فتحت عينيّ على صوتٍ مألوف، فرأيت إيما عند الباب تناديني بحذر.
“إيما.”
وضعت الصينية التي كانت تحملها برفق، ثم تحدّثت بصوتٍ هادئ،
“آسفة لإيقاظكِ من نومكِ العميق، لكن حان وقت الطعام.”
“شكرًا لكِ.”
اعتدلت جالسةً وأنا أعبث بشعري، وقد شعرت ببعض الذنب لأنني سببت لها عناء.
“كنت أستطيع النزول لتناول الطعام.”
“ماذا؟ هذا مستحيلٌ تمامًا يا آنسة!”
وضعت إيما الصينية المسطحة على السرير بثبات، ثم سكبت ماءً دافئًا في فنجان الشاي وتحدّثت بنبرة قاطعة،
“كبير الخدم والسيد الشاب لن يسمحا بذلك أبدًا، وإن نزلتِ فسأُعاقب أنا أيضًا.”
“….…”
“لذا، من الأفضل أن تبقي في السرير دون أن تتحركي كثيرًا.”
“إيما.”
“نعم، يا آنسة.”
نظرت إلى الخبز المحمّص والفاكهة المطهوة التي جلبتها، فخطر ببالي شخص ما.
“أين السيد أغريست؟”
فابتسمت إيما ابتسامةً خفيفة،
“قال أنه سيتناول طعامه بعد أن تنتهي الآنسة من تناول وجبتها.”
“آه..…”
شعرت بحرارة وجهي ترتفع بلا سبب، فأسرعت أضع قطعة خبز في فمي لأخفي ارتباكي.
***
اليوم هو اليوم الذي يبدأ فيه مهرجان القرية.
و كما وعدت، منحتُ جميع العاملين في القصر، بمن فيهم إيريسون، إجازةً إجبارية.
“لكن يا آنسة سوبيل، هل يصح ترك القصر خاليًا هكذا..…؟”
“إنه أمر. اليوم، يجب على الجميع الذهاب إلى القرية والاستمتاع بالمهرجان، بلا استثناء.”
“ولكن…..”
“إيما، اخرجي مع كبير الخدم حالًا.”
“يا آنسة، وماذا عن طعامكِ؟”
“سأتدبر أمري بنفسي.”
“لكنكِ ما زلت تجدين صعوبةً في الحركة، كيف ستفعلين ذلك؟”
“الآنسة سوبيل، أظن أنه من الأفضل أن يبقى أحدنا على الأقل هنا.”
“لا داعي لذلك، اذهبي الآن. إن تأخرتم هكذا، ستفوتكم أجمل لحظات المهرجان!”
وبعد أن أخرجتهم جميعًا كمن يطرد الزوار، أصبح القصر ساكنًا على نحو غريب، كأنه فرغ من الحياة.
“جميل.”
أسندت ظهري إلى الوسادة وفتحت الكتاب الذي تركته إيما على الطاولة.
“قالت أنه من أكثر الروايات الرومانسية رواجًا هذه الأيام.”
ثم خطرت لي فكرةٌ غريبة — هذا المكان الذي أنا فيه الآن…..هو نفسه عالم الرواية القديمة «تايرون» التي قرأتها قبل سنوات.
“….…”
في البداية كنت مصدومةً لا أكثر، فلم أكن أعرف تفاصيل القصة جيدًا، ولا أعيش حياة البطلة أصلًا.
لكن رؤيتي للشخص الذي كان يعجبني في الرواية كانت تسعدني بحق.
‘كانت المشكلة فقط أن مصيري كان طرده من هذا المكان.’
أما الآن فقد بدأت أعتاد الحياة هنا شيئًا فشيئًا. وربما أجد قريبًا طريقةً للخروج.
لكن إن حدث ذلك فعلًا…..فهل ستنتهي هذه القصة؟
كنت أُقلّب الصفحة وأنا غارقةٌ في التفكير عندما—
طَرق…..طَرق.
دقّ أحدهم الباب، ثم ظهر ريكايل حاملًا صينيةً بيده.
“…..ما الذي تفعله الآن؟”
تلعثمت من الدهشة ولم أستطع إنهاء سؤالي، فرفع كتفيه بخفة ببساطة،
“أقدم الطعام.”
دخل بخطواتٍ هادئة ووضع الصينية الخشبية بعناية فوق سريري.
كان عليها خبزٌ محمّص، ومربى التين، وسلطةٌ غريبة، وشاي أحمر.
نظرت تارةً إلى الطعام وتارة إلى وجهه.
“لا تقل لي أنكَ أعددت هذا بنفسكَ؟”
“لم يكن يحتاج إلى إعدادٍ كبير.”
قال ذلك ببرود وهو يسكب الماء الساخن في فنجان الشاي.
“كل هذا الاهتمام لمجرد شوكةٍ غُرزت في قدمي؟ أشعر أني أُعامَل كملكة.”
“حسنًا، في المرة القادمة سأخلع حذائي وأركض بدلاً منكِ.”
“رائع، لكن إن أصبتَ عندها، فسأكون أنا من يجلب لكَ الطعام.”
انتشرت رائحة الشاي الهادئة في الغرفة تدغدغ أنفي بلطف. و غرست شوكتي في السلطة وتذوقتها.
“لذيذةٌ فعلًا.”
لم يكن شكلها مبهرًا، لكنها كانت لذيذةً على نحو غير متوقع.
أما هو فظل يراقبني وأنا آكل بصمت.
“وأنت يا سيد أغريست؟”
‘كُفّ عن التحديق فيّ وأنا آكل، ألا تنوي أنت أيضًا تناول شيء؟’
“حين تنتهين، اتركي الصينية مكانها. سأتولى تنظيفها بنفسي.”
تلك الكلمات جعلتني أبتسم من دون قصد. و حين لم أستطع كتم ضحكةٍ قصيرة خرجت مني، رمقني ريكايل بنظرةٍ متسائلة.
“لماذا تضحكين؟”
“لا، فقط…..بدا لي غريبًا أن يكون السيد أغريست هو من يعتني بي بنفسه.”
“ولِمَ يكون غريبًا؟”
مال برأسه قليلًا و أكمل بصوتٍ هادئ،
“هذا أمر بديهي، فأنا أعتني بخطيبتي المريضة.”
“……”
تصلبت شفتاي عند سماع تلك الكلمات غير المتوقعة. ومع ذلك، ولسببٍ لا أعلمه، لم أستطع الرد عليه بحدة كما كنت أفعل عادة، ولم أجد ما أقول.
“همم، حسنًا، شكرًا على الطعام.”
تمتمت على عجل وبدأت أدهن المربى على قطعة الخبز.
في تلك اللحظة، انساب صوته الهادئ فوق رأسي.
“آنسة سوبيل، ما الذي تريدينني أن أفعله الآن؟”
ما الذي يقوله فجأة؟
رمشت بعينَي بدهشةٍ أمام سؤاله الغريب، فأطلق هو نظرةً مشابهة، كأنه نفسه لا يدرك ما الذي أقصده به.
ماذا يعني بسؤاله عن ما أريده منه؟ هل يمكن أنه…..يريد التحدث عن خطوبتنا؟
إذا ربطت الحديث ببعضه، فهو يبدو وكأنه يلمّح إلى ذلك، وإلى ما بيننا…..لكن لماذا الآن بالذات، ونحن وحدنا في هذا القصر؟
“هل أفتح النافذة قليلًا؟”
“هاه؟”
“تبدين دافئةً بعض الشيء.”
“لا، أنا بخير، فقط..…”
نعم، كنت أتصرف بغرابة منذ البارحة. لقد أحمرّ وجهي من أقل كلمة، وينبض قلبي لأتفه سبب.
‘مجرد حرارة في جسدي من الطعام، لا أكثر.’
ابتسمت بخفة لأخفي ارتباكي،
“سيد أغريست، قلت ذلك من قبل وأكررها..…”
لكن كيف لي أن أقولها؟ أنا الآن لا أحتاج إلى طرده كما في السابق، ولا أريد جرحه بكلمةٍ قاسية.
إذًا، لم يبقى أمامي إلا طريقٌ واحد.
“أظن أن علينا التفكير في أمر الخطوبة لاحقًا، بجدية، لكن بعد بعض الوقت.”
“….…”
“بالطبع أعلم أن بيننا ذكريات، وأعترف أنكَ شخصٌ جيد فعلًا.”
