هنا قررتُ أن أُخرج الموضوع الذي جئت لأجله مباشرة، فقد شعرت أن أي كلام سأقوله سينتهي حتماً بالزواج.
“هل تتذكر ما قلتُه في الليلة السابقة للوليمة؟”
لم أنتظر ريكايل أن يجيب، فقد كنت أعلم أنه من الطبيعي ألا يتذكر.
“هل تنوين الخروج الآن بما لم تستطيعي فعله حينها؟”
“آه، نعم.”
و عندما بدا عليه الدهشة من إجابتي غير المتوقعة،
“كاحلكِ لا يزال ضعيفاً، فربما من الأفضل أن تنتظري قليلاً قبل التحرك.”
“لا بأس.”
“هل سبق وأن قلتِ أنه من الأفضل ألا أسأل عن وجهتكِ؟”
“نعم.”
“إذاً دعيني أسألكِ سؤالاً واحداً آخر. هل الأمر عاجل؟”
“نعم، أعتقد أن عليّ الذهاب بسرعة.”
في البداية، كان هدفي مجرد زيارة الدير، على أمل الحصول على تلميح هناك.
لكن مع تدهور صحة رئيسة الراهبات، ومع معرفتي بأن ريكايل نفسه كان يستقصي عني عبر الدير، وحتى المشاهد المتكررة التي ظهرت في أحلامي مؤخراً، كانت كل الظروف الغامضة تشير إلى دير هاينز.
“هل تحتاج هذه الفتاة الجبانة لمرافقة؟”
“لا.”
نهضت من مكاني.
“لكن، أرجو أن تُوفّر لهذه الفتاة الشجاعة عربةً واحدة.”
“لا أعرف من هي، لكنه طلبٌ منكِ يا آنسة سوبيل، لذا سأفعل.”
حقاً، لا يقول كلمةً واحدة إلا عند الضرورة.
و حين خرجت من مكتب العمل وسرت قليلاً، شعرت مجدداً بحركة غريبة من بعيد.
‘ماذا يكون مرة أخرى؟’
لكن، على عكس المرة السابقة، لم أشعر بالخوف التام. فالمكتب ليس ببعيد، وإذا استدعى الأمر سأصرخ، وسيخرج ريكايل فوراً.
وبينما استدرت لأكشف عن مصدر الحركة بكل شجاعة،
“آنسة سوبيل.”
من كان منادياً لي من الخلف هو المحامي السيد بيتمن. ففزعت وانكمشت، وربما تفاجأ هو أيضاً.
“أعتذر يا آنسة سوبيل، لم أقصد إخافتكِ.”
“ألم تغادر بعد؟”
ظننت أنه خرج منذ فترة من المكتب، فلماذا لا يزال يتجول في الممر؟
وعندما هدأت دقات قلبي، اقترب مني السيد بيتمن مبتسماً بطريقةٍ محرجة.
“كنت أنتظر لأعطيكِ بعض الأخبار.”
“لي أنا؟”
“نعم.”
قال السيد بيتمن ذلك بصوتٍ منخفض بعض الشيء.
لم أستطع تخمين محتوى كلامه، لكني شعرت فوراً أنه أمر مهم جداً، وأنه لا يجب أن يسمع ريكايل هذا الحديث.
“هل ننتقل إلى مكانٍ آخر للحديث؟”
سألتُ بصوت منخفض مراعيةً الموقف، فابتسم بدون كلام وتبعني.
و أثناء السير مع السيد بيتمن، حاولت أن أتخيل ما الذي سيخبرني به.
لو كان الموضوع عن الوصية، فقد ذُكر كل شيء بالفعل أمام ريكايل، أما إذا لم يكن كذلك، فلم يكن هناك سببٌ ليقول لي شيئاً آخر.
بعد مسافة من المشي وصلنا إلى غرفتي. و بمجرد دخولنا، وضع السيد بيتمن حقيبته على الطاولة دون تردد، ثم فتح بسرعة حقيبة مستندات كبيرة وصلبة الملمس.
“الدوق أغريست أوصاني قبل وفاته بمهمة ذات أهمية.”
تأكدت حينها أن الأمر بالفعل مهم، وشعرت ببعض التوتر ويداي متشابكتان وأنا أنتظر ما سيقوله.
“قبل حوالي شهر، أخبرتكِ أنني سأقوم ببعض الأعمال النهائية في مكتبي، هل تذكرين ذلك؟”
“نعم، كان ذلك يوم تسليم الوصية، أذكره جيداً.”
“تماماً.”
ألقى نظرةً سريعة نحو الباب المغلق، ثم تابع كلامه.
“هذه المعلومات مخصصةٌ لنقلها لكِ فقط، يا آنسة سوبيل.”
“….…”
“ولم يكن من الممكن التواصل معكِ إلا عبر الوريث ريكايل أغريست.”
“آه.”
“ولهذا، اضطررتُ اليوم إلى انتظاركِ في الممر.”
حينها تأكدت تماماً أن ما سيقوله السيد بيتمن الآن، أمرٌ لا يجب أن يسمعه ريكايل.
“هل يتعلق الأمر بالميراث؟”
“في الحقيقة، أنا لا أعرف بالضبط محتوى الرسالة.”
توقف عن البحث في الحقيبة فجأة، ونظر إليّ مباشرة قبل أن يكمل كلامه.
“قد يكون له علاقة، وقد لا يكون.”
“ماذا يعني ذلك؟”
“بعد التفكير، يبدو أن الدوق كان يعلم بما سيحدث له مسبقاً.”
