئيبة فارغة وبلا حياة.
لم يكن أحدٌ قد طلب منها ذلك، ومع ذلك كانت تقوم بهذا العمل المرهق يوميًا، وهذا ما جعلني ممتنةً حقًا لها.
“يسرني أن أراكِ سعيدة يا آنسة سوبيل. هل تحبين الزهور؟”
هل كنت أحب الزهور فعلًا؟
حين فكرت في الأمر، أدركت أنني قبل قدومي إلى هذا العالم لم يكن لدي حتى وقتٌ لأتأملها.
“نعم، أحاول أن أحبها.”
ابتسمتُ وأنا أجيبها.
“آنسة سوبيل، هل سبق أن ذهبتِ إلى الدفيئة الموجودة خلف الحديقة؟”
“الدفيئة؟”
“نعم، ليست في الممر الذي تسلكينه عادةً في نزهتكِ……بل إلى الداخل قليلًا، هناك دفيئةٌ اعتنت بها سيدتي بنفسها.”
ظننت أنني أعرف المكان الذي تقصده. لم أدخل إليه قط، لكنني رأيته من بعيد.
“هل يمكن لأي شخص الدخول؟ لقد بدا وكأنه مكانٌ محظور.”
سألتها، فضحكت ليلي برقة.
“بالطبع يمكن. ثم إنكِ لستِ أي شخص يا آنسة سوبيل. صحيحٌ أنه حين كانت السيدة موجودة لم يكن أحدٌ يجرؤ على الدخول، لكن الأمر تغيّر الآن.”
أومأت برأسي ببطء. فقد كنت أعلم جيدًا من تكون دوقة أغريست.
أمارنتا أغريست. لم أرها شخصيًا قط. و كل ما عرفته عنها كان من بضعة أسطر قرأتها في الرواية.
‘إذاً كانت لها هواية الاعتناء بالدفيئة……’
لقد تزوجت أمارنتا من الدوق فِسفنْدر أغريست زواجًا سياسيًا بحكم انتمائها للعائلة الإمبراطورية.
لكن المشكلة أن فسفنْدر لم ينسَ حبه الأول القديم، وكانت أمارنتا على علم كامل بذلك. ولسنوات طويلة لم يُرزقا بطفل.
وفي النهاية تبنّيا ريكايل.
لكن أمارنتا لم تكن أمًا حنونة له. بل على العكس، كانت امرأةً بائسة تصب ضغوطها وغضبها على طفل صغير.
وبعد وفاة الدوق أغريست، رحلت أمارنتا عن القصر وعادت إلى مسقط رأسها.
وكأنها لم تترك وراءها في “قصر هاميهن*” أي تعلق أو حنين.
*اسم قصر اغريست
“لما لا تسألي شيئًا عن سيدتي؟”
كان صوت ليلي العذب يقطع تيار خواطري الطويلة.
آه، كنت أعرف ذلك مسبقًا.
“فقط……شعرت أن السؤال قد يكون نوعًا من قلة الذوق.”
فابتسمت ليلي ببراءة ثم أومأت برأسها.
“بما أنكِ تحبين الزهور، جربي زيارة الدفيئة أيضًا. فمنذ رحيل سيدتي أصبحتُ أنا من يهتم بها في الغالب.”
“سأفعل يا ليلي، شكرًا لإخباري.”
وبقيت ليلي بعد ذلك تتحدث طويلًا عن الدفيئة والزهور. ثم بدا وكأنها أطالت الحديث أكثر من اللازم، فوثبت واقفةً فجأة.
“سأترككِ الآن. إن احتجتِ شيئًا فأخبِريني في أي وقت.”
“انتظري، ليلي.”
أوقفتها قبل أن تدير ظهرها.
“نعم، آنسة سوبيل. تفضلي.”
“الحقيقة أنه لا يوجد هنا من يمكنني أن أسأله عن هذا.”
و ترددت قليلًا. فقد كانت تلك الجملة التي سمعتها بالأمس لا تفارق ذهني.
‘قصر أغريست حي.’
