“هناك أمرٌ آخر علينا الاتفاق عليه، أنا وأنتِ.”
“اتفاق؟”
ما إن نطق بتلك الكلمة حتى اعتدلتُ في جلستي واتخذتُ ملامح أكثر جدية.
“لا تفكر أنني سأغادر هذا المكان.”
“أعرف، لا جديد في ذلك.”
“إذًا، على أي اتفاقٍ نتحدث؟”
سألتُه، فابتسم ريكايل ابتسامةً خافتة قبل أن يجيب،
“إن قصر أغريست يعج بالزائرين. ورغم رحيل والدي، فما زال بحاجة إلى من يديره.”
“…….”
“كما أن الناس هنا سيتساءلون عن هويتكِ الحقيقية.”
عندها بدأت أفهم قصده.
“بما أن التحقق من الوصية لم ينتهِ بعد، تريد أن أخفي أنني وريثة عائلة أغريست، أليس كذلك؟”
“ما دامت الأمور لم تُحسم، فلنتفق على دور مناسب لك.”
“دورٍ مناسب؟”
تمتمتُ، فأجاب ريكايل،
“حين يحين وقت التعريف بنفسكِ، ماذا ستقولين؟”
لم أجد كلمةً ملائمة. فلا يمكنني القول أني جئت للاستيلاء على القصر، ولا أنني الوريثة المذكورة في وصية الدوق أغريست.
“حسنًا، سأمنحكِ بعض الخيارات.”
أمعنت النظر فيه، فتابع بنبرة رصينة،
“خادمة جديدة.”
“خادمة؟!”
“هاه، لكن ملابسكِ لا تصلح لذلك. أيمكنكِ أن تعملي بخدمة الآخرين مرتديةً تلك التنورة الفخمة؟”
ثم أكمل،
“أو…..قريبة بعيدة لعائلة أغريست.”
هنا أدركت ما يرمي إليه. لقد خطط سلفًا للدور الذي يريد أن يضعني فيه.
“نعم، هذا يبدو معقولًا.”
فالادعاء بأنني ابنة عم بعيدة، لم تأتِ إلى هنا من قبل لبُعد المسافة، سيكون التفسير الأنسب.
وبينما كنت أومئ موافقةً على هذه الفكرة، رمقني ريكايل بنبرة باردة،
“لكن آنسة سوبيل، لا أرى فيكِ أي مسحة من وقار عائلة أغريست.”
“ماذا قلتَ؟”
“طريقة ردكِ الحادة الآن هي مثال.”
لا شك أنه يتعمد استفزازي.
“وإلا، فلتكوني صديقتي القديمة.”
“جيد، فلنقل أنني صديقتكَ إذاً.”
صحيح، كنت قد أومأت برأسي، مقتنعةً بأن عليّ على الأقل أن أُسلي شخصًا جريحًا بحديث بسيط.
“لكن أنا لا أصادق أيّ أحد.”
لم أعد أحتمل. إذًا ماذا تريد مني بالضبط؟
اشتعل وجهي غضبًا وهممت أن أصرخ في وجهه، لكن في تلك اللحظة—
طَرق، طَرق-
غيرت طرقات على الباب أجواء الغرفة تمامًا.
“يا إلهي…..ريكايل!”
و الذي دخل كان رجلًا أشقر الشعر و فاتن.
لقد قابلتُ كثيرين في هذا العالم ورأيتُ من الوجوه ما رأيت، لكن…..
‘إنه وسيمٌ بحق.’
لأول مرة أشعر أن جمال إنسان يمكن أن يُبهرني. كأنه تمثال نُحت بعناية فائقة لأيام متواصلة.
من يكون بحق؟ تساءلت، حتى سمعت اسمه—
“تيرون.”
مهلًا، من؟
تيرون……أليس هو بطل هذه الرواية؟
لكن حتى الآن لم يظهر قبل بداية القصة سوى مرة واحدة! ما الذي يفعله هنا؟
والأدهى…..أنه كان أجمل بكثير مما تخيلت، أجل، أجمل بكثير جدًا.
شَعرٌ ذهبي لامع، وعينان بنيتان دافئتان، وابتسامة تجعل عينيه تلتويان برقة، وفم أنيق الملامح.
