حين ناديت ريكايل، كان قد استيقظ بالفعل من النوم. و هو الآخر كان يحدق في القصر خلف النافذة.
لم نتبادل الكثير من الكلمات، لكننا شعرنا أننا نفكر في الشيء نفسه.
“هانس، إلى أين وصلنا الآن؟”
“عند مشارف هاينز، يا سيدي الشاب.”
عندها تبدّلت ملامح ريكايل.
“أدر العربة.”
بمجرد أن أصدر أوامره، اندفعت العربة صاعدةً نحو التلة التي تبتلعها حمرة الغروب. وبعد قليل توقفت أمام قصر معزول.
ثم أمسكت بيد ريكايل الممدودة ونزلت ببطء من العربة.
ما واجهنا كان قصراً من ثلاثة طوابق يوحي بالسكينة. البناء بدا قديماً، لكن البوابة الزرقاء كانت مطليةً حديثاً.
‘سقفٌ أحمر……وأربع شجيرات من الليغستروم.’
بينما كنت أتفحص القصر بعناية، كان ريكايل يقرأ الأرقام على اللوحة عند الباب.
“يبدو أننا وصلنا إلى المكان الصحيح.”
لم أتوقع أن نعثر عليه بهذه السرعة.
ورغم أن القصر الذي ورد ذكره في الرسالة كان أمامي، إلا أن قدمي لم تطاوعاني على التقدم. فلم أدرِ من سيكون بالداخل، ولا ما الذي ينتظرنا.
‘لا يمكن، هل هذا القصر أيضاً مسكونٌ بالأشباح……؟’
ربما لأنني اختبرت سلسلةً من الأحداث الغريبة، خطرت لي حتى هذه الفكرة.
النوافذ كلها كانت محجوبةً بالستائر. والضوء الخافت المتسرب من الداخل لم يزدني إلا قلقاً.
لكن ريكايل، دون أي تردد، طرق الباب المغلق بقوة.
دق! دق!
بعد لحظات، دوى وقع خطواتٍ من الداخل، ثم انفتح الباب. و أمام عيني المدهوشتين ظهر شابٌ يافع.
ارتبك حين لمح ريكايل، لكنه ما لبث أن تدارك الأمر وأعاد وجهه إلى هدوئه.
“سيدي الشاب.”
غير أن ريكايل لم يعرفه.
“من تكون؟”
“أنا إيريسون مايل. خدمت عائلة أغريست.”
انحنى بأدب، ثم التفت نحوي، حيث كنت واقفةً خطوةً إلى الوراء.
“هل أنتِ الآنسة كلاريتا سوبيل؟”
“نعم.”
حين نطق باسمي، شعرت براحةٍ أكدت أننا وصلنا للمكان الصحيح.
لكن في الوقت نفسه، تسلّل إليّ خوفٌ مبهم: ما نية الدوق أغريست الحقيقية؟ وإلى أي مدى رتّب لكل هذا؟
“لقد تكبّدتم عناء السفر. تفضلوا بالدخول.”
دار إيريسون بجسده ليتقدم نحو الداخل، لكني أمسكت بيد ريكايل.
“هل سيكون الأمر بخير؟”
كان ذلك بفعل قلق غامض تسلل إليّ.
فأحاط ريكايل يدي براحة يده وابتسم برفق.
“سنكون بخير.”
“…….”
“وحين ندخل، سأفحص الدرج أولاً.”
ابتسمتُ بخفة على مزاحه، فشعرت ببعض الطمأنينة.
“حسناً، وإن حصل شيء، فلن أظل مكتوفة اليدين هذه المرة.”
“وماذا ستفعلين إذاً؟”
“سأركله بعيداً.”
“حينها ستؤذين قدمكِ فحسب، يا آنسة سوبيل.”
“إذاً ساعدني أنتَ.”
وبينما كنا نتبادل حديثاً عابثاً، دخلنا خلف إيريسون.
القصر من الداخل كان دافئاً ومنظماً على نحو مريح. غير أن السكون فيه كان يشي بفراغه، سوى من إيريسون.
“يوجد خادمان، لكنهما عادا إلى منزلهما. سيحضران مجدداً في الصباح.”
قادنا إلى غرفة الاستقبال، ثم أحضر لنا بنفسه شاياً دافئاً.
“شكراً لكَ.”
“لا شكر على واجب. تحدّثي بارتياح، يا آنسة سوبيل. فمن الآن فصاعداً، سأكون في خدمتكِ.”
“ماذا؟ ماذا قلتَ؟”
لم أفلح في التزام قواعد اللباقة أمام عبارته المفاجئة. ومع ذلك لم يتغير أدنى شيءٍ في ملامح إيريسون.
“لقد كنتُ طيلة الوقت هنا بانتظاركِ يا آنسة سوبيل.”
لماذا بدت لي كلمة “انتظرت” مخيفةً إلى هذا الحد؟
“لكنني أراكَ لأول مرة، فكيف عرفت أنني كلاريتا سوبيل؟”
سألته، فابتسم ابتسامةً مشرقة،
“الدوق أغريست أخبرني. قال أن آنسةً بعينين بنفسجيتين ستأتي إلى هنا.”
وقد أوصى الدوق السيدة مايل بالأمر نفسه.
<ما معنى أن والدي طلب منكِ الاهتمام بالآنسة سوبيل؟>
<ما قلته هو كل شيء. قال لي: سيأتي قريباً إلى قصر أغريست آنسةٌ بعينين بنفسجيتين، فاعتني بها جيداً.>
“آه……”
عند هذه النقطة، لم أعد أحتمل فضولي لمعرفة أي رجل هو الدوق، وما الذي كان يخطط له.
