أجابت السيدة مايل بجفاء على غير عادتها، ثم أسرعت مبتعدة.
ولم تكن السيدة مايل وحدها من تغيّر. بل حتى الخادمة الصغيرة التي اعتادت أن تجلب لي بعض الحلوى، والخادم الذي لم يكن لطيفًا لكنه كان يحضر لي الشاي في موعده.
بل حتى ليلي، التي أمضت الليلة السابقة تثرثر معي بحماسة.
لم يعد أحدهم يحاول حتى أن يلتقي نظري. و مضت عدة أيامٌ هكذا، حتى تجاوزت الحيرة حدودها وصرت أشعر بالاختناق.
بالطبع كان لديّ حدسٌ ما.
‘لابد أن السبب حادثة الأفعى السامة.’
فبسببي كاد ريكايل أن يموت، ومن الطبيعي ألا ينظروا إليّ بعين الرضا.
لكن شعرت أن الأمر لا يقتصر على ذلك وحده.
“سيدة مايل، السيد أغريست…..كيف حاله-”
“عليّ الذهاب بسرعة. أستأذن.”
كانت ردود الناس قاسيةً للغاية!
فلم أتمالك نفسي وأمسكت بالسيدة مايل.
“سيدتي، لدي سؤال أرجو أن تجيبيني عنه.”
“آنسة سوبيل، لست متفرغةً مثلكِ، اسألي غيري-”
“لا، من فضلكِ اليوم أجيبي أنتِ.”
عندها التفتت السيدة مايل إليّ وهي لا تخفي ضيقها.
“إيذاء السيد أغريست كان خطئي وحدي. ولهذا ندمت واعتذرت له بصدق.”
“…….”
“لا أعترض على ذلك، لكن أن تتجنبوني جميعًا دون تفسير فهذا يرهقني. وأتساءل إن كان هناك سببٌ آخر لا أعلمه.”
“…….”
“إن كنت ارتكبتُ خطأً آخر، فأخبريني. عندها أستطيع أن أعتذر كما يجب.”
ضغطت السيدة مايل شفتيها بقوة ثم أرختهما.
“حسنًا، آنسة سوبيل. ما دمتِ فتحتِ الموضوع، سأقول أنا أيضًا كلمة.”
حينها، كنت متوترةً بشدة لا أعرف ما الذي ستقوله.
“آنسة سوبيل، هل تنوين إيذاء السيد الشاب من أجل ميراث الدوق؟”
“ماذا تعنين بكلامكِ هذا؟”
“لقد طلبتِ مني أوراق فيفينا في الليلة السابقة، ثم ظهرت الأفعى السامة التي تستجيب لتلك الأوراق في غرفة السيد الشاب.”
“سيدتي، ذلك..…”
“كيف تظنين أن عليّ أن أفسر هذا الموقف؟”
تابعت السيدة مايل كلامها بوجه بارد.
“لقد أوصاني الدوق قبل وفاته أن أعتني بكِ. و بالطبع لم أكن أتخيل أنه سيفعل هذا. لكني رغم ذلك وثقت به، وظننت أن وراء الأمر معنى ما. وكان ذلك أقصى ما أستطيع فعله.”
“سيدة مايل.”
“لم أكن أعرفكِ جيدًا، لكني على الأقل آمنت أنكِ لستِ ممن قد يؤذون السيد الشاب.”
“سيدتي، هذا كله سوء فهم. صحيحٌ أنني طلبت منكِ أوراق فيفينا، لكني لم أكن أعلم أن الأفعى السوداء تتأثر بها.”
“قد يكون كما تقولين. لكن أليست مصادفةً غريبة حد السخرية؟”
“سيدتي، أعلم أن من الصعب عليكِ التصديق-”
“ربما لم أنفذ وصية الدوق كما يجب، لكن إن كان يراكِ الآن من السماء وقد حاولتِ إيذاء ابنه، فلعله سيغفر لي.”
