“كما أن حياتي توشك على الانطفاء، كذلك بصري منذ زمنٍ لم يعد يرى النور.”
فكتمتُ تنهيدةً حزينة غصّت في حلقي. ثم تحدّث ريكايل بنبرةٍ مستعجلة،
“إذاً أخبرينا عن موطنكِ، سنذهب إليه بأنفسنا. ربما بقي هناك من يعرف هذه اللغة.”
لكنها هزّت رأسها نفيًا، وقد عاد صوتها أكثر عمقًا هذه المرة،
“قلت لكما…..إنها لغةٌ ماتت. لا أحد يستطيع إحياءها من جديد.”
شعرت أن هناك شيئًا غريبًا في كلماتها.
صحيحٌ أن اللغة تموت حين لا تُستخدم أو تُتناقل، لكن إن كانت ماتت فعلًا، فلماذا نقشتها على محفظة ألفي؟
هل فعلت ذلك من باب الذكرى فقط؟ أم كان وراءه معنى أعمق؟
فسألتها بهدوء،
“هل خَطَطتِ تلك الرموز على المحفظة لأنها تعني شيئًا خاصًا؟”
و ابتسمت العجوز بوقار،
“كما ترين، شكلها جميلٌ فحسب. واسم ألفي يحتوي على كثيرٍ من حروف الطائر، لذا بدا مناسبًا.”
“….…”
“أردتُ فقط أن يعيش حرًّا…..وسعيدًا.”
لكن لم يحن وقت الاستسلام بعد.
و استحضرتُ ابتسامة ألفي، ذلك الطفل الصغير الذكي.
“هل يعرف ألفي القراءة والكتابة؟ لو طلبنا منه المساعدة..…”
“ألفي لا يعرف سوى اسمه.”
لم يسعني إلا أن أشعر بالخيبة من ذلك الرد.
عجزنا جميعًا عن قول أي شيء. كنّا قد شعرنا وكأننا اقتربنا أخيرًا من الجواب، وأن خطوةً واحدة إضافية فقط كانت تفصلنا عنه. لكننا كنّا في الحقيقة كمن تاه في بحرٍ لا يدري بأي اتجاه يسير ليصل.
“وماذا نفعل الآن؟”
استدرت لأنظر إلى ريكايل.
كان يقبض ويفتح يده اليمنى مرارًا، وكأنه لا يعي حتى ما يفعل. و تلك النظرة الفارغة في عينيه كانت تدل على شرودٍ عميق.
“…..لكنكم أحسنتم مع ألفي، و كنتم لطفاء معه.”
قالت العجوز ذلك بصوتٍ مبحوح وهي تحكّ حلقها بتعب.
“سأخبركم ببعض ما أراه.”
قلت في نفسي باستغراب: أليست عمياء؟ فماذا تنوي أن تقول؟
و كنت أحدّق فيها بقليلٍ من الريبة حين بدأت ترفع البطانية التي كانت تغطيها.
“….…”
حينها فقط رأينا وجه العجوز بوضوحٍ للمرة الأولى.
كان مظهرها عاديًا، لكن في عينيها اشتعلت حياةٌ قوية، طاقةٌ حارقة أشبه بشرارةٍ لا تنطفئ. ولو حدقتُ فيها أكثر، شعرت أنني قد أنجذب إلى أعماقها دون مقاومة.
‘ما شعرت به قبل قليل لم يكن وهماً.’
حبست أنفاسي وأنا أترقب ما ستقوله بعد ذلك.
وقد أغمضت العجوز عينيها ببطء وتمتمت بصوتٍ خافت،
“من الطريف أنني، منذ أن فقدت بصري، صرت أرى ما لا يُرى بالعين.”
ملأ صوتها الغامض أرجاء الغرفة الضيقة.
فابتلعت ريقي بصعوبة ونظرت نحو ريكايل. كان يحدق بالعجوز أيضًا، والدهشة مطبوعةٌ على وجهه تمامًا كوجهي.
“أنتم…..تتبعون أثر الموتى.”
غمرتنا كلماتها بنغمةٍ باردةٍ كأنها سرت في الهواء. و بقينا للحظة مذهولين، ثم تمالكتُ نفسي بصعوبة.
“ماذا قلتِ؟”
“لكن يبدو أنكم لا تعلمون إن كان ميتًا أم حيًا.”