‘حقًا…..البطل هو البطل. كيف يمكن لرجل أن يكون بهذا الجمال؟’
لكن ما إن فتح فمه حتى تحطم ذلك الانبهار كليًا.
“يا للهول، ريكايل. أنظر إلى حالك!”
ما إن ألقى بتلك العبارة على ريكايل حتى وقع بصره عليّ. فارتبكت، و لم أعرف أي ملامح يجب أن أرسمها، حتى اكتفيت بابتسامةٍ متكلفة.
فكرت أن الحديث عن دوري هنا مؤجل إلى وقت لاحق. فمال رأسي إلى ريكايل وهمست،
“سنتحدث لاحقًا.”
لكن تايرون لم يفوّت شيئًا.
“انتظر…..من هذه الآنسة الجميلة؟ لم أرَها من قبل.”
و اقترب نحوي بخطوات واثقة.
“مرحباً، أنا كلاريتا سوبيل.”
“تشرفت بلقائكِ يا آنسة. أنا تيرون ويكوم.”
قال ذلك بانحناءة أنيقة، بوجه يعرف تمامًا كم هو وسيم.
“هل أخمّن اسمكِ المختصر منذ الصغر؟ ريتا. أليس كذلك!”
“…….”
اسم مختصر؟ هل كان لكلاريتا سوبيل اسم دلع أصلًا؟
ومع ذلك، لم يُبعد عينيه عني لحظة. و ارتبكت أكثر فأرسلت له ابتسامةً متحفظة، بينما تدخل ريكايل،
“كفّ عن إزعاجها، واجلس.”
“حسنًا، سأجلس لأشرب الشاي وأنا أنظر إلى وجهكَ الجريح.”
وبينما انشغل بنقله بصره، انسحبتُ بهدوء إلى الوراء.
“آنسة سوبيل؟”
“؟”
“إن كان لا مانع، فلنحتسِ الشاي معًا. ريكايل، لا بأس، أليس كذلك؟”
أظهر ابتسامةً واسعة، كاشفًا عن أسنانه البيضاء المتناسقة.
وبينما كنت أتردد، دخلن الخادمات يحملن صينية الشاي. فوجدت نفسي أجلس على الكرسي من غير تفكير، وسرعان ما وُضع على الطاولة أمامنا كوب شاي دافئ.
“بما أنني جئت، فسأبقى هنا بضعة أيام. لقد غمرني الحنين حين عدت إلى هذا المكان بعد طول غياب.”
“حسنًا.”
“لكن يا للعجب! سمعت أنك لُدغت من أفعى، ولم أستطع تصديق ذلك.”
عند كلماته انتفضتُ لا إراديًا، وحدّقت لي ريكايل بنظرة مرتابة.
لكن ريكايل لم يُبدِ أي انفعال، حتى حاجبه لم يرتفع.
“ريكايل أغريست العظيم، طريحٌ بسبب لدغة أفعى! كيف لي أن أُفوّت هذا المشهد؟”
كنت أعلم أنني الآن داخل أحداث رواية تيرون، وهي عملٌ بُني على حبكة متينة تتمحور حول بطلها.
كان تيرون أميرًا في السلالة الملكية، حسن الطلعة إلى درجة تبهر الأبصار.
و حتى هذه اللحظة، كان كل شيء متطابقًا مع ما قرأته.
“المهم، ريكايل…..أنت بخير الآن، أليس كذلك؟”
“كما ترى.”
“لقد مر زمنٌ طويل منذ أن وطئت هذا القصر آخر مرة. الغريب أن شيئًا لم يتغير، كأن الزمن توقّف هنا.”
“الذي تغيّر هو نحن فقط.”
“نحن؟ لا يا صديقي…..التغيير نالكَ وحدك.”
قال تيرون ذلك بابتسامة خفيفة، ثم استدار فجأة نحوي.
“أعذرينا، لا بد أنكِ تشعرين بالملل ونحن نستغرق في حديث الذكريات.”
“لا، لا بأس.”
في الحقيقة، خطر لي أن أتركهما ليتحدثا بحرية بينما أصعد إلى غرفتي. فوجودي مع ريكايل مزعج، أما وجودي مع تيرون فأكثر إزعاجًا.
وبينما كنت أتحرج في مقعدي، التفت إليّ تيرون بالسؤال،
“آنسة سوبيل، هل هذه أول مرة تزورين فيها قصر أغريست؟”
“نعم.”
