لم أعرفه لوقتٍ طويل، لكني أعلم تمامًا مدى اعتزازه بنفسه. و إن أحسنتُ استغلال ذلك، فقد أحقق ما أريد بسهولة ومن دون عناء.
“لم أجد أي ذكرٍ لكَ في النشرة.”
ألقيت الجملة ببرود، فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ساخرة.
“آه، هكذا كان الأمر؟”
“الكل يعلم أنكَ تقيم في قصر أغريست، ومع ذلك لم يُذكر اسمكَ ولو سطرًا واحدًا، فاستغربت.”
حينها تغيرت ملامحه بوضوح.
“قد يكون الأمر كذلك، فالجميع يعرفني جيدًا، وربما يتحاشون ذكري لهذا السبب.”
“أجل، معكَ حق، فالتجاهل قد يكون أفضل أحيانًا.”
ارتجف حين سمع كلمة “التجاهل”، لكنني أسرعت بالحديث.
“فأن تكون على كل لسان أمرٌ مرهق.”
“…….”
“ألم تقل أن ريكايل كان يجذب الأنظار منذ زمنٍ بعيد؟”
حاول ضبط تعابيره، لكن بدا الأمر صعبًا عليه.
“ريتا، يبدو أنكِ مخطئةٌ في شيء.”
“أنا؟”
مرر يده في شعره وابتسم ابتسامةً مشرقة.
“كنتُ أنا من يتداول الناس اسمه دائمًا.”
“حقًا؟”
أجبت ببرود، فارتجفت تقاطيع وجهه قليلًا.
“لكن هذه المرة، لم يُذكر سوى السيد أغريست.”
“…….”
“لماذا يا ترى؟”
هززت كتفيّ متظاهرةً بالجهل.
“على أي حال، لا تحزن كثيرًا، فعدم ذكركَ في النشرة أمرٌ حسن.”
“…….”
“فاهتمام العامة أمرٌ مزعجٌ لا أكثر.”
ثم ربتُّ على حقيبتي،
“والآن، هلّا تتفضل بالانصراف؟ عليّ تجهيز بعض الأغراض.”
“كما تشائين، وإن احتجتِ إليّ فأخبِريني.”
ابتسم ابتسامةً متكلفة وأومأ برأسه. ثم دار بجسده وكأنه مطمئن، لكن تصلب كتفيه فضح ما يخفيه وجهه.
‘حسنًا، الاستعداد اكتمل.’
بعد مغادرته، رفعت حقيبتي الثقيلة بخفة.
و بما أن صحة الرئيسة ليست على ما يرام، عزمت أولًا على التوجه إلى الدير.
“أتمنى أن تكون قد تحسنت.”
كما أنني أنوي البحث عن المكان الذي رأيته في الحلم، والتحقق من مضمون الكتاب الذي عثرت عليه في الغرفة المجهولة.
وبعدها سأبحث عن البيت الذي ورد ذكره في رسالة الدوق أغريست.
“غريبٌ أمره حقًا، ينهاني عن الفضول ثم يترك لي عنوانًا.”
على أي حال، أشعر أنني سأجد هناك خيطًا يقودني إلى الحقيقة.
بل وربما أجد سبيلًا يمنح ريكايل نهايةً سعيدة، بعيدةً عن الشقاء.
كنت قد قلت أنني سأعود سريعًا، لكن بعد أن رتبت ما يجب فعله بدا أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول مما توقعت.
“حسناً.”
وفجأة تسللت إلى قلبي فكرةٌ مشؤومة.
هل يصح أن أترك ريكايل في قصر أغريست وحده وأغادر؟
في حياتي السابقة، حين استولى ريكايل على القلعة وطُردت أنا منها، كان ينتظره دائمًا ختامٌ بائس.
و لم أعرف يومًا السبب الواضح، لكن هذا العالم كان ينتهي في كل مرة بموته.
أما الآن، فالسبب الذي يجعلني أخشى تركه وحيدًا هو يقيني بأن في هذا القصر شيئًا غريبًا حقًا.
‘لكن إن بقيتُ هنا أكثر، فلن أغير شيئًا. سواءً كان قصر الدوق أو الدير، عليّ أن أتحرك.’
ما دمت أغادر بإرادتي لا مطرودة، فالأمر مختلف، أليس كذلك؟
لكن لا يمكنني اصطحابه معي أيضًا.
كييك—
وما إن فتحتُ الباب وأنا أحاول تهدئة قلبي المزدحم، حتى واجهني الممر المظلم من جديد، فارتجف قلبي بخوف.
“…….”
هل كان ما أمام غرفتي دومًا بهذه الكآبة؟
لطالما مررتُ به بلا مبالاة، لكن بعد ما جرى قبل قليل، وجدت قدميّ تأبيان التقدم.
“همم.”
سعلت متصنعةً الجرأة، ثم فتحت الباب بقوة.
‘كان علي أن أنادي ليلي.’
لكنني لست طفلة صغيرة أطلب مرافقة أحدٍ خوفًا من الظلام.
‘لا يوجد شيء……لا يوجد شيءٌ على الإطلاق.’
أجبرت خطواتي المترددة على التقدم، ولوّحت بذراعي بعزم.
فليظهر شيطانٌ أو شبح إن شاء! لم أعد أبالي. أنا على أي حال في طريقي للخروج!
تماسكت، وجعلت وقع أقدامي يتعمد إصدار أصواتٍ عالية.
“……!”
لكن فجأة، أحسست ثانيةً بتلك الرهبة الغامضة التي راودتني في الصباح، تمس كتفي.
هناك شيءٌ هنا.
ومع ذلك، لم أتوقف عن السير.
نبض قلبي وبلل العرق كفّي، لكن بدلاً من تهدئة نفسي، آثرت أن أركض مسرعة.
صحيحٌ أن الحقيبة الثقيلة أعاقت سرعتي، لكنني واصلت بأقصى ما أستطيع. و قبضت بكلتا يديّ على المقبض، وما إن وصلت إلى الدرج في نهاية الممر حتى صرخت في داخلي،
‘عليّ أن أنزل بسرعة!’
و خطوت على أول عتبة، فإذا بالأرض تهتز.
“هاه؟”
الأدق أن الدرج نفسه بدأ يميل يمينًا ويسارًا.
“ما……ما هذا؟”
ظننتُ أنني أتخيل.
هل خوفي الشديد جعل عقلي يختل؟ أم أنني أحلم؟
لكنني سرعان ما أدركت أنني لست مخطئةً ولا نائمة. فالدرج أخذ يتموج كالسائل، ثم انبسط فجأةً كمزلجة.
“آاااه!”
فاندفعتُ منزلقةً إلى الأسفل وتدحرجت بلا حيلة.
ولحسن الحظ، لم يكن الميل حادًا، فسقطت فوق سجادة مفروشة أسفل الدرج، فلم أُصب بأذى.
كُـونغ!
ما إن سقطت أسفل الدرج حتى دوى صوت ارتطامي الممتزج بصراخي، فسارع الناس نحو المكان.
“آنسة سوبيل؟”
و أول من اندفع إليّ كانت السيدة مايل من الطابق الأول.
“آنسة سوبيل، هل أنتِ بخير؟”
لكن لساني عجز عن الكلام.
إذ لم أكن بخير إطلاقًا.
“يا للأسف.”
تفحّصتني السيدة مايل ثم رفعت يدها لتنادي إحدى الخادمات.
“كاسي، أحضري قليلًا من الماء.”
“نعم، سيدتي.”
وبينما غابت الخادمة، انحنت السيدة مايل نحوي وسألت بهدوء،
“آنسة سوبيل، هل تعثّرتِ على الدرج؟ هل تدحرجتِ وسقطتِ؟”
“لـ……لا، الأمر ليس كذلك. بلـ……”
تشبثت بيدي المرتجفتين، وأخرجت الكلمات بصعوبة.
“انظري إلى ذلك الدرج. ما الذي يجري بحق؟”
“هل بالدرج مشكلةٌ ما؟”
رغم الموقف، سألتني بنبرة هادئة لا تتزعزع.
“ليست مشكلة عادية! لقد انبسط فجأة! كنت أهمّ بالنزول، فإذا به يتحول هكذا!”
“…….”
“هذا غير معقول.”
لكنها لم تبدُ مقتنعة بكلامي، وأمالت رأسها باستفهام.
“آنسة سوبيل، الأفضل أن تهدئي قليلًا قبل الحديث.”
أهدأ؟ وقد رأيتُ الدرج يتحول ماءً بين عينيّ!
“هذه القلعة ملعونةٌ بالشيطان! ذلك الشيطان يستهدفني أنا!”
ضممت حقيبتي الثقيلة بكل قوتي، كمن يبحث عن شيء يسكّن خوفه.
و في هذه اللحظة عادت كاسي تحمل كوب ماء. فقدّمته لي السيدة مايل بصوتٍ منخض،
“لا بد أنكِ ارتعبتِ كثيرًا من السقوط.”
مددت يدي بصعوبة وتناولت الكوب.
“نعم……لقد أفزعني الأمر بحق. هذه القلعة ليست طبيعية، بل مشؤومة إلى أبعد حد!”
حتى لو كان صدى الخطوات في الممر أمرًا مرعبًا، فهو على الأقل أخفّ وطأةً مما يجري الآن.
فالقلعة لم تعد تكتفي بالتلميح، بل باتت تعبث بي علنًا!
لا أستطيع الفرار، ولا حتى الاختباء. ورحت أتكور من الخوف، أخشى أن تنشق الأرض تحت قدمي فجأة.
عندها، وضعت السيدة مايل يدها على كتفي و تحدّثت بهدوء،
“الدرج لا عيب فيه، ربما فقط زلّت قدمكِ.”
“لا، أنا واثقة!”
رفعت بصري نحو الدرج الذي انزلقت منه تواً، فأدركت،
“ماذا؟”
لقد عاد إلى حالته الطبيعية!
“مستحيل……”
“كيف يمكن لدرجٍ أن يتموج كالماء؟”
قالت ذلك وهي تبتسم لي ابتسامةً ودودة.
“لا، لقد رأيت ذلك بأم عيني! ولهذا السبب سقطت!”
لم أحتمل شعور الظلم، فوثبت واقفة. ثم أخذت أضرب الدرج بقدمي مرارًا، لكنه لم يتحرك.
“تبًا……هل تسخر مني الآن؟”
انفجر الغضب في داخلي، فرميت حقيبتي بقوة على الدرج. لكن في أعين الجميع، لم أكن سوى شخص غريب الأطوار.
عندها أرسلت السيدة مايل نظرةً صارمة نحو الخدم المتجمعين.
“أما زلتم واقفين بلا عمل؟”
فانسحبوا متفرقين، وبقيت هي تتقدم نحوي بخطواتٍ ثابتة.
_______________________
وين ريكايل هو الي بيفهمها اكيد
يالرعب الي صار القصر كان دايم يجيب لها افاعي ومقالب ذا المره لا صدق ذي خوارق وغموض المؤلفه بتحط كل شي في ذا الروايه القصيره 😂
وفيه شوي كوميديه سودا في ذا الي صار……
المهم تو استوعب يعني بيتمن اول مره يعطي كلاريتا رسالة الدوق؟ مع انها رجعت اربع مرات؟ غرييببه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"