لم أستطع الرد، ولم يخرج من فمي سوى صمتٍ متردد.
وحين كنت أبحث عن كلماتٍ أقولها، تكلّم ريكايل بوجهٍ متصلّب غاضب الملامح.
“عمّن تتحدثين؟”
“هذا السؤال ليس في محله. إن كان السيد يتجاهل أباه، فلن يكون ذلك موضع رضا. أم تراه لا يكترث؟”
شحب وجه ريكايل في لحظة، لكنّه سرعان ما استعاد تماسكه، متنفّسًا بعمقٍ ليثبت نفسه.
“السيد أغريست.”
مددت يدي لأمسك بيده الباردة، فشعرت بارتجافٍ خفيّ فيها، كأن كل ضعفه يتجسد في تلك اللحظة.
عندها تحدّث بنبرةٍ حاسمة،
“أترين حقًا والدي؟”
أومأت العجوز بصمت.
“هل تعرفين أين أستطيع أن ألقاه؟”
لكنها هذه المرة هزت رأسها نفيًا.
“أرى أرضًا شاسعة، لكن لا أستطيع تحديد مكانه.”
فانحنيت قليلًا نحوها وسألت بإلحاح،
“هل هذا كل شيء؟ ألا يمكنكِ قول شيءٍ آخر؟”
في تلك اللحظة، لم أكن أفكر فيما إذا كانت كلماتها صادقةً أم لا، بل فقط في أن أستخرج منها أي كلمةٍ إضافية.
“أشعر بمشاعرٍ قوية موجهةٍ نحو السيد.”
في تلك اللحظة، فتحت العجوز فمها ببطء،
“إنها رغبة حارقة، تشبه كثيرًا ما يُسمّيه الناس عطفاً.”
“.……”
“ذلك الشخص يريد حمايتكَ يا سيدي.”
“ماذا؟”
تفجّر صوت ريكايل متحشرجًا بالغضب، ثم نهض فجأة ضاربًا الكرسي بقدمه.
“السيد أغريست.”
مددتُ يدي لأوقفه، لكنني كنت أعلم مسبقًا أنني لن أستطيع منعه.
“لقد أضعنا وقتنا سدى.”
رمى ريكايل بعض النقود على الطاولة ببرود، ثم خرج دون أن يلتفت خلفه. و لم أجد حتى فرصةً لملاحقته أو منعه.
“أعتذر…..سأعود لاحقًا.”
“سيدتي.”
أمسكتني العجوز بابتسامةٍ باهتة وهي تحدق في وجهي. وبينما كنت أستغرب ذلك الابتسام الغامض على شفتيها، تحدّثت بصوتٍ هادئٍ لكنه مشحون،
“لا تنسي يا سيدتي…..أنكِ أصل كل هذا.”
تجمدت يدي على مقبض الباب وتوقف جسدي عن الحركة حين تسللت كلماتها إلى ظهري.
“ماذا تقصدين؟”
“أعني أنكِ من بدأ الأمر…..وأنتِ أيضًا من يجب أن تُنهيه.”
فشدَدتُ جسدي وسألتها بحذرٍ متوتر،
“سؤالٌ أخيرٌ فقط.”
“تفضلي.”
“نعم، نحن نتعقب شخصًا، كما قلتِ. لكن ذلك الشخص…..يريدني ألا أفعل شيئًا على الإطلاق.”
التفتُّ نحوها مجددًا، أنظر إلى وجهها بعينين قلقتين.
توقفت عن الكلام للحظة، تتنفس ببطء كما لو أنهكها الحديث الطويل، ثم رفعت رأسها وأطلقت تنهيدةً عميقة.
“وإلا…..ستفقدين من تحبين.”
تجمد جسدي في مكاني، وكأن كلامها جعلني قطعة حجرٍ لا حراك فيها.
“سيدتي، هذا كل ما أستطيع قوله. والآن…..عودي واعتني بذلك المسكين.”
_________________________
هذي اخرتها ريكايل مسكين بالنسبه لعجوز😭
العاطفه الي تقولها ذي قصدها عاطفة الدوق لريكايل😃 بعني الدوق كان يحب ريكايل؟ اجل ليه مسوي نفسه ثقيل ومايحبه؟ خير
المهم شكل الدوق توه حي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"