“آنسة سوبيل، يبدو أن التوتر قد بلغ بكِ حدًّا كبيرًا. سأستدعي السيد ميتيوس.”
“انتظري قليلًا، سيدة مايل.”
أمسكت بيدها بقوة.
“أنا لا أكذب. في اللحظة التي هممتُ فيها بالنزول، أخذ الدرج يتماوج تحتي!”
كنت أختنق بالغيظ والظلم.
صحيحٌ أنني قد أُسقط إحساسي الغريب في الصباح أو وقع الخطوات على أنه مجرد وهم، لكن ما حدث الآن لم يكن وهمًا. فالدرج تحرك حقًا كأنه حي، وألقاني أرضًا.
“ولماذا كنت سأختلق مثل هذا الكذب؟!”
“آنسة سوبيل..…”
“ليس توترًا، ولا محاولة عبثٍ معكِ، أرجوكِ…..صدقيني هذه المرة.”
تنهدت السيدة مايل، ثم خطت نحو الدرج.
“تقولين أن هذا الدرج انبسط كورقة؟”
“نعم، وأنا أقف هناك في الأعلى.”
أشرتُ بأصبعي إلى القمة، فارتسم على وجهها امتعاضٌ وهي تصعد.
“هنا؟”
“أجل، كنت واقفةً هناك. ثم بدأ الدرج يهتز بقوة وألقاني أسفل.”
وقفت السيدة مايل لحظةً فوقه بلا كلام.
“فلننتظر قليلًا إذاً.”
لكن شيئًا لم يحدث.
“غريب…..لقد كان حقيقيًا.”
هزّت كتفيها ببرود، ثم نزلت ببطء.
“لا شيء يحدث، آنسة سوبيل. أظنكِ توهمتِ.”
“ليس وهمًا! إنه حقيقي!”
“في رأيي، ما زلتِ منهكةً من الحادثة البارحة. تحتاجين الآن إلى راحة…..”
“لا! لا لا!”
صرخت بكل ما فيَّ من غصة، وفجأة—
“ما الأمر هنا؟”
دخل ريكايل وقد جذبه الصخب.
تفحّصني جالسةً على الأرض، ثم رفع بصره إلى السيدة مايل الواقفة عند الدرج، وسأل ثانيةً،
“هل من تفسير؟”
وقبل أن أنطق، سبقتني السيدة مايل،
“آنسة سوبيل تعثرت على الدرج وسقطت.”
ماذا؟ أهذا ما سمعتهِ مني طوال الوقت؟!
“لا! ليس هذا ما حدث.”
قفزت واقفةً وتقدمت بخطى مسرعة نحو ريكايل.
“ذلك الدرج تحرك! كان حيًّا وأسقطني عمدًا!”
“…….”
“هو حتمًا حاول إيذائي.”
أمال ريكايل رأسه قليلًا، ثم أدار نظره بيني وبين السيدة مايل، كأنه يطلب تأكيدًا منها.
“أعلم أن كلامي يبدو غريبًا، لكن صدقني..…”
“إذاً، ما تقولينه..…”
أشار بإصبعه إلى الدرج خلفي وتمتم،
“أن هذا الشيء تحرك كأنه حي؟”
“نعم.”
“ولهذا هاجمكِ؟”
“لم يهاجمني بسيف، لكن إن دققنا فذلك هجوم، لأنه أسقطني إلى الأسفل.”
“هل تقولين أن الدرج تحرك بنفسه فأوقعكِ؟”
بدا كأنه يصغي إليّ لكنه في واقع الأمر لا يصدقني قيد أنملة.
“أنتَ تظن الآن أني أقول الهراء، أليس كذلك؟”
لم يرد ريكايل. و بدلًا من ذلك، سُمِعَت ضحكاتٌ خفيفة من الخدم المتراخين بعيدًا.
“خيالكِ واسعٌ جدًا.”
‘يبدو أنه تغير بعد زيارة المحامي.’