صمتت للحظة مندهشة، ثم أكمل السيد بيتمن بهدوء،
“لقد تُوفي الدوق بعد أقل من شهر من تركه لي الرسالة، وكأنّه كان يتوقع موته.”
عند سماع ذلك، شعرت بأن ما قاله منطقي.
كنت أعلم بالطبع أن الأشخاص الأغنياء أو الذين لديهم أبناءٌ كثيرون، يستعدون مسبقاً للفوضى التي قد تحدث بعد وفاتهم.
لكن تصرفات الدوق لم تكن عادية.
“ألم يتوفَ الدوق أغريست في حادثٍ مفاجئ؟”
“نعم، لقد فُقد أثناء تسلّقه جبل رودوس.”
كنت أعلم بأمر وفاة الدوق. فقد كان في حياته مشهورًا بامتلاكه هوايات غريبة كثيرة. و كان يُحيط نفسه بالمخترعين، ويجري التجارب بنفسه، ويرتحل كثيرًا.
كنت أظنه مجرد رجلٍ شاذ الطباع. غير أنّ التفكير العميق أثار في نفسي شكًا بأنّ وراء ذلك سببًا آخر.
‘لعلّه لم يكن على وفاق مع أمارنتا، فكان يتجنب البقاء في القصر.’
وربما راودته شكوكٌ بأن في القصر أمرًا غير طبيعي، فظلّ يبتعد عنه دومًا.
‘انتظر، أيمكن أنّه أراد أن يُلقي بهذا القصر الغريب على كاهلي أنا الغريبة عنه تمامًا؟’
وأنا غارقة في هذه الأفكار المتشابكة، خطرت لي فجأة فكرةٌ مريبة.
“أعرف أيضًا أنّ ثمة أقوالًا متباينة بشأن موت الدوق.”
“آه.”
ابتسم السيد بيتمن لأول مرة ابتسامةً متكلفة.
“صحيح، آنسة سوبيل. فقد كان في حياته أيضًا مشهورًا بتصرفاته الغريبة.”
“وما رأيكَ أنت يا سيد بيتمن؟”
سألته وأنا أحدّق فيه، فأجاب بهدوء.
“لا أدري، آنسة سوبيل. ما جدوى رأيي في الأمر؟”
“جدواه عظيمة، فقد كنت الشخص الذي يثق به الدوق أغريست أكثر من أي أحد.”
ويبدو أنّ كلامي أثّر فيه، إذ تغيّرت ملامحه قليلًا فجأة.
“أنا؟”
“نعم، أظنه وثق بكَ أكثر من الجميع. ولولاك لما كان أحدٌ ليحافظ على وصيته بهذا الإخلاص.”
“…….”
فشدّ على فكّه وأخذ نفسًا عميقًا.
“أشكركِ على قولكِ هذا.”
“لكن ما رأيكَ أنتَ يا سيد بيتمن؟ هل تظن حقًا أنّ الدوق قد مات؟”
“عندما قيل أنه فُقد في جبل رودوس لأول مرة، ظننت أنه سيعود سريعًا. فقد اعتاد ارتياد الأماكن الوعرة، وظننتها مجرد حادثةٍ بسيطة.”
“أجل.”
“لكن حين سمعت أنّ معاونيه هم من استعادوا جثمانه……شعرت أنّ السماء قد أخذت رجلًا ثمينًا قبل أوانه.”
طوال حديثه كنت أراقب وجهه بدقة بحثًا عن أي تغير، فلم ألحظ شيئًا مميزًا.
“أفهم قصدكَ.”
“لكن في كل مرة أُسلم فيها وصيةً كهذه، يخيل إليّ أنّه كان يعلم بالمستقبل.”
ثم أخرج من أعماق حقيبته مظروفًا وناوله إليّ. كان خطابًا مختومًا بخاتم أسرة أغريست.
“لقد تركه لكِ يا آنسة سوبيل.”
خطابٌ من شخص لم أعرفه قط!
أخذت الرسالة بيدي المرتجفتين، محاوِلةً إخفاء اضطرابي.
“شكرًا لكَ.”
“لقد أنهيت الآن كل ما كان عليّ فعله.”
ثم أعاد ترتيب حقيبته بوجهٍ مطمئن.
“سأغادر إذاً. وإن تأخرتُ فقد ألتقي بسيد القصر الشاب، وذلك سيكون أمرًا مزعجًا.”
“مهلًا……سيد بيتمن.”
ناديتُه من جديد فتوقف السيد بيتمن عن الحركة.
“إن حدث يوم واحتجتُ إلى عون……هل لي أن ألجأ إليكَ يا سيد بيتمن؟”
خشيت أن يتذرع بالرفض، فسارعت لأضيف،
“أنتَ الشخص الوحيد في هاميهين الذي أستطيع أن أثق به.”
“آه.”
“بقدر ما وثق بكَ الدوق أغريست واعتمد عليكَ.”
عندها ابتسم السيد بيتمن ابتسامةً دافئة،
“بالطبع، آنسة سوبيل. تعالي إليّ متى شئتِ.”
“شكرًا لكَ.”
وبعد أن غادر، حملتُ المظروف بيدي وسرت نحو النافذة.
فكرة أن يكون في داخله السر الذي طالما رغبت في معرفته أشعلت في داخلي مزيجًا من الفضول والخوف.
ثم نزعتُ الختم المشمع بإحكام، وفتحت المظروف، وأخرجت الورقة من داخله. فانكشفت أمامي كتابةٌ أنيقة مستقيمة الخط.
_______________________________
تخيلوا يطلع الدوق في الاخير ويقول هاااااي مقلب
الله يعين بيتمن بس😂
المهم قوه نشوف وش كاتب لها
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"