[إلى الآنسة كلاريتا سوبيل.
أتمنى ألا تتساءلي عن أي شيء بعد هذا.
حتى لو رغبتِ في معرفة المزيد، فلن تتمكني من الوصول إلى الحقيقة، ولن يثمر ذلك سوى بذور الشقاء. فلا تستهيني بكلامي هذا.
لقد تركتُ لكِ ملكية قلعة أغريست، بينما تركتُ لابني حق الإقامة فيها.
إن شئتِ فبإمكانكِ العيش في قلعة أغريست، غير أني لا أظن الأمر سيكون يسيراً. فاحرصي قدر الإمكان ألا تتصادمي مع ابني.
لقد أعددتُ لكِ بيتاً لتسكُنيه. وأظن أنكِ ستدركين موقعه بنفسكِ.
فيسفندر أغريست……زقاقٌ بين أربع شجيرات ليلك بري، بيت ذو سقف أحمر وباب أزرق داكن، رقم 35]
ظللتُ أحدّق طويلاً في الرسالة.
كانت الكتابة أنيقةً ومختصرة، لكن كلما تمعّنتُ فيها ازددتُ شعوراً بالنفور.
ألا أتساءل عن شيء؟ أيّ شخص غير مسؤول ومتعجرف هذا؟
يُورّثني جبالاً من أملاك لم أطلبها، ثم يأمرني ألا أبحث عن شيء وأكتفي بالعيش في بيت تركه لي؟
كدتُ أمزّق الرسالة غضباً.
“إن كان يرجو أن أعيش بتلك الطاعة، فقد كان عليه أن يختار شخصاً آخر غيري.”
عذراً، لكنني امرأةٌ شديدة الفضول. ولا يمكن أن أترك الأمر يمر هكذا.
“وهل تظن أن أربع شجيرات ليلك بري لا توجد إلا في مكان واحد؟”
يا له من رجل فظ حتى النهاية.
لم يذكر أي منطقة، فكيف لي أن أعرف؟ وكم من قصراً يحمل الرقم 35 في هذا العالم!
وأنا أتمتم بتلك الشكوى خطرت ببالي فجأة فكرة.
“أيمكن أن يكون في هاينز، حيث يقع الدير؟”
ذلك هو المكان الوحيد الذي أعرفه.
حسناً، لقد عقدتُ العزم على الذهاب إلى الدير، فلا بأس أن أمرّ بجواره.
وما إن اتخذت القرار حتى شرعتُ بجمع أمتعتي على الفور. حتى ذاك الكتاب الغامض، الذي لا أدري لمن يعود، لم أنسَ أن آخذه.
“ليت مديرة الدير تستطيع قراءة ما فيه.”
وبينما كنت أضع ثيابي واحداً تلو الآخر في الحقيبة التي جئت بها، دوّى صوت طرق على الباب.
“ليلي؟”
ثم ما لبث أن فُتح الباب بعد أن شعرت بوجود أحد بالخارج.
“ريتا، هل لي بالدخول؟”
وقبل أن أجيب كان الداخل ليس سوى تيرون نفسه.
“تفضل.”
طويت الرسالة بهدوء وأعدتها إلى ظرفها.
“ما ذاك الذي بين يديكِ؟”
و كنت أتمنى ألا تقع عيناه عليه.
“رسالة.”
فعقد تيرون وجهه بملامح بعيدة عن هيئة الرجل النبيل وهو يتفحّص ما بيدي.
“رسالةٌ من نوع يثير فضولي كثيراً.”
“إنها رسالةٌ شخصية للغاية.”
ابتسمتُ بخفة وأنا أضع الظرف داخل الحقيبة.
وهنا وقعت عيناه على الحقيبة الموضوعة فوق الطاولة والثياب المبعثرة على السرير، فاتسعت عيناه دهشة.
“ريتا، إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
فاكتفيت بابتسامة بريئة وبدأت أطوي الثياب.
“نعم، إلى أين سأذهب يا ترى.”
يا للوقت السيئ كي يأتي تيرون! لكن من الجيد أنه لم يدخل إلا بعد خروج السيد بيتمن.
“من تعبير وجهكِ يبدو أنكِ لن تخبريني أين ستذهبين. أهذا أيضاً أمرٌ شخصي جداً؟”
“ذكيٌ كالعادة.”
حتى ريكايل لم أخبره بشيئ، فهل تظن أني سأخبركَ أنت؟
“ألا يزال السير صعباً عليكِ؟ جئت لأطمئن على حالكِ، وفجأة أراكِ تتهيئين للخروج!”
“أنا بخير.”
أجبت ببرود دون أن أوقف يدي عن الحركة، أُسرع في طي الثياب وإلقائها كيفما اتفق في الحقيبة.
كنت أرجو أن أبدو مشغولةً فيغادر بسرعة. لكن تيرون لم يكن من النوع الذي يستسلم بسهولة.
“هل أنتِ ذاهبةٌ مع ريكايل؟”
“لا.”
أجبت تلقائياً بسرعة، ثم ندمت على الفور.
“آه، فهمت.”
أومأ برأسه ثم أطلق كلاماً لا يُعقل.
“ريتا، قولي لي بصراحة.”
“بصراحة عن ماذا؟”
“لقد قررتِ أن تعيدي التفكير بكلامي، أليس كذلك؟”
“أي كلام أعيد التفكير فيه؟”
“خطبتكِ من ريكايل، أما زلتِ تعيدين النظر فيها؟”
لم ينتظر جوابي بل لوّح بيده وهو يتابع.
“ريتا، أنا أفهم كل شيء. قد يكون من المحرج أن تكتشفي نوايا ذلك الشاب الحقيقية وتعودي إليّ، لكن لا حاجة لأن تخفي مشاعركِ عني أيضاً……”
“لحظةً واحدة.”
هذا الرجل لا يدع للمرء ثغرةً يتنفس منها.
وضعت الثياب جانباً وتنهدت طويلاً.
“آسفة، لكن لا. قلتها بالأمس وأكررها اليوم: أنا أصدق السيد أغريست.”
“…….”
“فإن كنت ستستمر في هذا الهراء، أرجوكَ غادر حالاً.”
كلامي الحازم أربكه للحظة.
“أنا فقط قلقتُ عليكِ……”
“ممتنةٌ لاهتمامكَ، لكن قلقكَ الزائد مرفوض. لستُ طفلة، وبالنسبة لي، أنت لا تتعدى أن تكون صديق السيد أغريست، لا أكثر ولا أقل.”
ظل تيرون صامتاً لبرهة دون أن ينطق بكلمة. و كانت تلك أول مرة أراه فيها يطيل الصمت هكذا.
هل قسوتُ عليه أكثر من اللازم؟ ربما، لكن لا خيار آخر، وإلا سيبقى يلاحقني بهذا الأسلوب المزعج.
وبينما أفكر في ذلك، فتح فمه أخيراً.
“حسناً، لكن لا تطلبي مني أن أتوقف عن القلق عليكِ.”
“…….”
“فذلك هو سر سعادتي الوحيدة.”
هل يُسمح لي أن أتقيأ هنا؟
أدرت رأسي بعيداً وأنا أوقن أنني أمام خصم عنيد حقاً.
كل ما أريده الآن هو مغادرة القلعة بأسرع وقت ممكن.
“ريتا، جسدكِ لم يتعافَ بعد، ومع ذلك تحزمين حقيبةً كأنكِ تنوين السفر بعيداً.”
“لقد أخبرتُ السيد أغريست مسبقاً أنني سأخرج وحدي.”
“ولم يقل شيئاً؟”
“نعم.”
“لماذا؟”
اتسعت شفتاه بابتسامةٍ منتصرة، كمن وجد فرصةً ثمينة.
“أيعقل أن يترك خطيبةً مريضة تخرج وحدها دون مرافقة؟”
“لأنها مسألةٌ شخصية.”
“أليست العلاقة بينكما قائمةً على المشاركة في كل شيء؟”
“بلى، هذا صحيح.”
يا له من علَقةٍ لا تترك صاحبتها.