وبينما أنهت السيدة مايل كلامها واستدارت تاركةً نظرة باردة، إذا بشخص يسمع حديثنا وقد تدخل.
“سيدي الشاب.”
ارتبكت السيدة مايل لرؤية ريكايل وقد ظهر فجأة، فأخذت تلوّح بيديها.
“لا ينبغي أن تتحرك بعد. قد يتفاقم جرحكَ.”
وكما ارتبكت هي، قلقت أنا أيضًا فخاطبته.
“لماذا صعدتَ إلى هنا؟”
“خشيت أن تتعرض الآنسة سوبيل لمثل هذا الظلم.”
أجاب باختصار، ثم أدار رأسه نحو السيدة مايل.
“لو كانت تنوي قتلي لاستخدمت وسيلةً أكثر دهاءً. هل يعقل أنها ستطلب الأوراق منكِ مباشرة؟”
“سيدي الشاب.…”
“إلا إذا كانت بتلك السذاجة فعلًا.”
اتسعت عيناي دهشة من كلماته، لكنه ابتسم ابتسامةً شامخة.
“آنسة سوبيل تخاف الأفاعي. كانت كذلك منذ أن كانت في هاينز.”
“…….”
“لذلك ربما أعدّت الأوراق مسبقًا، لكنها لم تعرف شيئًا عن الأفعى السوداء، إذ لا موطن لها في هاينز.”
وحين أنهى ريكايل كلامه، احمرّ وجه السيدة مايل.
“سيدي الشاب، كنت فقط أتحقق من نوع الشخص الذي كان والدكَ يعتزم أن يسلّم له قلعة أغريست.”
“سيدتي……”
“و لذلك، أتمنى أن تتوقفي عن هذه الظنون المزعجة. إن كنتِ حقًا تفكرين في مصلحتي.”
“أعتذر يا سيدي الشاب. لقد تسرعت.”
حدّق ريكايل في السيدة بوجه خالٍ من التعابير، فالتفتت هي نحوي.
“أعتذر يا آنسة سوبيل.”
“لا بأس، سيدتي.”
وبينما ابتسمتُ ابتسامةً باهتة وكأن الأمر قد انتهى،
تكلم ريكايل من جديد.
“لكن، ما معنى أن والدي أوصاكِ بالاعتناء بالآنسة سوبيل؟”
حافظت السيدة مايل على وجه هادئ، لكن قبضتها المتشابكة كانت مشدودة.
“لقد أخبرتكَ بكل ما في الأمر. قال لي أنه قريبًا ستأتي إلى قلعة أغريست سيدة ذات عينين بنفسجيتين، وأوصاني أن أعتني بها جيدًا.”
“والدي قال هذا؟”
“نعم.”
التفت ريكايل نحوي.
“ألم تقولي أنكِ لم تلتقي به قط؟”
“بلى، أقسم أمامكَ أني لم ألتقِ بالدوق أبدًا.”
يا للظلم! مهما حاولت التفكير أو التذكر، فلم يكن لي أي لقاء بالدوق!
لكن كيف عرف عني إذاً؟
“على ما يبدو، كان والدي يعرف بشأنكِ.”
قال ريكايل ذلك بوجه تملؤه المرارة، ولم أجد ما أقوله له.
“سيدي الشاب، عُد الآن إلى غرفتكَ. ما زال عليك التركيز على التعافي.”
وبينما أظهرت السيدة مايل وجهًا يملؤه القلق، استدار ريكايل دون تعليق.
وبفضل تدخله، انتهت أزمة تجنّب الجميع لي مؤقتًا. ورغم أن الموقف كان غريبًا، لكنه انتهى لحسن الحظ.
كما أن تصرفات الخدم تغيرت بعدها بشكل مخيف، نحو الأفضل.
***
“هل هناك ما يجري اليوم؟”
في اليوم التالي، وبينما خيّم جوٌ مشغول على القلعة، أمسكت إحدى الخادمات وسألتها.
“سيأتي ضيف.”
