سألتني ليلي، التي كانت تحمل حقيبتي وتتبعني، بقلقٍ متكرر.
“نعم، لا مشكلة.”
أجبتها بحزم، لكن بدا أنها لم تصدقني. فسرعان ما وجهت نظرةً مفعمة بالقلق نحو السيدة مايل، كأنها ترجوهـا أن تثنيني.
أطلقت السيدة مايل تنهيدةً بعد أن ألقت نظرةً جانبية على ريكايل المنشغل بالحديث مع مساعده.
“آنسة سوبيل، إن لم يكن الأمر عاجلاً، فما رأيكِ أن تؤجلي سفركِ قليلاً؟”
ثم اقتربت مني وخفضت صوتها.
“كيف حالكِ الآن؟”
أملت رأسي باستفهام، فتنحنحت السيدة مايل.
“همم……هل ما زلتِ تشعرين أن الدرج يتحرك؟”
“آه.”
ابتسمتُ بتكلف وهززت رأسي.
“لا يا سيدتي، يبدو أني خلطت بين الحلم والواقع.”
“كنتُ واثقةً من ذلك.”
“آسفة عمّا حصل آنذاك.”
تنفست السيدة مايل بعمق، ثم ارتسمت على وجهها ملامح عطف.
“لحسن الحظ أنكِ بخيرٍ الآن، لكن لو تراقبين حالتكِ يوماً أو يومين آخرين لكان أفضل.”
“أعتذر، لكن الأمر قد حُسم بالفعل من قِبل السيد أغريست.”
كانت ليلي والسيدة مايل امرأتين طيبتين، ولهذا كان من الصعب تجاهل صدق مشاعرهما، فاستعنتُ باسم ريكايل ذريعة.
“ألا ترين أنه لم يخبركِ حتى بوجهة السفر؟ ثم إن كاحلكِ وجسدكِ لم يتعافيا تماماً بعد.”
كادت ليلي تبكي من شدة القلق.
الكذب على أشخاصٍ كهؤلاء حقاً يؤلم.
“شكراً لاهتمامكِ……لكن.”
مددت يدي وأمسكت بذراع ليلي، وجذبتها برفق إلى جانبي.
وحين اقتربت بوجهٍ متعجب قليلاً، همستُ في أذنها،
“أردتُ فقط أن أتنفس قليلاً مع السيد أغريست خارج المدينة، وحدنا. لذا أرجوكِ، دَعيني أرحل يا ليلي.”
“يا إلهي.”
تمتمت ليلي بشفتيها المدورتين، ثم ابتسمت بمكر.
“آنسة سوبيل، هل أخذتِ كل ما تحتاجينه؟ سأضع الحقيية في مؤخرة العربة.”
“شكراً لكِ.”
حملت ليلي الحقيبة بنشاط، بينما حدقت السيدة مايل بنا بملامح حائرة.
“أرجو أن تعتني جيداً بها خلال غيابي.”
“لا تقلق، يا سيدي.”
في تلك اللحظة، أنهى ريكايل تعليماته لمساعديه، واقترب منا.
وحين لمح حماسة ليلي والوصيفات الصغيرات، همس لي مبتسماً،
“يبدو أن الجميع يحبكِ.”
لو كان الأمر كالسابق لقلتُ: “أنا سيدة هذا القصر، لا تنسَ.”
لكن الآن لم أرغب أن أطلق مثل هذا الكلام، حتى مزاحاً.
“ما العمل، أنا محبوبةٌ للغاية.”
استدرت نحو العربة في تلك اللحظة.
“انتظري!”
ثم دوّى صوت رجلٍ من بعيد. فالتفتُ بسرعة، فإذا بشخص يندفع هابطاً الدرجات الحجرية بخطوات واسعة.
كان تيرون.
لهث وهو يركض حتى وصل إلى حيث توقفت العربة.
“ريتا!”
انحنى وهو يلتقط أنفاسه طويلاً، ثم رفع نظره إليّ.
“أأنتِ راحلةٌ الآن؟”
“نعم.”
“من دون وداع؟ هكذا فجأة؟”
“لكننا ودعنا بعضنا صباحاً، أليس كذلك؟”
“قلتِ أنكِ ستذهبين وحدكِ، أليس كذلك؟ لكن الأمر الآن مختلفٌ تماماً عمّا كان حينها.”
نظر تيرون إلى العربة بوجهٍ يائس. فبادر ريكايل بالحديث،
“لا يمكنني أن أترك خطيبتي العزيزة تسافر وحدها.”
لكن تيرون تجاهل صوته كأن لا أحد سواي موجود.
“ريتا، هل غيّرتِ وجهتكِ؟”
“ذلك—”
بدا من تعابير وجهه أنه سيلحق بي أينما ذكرت، لذا لم يكن في بالي أن أخبره بشيء.
وقبل أن أكمل كلامي، تحدّث على عجل،
“كنتِ تصرين أن تذهبي بمفردكِ، فهل غيّرتِ رأيكِ الآن؟”
“نعم.”
لم أرغب في إطالة الجدال مع تيرون. فالأعين كثيرة من حولنا، وهو رجلٌ يزداد تطرفاً كلما طال النقاش معه.
“إذاً، ما المانع أن أرافقكِ؟ إذا كانت مجرد رحلة، فلنذهب معاً. لقد ضجرتُ حقاً من البقاء هنا.”
حينها وضع ريكايل يده على كتفه و ردّ ببرود،
“إياك أن تتخطى حدودكَ.”
“…….”
“أيّاً كنت، إن تجاوزتَ الحد، فلن أترك الأمر يمرّ.”
عندها فقط التفت تيرون إلى حيث يقف ريكايل.
في الظروف المعتادة، لكان ردّ بابتسامة ماكرة أو عبارة ساخرة، لكنه هذه المرة لزم الصمت.
ورغم ذلك، كان في عينيه بريقٌ مشؤوم ينذر بالسوء، جعلني أنقبض في داخلي. ومع ذلك لم تكن لدي نية لملاطفته أمام ريكايل.
“سأغادر الآن. هيا بنا، سيد أغريست.”
تعمّدت أن أجعل صوتي أكثر إشراقاً لتبديد توتر الجو.
ثم دفعت ريكايل إلى داخل العربة كما لو كنت أزجّه زجّاً، وصعدت بعدها بخطواتٍ حازمة.
“رحلةٌ موفقة، آنسة سوبيل!”
“اعتني بنفسكِ!”
وانطلقت العربة ببطء، تاركةً خلفها الحشد المتجمع أمام القصر.
‘لقد تأخرنا في الانطلاق، فلعلنا لا نصل إلا عند غروب الشمس.’
كان الدير في هاينز بعيداً عن هاميهين، و يحتاج إلى ساعاتٍ طوال من السير بالعربة.
جلستُ أحدّق عبر النافذة، أتابع المشهد المتبدل خارجاً وأنا شاردة.
‘لم أتوقع أن ينتهي بي الأمر إلى مرافقة ريكايل.’
كم يبدو غريباً أن أجد نفسي فجأةً في المركب ذاته مع من كان دوماً على الضفة المقابلة.
ترى، هل نحن حقاً في مركبٍ واحد؟
على أي حال، نحن نسعى معاً لاكتشاف أسرار قصر أغريست، ولعل كلمة “رفاق” ليست بعيدةً عن حقيقتنا.
وفوق هذا كله، يكفيني الآن ذلك الإحساس الغريب بالتحرر لمجرد أني خرجت من أسوار القصر. فبينما كنت في داخله، كنت أشعر وكأني في قبضة يدٍ محكمة، أما الآن فلا.
‘حتى لو كان الشيطان يسكن المكان، فهل يمكنه أن يُحرّك القصر كله دفعةً واحدة؟’
تولّد في داخلي شعورٌ واهٍ بالنصر عند هذه الفكرة.
