وضعتُ السلة التي كنت أحملها على الأرض. و كان لديّ شعورٌ غامض بأن الحديث لن ينتهي سريعًا.
“نعم، قالت أنها ترى أمورًا من المستقبل القريب أو من زمن بعيد.”
بدأ ألفي الحديث بوجهٍ هادئ.
“حين انتقلنا إلى هاينز لأول مرة، كانت جدتي ما تزال قويةً بما يكفي لصنع الطوب بنفسها على الطريقة التقليدية في موطنها. و كانت تقول أن التقاليد أمرٌ ثمين، ولا يجب أن ننساه أبدًا.”
قيل أن موطنهما الأصلي، أرمويز، يبعد مئات الكيلومترات عن هاينز.
“لهذا السبب كانت تصنع كل شيءٍ بنفسها.”
لكن يبدو أنها بالغت في الجهد أثناء بناء المنزل، فبدأ بصرها يضعف شيئًا فشيئًا حتى فقدته تمامًا بعد عام واحد.
“و كما تذوقتِ بنفسكِ، فإن حلوياتنا لذيذةٌ جدًا.”
تابع ألفي كلامه بوجهٍ يعلوه قليلٌ من الحزن.
“كل أهل القرية كانوا يحبونها.”
“لا عجب في ذلك.”
“في موطننا كانت هذه الحلويات مألوفة، لكن في هاينز لم يرها أحدٌ من قبل، لذلك بدت لهم مدهشة. وما إن نصنعها حتى تُباع كلها فورًا.”
“ثم ماذا حدث؟”
“لكن…..بعد أن بدأت جدتي تتصرف بغرابة، لم يعد أحدٌ يأتي لشراء الحلويات.”
حينها فقط فهمت تصرف ألفي عندما رأيته أول مرة.
نظراته القلقة وهو يقف أمام الطاولة، واستغرابه عندما أبدينا اهتمامنا بما يبيع.
‘إذاً لهذا السبب سألنا إن كنا سنشتريها حقًا.’
اقترب ريكايل دون أن أدري، وكان وجهه جادًا كأنه يفكر في الأمر نفسه الذي أفكر فيه.
“لكن صحة جدتي تزداد سوءًا، وهذا ما يقلقني.”
“…….”
“إنها لا تستطيع النوم جيدًا ليلًا بسبب السعال.”
“آه..…”
أخفض الصبي عينيه نحو قدميه بحزن.
“ألفي، هل عرضتموها على الطبيب؟”
سألته بهدوء، فهزّ رأسه نفيًا.
“قال أنه لن يأتي إلى منزلنا.”
لم أستطع سوى التنهد في تلك اللحظة. فقد كان السبب واضحًا حتى دون أن أسأل. لكن الصبي أكمل ببساطة،
“من الطبيعي ألا يرغب في المجيء، فجدتي تقول أشياء غريبة. أنا أتفهم ذلك.”
تقدم ريكايل بخطوةٍ وسأله بصوتٍ أكثر لطفًا من ذي قبل،
“ماهي الأشياء التي كانت تقولها؟”
“كانت تتحدث دومًا عن أمورٍ سيئة ستحدث للناس. تقول إن شخصاً سيصاب بمرضٍ ويضطر لبتر ساقه، أو أن آخر سيفقد أحد أبنائه.”
“…….”
“لهذا صار الناس يكرهونها. والآن أفهم لماذا لم يعودوا يشترون حلوياتنا.”
نظر إليّ ريكايل هذه المرة، ولم نقل شيئًا، لكن كلينا كان يفكر في الأمر ذاته.
“أ-أعذراني من فضلكما.”
قال ألفي ذلك بصوتٍ مرتجف وقد أطلق تنهيدةً قصيرة.
“قالت لي جدتي ألا أتحدث أبدًا عن موطننا…..فهل يمكن أن تتصرفا كما لو لم تسمعا ما قلته الآن؟”
تمتم الصبي بذلك وعيناه تلمعان بالدموع، فأسرعت ألوّح بيدي.
“بالطبع، لا تقلق.”
لكن ملامحه لم تلن بعد، فتابعتُ على عجل،
“أعدك، أعدكَ حقاً!”
مددت خنصري نحوه، فابتسم الصبي أخيرًا بقليلٍ من الارتياح.
“لا تقلق، فهو أيضًا شخصٌ يمكن الوثوق به.”
“نعم.”
غمزتُ لريكايل بخفة وابتسمت له، فابتسم ألفي بدوره و ردّ بخجل،
“كنتُ أخشى أن تكون جدتي قالت لكما شيئًا غريبًا، وأنكما لن تعودا بعد اليوم…..أنتما شخصان طيبان، وقد أحسنتما إليّ كثيرًا.”
كنت على وشك أن أبتسم برفق وأقول شيئًا للصبي،
لكن فجأة نادي ريكايل باسمه،
“ألفي.”
ثم انحنى قليلًا حتى أصبح على مستوى نظره.
و خشيت لوهلة أن يقول له شيئًا قاسيًا كما فعل من قبل، فاستعددت للتدخل،
لكنه تحدّث بهدوء،
“لقد كانت تتحدث فقط عن عدد قطع الحلوى التي ستصنعها. قالت أن مئة قطعة سيكون من الصعب صنعها اليوم، لذا ستحتاج إلى بضعة أيام إضافية.”
“آه..…”
“لذا لا تقلق بشأن ذلك.”
“نعم، سيدي.”
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة.
“وسأرسل لكَ طبيبًا في القريب العاجل.”
فاتسعت عينا ألفي دهشة.
“حقًا؟!”
“حقًا.”