شدَدت قبضتي على الشوكة وأنا أواصل الكلام بصوتٍ متماسك.
“نعم، لا أنكر أنني لا أشعر بنفور منكَ تمامًا، وربما مع مرور الوقت تُحلّ الأمور من تلقاء نفسها.”
قلت كل ذلك وأنا أتجنب النظر إلى وجهه تمامًا. فقد كنت أعلم أنه لو التقت عيوننا في منتصف الحديث، لما استطعت أن أكمل حرفًا واحدًا.
“لذا، أتمنى ألا تتأذى من كلامي. لستُ أنكر كل شيء، فقط…..أريد أن نمضي ببطء.”
بعد أن انتهيت من الكلام، رفعت رأسي أخيرًا بصعوبة لأنظر إليه. و كانت نظرات ريكايل كما هي، ثابتة وهادئة، لا تحمل أي تغير عن لحظة دخوله الغرفة.
“آنسة سوبيل.”
و تكلم أخيرًا بعد صمت طويل.
“ما كنت أود معرفته هو إن كنتِ تريدين مني مغادرة الغرفة أم لا.”
“….…”
“لكن بفضلكِ سمعتُ رأيكِ المفصل في خطوبتنا، وفي ما تشعرين نحوي.”
“لا، أقصد، ليس هذا ما..…”
رفع الإبريق الموضوع على الطاولة، وانحنى قليلًا بطريقةٍ أشبه بخادم مهذب، ثم فتح الباب.
“سأنسحب الآن. شعرت أنكِ ربما تشعرين ببعض الإحراج.”
طق!
حدّقت في الباب المغلق بوجهٍ غبي تمامًا.
ما الذي فعلته للتو؟ يا إلهي، انتظر! لا تتركني وأنت تسيء فهمي هكذا!
أردت أن أصرخ، لكن بدلاً من ذلك لوّحت بيدي التي تمسك الشوكة في الهواء بعشوائية.
آآآه!
***
“آنسة، لقد شاهدتِ المسرحية البارحة، أليس كذلك؟ أليست غايةً في الرومانسية؟”
كانت إيما ما تزال عالقةً في أجواء المسرحية التي شاهدتها في المهرجان. فاستمعت إليها بابتسامةٍ بينما كانت تثرثر بسعادة.
لكن ليلي لم تشاركها الحماس.
“إيما، منذ عدتِ وأنتِ تصفين كل شيءٍ بأنه رومانسي.”
“لأنه فعلاً كذلك! آه يا آنسة، أتمنى أن أعيش حبًا كهذا يومًا ما!”
في تلك الليلة، كانت الخادمات العائدات من المهرجان في غاية الحماس.
“لأنها مجرد مسرحية، أما في الواقع فالحب ليس بهذا القدر من الرومانسية.”
قالت ليلي ذلك بنبرة رزينة، فما كان من إيما إلا أن اشتعلت غيظًا.
“وكيف تعرفين؟ لا تتكلمي بثقةٍ فيما لا تفهمينه!”
“آه، وأنتِ؟ فتاةٌ لم تمسك يد رجل في حياتها، ماذ الذي تعرفينه؟”
فضحكت إيما ساخرة.
“وكأنكِ تختلفين عني كثيرًا.”
“الحب مرّ الطعم يا إيما. لا تصدقي ما ترينه على المسرح.”
حينها التفتت إيما نحوي فجأة.
“آنسة.”
“نعم؟”
“هل تؤمنين أنتِ بالحب الرومانسي؟”
آه…..سؤالٌ محرج فعلًا.
ترددت ولم أدرِ كيف أجيب، فغمزت ليلي نحو إيما وهي تضحك.
“أما زلت تسألين؟ آنستنا تعيش حبًا رومانسيًا بالفعل!”
“آه، صحيح!”
“هل رأيتِ كيف حملها السيد بين ذراعيه؟ إن نظرته إليها وحدها تغمرها حبًا.”
_________________________
وناسه شبكوهم ايه عشان غباء البطلات الي في راسها يطير 😘
يعني واضح ريكايل يعزها وهي قاعده تقول اهممم بفكر؟ مدري؟ وش تسوي؟ تكفين كلاريتا ماربيتس كذا
المهم ريكايل يتخطى
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"