“فيما تفكرين بتلك الجدية؟”
سألني ريكايل بعد صمت طويل. فطردتُ أفكاري الشاردة وسألته،
“ثمة أمرٌ يثير فضولي.”
“اسألي.”
“هل كنتَ تنوي حقاً أن تُدمّر كل شيء؟”
ابتسم بشفتيه ملتويةً بسخرية.
“أجل.”
“وماذا عن الناس الذين يعيشون في القصر؟ ماذا عن هاميهين؟”
“كنت أنوي إخراجهم جميعاً. أما الأراضي، فستعود للدوران بطريقتها.”
“أي كلامٍ هذا؟! ما أبشع التهرب من المسؤولية.”
“المسؤولية لا تقع عليّ، بل على والدي الذي اختار أن يتعامل مع الأمور بهذه الطريقة.”
“…….”
ساد الصمت ثانيةً داخل العربة.
تأملتُ ملامحه وهو يدير رأسه بعيداً، ثم سألته بخفة،
“هل أنتَ جاد؟”
“نعم.”
أجاب ببرود، ووجهه يحمل نظرةً لا يُفهم منها إن كان يمزح أم يتكلم بصدق.
كان يسهل عليّ تفهّم طفولته البائسة وغضبه المتأجج تجاه والده، لكن قوله أنه سيهدم مكاناً يملك تاريخاً عريقاً لم يكن أمراً أستطيع تقبّله بسهولة.
ومع ذلك، لم أرغب أن أتمادى وألقي على مسامعه عبارةً جارحة مثل: “حتى الماضي البائس يمكن أن يكون ذكرى.”
“لكن تذكّر، حق الملكية لي.”
“يبدو أنكِ نسيتِ أننا نتحرك معاً لحسم ذلك بالذات.”
“لكن يا سيد أغريست.”
كان هناك أمرٌ آخر بدا لي غريباً.
“كيف زعمت النشرات عن كل تلك الحكايات عن الشياطين وما شابه؟”
عن شيطان يسكن قصر أغريست ويؤذي الناس، وعن روحٍ غاضبة أسقطت الثريا عقاباً على إقامة حفل بلا إذن.
والآن، حين أسترجع الأمر، يزداد عجبي من أين جاؤوا بمثل تلك القصص.
“القصور العتيقة لا تخلو من شائعاتٍ كهذه.”
ردّ باستخفاف، لكنني لم أستبعد أن يكون وراء الأمر سببٌ آخر.
ازدادت العربة سرعة. كانت تارةً تجري فوق سهولٍ فسيحة، وتارةً تتمايل فوق طرقٍ وعرة غير مرصوفة.
وبينما توالت المسافات، أخذنا نتشارك بعضاً من ماضينا الذي لم يعرفه أحدٌ من قبل، فخفّت الفجوة بيننا شيئاً فشيئاً.
وحين غلبني النعاس، أرخيت جفنيّ، ثم صحوت بعد برهةٍ حين توقفت العربة للاستراحة، وعدنا نكمل المسير.
لا أدري كم مضى من الوقت على ذلك، لكن عندما أفقت مجدداً كان الغروب قد مال، والليل بدأ يزحف ببطء.
وبينما كنت أحدّق مأخوذةً بجمال الشفق، لمحت عبر النافذة شيئاً على البعد.
“……؟”
كان هناك قصرٌ وحيد قائم على ربوة مرتفعة، يطلّ بصمته الموحش.
________________________
وش ذا النهايه يا مؤلفه كأنها مقطوعة
تيرون يععععععععععع خلاص انقلع ناشب
وبعد لايكون هو الي مطلع اشاعات الشيطان ؟
المهم وش ذا الصمت في العربه حسبت بيكون فيه هواشات ولا رخص 😔 ولا يتأملها وهي راقده 😔
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات