“نعم، صحيح.”
هاه؟ صحيحٌ لماذا؟
‘هذا الكلام لم يكن من ضمن خياراتنا أصلاً!’
نظرتُ إلى ريكايل بعينين مرتبكتين. لكن الرجل الذي ألقى قنبلةً كهذه كان بملامح هادئة تماماً.
“صحيح؟”
تيرون لم ينظر إلى ريكايل بل حدّق بي وقد اتسعت عيناه.
“حقاً؟”
“نعم؟”
“أأنتِ حقاً مخطوبةٌ لهذا الرجل؟”
في تلك اللحظة فقط أدركت معنى الطلب الذي همس به ريكايل إليّ قبل قليل.
“قريباً سأطلب منك أن تكذبي من أجلي مرة واحدة.”
ريكايل كان يعرف مسبقاً أن تيرون سيأتي. ولحظة الكذب المطلوبة كانت بالضبط الآن.
تمهلي……فكري جيداً.
كان علي أن أسترجع صورة تيرون بوضوح. إنه ذاك الرجل الساحر في رواية «تيرون».
كان رجلاً وسيماً ذا جاذبية خاصة، فيه سمات البطل الماكر الحرّ، لكنه لم يكن بهذا القدر من الإزعاج.
‘هذا مختلفٌ تماماً عمّا في ذاكرتي.’
بالطبع، هذه أول مرة ألتقيه في الواقع.
ويبدو أنه ظهر في هذا التوقيت بسبب الحادثة التي لم ترد في الأصل، حين لُدغ ريكايل من الأفعى.
‘ما العمل الآن؟’
بما أنه عاش في قلعة أغريست عندما كان صغيراً، فلا بد أن علاقتهما كانت وثيقة. و لو ادعيتُ أنني قريبة بعيدة لظلّ يحقق في الأمر حتى النهاية.
لكن لو قلتُ أنني خطيبته، فلن يجرؤ على التعمق احتراماً للآداب.
‘مع أنه لا يبدو من النوع الذي يلتزم بالآداب كثيراً.’
كان يحدّق بي بعينين يصعب قراءة ما يدور في داخلهما.
لكن بما أن ريكايل طلب مني ذلك، فقد قررتُ أن أغلق عيني وأسير مع كذبته.
“هاها، كنا قد اتفقنا ألا نخبر أحداً.”
تمتمتُ وأنا أخدش عنقي بخجل، فبدت على وجه تيرون علامات الذهول.
“اتفقتم ألا تخبروا أحداً؟ ماذا؟ إذاً الأمر حقيقي؟”
أومأت برأسي بخفة، وإذا بوجهي يحمرّ من تلقاء نفسه.
فالتفت تيرون نحو ريكايل.
“مخيف.”
“؟”
“تظاهرتَ كل هذا الوقت بعدم الاهتمام بالنساء. يا رجل، هذا مرعب.”
“لأنني لم ألتقِ حتى الآن امرأةً تستحق الاهتمام.”
واو……يا له من شخصٍ مخيف حقاً.
استغليت اللحظة التي أدار فيها تيرون رأسه ونظرت إلى ريكايل. فمددت ذراعيّ إلى الجانبين ورفعت كتفيّ باستخفاف لكنه لم يرمش بعينه حتى.
“إذاً سأكون أنا من يقدّم قصر أغريست لها.”
عندها سأل تيرون مجددًا.
“كان لديكَ خطيبة، فلماذا لم تخبرنس منذ البداية؟”
“لأنه أمرٌ شخصي.”
رد ريكايل بهدوء وكأن الأمر لا يستحق الاهتمام. لكن بالنسبة لتيرون بدا أن الأمر لا يمكن أن يكون عاديًا.
“متى وأين التقيتما بالضبط؟”
راح يحك رأسه بعصبية وهو يتكلم.
“لم تعقدا مراسم الخطوبة الرسمية بعد، أليس كذلك؟”
“سنفعل قريبًا.”
“هل السيدة، أعني والدتك تعلم؟ لا طبعًا، أنا لم أعلم فكيف لها أن تعلم. بحقكَ أنتَ!”
بدا أن خبر وجود خطيبة لريكايل شكّل صدمةً كبيرة لتيرون.
“اهدأ.”
“هل أبدو لك في حال يسمح لي بالهدوء الآن؟”
“هذا ليس مستحيلًا.”
وسط كل ذلك حافظت على ملامح هادئة وبقيت صامتة. راجية في داخلي ألا يوجَّه إليّ أي سؤال.
و في تلك اللحظة تكلّم ريكايل مجددًا.
“هناك بعض الظروف.”
“ظروف؟”
“أمرٌ معقد……شيء يصعب البوح به حتى لأقرب صديق.”
عند كلماته أدار تيرون رأسه ناحيتي حيث كنت واقفة.
آه، لماذا تحدّق بي أنا؟ أيريد أن يسألني عن تلك الظروف؟
لا تسألني رجاءً، حلّ الأمر مع هذا الرجل بنفسكَ.
حين تهرّبت بناظري، تحدث تيرو الى ريكايل.
“أهو حبٌّ صعبٌ تعيشه إذاً؟”
“قد يكون كذلك.”
أجاب ريكايل بإيجاز، فتنهد تيرون بعمق.
“وهل تنوي أن يظل ذلك مخفيًا عن الجميع؟”
“في الوقت الحاضر، نعم.”
فصفع تيرون جبينه وهز رأسه.
“آنسة سوبيل، ألا يؤلمكِ هذا؟”
رمشت بعيني مع ابتسامة باهتة، فسأل مجددًا.
“ألا يؤلمكِ أن يرفض الإعلان عن خطيبته؟ إنها لحظةٌ واحدة في العمر، فهل تقبلين بمرورها هكذا؟”
لكني في داخلي أشعر بالارتياح الشديد.
“لا يؤثر بي إطلاقًا.”
فعاد وجه تيرون متعبًا ومليئًا بالخيبة.
ثم تحدّث ريكايل مرة أخرى.
“لذلك أود منكَ أن تحفظ السر.”
حين نطق ريكايل بكلمة “سر” تبدلت نظرات تارون على الفور.
“طبعًا، لكن ألن تخبرني بكامل وسبب هذا السر؟”
وفور السؤال خيّم صمتٌ غريب على الغرفة. فلم يقل ريكايل شيئًا، وأحسست أنا بقلق لا داعي له.
حينها لمحت ريكايل جانبًا، كان يرمقني بنظرةٍ غامضة.
‘ما معنى تلك النظرة؟’
هل يطلب مني التدخل؟
على أية حال، وقد بدأ الكذب بالفعل فلا مجال للتراجع في منتصف الطريق.
“إنه شأني أنا.”
تفلتت من شفتي كزفرة، فارتفع صوت تيرون بدهشة.
“شأن الآنسة سوبيل؟”
“لذا أرجوكَ لا تسأل أكثر.”
لا أعلم لماذا بادرت بالحديث فجأة. لكن بما أنني اعتليت قارب الكذبة هذا مع ريكايل، فقد أردت أن أخوض معه النهاية أيًا كانت.
“حسنًا……أشعر بقليل من الخيبة، لكن لا بأس. إذاً أخبراني على الأقل كيف التقيتما. أين وجدتَ مثل هذه الحسناء كالآنسة سوبيل؟”
كيف لهذا الرجل أن يقول مثل هذا الكلام دون أن يرفّ له جفن؟ هل لا بد أن يكون المرء بهذا القدر من الوقاحة ليكون بطلًا؟
وإذ لم يزد ريكايل على ابتسامة متعالية دون جواب، عادت السهام موجهةً نحوي.
“آنسة سوبيل، قولي لي. ما الذي راق لكِ فيه إلى هذا الحد؟”
الحقيقة أنني أختنق من الغيظ لكوني مجرد لعبة بين يديه، لا أنني معجبةٌ به.
لكنني ابتسمت برفق ووجدت الكلمات المناسبة.
“ما الذي راق لي فيه؟”
نعم……ليس المشهد الذي أعيشه داخل الرواية الآن، بل ريكايل أغريست الذي أحببته أصلًا.
