لم يقل ريكايل شيئًا. فألقيت نظرةً جانبية لأتحقق من ملامحه، و بدت مختلفةً على غير عادته.

 

كان وجهه خاليًا من التعابير، لكن في تجعيدة حاجبيه كان هناك شيءٌ من الضيق الخفي.

 

“السيد أغريست.”

 

ترددت قليلًا قبل أن أنطق أخيرًا.

 

“هل أنتَ غاضب؟”

 

لم يُجب ريكايل. لكن صمته ذاك كان كافيًا ليُشعرني أن مزاجه لم يكن على ما يرام.

 

أجاب وهو يرسم خطًا رفيعًا في ما بين حاجبيه المتناسقين،

 

“أنا غاضبٌ من نفسي.”

 

لم أفهم ما الذي يقصده في البداية.

 

“……؟”

 

نظرت إليه بعينين متسائلتين، فجاء صوته منخفضًا وواثقًا.

 

“أشعر وكأنني تسببتُ بإيذاء الآنسة سوبيل.”

 

“ماذا تعني؟ أنا من اقترحتُ الركض، لا أنتَ.”

 

“لو لم أتصرف بتلك الحماقة، لما خرجنا إلى هنا أصلًا.”

 

لم أستطع إنكار قوله تمامًا، لكنه لم يكن مخطئًا أيضًا.

 

ومع ذلك، لم أُرد أن يشعر ريكايل بالذنب بسببي.

 

“أنتَ لستَ السبب في إصابتي.”

 

“بل أنا السبب.”

 

كنتُ قادرةً على تخمين سبب شعوره بالذنب، لكن لم يكن هذا خطأه إطلاقًا.

 

“السيد أغريست، هل أخفيتَ الغصن عمدًا لتؤذيني؟”

 

“ماذا؟”

 

“إن لم تفعل، فليس الذنب ذنبكَ.”

 

ارتسمت على وجهه ملامح حيرة، ثم هزّ رأسه نافيًا.

 

واستمر ذلك الصمت الثقيل بيننا لبعض الوقت. و أردت أن أكسر الجمود بالكلام، لكن المسافة بيننا كانت قريبةً أكثر مما ينبغي.

 

هل عليّ أن أتصرف بجنونٍ وأقفز من بين ذراعيه؟

 

كان رأسي مزدحمٌ بمئات الأفكار حين دوّى صوته قريبًا جدًا.

 

“الآنسة سوبيل.”

 

“نعم؟”

 

“لا أعرف ما الذي كان ينويه والدي.”

 

تشنج جسدي قليلًا حين ذكر الدوق أغريست فجأة. لكن صوت ريكايل الهادئ استمر بلا انفعال.

 

“أشعر أنه لا بد أن هناك سببًا جعله يختاركِ أنتِ بالذات.”

 

كانت نبرته بلا تغيّر، ومع ذلك حملت في طيّاتها دفئًا لطيفًا. صوته المنخفض، لا سريعٌ ولا بطيء، بدا مريحًا للأذن.

 

لم أنطق بشيء، واكتفيت بالإنصات له.

 

“لو لم تكوني أنتِ….”

 

مال رأسي قليلًا، فالتقت عيناي بعينيه الزرقاوين المليئتين بالعذوبة والحنين.

 

“…….”

 

ارتجّ قلبي من عذوبة صوته، بل ومن رقة كلماته أكثر. و لو قال شيئًا واحدًا آخر فقط، لدفعتُه عني وهربت فورًا.

 

“إن كنتَ ستقول كلامًا لا طائل منه، فأنزلني الآن.”

 

قلت ذلك بلهجةٍ جافة بلا قصد، فابتسم ريكايل بخفة.

 

“لقد وصلنا.”

 

“وصلنا ماذا؟ ما زال الطريق بعيدًا!”

 

لماذا وافقت على الركض معه إلى هذا الحد البعيد؟  كان يمكننا الاكتفاء بجولة حول القصر فقط.

 

كنت ألوم نفسي على تهوري حين تحدّث ريكائيل مجددًا،

 

“أشعر وكأني لا أحملكِ أصلًا، أنتِ خفيفةٌ كالريشة.”

 

“كاذب.”

 

“صحيح، أنا أكذب.”

 

عندما سمعت كلماته الأخيرة، نظرت إليه بحدة، فابتسم ابتسامةً عريضة مشرقة.

 

***

 

“الآنسة سوبيل.”

 

ما إن دخلنا القصر، حتى كان أول من قابلناه هو وجه إيريسون المندهش.

 

فابتسمتُ بخجلٍ وهمست لريكائيل،

 

“أنزلني الآن، رجاءً.”

 

لكنه تجاهل همسي و تحدّث مخاطبًا إيريسون بدلًا من ذلك.

 

“استدعِ الطبيب.”

 

“هل أصيبت الآنسة سوبيل؟”

 

وما زلت بين ذراعي ريكايل، فرددتُ ضاحكةً بخفة،

 

“قليلًا فقط، إنها مجرد جراحة بسيطة. هل لديكَ مرهمٌ ربما؟”

 

لكن ريكايل هز رأسه نافيًا.

 

“المرهم وحده لا يكفي.”

 

“لا بأس، لو استدعيت الطبيب من أجل هذا فسيغضب مني.”

 

“الجرح الممزق يحتاج إلى تعقيمٍ أولًا—”

 

“يا إلهي، أي تعقيم؟ سأكتفي بدهن بعض الدواء فقط.”

 

و عقد ريكايل حاجبيه معترضاً.

 

“من الذي ورّثكِ هذا العناد؟”

 

“ليس منكَ على الأقل، فاطمئن.”

 

كان إيريسون يرمقنا مذهولًا للحظات، ثم سعل ليكسر الصمت.

 

“اهمم.”

 

و التفتنا إليه في الوقت نفسه، فابتسم بخفة.

 

“الآنسة سوبيل، هل سقطتِ؟ إن كنتِ قد لويتِ كاحلكِ فسأجهّز كمّاداتٍ باردة.”

 

آه، حسنًا…..لقد سقطت فعلًا، لكن ليس كما يظن.

 

ابتسمتُ بخجل وصحّحت له الأمر.

 

“نعم، سقطت، لكن أثناء الركض حافية القدمين، وطئت غصنًا، فجرحت باطن قدمي.”

 

حاولت أن أرفع طرف ثوبي لأريه الجرح، ثم عدلت عن ذلك واكتفيت بالشرح.

 

“غصن؟ وطئتِ عليه؟”

 

“نعم، مجرد غصنٍ صغير هكذا.”

 

ضحكت بخفة وأنا أُريهم حجمه بأصابعي، وفي تلك اللحظة ظهرت إيما تمسح يديها بمريولها وهي تقترب من المطبخ بفضولٍ واضح في عينيها.

 

“يا إلهي، آنستي!”

 

لكن سرعان ما شحب وجهها وهي تصرخ،

 

“يا الهي! هناك دم!”

 

رغم أن الجرح لم يكن عميقًا، إلا أن بضع قطرات من الدم لطخت أرضية الخشب بوضوح.

 

و عند رؤية الدم، تغيّر وجه إيريسون فجأة إلى الجدية.

 

“الآنسة سوبيل، يبدو أن الغصن لم يكن صغيرًا كما ظننتِ.”

 

“…….”

 

“سأستدعي الطبيب حالًا.”

 

رفع يده وأصدر أوامره للخدم بسرعة.

 

“اذهب وأحضر فريل، وإيما، أحضري ماءً دافئًا ومناشف نظيفة.”

 

“حالًا، سيدي.”

 

شق ريكايل طريقه وسط الضجة وصعد الدرج بخطواتٍ حازمة.

 

ولأن كل هذا الاضطراب كان بسببي، لم أستطع حتى رفع رأسي خجلًا.

 

“لم يكن الأمر يستدعي كل هذا.”

 

تمتمت بخجل، فالتفت إليّ ريكايل.

 

“بل يستدعي.”

 

“…….”

 

“يبدو أنكِ نسيتِ أن أهم شخص في هذا القصر هو أنتِ.”

 

دخل الغرفة ووضعني بحذرٍ على السرير. وربما لأنني كنت بين ذراعيه طيلة الوقت، شعرت بوحدةٍ غريبة حين ابتعد دفؤه عني.

 

‘ما الذي أفكر به؟’

 

بعد قليل وصل الطبيب الذي استدعاه إيريسون إلى القصر. كان هو الطبيب الوحيد في القرية، وكذلك الصيدلي…..وحتى متعهد الجنازات.

 

“فريل أرسبون، في خدمتكِ. سمعت أن سيدة القصر قد جرحت قدمها. لطالما تساءلت من سيكون صاحب هذا القصر العريق، ويشرفني أن ألتقي بكِ أخيرًا.”