وحين أبدَيت دهشتي وقتها، جرى تدارك الموقف بالقول أن المقصود هو وجود أماكن جميلة وساحرة كثيرة فيها.
لكن لسبب ما، بقيت تلك العبارة عالقةً في رأسي.
صحيحٌ أن ريكايل لم يكن في رواية تيرون سوى شخصية ثانوية، ومن الطبيعي ألا يُذكر شيء عن القصر هناك.
مع ذلك، لم أستطع أن أعتبرها مجرد كلمات عابرة. خاصةً بعدما التفت إليّ ليسأل إن لم يكن قد قال لي شيئًا……بدا الأمر مريبًا حقًا.
“هل هناك في قصر أغريست……أسطورةٌ ما مثلًا؟”
سألت بحذر، فتوقفت ليلي عن الحركة ثم استدارت نحوي.
“أسطورة؟”
“نعم، أقصد……حكايات قديمة متوارثة، أو أحداثٌ غامضة مثلًا.”
لم يكن الأمر متعلقًا بكلام تيرون وحده. ففي الحقيقة، حتى في يومي الأول هنا، شعرت أن حوارات أفراد عائلة أغريست تخفي شيئًا ما.
<هذا القصر ليس مجرد قصر.>
<صحيح، لقد دعمتنا عائلة أغريست لمئات السنين. لكن……هل يحق لنا نحن أن نتحدث عن ذلك؟>
في البداية لم أفكر إلا في كيفية إخراج ريكايل من القلعة. و كنت دائمًا احاول طرده، والنتيجة أنني أنا التي خرجت.
لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا. هذه المرة هو من تعرّض للدغة أفعى بدلًا عني.
‘لا يمكن أن يكون هو من دبر ذلك. لو كان من فعله، لما أبدى دهشةً حقيقية وهو يندفع ليحميني.’
إذاً، من يكون؟
‘قبل أن أدخل المكتب كان كويل موجودًا……هل يمكن أن يكون هو من دبّر الأمر في الخفاء؟’
عندها، هزّت ليلي كتفيها مجيبة،
“لا أعلم.”
لكن ملامحها لم تكن ملامح من يجهل حقًا. فقد حكّت أنفها قليلًا ثم ابتسمت ابتسامةً متكلفة.
“ليلي، أنتِ تعرفين أن القصور القديمة غالبًا ما تحمل حكايات متوارثة. فلا بد أن لقصر أغريست قصصه الخاصة، أليس كذلك؟”
كنت ألوّح بيدي وأنا أضيف شرحًا، لكن ملامح ليلي ظلّت كما هي، وكأنها لا تعلم شيئًا حقًا.
“لا أدري، سمعت فقط أن القص قديمٌ جدًا، لكنني لا أعرف عنه شيئًا. إطلاقًا.”
“لكن ألم تقولي أنكِ تعملين هنا منذ زمن؟”
“صحيح، هذا صحيح.”
منذ أن عرفتها وهي لا تكف عن الحديث عن ذلك.
يكفي أنها جاءت إليّ، وأنا بالكاد جديدة هنا، لتثرثر طويلًا عن الدفيئة والزهور، ما يثبت أنها تحب الكلام.
ومع ذلك، عندما سألتها عن القلعة، ارتسم على وجهها بوضوح تعبيرٌ غريب ومحرج.
لا شك أن هناك شيئًا ما.
“إذاً……من قد يكون لديه معرفةٌ بشأن القلعة؟”
“آه، ربما السيدة مايل تعرف.”
“ليلي، ألا تحبين قصص الأشباح والأرواح؟”
حاولت أن أواصل الحوار، فازدادت ملامحها توترًا وانزعاجًا.
“هل تريدين التحدث فعلًا عن الأرواح والأشباح؟”
“هل في القصر أشباح؟”
“ها؟ آه، لا، لا أعلم. لكن حتى لو وُجدت، فأنا لا أريد أن أعرف.”
راحت تفرك ذراعيها بكلتا يديها وهي تهز رأسها.