ومع ذلك أبقيت ابتسامتي الرقيقة مرسومةً على وجهي وأنا أجيبه.
“لكن السيد أغريست رجلٌ نبيل يعرف كيف يصون خصوصية خطيبته.”
وبينما كنت أضع قبعةً عريضة الحافة في الحقيبة، سمعت ضحكةً ساخرة تتفلت من بين شفتيه.
“أليس الأمر ببساطة أنه لا يهتم بكِ كثيراً؟”
“هذا غير ممكن. بل يهتم بي أكثر مما يجب.”
“ومن يهتم بكِ كثيراً لا يترككِ تخرجين لوحدكِ. أليس كذلك؟”
“…….”
“لأنني أنا، مثلاً، ما كنت لأسمح لكِ بالخروج وحدكِ أبداً.”
ولأن الجو بدأ يتجه إلى منحى مزعج، سارعت بتغيير الموضوع.
“على أي حال، هل ستبقى في القلعة طويلاً؟”
ألم يأتِ لزيارة ريكايل بعدما أصيب؟ لقد مضى وقتٌ طويل منذ شُفي، فلماذا ما زال هذا الرجل عالقاً هنا؟
“كنتُ أنوي الرحيل اليوم، لكنني سأبقى حتى أراكِ تعودين. متى ستعودين؟”
كدت أصرخ في وجهه: اذهب لحالك! هذه ليست قلعتكَ لتلصق نفسكَ بها!
لكنني تماسكت وأطلقت ضحكةً خفيفة مصطنعة.
“هاها، لم أحدد بعد موعد عودتي.”
“لا يهم. فالانتظار لا يكلّفني شيئاً.”
“لكن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً.”
“إذاً سأنتظر أكثر. وستجلبين لي هديةً عند عودتكِ، أليس كذلك؟”
هنا وصلت قدرتي على الابتسام المصطنع إلى حدّها.
أدرت رأسي بصمت، فبادر تيرون بالكلام وكأنه يتقصد جرّ الحديث.
“بالمناسبة، لا تكترثي بما يثرثر به الناس.”
جلس في مكانه وكسا ملامحه جديةٌ مفتعله.
أيّ كلامٍ مباغت هذا؟
“أي كلامٍ تقصد؟”
“آه، لم تعرفي بعد؟”
أطبق عينيه الكبيرتين وأعادهما ليتابع.
“ظننت أنكِ قرأتِه، فقد كانت الخادمات يتناقلنه طيلة الصباح.”
آه، إنه يقصد النشرة.
“إن كنتَ تعني هذه، فقد قرأتها صباحاً.”
ورفعت النشرة التي وضعتها تحت كتاب. فأمال رأسه بدهشة كأن ردّي خالف توقعاته.
“وأنتِ بخير؟ ظننتُ أن ذلك سيؤذيكِ.”
لم يؤلمني بقدر ما أغضبني. خصوصاً ذلك الجزء الذي صوّرني بطريقةٍ غريبة منفّرة.
لكن لم يخطر لي البتة أن أُظهر غضباً أمامه، أو أن أسايره في حديثه.
“ولِمَ أتأثر؟ ما دامت هذه ليست الحقيقة.”
السيدة مايل، دعيني أستعير كلماتكِ التي قلتِها لي هذا الصباح.
“الأمر ببساطة أنني محطّ أنظار الكثيرين.”
ارتسمت على وجه تيرون ملامح غريبة.
تمهّل، وقد وصلنا إلى هذه النقطة، فلن أتركه ينجو بهذه السهولة. فمن يهوى إحراج الآخرين، عليه أن يتذوق ذلك بنفسه أيضاً.
“ولكن……ماذا عنكَ أنت؟ هل أنتَ بخير؟”
___________________________
وش دخله هو خليه يحسبس الحين قلقانه عليه
الدوق صدمني توقعت بيشرح لها شي طلع معطيها بلوك من البدايه
بس صدق ليه هي بالذات؟😂
نرجسية تيرون طبعاً نخليها على جنب لأنه مالها فايده
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 32"