لم أستطع التحمل أكثر فتقدمت صاعدةً الدرج.
حسنًا، إن لم يصدقني و لا السيدة مايل فليكن أنا من يثبت الأمر.
دوسًّا ودوسًّا، وطأ كعب حذائي على السلم لكنّ لم يحدث شيء. و هذه المرة لم يتحرّك الدرج.
“ما هذا الذي تفعله، أسرع، تحرّك، أقول لكَ تحرّك!”
“…….”
“أنتَ تسخر مني. هذا الدرج يستهزئ بي الآن!”
صحتُ وأنا أصرخ، فارتبكت السيدة مايل وهزت يدها بقلق.
“آنسة سوبيل، أخشى أن تسقطي ثانيةً. انزلي بسرعة.”
“إنه لأمرٌ جنونيٌ حقًا!”
حينها لاحظت ليلي من بعيد وركضت نحو الدرج بعدما سمعتني وسمعت وصوت دقدق قدميَّ.
“ما الأمر؟”
اقتربت ليلي، فنظرت إليها السيدة مايل بصرامة،
“ألم أنبهكِ مرارًا أن تعتني بالآنسة سوبيل؟”
فشدّت ليلي شفتيها وانحنت برأسها.
“آسفة، سيدتي.”
“آنسة سوبيل في محنة — ماذا كنتِ تفعلين؟”
لم يكن لهذا الأمر علاقةٌ بليلي، ولم أستطع أن أتحمّل رؤيتها تُلام ظلماً أكثر، فتقدمت.
“عفوًا يا سيدة مايل، ليلي لم تفعل شيئًا خاطئًا. لم تكن برفقتي.”
“بما أنها تخدمكِ، فكل ظهوركِ القلِق يُحمّلها ذنبًا.”
ما العمل في مثل هذا الموقف؟
سمعت صوتاً غريباً في الصباح قد بدا ممكنًا أن يُفسَّر، وقد شككتُ بنفسي آنذاك. حتى وإن بدت كلماتِي محل ريبة، لم أشعر آنذاك بهذا القدر من الظلم.
ربما كنت مخطئةً آنذاك، لكن الآن يختلف الأمر. فما حدث ليس مجرد هلوسة سمعية. لقد رأيت الدرج ينثني كصفحة ثم يعود إلى حالته، فكيف أتجاهل ذلك؟
نظرت إلى ريكايل مجددًا.
“يا سيد أغريست، ثمة خللٌ واضحٌ هنا. هنالك مشكلةٌ خطيرة.”
حدق بي بصمت ثم فتح فمه ببطء.
“ما الذي تظنين أنه خطأ يا آنسة سوبيل؟”
“هذا القصر يحاول قتلي.”
في هذه الحياة يبدو أنه يسعى لقتلي بدلًا منكَ.
ابتلعت الكلمات التي كادت تخرج من حلقي بصعوبة. بينما انخفضت ملامح ريكايل برودةً، لكني واصلت بلا اكتراث.
“إذًا هناك شيءٌ غير بشري يطاردني.”
ما إن وصلت إلى ذلك الحد حتى أصدرت السيدة مايل سعالًا خافتًا ثم خاطبتني،
“آنسة سوبيل، لا أعلم كيف سيتردد كلامي في أذنكِ، لكن يبدو أنكِ قد انغمستِ أكثر مما ينبغي في صحف الإثارة التي قرأتِها صباحًا.”
“سيدتي، الأمر ليس كذلك.”
حاولت أن أحتج، لكنها قطعت حديثي بإشارة جافة من يدها.
“ألم تقولي بنفسكِ في الصباح أن ما يُقال عن حلول شيطان في قلعة أغريست مجرد هراء لا أساس له؟”
“…….”
“بل وقلتِ أنها شائعاتٌ مبالغٌ فيها لا أكثر.”
“حينها لم أكن قد شهدت ما شهدته الآن.”
“آنسة سوبيل، برأيي..…”
رفعت ذقنها قليلًا وتابعت بلهجة متعالية،
“أنتِ بحاجةٍ إلى الراحة. سأطلب أن يُعاد اصطحابكِ إلى غرفتكِ.”
عندها خطا ريكايل خطوةً إلى الأمام.
“هيّا إلى غرفتي.”
ومع انسياب نبرته الهادئة أدركت أخيرًا أن الوجوه الغريبة من حولي كانت ترمقني بنظراتٍ جانبية.
لقد فاضت مرارتِي بالشكوى من شعور الظلم، لكن في أعين الناس لم أكن سوى غريبة الأطوار. ولن يُغيّر إثارة الضوضاء شيئًا.
“حسنًا.”
أمسكتُ بحقيبتي الملقاة على الأرض، وسرت ببطء خلف ريكايل.
***
“سيدي، هل أُحضِر بعض الشراب الساخن؟”
“لا، ضعوا الحقيبة وارحلوا جميعًا.”
أمر ريكايل مساعده والخدم المرافقين فانسحبوا جميعًا.
طَق-
ثم أُغلق الباب وبقينا وحدنا في الغرفة.
“ربما كان يجدر بي أن أطلب الشاي.”
قال ذلك وهو يقترب نحوي، وقد جلستُ منهكةً على الأريكة.
“لا بأس، لست بحاجةٍ للشاي.”
“وجهكِ يشي بإرهاق شديد قبل حتى أن تغادري.”
لم يبق لي جهدٌ لأجيب، فاكتفيت بهزة من رأسي.
هربت إلى غرفة ريكايل بعيدًا عن الأعين، لكن في النهاية لم يتغير شيء. هو ما زال لا يصدقني. فهل لبقائي هنا معنى؟
‘نعم، لقد كان الأمر غريبًا منذ البداية.’
هذه الحياة لم تسر من أولها كما السابقة.
موقف ريكايل المختلف على نحوٍ مريب، وظهور كويل المبكر عن المتوقع، ثم بروز تيرون المفاجئ.
‘ربما هذه المرة حياتي أنا هي المهددة، لا ريكايل.’
وما إن راودتني الفكرة حتى لم أعد أقوى على البقاء ساكنة.
لا، لن أقبل أن أُنتزع من الحياة بهذه التفاهة.
لن أُهزم على يد مجرد درج!
“أشعر أني بخيرٍ الآن.”
مررت بكفي على وجهي ثم تابعت بصوت أوضح،
“سأغادر.”
“تغادرين؟”
نظر إليّ ريكايل بعينين مستغربتين.
“لا أريد العودة إلى غرفتي للراحة، وبما أني كنت سأرحل اليوم على أية حال، فسأخرج الآن.”
فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة.
“إذاً، لن تعودي مطلقًا؟”
حقًا؟ حتى الآن تفكر في الاستيلاء على القلعة؟
“لم أقل ذلك.”
“لكنكِ قلتِ أنكِ تخافين وتكرهين قصر أغريست.”
عضضت على شفتي أمام كلماته.
“نعم، إنه غريبٌ ومرعب، لكني سأعود.”
“ولماذا؟”
“لا أريد أن أغادر وكأني أهرب. سيكون أمرًا شائنًا لو بقِيت سمعتي ملتصقةً بالادعاءات الكاذبة.”
جلس على حافة مكتبه، وعيناه لا تفارقان موضعي.
“إذاً تنوين أن تعودي لتُقنعي الجميع بأن الدرج تحرك حيًا ليهاجمكِ؟”
“نعم، لأنه الحقيقة.”
لقد كان هجومًا. هجومًا صريحًا.
‘مهلًا…..هل كان هجومًا حقًا؟’
______________________
ويت حسبت ريكايل بيصدقها ويوم قال هيا لغرفتي بيشرح لها وش السالفه وش ذا الغش 😂
السيدة مايل من بيزين سمعة كلاريتا لها الحين 😭 والخدم كلهم بس السيدة مايل اهم
المهم ريكايل اشرح تكفى خلوص
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 34"