دووم!
ما إن ولجت الغرفة حتى أغلقت الباب بعنف خلفي.
لم أكن أستطيع الركض بسبب كاحلي المصاب، ومع ذلك كان نفسي يتقطع وكأنني جريت مسافةً طويلة.
“هه….هه..…”
كان الباب مغلقًا بالفعل، لكنني لم أجرؤ على إفلات المقبض. فراحت يدي تنزلق من شدة العرق المتصبب من كفي.
“آه!”
مع ذلك، لم أستطع الابتعاد عن الباب. فقد كان يخيل إليّ أنني لو تركت المقبض، ستجذب قوةٌ مجهولة الباب من الجهة الأخرى.
ظللت متشبثةً به طويلًا، حتى عقدت العزم في النهاية على تخفيف قبضتي قليلًا، فقط لأختبر: هل ثمة ارتجاج؟ و هل يدفع أحدهم الباب من الخارج؟
“…….”
لكن لم يحدث شيء. فتنفست بعمق، وأخيرًا تركت المقبض، ثم ألصقت أذني بالباب. ولم يخيم سوى السكون.
“هاه..…”
ثم خرج زفيري ثقيلًا، ومعه تراخى جسدي، فأسندت ظهري إلى الباب وهويت جالسة.
وما إن انحل التوتر، حتى شعرت بالألم يتفجر في كاحلي وذراعي.
ما الذي حدث للتو؟
صحيحٌ أنني سمعت الصوت من نهاية ممر فارغ، لكن هذا قصرٌ هائل، وأنا لست الوحيدة التي تعيش فيه. و سماع أصوات متفرقة أمرٌ طبيعي.
إلا أن…..
لقد كان صوتًا يلاحقني. يطابق خطواتي بدقة.
وما أفزعني حقًا أن الخطوات اشتدت حين انطلقت أجري…..كأنها تجري ورائي!
دَق… دَق… دَق… دَق!
أيمكن أن تكون هناك أشباحٌ فعلًا؟
طالما سخرت من تلك الأحاديث ووصفتها بالخرافة…..لكن الآن، بدأت أؤمن أنها قد تكون حقيقة، فشعرت ببرودة تجمد دمي.
وتدفقت في ذهني فجأة كل تلك الكلمات التي سمعتها ومررت عليها مرورًا عابرًا،
<سمعت أن القصر قديمٌ للغاية…..لكنني لا أعرف شيئًا مؤكدًا. حقًا، لا شيء.>
<ليلي، ألستِ تكرهين أحاديث الأشباح والأرواح؟>
<هل ترغبين في الحديث عن الأشباح؟>
<هل يوجد في القصر أشباح؟>
<هاه؟ لا… لا أعلم حقًا. لكن حتى إن وُجدت، فلا أريد أن أعرف.>
ثم المقالات التي لم أكمل قراءتها،
[قلعةٌ تسكنها الشياطين، تؤذي الناس.]
[الشيطان الذي استوطن القصر قتل الدوق ويطارد وريث العائلة، وفي خضم ذلك يوشك الوريث أن يقع تحت سحر ساحرة تنوي سلب ثروته.]
لا بد أن هنا شيئًا بالفعل. وإلا كيف أفسر ما جرى الآن؟
اشتد الغموض في قلبي حتى كاد يخنقني.
‘لكن…..لماذا لم يظهر مثل هذا من قبل؟’
لقد مررتُ بالعودة للمرة الخامسة، ومع ذلك لم أكن أعلم شيئًا عن هذا الأمر…..
جلست على الأرض، رافعةً ركبتيّ إلى صدري، وأخذت أفكر مليًّا.
في الحيوات السابقة كنتُ دائمًا أُقصى وأُجبر على مغادرة قلعة أغريست لصالح ريكايل.
في المرة الأولى، ظهرت عشرات الأفاعي في غرفتي، حتى لم أعد أطيق البقاء لحظةً إضافية فهربت. و ظننت حينها أن جهدي في طرده وإبعاده أمرٌ يُحمد عليه.
لكن ما إن خرجت، حتى وصلني خبر موت ريكايل، لتبدأ دورةٌ جديدة من العودة.
وحينها…..ظهرت كل ذوات الأرجل التي يمكن تخيلها.
فتحت عيني صباحًا، لأجد آلاف الحشرات ملتصقة بالنافذة، وجيوشٌ العناكب تهبط من السقف.
<يا إلهي…..من أين خرج كل هذا؟>
<أحضِروا المكنسة بسرعة!>
<آه! آنسة سوبيل….فـ…..فوق رأسكِ!>
كان المنظر مقززًا ومريعًا، حتى استحال عليّ البقاء في القصر.
وهكذا فررت مجددًا، مقتنعةً أن هذا كله من تدبير “كويل” بتحريض من ريكايل.
ظننته فعلًا دنيئًا وجبانًا، لكن من سواه كان يقدر على تدبير مثل ذلك؟
وبعد أن تعلمت كيف أصدّ الحشرات وأطرد الأفاعي، ماذا حدث؟ اتهموني بإشعال النار في برج القلعة، وطُردت منها.
كنت أظن أن الحريق من فعل كويل وأن ريكايل دبّر المكيدة…..لكن ربما كنت مخطئةً طوال الوقت.
قد لا يكون لريكايل يدٌ في أي من ذلك. و ربما هناك شيء آخر، ساكن في هذه القلعة…..شيءٌ بلا أرجل هو من دبّر كل ما جرى.
إذاً…..مع من كنت أحارب طوال هذه المرات؟
استندت بظهري إلى الباب، وطرحت رأسي عليه بتعب.
قبل أن أدخل، رأيت بوضوح خيط ضوء يتسرب من شق الباب، لكن الآن كل شيء مظلم، و الستائر مسدلة والجو قاتم.
تبدو الغرفة مهجورة، فالأقمشة الثقيلة غطت الأثاث كما لو لم تُستعمل منذ زمن. و كانت كئيبة وموحشة مثل الممر.
لكن الخروج لم يعد خيارًا، فلم أملك شجاعةً لمواجهة ذلك الفراغ مجددًا.
“ربما…..عليّ أن أزيح الستائر قليلًا.”
نهضت ببطء وسرت بحذر نحو النافذة. ثم أزحت الستائر السميكة بكلتا يدي، فانفجرت أشعة الشمس داخل الغرفة.
“آه…..الآن يمكنني أن أتنفس.”
وقفت ملتصقةً بالنافذة، أرفع بصري إلى السماء، فإذا بالأفكار المرعبة تنحسر قليلًا.
لا أعرف ما الذي يهددني، لكن حتى إن كان شبحًا أو شيطانًا، فلا بد أنه يكره الضوء.
الخروج إلى الممر ما زال يخيفني…..لكن ماذا عن القفز من النافذة؟
تساءلت إن كان هناك حبلٌ أو ما شابه. فأطللت من النافذة بحذر.
“مستحيلٌ تمامًا.”
كانت المسافة شاهقة لا تُحتمل.
ومع ذلك، أخذت أتابع المارة في باحة القلعة بهدوء. فمشهدهم خفف عني شيئًا فشيئًا، حتى أحسست بالسكينة تتسلل إليّ.
ما زال هنا الكثير من الناس. وما زالت حقيقة ما يُرعبني غامضة وغير مؤكدة.
كنت قد قرأت يومًا أن الخوف قد يخلط الذهن بالذكريات القديمة ليصنع أوهامًا.
لا…..لا بد أن أتماسك. لن أسمح للرعب أن يعميني.
“هاه…..”
تنفست بعمق. و بعد تلك الأفكار التفت ببطء، وعندها فقط بدأت تفاصيل الغرفة تتضح أمام ناظري.
لكن، يا ترى…..غرفة مَن كانت هذه؟
رغم أنها تبدو مهجورةً الآن، إلا أن آثار العناية بها ما زالت بادية.
الأثاث قليل، والجدران جافة خالية من أي لوحة.
وعندما رفعت القماش المسدل أمام النافذة قليلًا، ظهر خلفه مكتبٌ ضخم.
أليس من الوقاحة أن أتصرف هكذا في غرفة بلا صاحب؟
هممت بالابتعاد، لكن الغطاء الذي كان على المكتب انزلق أرضًا ببطء.
“عجبًا…..حتى أقمشة الغبار عندهم ناعمةٌ وفاخرة.”
انحنيت ألتقط القماش وأعيده إلى مكانه، غير أن بصري علق بكتاب موضوع على حافة المكتب.
كتابٌ قديم سميك، كُتب عنوانه بحروف لا أعرفها.
مددت يدي إليه وقلبت بعض صفحاته، فاستوقفني شعورٌ غريب.
“هاه..…؟”
فإحدى الصفحات كشفت رسمًا لقصرٍ ذا طابع عتيق.
لم أستطع الجزم من خلال الصورة وحدها، لكن الشعار المرسوم في مركزها كان بوضوح شعار أسرة أغريست.
“إذاً…..هذا المكان المرسوم هو هنا.”
ربما توجد كتبٌ كثيرة عن هذا القصر العريق.
ثم واصلت تقليب الصفحات بلا تفكير.
“وهذا…..أي مكان يكون؟”
الرسوم المتناثرة في الداخل بدت وكأنها تصور أجزاءً من القصر من الداخل، وإن لم تكن دقيقة.
كم كان الأمر محبطًا أنني لا أستطيع قراءة الكلمات. فهذه ليست الحروف المتداولة هنا…..تُرى، من قد يقدر على قراءتها؟
لم أشعر أن ظهوره أمامي مجرد صدفة.
وفجأة بدأ شيء من الشجاعة يسري في نفسي، على عكس ما كنت أشعر به حين دخلت الغرفة.
أعدت القماش برفق وأعدت تغطية المكتب.
اعذرني يا صاحب هذا الكتاب المجهول…..سأستعيره قليلًا. و سأعيده نظيفًا كما هو، حين أنتهي.
ثم فتحت الباب بحذر وخرجت إلى الممر.
صررر…..
تساءلت عن معنى هذا الكتاب الذي أحتضنه. و ربما لم يكن يرسم قصر أغريست فعلًا، لكنني شعرت أنه يحميني من كل ما هو غريبٌ ومخيف.
ربما لهذا السبب يؤمن الناس بالخرافات. و ربما لهذا يصنعون التمائم.
“هه…..”
قررت أن آخذه معي إلى الدير.
إن كانت الرئيسة تستطيع قراءة هذه الحروف فسيكون أمرًا عظيمًا، وإن لم تستطع، فلابد أن فيه فائدةً ما.
لكن أولًا، عليّ أن أضعه في غرفتي. وبعدها، أذهب إلى ريكايل.
خطوت في الممر بهذه النية، لكن…..
“…….”
من جديد أحسست بوجود خلفي.
إلا أن هذه المرة لم يكن كالإحساس السابق. فلم يكن وهمًا، ولا خدعة يصنعها عقلي المثقل.
طَبطَب… طَبطَب…
كانت تلك خطواتٌ حقيقية، واضحة، لشخص ما يقترب.
____________________
ريكايل؟ النشية تيرون؟
شفتوا ودي كلاريتا تتذكر ذكريات طفولة كلاريتا تعرف على الاقل وش السالفة وليه عطاها الدوق القصر
المهم تونا في البدايه ريلاكس يا انا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 28"