“أها.”
هزّ رأسه ببطء، ثم ثبت نظراته عليّ مطولًا.
“هل تعلمين شيئًا؟”
“؟”
“قصر أغريست…..حيّ.”
“ماذا؟”
سألته بدهشة، فغطى فمه بيده وانفجر ضاحكًا.
“أقصد أنه يزخر بأماكن غاية في الجمال والغموض. لا تقولي أنك ظننتِ أن القصر نفسه يتنفس؟”
“…….”
“مستحيل…..أحقًا ظننتِ ذلك؟ يا لكِ من بريئة…..بقدر ما أنتِ جميلة.”
حين أمعنت التفكير، أدركت أن كل ما شغلني كان مجرد الاستحواذ على القصر، أما ما يضمه بين جدرانه وما يحمله من تاريخ، فلم أكن أعلم عنه شيئًا.
“في هذا المكان قصصٌ غامضة واستثنائية متغلغلة في كل زاوية. لحظة فقط…..لا تقصدين أنكِ لا تعرفين شيئًا؟”
اتسعت عينا تيرون الكبيرتان أكثر، ثم حدّق في ريكايل بنظرة حادة.
“ألم تخبر الآنسة سوبيل بأي شيء؟”
فاكتفى ريكايل برفع حاجب واحد بصمت، و تنهد تيرون بعمق.
“لا مفر إذاً، سأضطر أن أتولى الأمر بنفسي.”
لا، رجاءً…..لا تتولَّ شيئًا.
“ريكايل مريض، بينما أنا ممتلئ بالحيوية. سأكون مرشدها.”
“مرشدها؟ ماذا تعني بذلك؟”
“أعرف عن قصر أغريست بقدر ما يعرف ريكايل نفسه.”
ثم ابتسم وهو ينظر إليّ.
“وجهكِ يقول أنك تتساءلين لماذا.”
هل يجوز أن أقول له الآن: لا، لست مهتمة؟
“لقد عشت هنا في طفولتي. مع ريكايل.”
رفع رأسه وألقى نظرةً على أرجاء غرفة ريكايل، ثم أضاف،
“من الحديقة حتى برج القصر الأعلى…..سأكون دليلكِ بدلًا من هذا المريض. لا بأس، صحيح؟”
مهما كان جمال ملامحه، بدا لي أكثر وقاحةً مما توقعت. وبدأ الانبهار بجماله يتلاشى شيئًا فشيئًا.
حقًا، الجوهر والشخصية هما ما يصنعان الجاذبية.
‘الأفضل أن أبقى بعيدة عنه.’
“لا، لا داعي، أنا بخير.”
أشرت بيدي نافية، لكنه هز رأسه معاندًا وأكمل،
“ريكايل، ألا تنوي أن تخبرني بتفاصيل أكثر؟”
قال ذلك وهو يضع فنجانه على الطاولة بصوت خافت ينضح بالتلميح.
و لم يكن عليّ أن أسأل لأدرك مقصده.
“أقصد أنني أود أن أعرف من هي الآنسة سوبيل الجميلة، ومن أين جاءت.”
ابتسمتُ مرة أخرى ابتسامةً باهتة، ورفعت الفنجان إلى شفتيّ.
لو أنني فكرت مسبقًا في طريقة مناسبة لأقدّم نفسي وأشرح هويتي!
خادمة؟ لن يصدق. صديقة؟ أم ربما قريبة بعيدة؟
كنت أرتبك غارقةً في هذه الاحتمالات، فإذا بريكايل يقطع أفكاري.
“الأفضل ألا تعرف.”
قال ذلك وهو يرمق تيرون بعينين باردتين.
“ماذا تعني بذلك؟”
“أعني أن تكفّ عن وقاحتكَ.”
و عندما هممت أن أتدخل لأكسر حدة الجو المتوتر، ضاقت عينا تيرون وسأل بنبرة خطيرة،
“لماذا؟ هل الآنسة سوبيل خطيبتكَ، مثلًا؟”
____________________
الظاهر بيقول ايه؟ لأن اسم الروايه اصلا فيه خطوبة😭
بس وش ذاه ماتوقعته بثر كذا حتى كلاريتا انصدمت😂
المهم ريكايل عليك به قل ايه ذي خطيبتي حبيبتي قلبي اصرعهم
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 7"