 

“مرحبًا، سيد أرسبون.”

 

ابتسمت له بتوترٍ وأنا أبادله التحية.

 

‘هل جميع أطباء هذا العالم ثرثارون إلى هذه الدرجة؟’

 

لم أدرِ إن كان عليّ تصحيح المعلومة الخاطئة أم ألتزم الصمت، فالشائعات تنتشر بسرعة في القرى الصغيرة، ولن أحتمل إشاعةً سخيفة.

 

حينها، وكأنه قرأ أفكاري، تقدّم ريكايل بصوتٍ جاف،

 

“نحن لا ننوي الاستقرار في هذا المكان، لكن..…سنمكث هنا لبعض الوقت. سمعت أنكَ من وجهاء القرية، لذا آمل أن نلقى منكَ العون.”

 

بدا أن فريل قد أُعجب بريكايل، فراح ينحني احترامًا مرارًا.

 

“يشرفني ذلك كثيرًا. أنا أعيش في هذه القرية منذ زمنٍ بعيد، ويمكن القول أنني أحد حُماتها أيضًا. حسنًا، دعني أرى جرح السيدة أولًا.”

 

فنظرت إلى ريكايل مجددًا.

 

‘سيدة؟ ولماذا لا يصححه؟’

 

لكن ريكايل اكتفى برفع حاجبيه وكأنه لا يرى في الأمر أي مشكلة.

 

“يا للأسف، الجرح أعمق مما ظننت.”

 

أخرج فريل من حقيبته شيئًا يشبه النظارات، وبدأ يفحص الجرح بدقة.

 

“قد يترك ندبةً صغيرة.”

 

فجأة تدخّل ريكايل بحدة،

 

“ماذا؟”

 

“لا تتدخل. وما أهمية ندبةٍ في باطن القدم أصلًا؟”

 

تمتمتُ بخفة، لكن ملامح القلق لم تفارق وجهه.

 

عندها ابتسم فريل بخجل،

 

“سأضع لها مرهمًا ممتازًا للندبات، من صنع يدي. أثبت فعاليته الرائعة.”

 

“حسنًا، افعل.”

 

حاولت أن أبدو متماسكةً وأنا أتلقى العلاج، لكن عندما لامس المطهّر الجرح، لم أستطع كتمان ألمي.

 

وكان موقع الجرح في باطن القدم يجعل الإحساس مزيجًا غريبًا من الألم و النغز.

 

“أوه..…”

 

شدَدت قبضتي محاوِلةً التحمل، فاسودّ وجه ريكايل من القلق. ثم تحدّث فجأة الى فريل بصوتِ منخفض وجاد،

 

“ألا يمكنكَ جعله أقل ألمًا؟”

 

“سأحاول قدر المستطاع.”

 

ارتبكتُ من كلامه السريع، فلوّحت بيدي نافية.

 

“لا، لا بأس. لا يؤلمني حقًا…..سيزول كل شيءٍ بعد وضع الدواء، أليس كذلك؟”

 

نظرت إلى الطبيب وأنا أحاول تهدئة الموقف، فأجاب بابتسامة مطمئنة،

 

“بالتأكيد، سيدتي. لكن يجب أن تحافظي على الجرح وتستريحي لبضعة أيام حتى لا ينفتح مجددًا.”

 

وبعد وقتٍ بدا طويلًا، انتهى العلاج أخيرًا. ورغم مظهر فريل البسيط في البداية، إلا أن يديه كانتا ثابتتين وناعمتين في العمل.

 

“شكرًا جزيلًا، بذلتَ جهدًا كبيرًا.”

 

“لا داعي للشكر يا سيدتي.”

 

وبينما كان يجمع أدواته في حقيبته، تبادلتُ أنا ريكايل نظرةً سريعة. فلدينا في الحقيقة شأنٌ آخر معه.

 

“السيد أرسبون.”

 

رفع فريل رأسه وقد وضع قبعته لتوه.

 

“هناك بضعة أمور نود سؤالكَ عنها.”

 

______________________

 

وقت التحقيق😂 بعد كان مفروض يحطون تصميف تحقيق 

 

المهم ريكايل يوم قال شكلس نسيتي انت اهم وحده✨✨✨✨ياخي خلاص اعترف وش بقيت 

 

Dana