“ومتى قال لكَ ذلك الكلام؟”
“همم……”
فكر إيريسون قليلاً ثم أجاب،
“قبل ثلاثة أو أربعة أشهر على ما أظن.”
“ومنذ ذلك الوقت وأنتَ تنتظرني؟”
“نعم، صحيح.”
لم أستطع إخفاء دهشتي، فمال برأسه قليلاً وسألني بدوره،
“ألم تأتِ الآنسة سوبيل لتستقري هنا؟”
“لا، أنا……”
صحيحٌ أن رسالة دوق أغريست التي تركها لي ذكرت ذلك. و لم يكتب سوى نصف عنوان غامض وطلب مني أن أبحث.
“قال لي الدوق أنه سيترك هذا القصر لي. لكني لم آتِ لأعيش هنا الآن.”
“حقاً؟”
“أنا حتى لا أعرف الدوق شخصياً. لذلك لا أعلم أين تنتهي الحقيقة وتبدأ النوايا.”
بدا إيريسون غير قادر على استيعاب كلامي، فظل يرمش بعينيه الكبيرتين البريئتين.
“كل ما يقوله الدوق صادقٌ وذو نية صافية.”
ربما……نعم.
عندها تكلم ريكايل الذي ظل صامتاً طوال الوقت.
“هذه أول مرةٍ أراكَ فيها، فكيف عرفت من أكون؟”
صحيح، إيريسون عرفه منذ اللحظة الأولى.
“السيد الشاي لا يُذكر، بلا شك.”
قال ذلك بصوت هادئ قبل أن يضيف،
“أنا ابن شقيق السيدة مايل.”
تماماً كما السيد بيتمن، يبدو أن عائلة مايل أيضاً كانت في خدمة عائلة أغريست.
وكونه من أقارب السيدة مايل منحني شعوراً غير متوقعٍ بالألفة.
“أيها السيد إيريسون.”
“نعم.”
“قدومي إلى هنا كان بسبب الرسالة التي تركها لي الدوق.”
أخرجت المغلف الذي كنت أخبئه في أعماق حقيبتي. ثم ناولت إيريسون رسالة الدوق أغريست.
تردد قليلاً حين سمع أنها رسالة من الدوق، لكنني أصررت، فأخذها على مضض.
“جئت لأتأكد من محتوى الرسالة، ولم أتوقع أن أجد حتى خادماً في استقبالي.”
في طريقي إلى هنا، كنت قد رسمت صورةً مختلفة تماماً للقصر.
تصورت بيتاً مهجوراً لم يمسه بشرٌ منذ زمن، تتدلى خيوط العنكبوت في أركانه، ويكاد شبحٌ يظهر في أية لحظة.
لكن أن أجد بيتاً مرتباً على هذا النحو، وخادماً مستعداً بانتظاري، جعلني أفهم بعض الشيء كلام السيد بيتمن.
‘الدوق أغريست……لقد جهز كل شيء، وكأنه كان يتوقع موته.’
أعاد إيريسون طي الرسالة برفق وسلمها إليّ بحذر.
“أنا لا أفعل سوى ما أمرَ به الدوق. والآن وقد صرت في خدمة الآنسة سوبيل، فعليّ أن أطيع أوامركِ.”
ظننت أني سأجد خيطاً يقودني إلى الجواب بمجرد وصولي إلى هذا القصر، لكن الضباب في رأسي لم ينقشع. بل شعرت أني أضفت حملاً جديداً فوق أكتافي، فيما تضاعفت الأسئلة في داخلي.
“لا أنوي الإقامة هنا الآن.”
“إذاً هل ستعودين إلى قصر أغريست؟”
لم أستطع أن أجيبه على الفور. فلم أفكر يوماً في هذا الاحتمال، لكن ذكريات ما حدث هناك أخذت تزحف إلى عقلي.
هل يمكنني العيش في بيت تتحوّل فيه السلالم كورقٍ هش؟ هل أستطيع النوم مطمئنةً في مكان حاول إيذائي؟
“لستُ واثقةً بعد. ما زلت أفكر أي اختيار سيكون خيراً للجميع.”
“آه، فهمت.”
“على كل حال، أنوي أولاً العودة إلى الدير حيث كنتُ أعيش. ربما أجد هناك من عرف الدوق.”
أومأ إيريسون برأسه في وقار، وقد غيّر ملامحه عن تلك التي استقبلنا بها أول مرة.
“آنسة سوبيل، هل لي أن أبدي رأياً؟”
“نعم، بالطبع.”
داعب إيريسون الرسالة بين يديه مرات قليلة، ثم تحدث مجدداً.
“برأيي المتواضع……”
مسح شفتيه بظاهر يده قبل أن يستأنف.
“أظن أن من الأفضل أن تتبعي مشيئة الدوق.”
لم أفهم بدقة ما الذي يرمي إليه، فانتظرت أن يكمل كلامه.
“أتمنى لو تقيمين هنا. ولا أؤيد ذهابكِ إلى الدير بحثاً عن أجوبة.”
ثم أسرع يتدارك قبل أن أنطق بشيء،
“إن كلمة (بذور الشقاء)……لا يمكن تجاهلها. فالدوق أغريست ما كان ليقولها عبثاً.”
“…….”
“لقد أوصاكِ بألا تبحثي عن شيء. أليس من الأفضل أن تبقي هنا وتعيشي بسلام؟”
______________________
لا مب على كيفك وفضولي؟ لايكون الورع ذاه يعرف شي؟
روحوا للدير بس وقولي له ذاه بخليه قصر الصيف للعطلات زي الاغنياء 🥰
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات