قول أنني لم أخف كان مجرد كذبة. فقد عانقت الكتاب إلى صدري وأسرعت بخطواتي، وإذا بصوت يناديني فجأة،
“آه، آنسة سوبيل!”
فارتجفت للحظة، ومع ذلك دوّى صوت خطوات تقترب بسرعة.
“ها أنتِ هنا…..لقد بحثتُ عنكِ طويلًا.”
“ليلي.”
كانت ليلي هي من ركض نحوي. فشعرت بالارتياح، على الأقل لم يكن شبحًا.
لكن سرعان ما فتحت فمها من جديد،
“آنسة سوبيل، السيد الشاب يطلبكِ.”
كنت أنوي التوجه إلى ريكايل أصلًا، فاعتبرت الأمر مناسبًا.
لكنني فكرت أنني يجب أن أترك الكتاب أولًا. فلو رآه سيسألني عنه لا محالة…..وإن كان كتاب ريكايل فستكون مشكلةً كبيرة.
بل حتى لو لم يكن كتابه، فالمشكلة قائمة.
“ليلي، سأتوقف قليلًا في غرفتي قبل أن نذهب.”
“حسنًا، آنسة سوبيل.”
لكنني أمسكت بليلي قبل أن تدير ظهرها.
“آسفة…..هل لديكِ وقتٌ لتأتي معي؟”
“إلى أين؟”
التفتت ليلي نحوي بعيون مستغربة.
“ذلك….أعني..…”
إن قلت أننا سندخل غرفتي ثم نذهب معًا إلى ريكايل، فسيبدو غريبًا.
ترددت لحظة، لكنني عزمت على مصارحتها،
“ليلي، في الحقيقة قبل قليل..…”
“نعم، آنسة سوبيل؟”
“سمعت أصواتًا غريبة في الممر.”
“أصواتٌ غريبة؟”
“نعم، كأن أحدًا كان يتبعني من الخلف.”
فأجابت ليلي بلا مبالاة،
“ربما كان صوت خطواتٍ حقيقية.”
“لا، لم يكن هناك أحد.”
حينها حكّت خدها وضحكت،
“إذاً لعلّك توهمتِ.”
“لكنني سمعتها بوضوح، لم يكن وهمًا. بل حين ركضت…..تسارعت الخطوات خلفي بالضبط.”
“أتعلمين، المكان هنا يعج بالناس. ربما اختلط عليكِ الصوت من طابق آخر.”
“…….”
“ولهذا خفتِ، أليس كذلك؟”
كنت خائفة فعلًا…..وما زلت. لكن أمام ابتسامتها لم أشأ أن أعترف.
“آنسة سوبيل، لديكِ جانبٌ ظريف حقًا.”
“الأمر ليس هكذا.”
“حسنًا حسنًا، فهمت. لنذهب معًا إذاً.”
كنت أود أن أشرح أكثر، لكنني عدلت عن ذلك.
فقد راودني شعورٌ بأنها، حتى لو وقفت الأشباح أمامها، لاعتبرتها مجرد دمى لا أكثر.
“نعم، شكرًا لكِ.”
رغم شعوري ببعض الضيق لأنها لم تصدق كلامي، فقد اكتفيت بالامتنان لمجرد أنها رافقتني حتى الغرفة.
***
حين دخلت إلى المكتب، كان في استقبالي جوٌ يختلف تمامًا عن المعتاد.
“مرحبًا، آنسة سوبيل.”
أول من حيّاني كان المحامي السيد بيتمن. و بمجرد أن وقعت عيناه عليّ، نهض من مقعده و تحدّث بوجه يعلوه القلق،
“سمعت أنكِ أصبتِ بجراح بليغة، هل أنتِ بخير الآن؟”
حتى المحامي يقرأ الصحف الصفراء إذاً.
“لقد بلغكَ خبرٌ خاطئ. كما ترى…..أنا بخير تمامًا.”
“يا للراحة، لقد أفزعني الخبر كثيرًا.”
“أشكركَ على اهتمامكَ.”
ابتسمت ابتسامةً خفيفة ثم التفتُّ نحو ريكايل. وقد كان جالسًا خلف المكتب الضخم، غارقًا في تفكير عميق.
“قيل لي أنكَ طلبتني.”
رفع رأسه ببطء، كمن استيقظ من دوامة أفكار طويلة. لكنه كان مختلفًا بعض الشيء عن المعتاد.
صحيحٌ أنه لم يكن كثير الكلام عادة، لكنه حتى في صمته كان يحمل نظرات حادة مفعمة بالحياة.
أما الآن، فقد كان بصره غارقًا في كآبة وهو يحدّق إلى الأمام.
و لو لم يكن بيتمن حاضرًا، لسألته فورًا عمّا يشغله.
لكن بيتمن هو من بادر بالكلام،
“بما أن الآنسة سوبيل حضرت، فلنبدأ الآن.”
جلس المحامي بملامح جادة، وبين يديه ملفٌ سميك. و يكفي النظر إليه لأدرك ما جرى التحضير له.
فوضعت يدي على الطاولة في ترقّب وأنا أنتظر ما سيقوله.
“لقد ظهرت نتائج فحص وصية الدوق، كما طلبتما.”
في تلك اللحظة، نظرتُ إلى ريكايل الجالس إلى يميني. لكن ملامحه بقيت كما هي، وكأنه كان يعرف مسبقًا سبب زيارة المحامي.
“آه…..إذاً جئت من أجل هذا.”
قلت ذلك بلهجة خفيفة متعمدة، محاوِلةً كسر ثقل الأجواء. لكن ريكايل ظل صامتًا، لا يبدو متوترًا ولا مسرورًا.
ترى…..ما هي النتيجة؟
كانت هذه المرة الأولى التي أستمع فيها إلى تقرير الفحص.
رغم أنني عشت خمس دورات من العودة بالزمن، إلا أنني في كل مرة كنت أُطرد من قصر أغريست قبل أن أعرف النتائج.
بالطبع، كنت فضوليةً تجاه ما سيُقال، لكن بالواقع ما ملأ عقلي أكثر كان أمرًا آخر.
الرحيل عن هاميهين والتوجه إلى الدير في هاينز. فالجو سيختلف كثيرًا بحسب نتيجة الفحص.
فهل سيكون وداعًا ودودًا…..أم شيئًا آخر؟
أم سيكون وداعًا جافًا خاليًا من الدفء.
وبينما كنت غارقةً في شتى الأفكار صامتًا، فتح السيد بيتمن الحقيبة الجلدية التي أحضرها معه.
وما إن تحرك حتى تغيّر جو المكتب على نحو خفيّ.
“حسنًا، سأعرض الأمر الآن.”
تناول السيد بيتمن المغلَّف بحركات بطيئة لكنها دقيقة. ثم أرانا وهو يفتح ختم عائلة ببيتمن بأداة حادّة، قبل أن يسحب ورقةً بيضاء متينة من الداخل.
في هذه الأثناء اقترب المساعدون، ووضعوا أمامي وأمام ريكايل قلمًا وحبرًا.
يبدو أن هناك ما يتطلب توقيعنا.
“الآن، أوجّه الحديث إلى طالبي تقييم الوصية: اللورد ريكايل أغريست والآنسة كلاريتا سوبيل. بدايةً، وإن لم يحضروا اليوم، إلا أنّ نتيجة هذا التقييم يضمنها مدير بنك فولسبورتن، والسيد توبيكس الإداري، وعشرة من محامي مكتب بيتمن.”
“نعم.”
أجبت، فحوّل بيتمن نظره نحو ريكايل.
وحين اكتفى ريكايل بالإيماءة دون كلام، استأنف بيتمن حديثه.
“لقد أجرى مركز التقييم عملية تحققٍ متقاطع من وصيتي الدوق عشر مراتٍ كاملة.”
لمحتُ ريكايل من طرف عيني مرة أخرى.
وحين ذكر “وصيتين”، بدا لي أنّ إحداهما تخصّني بما تركه لي الدوق أغريست، أما الأخرى فمرتبطةٌ بأوراق الميراث الخاصة بريكايل المتعلقة بقصر أغريست.
“جديرٌ بالذكر أن الدوق كان يعتمد دومًا على مكتبنا القانوني، مما أتاح لنا الاحتفاظ بنسخ من توقيعه وختمه، إضافةً إلى نوع الورق والحبر الذي اعتاد استخدامه، بل وحتى نمط خط يده.”
كنت أتساءل كيف أجريت عشر عمليات تحقق متقاطع، لكن كلما واصلت الاستماع إلى شرح السيد بيتمن، بدأت أفهم شيئًا فشيئًا.
إذاً فالأمر ليس عبثًا كما ظننت.
وبالتالي، أليست النتيجة واضحة مسبقًا؟
“على سبيل المثال، الحبر الذي اعتاد الدوق استخدامه هو حبر خاص من شركة فيبرينر-”
“يكفي عند هذا الحد.”
قاطع ريكايل السيد بيتمن بصوتٍ بارد.
“أوه..…”
فابتلع بيتمن ريقه بصعوبة ثم تابع،
“سيدي، إن لم نتّبع الإجراءات كما ينبغي فقد تطرأ مشكلاتٌ لاحقًا—”
“لن أجعل منها مشكلة. أعطني النتيجة فقط.”
“لكن..…”
أخرج المسكين بيتمن من جيب سترته منديلاً صغيرًا، وبدأ يمسح عرقه.
“الأمر يتطلب اتفاق الطرفين، فهو مسألةٌ شديدة الحساسية قد تتطور إلى نزاع قضائي لاحقًا. فهل توافقين على رأي اللورد، يا آنسة سوبيل؟”
في الحقيقة، كنتُ فضوليةً قليلًا لأعرف كيف جرت عملية التقييم تلك، وكيف تحققوا منها عشر مرات في عالم يخلو من الكاميرات وأجهزة التسجيل والمجاهر.
و كنت أودّ أن أسمع أكثر، لكن لم يكن من الحكمة الاعتراض الآن.
“نعم، أوافق. تفضل بالنتيجة.”
“حسنًا، مفهوم. لكن اسمحوا لي بقول كلمة.”
ابتسم بتكلّف قبل أن يتابع،
“أليست النتيجة في النهاية غير ذات أهمية؟ فأيًّا كانت، ستظلان عائلةً واحدة.”
لعله أراد تلطيف الأجواء، غير أنني اكتفيت بابتسامة باهتة، فيما بقي ريكايل على حاله دون أي تعبير.
فتخلى السيد بيتمن عن ابتسامته المصطنعة، ونشر الأوراق بين يديه.
“إذاً، دعوني أُعلن النتيجة.”
___________________________
المؤلفة حماره الموضوع مب مهم ذاك الزود بس عرفت تشدني وعنها خلصت الفصل هنا🥰
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"