لوّحت بيدي بسرعة رافضة الفكرة تمامًا. فقد تعلمت من التجارب السابقة أنه لا يجوز أبدًا أن أبرم وعودًا طائشة مع ريكايل.
“من يدري ما الذي قد تطلبه مني هذه المرة باسم تلك الأمنية؟”
أجاب ريكايل بصوتٍ هادئٍ ونبيل،
“لن أطلب شيئًا مبالغًا فيه.”
‘بل كان طلبكَ السابق مبالغًا فيه بما يكفي، صدقني.’
عندها هزّ رأسه بخفة، ثم بدأ يرفع كُمّي قميصه استعدادًا.
“إذاً، سأسمح للآنسة بأن تبدأ الجري على بُعد عشرين خطوةٍ أمامي.”
“لا داعي لذلك. فلنبدأ السباق معًا، في الوقت نفسه وبشكلٍ عادل.”
رفعت أطراف فستاني قليلًا، وخلعت حذائي.
“لكنني سأجري حافية، فالأحذية غير مريحة.”
“أتقولين هذا بجدية؟”
كان جوابي أن أمسكت بطرف الفستان إلى الجانب، استعدادًا. فرمقني ريكايل بنظرةٍ نصف متعجّبة ونصف مستسلمة، ثم ابتسم مجددًا، ابتسامةً أكثر دفئًا هذه المرة، ألطف من تلك التي سبقتها.
“حسنًا، كما تشائين.”
كانت الأحذية والقفازان اللذان وضعتهما أرضًا هما خط البداية.
وقفنا جنبًا إلى جنب، نُحدّق في شجرة الدلب البعيدة.
اجتاحني شعور العشب البارد تحت قدميّ، والرعشة الخفيفة في أطرافي، والعيون المليئة بحماس الطفولة العائد…..
حتى ريكايل، الذي كان يقف بجانبي ينظر إلى الأفق، وقد بدا جميلًا في تلك اللحظة.
كل شيء كان جميلًا. وحين هبّت نسمةٌ لطيفة، كأنها إشارة بدء، انطلقنا معًا في الوقت نفسه دون أن نتفق على ذلك.
***
الركض ضد الجاذبية ليس أمرًا بسيطًا كما يبدو. يجب أن تدفع الأرض بقدميك بكل قوتكَ، وأن تحرك ذراعيكَ في توازٍ متقن، وأن تعتاد السرعة المتزايدة دون أن تفقد توازنك.
جسدي كله كان يعمل معًا من أجل الركض، لكن العنصر الأهم في هذا كله هو التنفّس.
أستنشق الهواء، وأطرد الزائد بسرعة. أكرر ذلك مرارًا وتكرارًا — حتى يبدأ الهواء نفسه بالتحرك معي.
حينها فقط، يبدأ الإنسان بإثارة الريح من حوله. ويغمره شعور حريةٍ خالصة.
“هاه….هاه.…!”
كان نفسي يعلو ويهبط بعنف، يكاد يقطع أنفاسي.
وكلما اقتربت من شجرة الدلب، شعرتُ كأن الأرض تحاول سحب قدميّ إليها.
توتّرت عضلات كتفيّ وفخذيّ من شدّة الجهد، لكن الغريب في الأمر — أنني كنت أضحك.
كم مرّ من الوقت منذ آخر مرة ركضت فيها هكذا؟
كانت نسمات الهواء الباردة تدخل فمي المفتوح وتملأ صدري، و تملأ رأسي وقَلبي اللذين كانا حتى وقتٍ قريبٍ فارغين تمامًا.
‘تُرى، كيف حال ريكايل الآن؟’
تمنّيت لو أنه يشعر بما أشعر به.
ربما، مثلنا جميعًا، سيعيش حتى اللحظة الأخيرة من حياته على هذا النحو — يلهث، ويتعب، ويكاد ينهار، لكنه يواصل المضيّ رغم ذلك.
وفي هذا الجهد، في هذا اللهاث، يجد الإنسان معنى اللّعب، وسببًا آخر ليتقدم خطوةً إلى الأمام.
“السيد أغريست!”
كانت المسافة بيننا قد اتسعت. فناديت اسمه بأعلى صوتي.
فخفف من سرعته قليلًا، ثم التفت ناحيتي. و تسللت ابتسامته، مشرقةً تحت ضوء الشمس، لتخترق صدري مباشرة.
أطلق ضحكةً خفيفة وصاح بصوتٍ عالٍ.
“هل استسلمتِ؟”
يا له من كلامٍ ظالم!
“الاستسلام؟! هذا مجرد البداية!”
شدَدت قبضتي على طرف الفستان وواصلت الجري بكل قوتي.
“هاه….هاه….!”
كنت على وشك الالتفاف حول شجرة الدلب لأواصل الجري بحماس، حينها—
“هاه؟”
اجتاح باطن قدمي ألمٌ حاد ومفاجئ. ففقدت توازني ولم أستطع مقاومة السرعة، وسقطت أرضًا بعنف.
“آه!”
صرخت دون وعي، فالتفت ريكايل الذي كان يسبقني وتوقف على الفور.
“كلاريتا!”
ركض نحوي مذعورًا حين رآني ملقاةً على الأرض. وبينما كان يقترب، حاولت النهوض ببطء.
“هل سقطتِ؟”
رفعت طرف فستاني بحذر، فانكشف أمامي جرحٌ طويل يمتد عبر باطن قدمي.
“أظنني دست على شيءٍ حادّ.”
كنتُ أظن أن الركض حافيةً فوق المروج لن يكون مؤذيًا، لكن يبدو أنني كنتُ مخطئة.
بحث ريكايل قليلًا ثم وجد غصنًا مكسورًا ملطخًا بالدماء. و تأمل العلامة الحمراء على الغصن، فانعقد حاجباه بقلق.
“يا إلهي…..الدم لا يتوقف.”
ثم انحنى وأمسك بكاحلي برفق، وصوته مفعمٌ بالجدية.
“أنا بخير.”
قلت ذلك وأنا أحاول تغطية قدمي بالفستان خجلًا.
“لحظة.”
خلع ريكايل سترته ووضعها على الأرض، ثم بدأ يفك أزرار قميصه الداخلي واحدًا تلو الآخر.
‘ما الذي…..ينوي فعله؟’
ارتبكت، لا أدري الى أين أنظر، لكن قبل أن أفتح فمي، مزّق كمّ قميصه بخطٍ طويل.
“ماذا…..ماذا تفعل؟”
“أوقف النزيف.”
“الأمر ليس بتلك الخطورة—”
لكن صوتي اختنق في حلقي.
ثم انحنى مجددًا، وأمسك قدمي بعناية، وبدأ يلفّها بالقماش الأبيض الممزق كما لو كان ضمادًا.
“….…”
شعرتُ بوخز الألم يصعد إلى صدري، ومعه خفقانٌ غريب في قلبي، فأدرت وجهي بعيدًا عنه.
“سأسأل السيد إيريسون إن كان لديه مرهم.”
“جرحٌ كهذا لا يُعالج بالمرهم.”
“لكنها ليست إصابةً كبيرة.”
قلتُ ذلك وأنا أنهض بسرعة، محاوِلةً أن أبدو بخير. و رغم بعض التمايل، بدا لي أنني أستطيع المشي إن ضغطت على أصابع قدمي قليلًا.
“هل تنوين السير؟”
سألني بدهشةٍ واضحة، فنظرتُ إليه باستغراب.
“طبعًا…..ما الذي تريد منّي فعله؟ أطير؟”
قلت ذلك عرضًا وأنا أبدأ بالتحرك، لكنه وقف أمامي ليمنعني. ثم انحنى قليلًا وهمس بصوتٍ غامض،
“اعذريني.”
لم أفهم قصده حتى وجدت نفسي فجأة—
“!”
في الهواء، بين ذراعيه.
رفعني بخفة كأنني لا أزن شيئًا، وبدأ يمشي بخطواتٍ واسعة.
“السيد أغريست!”
“ابقي كما أنتِ.”
“أستطيع المشي بنفسي!”
“أفضل ألا تتحركي.”
“قلت لكَ أنني بخير!”
“أتظنين أن السير حافية، والجرح مفتوح، على هذا الطريق الترابي فكرةٌ جيدة؟”
فتمتمت وأنا أشعر بحرارةٍ تعلو وجنتَيّ،
“القصر قريبٌ أصلًا.”
“صحيح، قريب…..لذا سأحملكِ حتى نصل.”
“أنا بخير، أنزلني، أستطيع المشي!”
لكن رده الوحيد هذه المرة كان تنهيدةً طويلةً، مليئةً بالعجز والاستسلام.
“قد تتسلل إلى الجرح كل أنواع الجراثيم.”
“….…”
“وإن التهب الجرح، فقد يطول الوقت قبل أن تتمكني من التحرك بحريةٍ من جديد.”
عضضت شفتي ثم أرخيتها وأدرت وجهي جانبًا. ليس لأن كلامه خاطئ، بل لأنه كان محقًا في كل كلمة.
لكن السبب الحقيقي كان آخر تمامًا.
‘إنه قريبٌ جدًا.’
كل خطوةٍ يخطوها، كل حركةٍ يقوم بها، كانت تتردد بوضوحٍ على ساقيّ.
رغم أنني الآن لا أتحرك ولا أجري، إلا أن قلبي كان ينبض أسرع من لحظة الركض نفسها.
‘آه…..لماذا اقترحت الجري إلى هذا البعد؟’
لم نصل بعد إلى القصر، وبدأ القلق يتسلل إليّ بشأن وزني.
‘لابد أنه يتعبٌ من حملي.’
بمجرد أن خطر لي ذلك، شعرت بحاجةٍ لأن أحبس أنفاسي.
“إذاً…..فقط حتى نصل إلى حيث تركتُ حذائي.”
“حسنًا.”
شعرتُ بالإحراج والخجل، لكن حاولت الصبر قليلًا.
إلا أن ريكايل، حين وصل إلى خط الانطلاق، لم يضعني أرضًا، بل واصل السير بي بين ذراعيه.
“السيد أغريست، أنزلني الآن من فضلكَ. سأرتدي حذائي وأمشي بنفسي، أليس كذلك؟”
لكن جوابه جاء جافًا وختصراً،
“وإن لطّختِه بالدم؟”
“….…”
“سيكون أمرًا مزعجًا لتلك الخادمة التي تحبينها، أليس كذلك؟”
لم أجد ما أقول، فبقيت صامتةً أضم شفتيّ وأنتظر أن تنتهي هذه اللحظة المربكة سريعًا.
عندها تنهد ريكايل بعمق و تحدّث بصوتٍ منخفض،
“ما كان عليّ أن أسمح لكِ بخلع حذائكِ منذ البداية.”
تملّكني شعورٌ بالذنب لسماع كلماته تلك، لكن حيائي جعلني أستعيض عن الاعتذار بنبرةٍ متذمرة،
“لم يكن من العدل أن أركض وحدي وأنا أرتدي حذاءً مزعجًا.”
فابتسم ريكايل ابتسامةً خفيفة، أشبه بضحكةٍ ساخرة.
“ألستِ تعترفين إذًا أن التحدي كان غير عادلٍ منذ البداية؟”
“بالطبع، فقد كنتُ أرتدي فستانًا بينما أنتَ ترتدي سروالًا مريحًا للغاية.”
قلت ذلك بنبرةٍ مفعمة بالمشاكسة.
“ولهذا السبب اقترحتُ أن تبدأي متأخرةً بعشرين خطوة.”
“وهذا ما رفضته! كأنني أعترف منذ البداية بأنني أضعف منكَ.”
لكن هذه المرة، لم أستطع الهرب من نظرته. كأن عينيه أمسكتا بي ولم تسمحا لي بالفرار.
“المرأة المهذبة عادةً…..لا تتحدّى رجلًا في سباق ركض.”
_____________________
لأنها موختلفه عشان كذا يله تروجوا😘
ماتوقعت تطيح عاد بس عسا عشان مومنت وكذا ههههععهعه
و يوم صرخ باسمها عسا ماشر ليه ماعلّقت عليه؟
بس احسن شي الشيله ياناس يالجنتلههه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"