في الكيس الذي أخرجه الفتى كان هناك تطريزٌ فريد من نوعه، وأكثر ما لفت انتباهي كان الرمز على شكل طائر.
‘هذا يشبه الحروف التي رأيتها في أحد الكتب من قبل…..’
رفعت بصري نحو ريكايل، فرأيت أن عينيه أيضًا قد تغيرتا بعدما لمح النقش على الكيس.
فسألته الفتى بنبرة حذرة،
“كيسكَ جميلٌ جدًا، هل اشتريته من مكانٍ ما؟”
فأجاب الفتى ببساطة،
“لا، جدتي هي التي صنعته لي.”
تماسكت وأنا أقاوم نبض قلبي وسألته من جديد،
“النقش في المنتصف يبدو كأنه حروف…..هل تعرف ما الذي تعنيه؟”
“هذا اسمي.”
“اسمكَ؟”
“نعم.”
“لكنه ليس بلغة الإمبراطورية، من أي بلادٍ هي هذه الحروف؟”
عندها رمقنا الفتى بنظرة حذرة قبل أن يجيب بخفة،
“هي من مسقط رأس جدتي فقط.”
في تلك اللحظة كان من الصعب الحفاظ على هدوئي. لأن الأمل في أن أجد شخصًا قادرًا على قراءة تلك الرموز كان حلمًا بعيد المنال، وها أنا أراه يتحقق أمامي.
لقد كان حظًا غير متوقعٍ في مكان كهذا.
‘ربما…..ربما أستطيع إيجاد طريقةٍ لإنقاذ ريكايل من الموت.’
كنتُ على وشك التحدث بسرعة مدفوعةً بذلك الأمل، لكن ريكايل أمسك بذراعي قبل أن أنبس بكلمة. و التفت إليه فرأيته يومئ برأسه ببطء وعيناه ساكنتان بهدوء.
من الواضح أن الفتى لا يرغب في الحديث عن أصل تلك الرموز، فذكره لموطنه الحقيقي كان أمرًا يتجنبه عمدًا. و لم يكن علينا أن نثير فضوله أو نخيفه بكثرة الأسئلة.
حين تراجعت بخضوع، وجّه ريكايل سؤاله إلى الفتى،
“هل لديكَ من هذه الحلوى المزيد؟”
“المزيد؟”
أجاب الفتى بابتسامة محرجة،
“لقد اشتريتم كل ما لديّ تقريبًا…..هل تحتاجون إلى أكثر؟”
“نعم، أفكر في توزيعها على سكان المقاطعة المجاورة.”
بدا الفتى متحيّرًا، كأنه لم يفهم السبب تمامًا.
فسأله ريكايل بلطف،
“هل تعرف المنزل ذا السقف الأزرق خلف طريق شجرة البرتيا هناك فوق التل؟”
أومأ الفتى برأسه.
“لقد انتقلنا حديثًا للعيش هناك.”
“آه، فهمت.”
“نعم، أنا أعيش في ذلك المنزل ذو السقف الأزرق.”
“حقًا؟”
“لذلك فكرت أن أقدّم هديةً بسيطة للجيران…..وهذه الحلوى الغنية بالمكسرات بدت لي الأنسب.”
أدركتُ عندها ما كان يفعله ريكايل.
لو بدأنا بالسؤال مباشرةً عن النقوش، لأثرنا حذر الفتى وربما نفّرناه، فكان يدير الحديث ببراعة ليحافظ على الثقة.
ردّ الفتى مترددًا،
“لن أستطيع صنعها وحدي، لكن إن عدتما غدًا، سأساعد جدتي في إعداد الكمية التي تريدانها.”
لم أتمالك نفسي وتقدّمت خطوتين إلى الأمام.
“ألا يمكننا الحصول عليها بحلول المساء؟”
ابتسم الفتى بخجلٍ للحظة، ثم انفرجت شفتاه بابتسامة مشرقة.
“سأبذل جهدي وأساعد جدتي كي تكون جاهزة، أعدكما بذلك!”
حينها سأله ريكايل بهدوء،
“هل يمكنكَ صنع مئة قطعة تقريبًا؟”
“مئة؟ كل هذا؟”
فتبدلت ملامح الفتى إلى حيرة واضحة.
“لستُ متأكدًا إن كانت المكونات كافية، يجب أن أتحقق أولًا.”
“هذه أول مرة تتلقى طلبًا كبيرًا كهذا، أليس كذلك؟”
“نعم، لم يحدث هذا من قبل.”
رغم أن ملامحه بدت حازمة، إلا أنه ما زال طفلًا صغيرًا، لا يزيد عمره عن ثمانية أعوام.
انحنى ريكايل قليلًا حتى صار بمستواه و تحدّث بنبرة دافئة،
“إذاً، اسمح لي أن أتحدث مباشرةً مع جدتكَ، ما رأيك؟”
***
كان منزل الفتى يقع في منطقةٍ بعيدة نسبيًا عن القرية.
و بعد أن سرنا عبر أزقةٍ ضيقة متعرجة لوقتٍ طويل، ظهر أمامنا بيتٌ صغير من الطوب الأحمر على قمة تلّ هادئ.
“انتظرا هنا قليلًا، لا أريد إخافة جدتي إن جلبت الزبائن فجأة.”
قال ذلك بحماسٍ ثم فتح الباب ودخل بخطوات نشيطة.
عندها همستُ لريكايل بصوتٍ منخفض،
“النقش…..كان صحيحًا، أليس كذلك؟”
أومأ ريكايل برأسه من دون أن يقول شيئًا.
“إن استطعنا كشف سرّ الكتاب اليوم، فسيكون الفضل لي وحدي.”
نظر إليّ ريكايل بتمعّن، مائلًا رأسه قليلًا بتساؤل.
“بفضل ذلك التعاطف التافه الذي تحدثتَ عنه، نحن الآن هنا، أليس كذلك؟”
فضحك بسخرية خفيفة وردّ،
“حتى لو لم تشتري كل شيء، كنا سنعرف في النهاية.”
“لكننا ما كنا لنحصل على هذا الودّ منهم لو اكتفينا بقطعةٍ واحدة فقط، أليس كذلك؟”
“همم، يبدو لي أن من كسب ودّهم هو أنا، لا أنتِ.”
في تلك اللحظة، فُتح الباب الذي كان مغلقًا. و ظهر الفتى بوجهٍ مشرق وهو يشير نحونا.
“تفضلا بالدخول!”
خطوتُ إلى الداخل وأنا أردّ على ريكايل بثقة،
“على أي حال، البداية كانت مني.”
و ما إن فُتح الباب حتى استقبلنا عبيرٌ لم أشم مثله من قبل، غريبٌ لكنه مفعم بالدفء والحنين، لا يُشعر بالنفور بل بالعكس، يثير في القلب شعورًا غامضًا بالارتياح.
كان المكان معتمًا قليلًا لصِغر النوافذ، فأشعل الفتى شمعةً صغيرة.
“تفضلا، ادخلا.”
كانت الغرفة بسيطة الأثاث، قليلة الحاجات، لكنها مرتبةٌ ونظيفة على نحو يبعث الطمأنينة.
تحدّثت بانحناءة خفيفة،
“نعتذر على الإزعاج.”
انتشرت في الجدران الطوب الأحمر نفسه الذي رأيناه من الخارج، أكثره قديمٌ وغير متناسق في الشكل، لكنه يملأ المكان بطابع مألوف غريب…..ذكرني على الفور بقصر أغريست.
‘هل هو تأثير تلك الرموز التي رأيتها؟’
رفعت رأسي ونظرت مباشرةً إلى الأمام، حينها شعرت بحركةٍ بطيئة في زاوية الغرفة، من على السرير القديم.
“أهلًا بكم.”
كان صوتها مبحوحًا ومتكسّرًا كأنه يتسرب من بين شقوق الجدار.
انحنيت قليلًا وشكرتها باحترام،
“نشكر لكِ سماحكِ لنا بالزيارة.”
رفعت العجوز الغطاء عن جسدها ببطء، لتكشف عن وجهٍ شاحب متجعد، وعينيها اللامعتين اللتين ما زال فيهما بريق الحياة.
“منذ زمنٍ طويل لم يزرني أحد، فاعذراني إن لم أستطع النهوض من فراشي لتحيتكما.”
“بل نحن من يشكركِ على استقبالنا.”
لم يكن في البيت أحدٌ غيرها والفتى. ثم تحدّثت وهي تلتفت نحوه،
“ألفي، أعدَّ لنا بعض الشاي.”
ذهب الفتى لإحضار الأكواب، بينما جلسنا نحن على مقعدين صغيرين أمام مائدةٍ خشبية مستديرة.
تحدّث ريكايل وهو يمرر يده على سطح الطاولة،
“الطاولة جميلة الصنع.”
ثم أضاف بعد لحظة تأمل،
“هل صنعتِها بنفسكِ؟”
فابتسمت العجوز ابتسامةً وادعة،
“كل ما تراه هنا صنعته أنا وألفي.”
“وهذا البيت أيضًا؟”
أجابت وهي تضحك بخفة ممزوجة بالحنين،
“نعم، حين جئتُ إلى هذا المكان كنت لا أزال بصحةٍ قوية بما يكفي لبنائه بيدي.”
تبادلنا النظرات أنا وريكايل، ثم جُلنا بأعيننا في أنحاء المكان.
كان من السخف أن نفكر بذلك، لكنّ شيئًا ما في هذا البيت القديم يشبه قصر أغريست إلى حدٍّ يثير الريبة…..
لون الطوب الأحمر القوي، و خشب السقف الداكن، وحتى تلك الرائحة الخفيفة في الجو.
‘هل يفكر ريكايل الآن بما أفكر به أنا؟’
عاد ألفي يحمل صينيةً صغيرة عليها كوبان من الشاي، ووضعهما أمامنا.
“شكرًا لكَ.”
كنت على وشك احتساء الشاي، لكنني توقفت ولوّحت له بيدي.
“ألفي، هل تحب القراءة؟”
“نعم، جدًا.”
“أشعر بالحرج لأننا جئنا دون هدية، لذا خذ هذا بدلًا منها.”
ناولته الكتاب والقلم اللذين اشتريتهما من السوق، فتردد قليلًا قبل أن يمد يده.
“عندما يُستضاف المرء يجب أن يأتي بشيءٍ مقابل، لذا اعتبره هديةً صغيرة، خذه.”
تورد وجهه بخجل وهو يلمس الكتاب بعناية.
“شكرًا جزيلاً، سيدتي.”
و في تلك الأثناء، كانت العجوز تتابع المشهد بصمت، ثم تحدّثت بصوتٍ هادئ،
“سمعتُ أنكما ترغبان بشراء كميةٍ كبيرة من الحلوى التي نصنعها.”
أومأ ريكايل برأسه وأجاب بلطف،
“نعم، هل يمكن ذلك؟”
“بالطبع، ولكن…..سيستغرق الأمر بعض الوقت، فهل هذا لا بأس به؟”
“سأدفع لكِ مقدمًا ثمن المكونات اللازمة.”
“همم..…”
أطلقت العجوز أنينًا خافتًا بدا كأنه يخرج من أعماق صدرها الواهن.
“أنا ممتنّة حقًا، لكن.…”
لكنها توقفت فجأة وسعلت بشدة، حتى كاد جسدها كله يهتز من الضعف.
“جدتي، هل أنتِ بخير؟”
ركض ألفي سريعًا، وغمس منشفةً في الماء ثم ناولها لها بحذر. فمدّت العجوز يدها المرتعشة تتلمّس المنشفة بصعوبة، وكأن بصرها لم يعد يساعدها على الرؤية.
وبعد أن هدأ سعالها أخيرًا، تحدّثت بصوتٍ مبحوح متقطّع،
“…..أودّ أن أسأل شيئًا واحدًا فقط. لماذا تُظهران كل هذا اللطف لأناسٍ بسطاءَ مثِلنا؟”
لم يقل ريكايل شيئًا، وأنا كذلك التزمت الصمت.
لم أكن أعلم إن كان الوقت مناسبًا لنفصح عن غايتنا الحقيقية، أم أنه علينا الاختباء خلف ستار من المجاملة والودّ.
حينها، ردّ ريكايل بنبرة طبيعية لا توحي بشيء،
“لأن الحلوى التي تصنعينها أعجبت زوجتي كثيرًا.”
نظرتُ إليه بدهشة، و كدت أصرخ من فرط المفاجأة، لكنه لم يبدُ عليه أي تأثر، بل ظلّ وجهه جامدًا كالصخر.
‘حقًا؟ هذا الرجل لا يُطاق!’
أطلقتُ ضحكةً قصيرة متوترة دون أن أستطيع كبحها، فما كان من العجوز إلا أن تحدّثت فجأة بصوتٍ حازم،
“إن كان هذا هو السبب، فسأسرع في صنعها إذاً. ألفي، اذهب إلى إليسا وأحضر بعض الحبوب.”
كانت لا تزال ملتفةً بالغطاء، وصوتها يخرج كأنه يأتي من بئرٍ عميقة.
“الآن، أخبراني بما تريدانه حقًا.”
_______________________
اهاا صرفت البزر عشان مايسمعهم🤏🏻
ضحكت ريكايل مايوفر زوج نفسه لها خلاص😭
المهم واو يعني العجوز شكلها من نفس عائلة الي بنوت قصر اغريست؟ والكتاب لهم؟ وناسات يالغموض
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"