التفت الصبي إليّ كأنه يطلب تأكيدًا، فأومأت برأسي،
فابتسم ابتسامةً مشرقة كالشمس.
“شكرًا لكم، شكرًا جزيلًا يا سيدي!”
بعد أن ودّعنا ألفي، سرنا ببطءٍ عبر الزقاق من جديد.
كانت أجواء القرية أكثر صخبًا من ذي قبل بسبب الاستعدادات للمهرجان. سمعنا صوت الموسيقى المنبعث من مكان ما، و النساء يرقصن بحرية، والهتافات تتعالى من حولنا.
توقف قليلًا وكأن ذكر والده يثقلٍ عليه، ثم تابع بصوتٍ خافت،
“هل من الصواب أن نحاول العثور على رجل…..أخفى نفسه بالموت؟”
كان واضحًا أن الحديث مع ألفي قد أثّر فيه وغير شيئًا في داخله.
ورغم إدراكي لصعوبة ما يقوله، لم أجد إجابةً سهلة. فقد كانت الأفكار التي تراوده تشبه ما كنتُ أفكر به أنا أيضًا.
إن كان الدوق فيسفندر أغريست لم يمت، بل زيف موته واختفى تمامًا، فلعله فعل ذلك لأنه لم يرد أن يعثر عليه أحد.
ربما أراد أن يبدأ من جديد في مكان لا يعرفه فيه أحد. فهل يحق لنا حقًا أن نبحث عنه؟
‘هل يمكننا حتى أن نلتقي به؟’
كان ريكايل يبدو غارقًا في التفكير نفسه.
“مهما حاولت أن أفهم..…”
مرر يده في شعره بعصبية وتابع،
“لا أريد أن أصدق كل ما قيل، لكن إن كان صحيحًا فعلًا..…”
“…….”
“فلن أستطيع أبدًا أن أفهم والدي.”
“السيد أغريست..…”
“بعد أن هرب بتلك الطريقة، ماذا كان ينوي أن يفعل؟ ما الذي كان يفكر به؟ أنا لا..…”
لم يتمكن من إكمال كلامه.
“السيد أغريست.”
كان واضحًا أنه، رغم رفضه لتصديق كلمات العجوز، لا يزال عالقًا في صداها.
“لستُ متأكدةً إن كان لي الحق في قول هذا، لكن..…”
تابعتُ بهدوء،
“لا أظن أننا مضطرون لأن نفهم الدوق بالكامل.”
فالفهم لن يغير شيئًا، ولن يكشف لنا كل شيءٍ على أي حال.
“ربما، عندما نلتقي به يومًا ما…..سنعرف الحقيقة بأنفسنا.”
كانت كلماتي هادئة، لكنني تساءلت في سري إن كنت قد تجاوزت الحدود.
قابتسم ريكائيل بسخرية خفيفة،
“شخصٌ قرر أن يختبئ عمدًا…..هل يمكن حقًا العثور عليه؟”
وافقتُ ضمنيًا على قوله، لكنني لم أشأ أن أضعف عزيمته.
“سنجد طريقةً ما.”
أين يمكن أن يكون الدوق أغريست الآن؟ هل ما زال فعلًا موجودًا في هذا العالم، كما قالت العجوز؟
“نعم…..لا بد أن هناك طريقة.”
بدا أن ريكايل قد غرق في التفكير للحظة، ثم تكلّم بنظرةٍ شاردة تغشى عينيه.
“علينا أن نستفيد من الأشياء التي بعثرها والدي في كل مكان…..ولكن بالعكس.”
ثم أكمل بصوتٍ منخفض، وكأنه اتخذ قرارًا حاسمًا،
“يجب أن أستدعي كويل.”
***
ما إن عدنا إلى القصر، حتى دخل ريكايل غرفته ولم يخرج منها طويلًا. حبس نفسه في الداخل، رافضًا الشاي والطعام معًا.
وخرجت إيما، التي ذهبت لتناديه على العشاء، بوجه يحمل حرجًا واضحًا.
“السيد أغريست؟”
هزت رأسها،
“قال السيد الشاب أنه لا يرغب في تناول العشاء.”
“يبدو أنه ليس جائعًا. اتركيه وشأنه.”
قلتُ ذلك بهدوء، وأخذت ملعقةً من الحساء الدافئ.
‘هل ما زال يشعر بالضيق؟’
كانت ملامحه كئيبةً حتى قبل أن نعود إلى القصر، ولا أزال أفكر في ذلك.
كنت أتساءل عمّا يدور في ذهنه وهو حبيس تلك الغرفة.
وبينما كنت أتناول الحساء، ناديت إيما التي كانت تهمّ بالخروج وإبريق الماء في يدها.
“إيما.”
“نعم، آنستي؟”
“قلتِ أنك عشتِ هنا منذ زمن طويل، أليس كذلك؟”
“نعم، منذ ولادتي، ولم أغادر هاينز يومًا.”
ترددتُ قليلًا، لكن في عالم لا وجود فيه للإنترنت أو وسائل البحث، لم يكن أمامي سوى سؤال الناس بنفسي.
“هل تعرفين صبيًّا يُدعى ألفي؟”
عندها أمالت إيما رأسها بتساؤل.
“ألفي؟”
“نعم، يعيش مع جدته في بيت الطوب على التل…..عمره نحو ثمانية أعوام.”
راقبت ملامح وجهها وسألتُ من جديد،
“هل تعرفين شيئًا عنه؟”
________________________
ليه احس كل ماعرفنا شي زاد الغموض؟😂
ريكايل يجنن وهو للحين يحاول يتقبل ابوه المهمل ذاك😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"