ذلك الرجل الوحيد كمن يتيه وسط محيط بلا نهاية، وكنت أرغب في أن أحتويه.
كان ريكايل هو مفضلي الأول، نجمي. وقد أردت أن أكون صديقته، و أن أكون بجانبه.
لو لم أكن كلاريتا سوبيل، بل مجرد خادمة لا أكثر……لربما كنت قد أُعجبت به من بعيد ونظرت إليه بإجلال.
ولو حدث ذلك، كيف كان سيكون حالنا إذاً؟
“ذلك الجانب الذي يبدو غير مبالٍ، ومع ذلك يخفي عنايةً دقيقة.”
ظننتها إجابةً مناسبة، مقنعة إلى حد بعيد. لكن ملامح ريكايل تغيرت فجأة.
ما الأمر؟ لماذا ينظر إليّ هكذا؟
أما تيرون فقد عقد وجهه بتعابير مشوشة،
“هاها، غريب. اللامبالاة نعم، لكن ريكايل مطلقًا ليس رجلًا دقيقًا في اهتماماته.”
ثم مرر يده بين خصلات شعره الذهبي الناعم البراق،
“أما العناية والدقة، فهما صفتي أنا.”
“إنه فقط لا يُظهر ما بداخله، يخفي مشاعره خلف ملامح جامدة ولهجة جافة……لكنه في الحقيقة أرقّ من أي شخص آخر.”
“ما هذا، أنتِ جديّةٌ جدًا. حسنًا، فهمت، فهمت.”
ثم رفع تيرون كتفيه بوجه فاقد للحماس.
“إذاً لا مفر من أن أترك مهمة التعريف بقلعة أغريست لريكايل. في المقابل، فلنقم أنا وأنتِ بجولةٍ في الحديقة.”
“حسنًا.”
بدا أن جوابي أسعده، إذ ابتسم ابتسامةً مشرقة، ثم تذكر شيئًا فضرب كفيه ببعضهما.
“ريكايل، لن تتركني وحيدًا خلال الأيام التي سأمكث فيها هنا، أليس كذلك؟”
كنت أتساءل ما الذي يقصده بتركه وحيدًا، فإذا به يضيف،
“فلندعوا الناس. لنقم بحفل للاحتفال بتعافيك.”
“أهذا حقًا هدفكَ؟”
سأل ريكايل، فضحك تيرون عاليًا وأجاب،
“بالطبع، وأيضًا لأني جئت بعد غيابٍ طويل.”
اكتفى ريكايل بهز رأسه دون تعليق. فأخذ تيرون يفرك ذقنه ثم نهض واقفًا.
“سنفعلها، أليس كذلك؟ أجل، سنفعلها.”
“مهلًا، ما الذي يجعلكَ متعجلًا هكذا؟”
“سأذهب لأخبر السيدة مايل. لا بأس في ذلك، صحيح؟”
ثم نهض من مكانه ونظر إليّ من أعلى.
“إذاً أستأذن للحظة، آنسة سوبيل.”
“نعم.”
وما إن خرج حتى خيّم الصمت على الغرفة.
لكن لم يطل الأمر، إذ قطع ريكايل ذلك الصمت الغريب.
“أنتِ بارعةٌ جدًا في الكذب.”
“لقد أوفيت بالوعد، لذا لم يعد عليّ دينٌ تجاهكَ.”
“صحيح.”
“إذاً سأخرج أنا أيضًا.”
وما إن هممت بالقيام حتى أوقفني صوته.
“انتظري.”
التفتُّ فرأيته يخفض رأسه ويرفعه ثانيةً في حركة بالغة الانضباط.
“شكرًا لكِ.”
فشعرت بدغدغة غريبة في كتفي و تظاهرت بتغيير الموضوع.
“لا داعي للشكر. كل ما فعلته هو أنني كذبت لا أكثر.”
_________________________
مره مؤدب ريكايل لو اقارنه بالمزعج ذاه 😂
المهم ريكايل لايكون يحسبها تكذب وهي توصفه؟ احا😭
شكله هو بيطيح اول على بال ماتستوعب كلاريتا انها تحبه~
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 8"