“لكن لماذا تسألين عن ذلك فجأة؟”
“مجرد فضول لا أكثر.”
“على أية حال، أنا حقًا لا أعرف شيئًا.”
“نعم……فهمت.”
“إذاً سأخرج الآن. استريحي قليلًا.”
غادرت ليلي الغرفة بوجه بدا مرتعبًا، لكنها أعادت ملامحها اللطيفة قبل أن تخطو إلى الخارج.
طَق-
وما إن خرجت، وعاد الصمت إلى الغرفة، حتى شعرت بيقين أقوى.
‘ليلي تخفي شيئًا عني، وتعلم أمرًا لا تريد البوح به.’
لا بد أن أكتشف سر هذا القصر. لكن كيف؟
ريكايل؟ لا، إن سألته فلن يخبرني، بل ربما يستغل الأمر ضدي.
وتيرون؟ مستحيلٌ أن أسأله.
“سأذهب إلى الدفيئة أولًا.”
البقاء حبيسة أفكاري هنا لن يغير شيئًا، ولن يكشف لي أي سر.
ففتحت الباب وخرجت على الفور.
***
“يا إلهي.”
كانت الدفيئة عالمًا آخر بحق.
جدرانها كلها من الزجاج، وعلى طول الممر الطويل الملتوي الذي صُمّم كأنه درب صغير، تزينت أزهارٌ نادرة لا تُحصى.
‘إنها حقًا رائعة.’
بدأت أفهم بعض الشيء لماذا كانت الدوقة تمنع دخول أي شخص إليها. فإدارة هذا المكان الضخم لا بد أنها كانت تتطلب جهدًا هائلًا.
“بعد رحيل سيدتي، أرادوا التخلص من الدفيئة، لكنني توسلت إلى كبير الخدم.”
“ولماذا توسلتِ؟”
“فقط……شعرت أن هدمها هكذا لن يكون صائبًا. لقد كانت الدفيئة كل شيء عند سيدتي. و رحلت بلا أي تعلق خلفها، لكن ربما يظل قلبها يحن إلى هذه الدفيئة.”
“كنتِ تحبينها إذاً.”
“لا، في الحقيقة……لم تكن سيدتي بتلك الطيبة. لكن يكفي أن تأتي من مكان بعيد مدفوعةً بقلب يحب شخصًا ما، فإذا تحطم ذلك القلب، ألن يكون الأمر قاسيًا على أي أحد؟”
“قلبٌ يحب؟”
“الجميع كان يظن أن زواج الدوق والسيدة زواج سياسي، لكن في الحقيقة كانت السيدة هي من أحبّت الدوق. ولهذا أصرت على إتمام الزواج.”
“هكذا إذاً.”
“إنها شخصيةٌ مثيرة للشفقة. أتمنى فقط أن تكون الآن في سلام.”
“ليلي، قلبكِ حقًا دافئ.”
“لا أبدًا، ليس كذلك.”
“حتى مع كل الأعمال الأخرى التي تشغلكِ.”
“ومع ذلك لم أستطع أن أدع الأمر يُمحى. شعرت أنه لا يجب…..لا يجب أن يزول هكذا. لا أعلم لماذا، لكن كان ذلك إحساسي.”
“صحيح، لا بد أن المرء سيشعر بالأسف لو أزيل مكانٌ مُدار بهذا الجمال.”
في رواية تيرون لم يرِد عن أمارنتا سوى بضع جمل قصيرة.
لم أكن أعرفها، ولم أرها ولو مرة واحدة. لكن بفضل قصة ليلي شعرت وكأني أعرفها منذ زمن بعيد.
_____________________
قصتها امارنتا ذي كان بتكون حلوه وتوجه لو انها مسكت يدها ولسانها ولا سوت لريكايل شي 😔
المهم تخيلوا صدق القصر يسوي اشياء بنفسه؟ يعني ذيك الافعى الي طلعت فجأه ولا يومها تقول في المرات الاولو تصير اشياء وتشك ان ريكايل ويقول لايكون القصر؟
واو الروايه تروح لجهة ثانيه ✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"