“ضيف؟”
“نعم، قالوا أن صديق السيد الشاب سيزور القلعة.”
لقد ابتعد ريكايل عن القلعة فترةً طويلة. ثم عاد إلى هاميهين بعد وفاة الدوق أغريست ليحل مسألة اللقب والإرث.
وكان السبب الأكبر في رحيله عن القلعة هو الخلافات العائلية، مع والده ووالدته.
“أفهم.”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة، فانحنت الخادمة قليلًا قبل أن تختفي مهرولة.
يبدو أنه يريد لقاء أصدقائه الذين لم يرهم طوال فترة غيابه. إذاً، علي أن أطمئن على حاله وأغادر سريعًا قبل أن يقتحم الأصدقاء المكان.
طرق طرق-
فتحت الباب بحذر ودخلت، فإذا بريكايل جالس متكئًا على السرير الضخم.
“جئت فقط لأطمئن على صحتكَ.”
حين حييته، أومأ ريكايل بخفة.
“أتيتِ لتتأكدي إن كنت ما أزال حيًّا؟”
“نعم.”
بهذا المزاح انقشع قليل من التوتر الذي كان يخيّم على الغرفة. و ابتسمتُ بخفة وتقدّمتُ نحو السرير، فأغلق هو الكتاب الذي كان يقرؤه.
“اليوم لم تحضري أوراق الفيفينا، أليس كذلك؟”
“لا، بل جئت بشيء آخر.”
“هذه المرة، ما الذي تنوين استدعاءه؟”
“بعد فشل الأفعى…..شيطان ربما؟”
كنتُ أمزح، لكن وجه ريكايل بدا جادًّا جدًا.
“أأنتِ جادّة؟”
ما أروع هذا الجانب الطريف فيه.
“بالطبع لا.”
“لديك موهبةٌ في جعل المزاح يبدو حقيقيًا.”
“حقاً؟ لننسى ذلك أتيتُ لأشكركَ على ما فعلت البارحة.”
مع أن كوني مكروهةً من قِبل السيدة مايل وأهل القلعة كان سيكون في صالحه بطرق عدّة، إلا أن موقفه كان جميلًا ومُقدرًا.
“إذاً لدي طلبٌ واحد فقط.”
“إن كان طلبكَ أن أغادر القلعة، فسأرفض.”
“أتظنين أنني ألجأ لأساليب وضيعةٍ كهذه؟”
بالطبع لا. لكن لا أدري لماذا بدا ريكايل في هذه الحياة أشدّ رعبًا بكثير…..ربما ثلاثة أضعاف ما كان عليه.
“إن لم يكن ذلك، فقل لي ما هو.”
“أريدكِ قريبًا أن تكذبي لأجلي مرةً واحدة.”
آه، هذا يحتاج بعض التفكير فعلًا.
“أكذب؟”
“نعم، ليست كذبةً خطيرة، ولا علاقة لها بمسألة الميراث.”
تردّدتُ قليلًا، فواصل ريكايل كلامه بخمول.
“لولا وجودي، لما استطعتِ الصمود في هذه القلعة.”
“…….”
“الجميع يكرهكِ ويبغضكِ، فلا بد أن أيامكِ هنا كانت شاقة.”
“…….”
“فإن صدّقوا جميعًا أنكِ حاولتِ قتل وريث أسرة أغريست—”
“حسنًا، سأفعل.”
لا بأس، قال أنها لا علاقة لها بالميراث.
وفوق ذلك، ريكايل ليس من النوع الذي يستخدم حِيلاً رخيصة.
“احفظي وعدكِ.”
“سأفعل.”
لكن لو كنتُ أعلم مسبقًا أن هذا الوعد سيعود عليّ بكارثة كبرى، لما كنتُ لأقطعه أبدًا.
______________________
يمكن لأنها روايه قصيره بس يضحك كل شي يصير كأنه وان شوت مختصر 😂
المهم من قصر الفصل مدري شقول بس بخلي الدفعة اربع فصول كل مرة بدل ثلاث
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"