في اليوم التالي، كانت صحيفة هامهين تعجُّ بأخبار الحادثة التي وقعت بالأمس.
“ما هذا؟ إنه افتراءٌ بغيض.”
اكتفيت بتقليب الصفحات سريعًا، فزادني ذلك ضيقًا، و ألقيت بالصحف غير المقروءة على الطاولة.
“حين يفتقرون إلى ما يُشاع في موسم الحفلات، فلا بد أن يجدوا شيئًا يثرثرون حوله.”
قالت السيدة مايل ذلك بهدوء وهي تلتقط الصحيفة التي تركتها.
“وخاصةً هذه الصحف الصفراء، فهي أكثر من يتلهف.”
“لكن هذا تجاوزٌ فادح.”
“سرعان ما ستهدأ الضجة، لا تقلقي.”
كان وجه السيدة مايل وديعًا، لا يشوبه قلق. أما أنا، فلم أستطع أن أكون بمثل صلابتها.
“هؤلاء لم يحضروا الحفل أصلًا، ومع ذلك يكتبون ما يشاؤون.”
“صحيح.”
“لا يمكن أن يصدق الناس مثل هذا الكلام الفارغ…..أليس كذلك؟”
“سوف ينقسمون بين من يصدق ومن لا يصدق.”
“لكن، ما الجدوى من نشر مثل هذه الترهات؟”
“المتعة والمال، لا أكثر.”
انتشرت شائعاتٌ أن قلعة أغريست قد مسّها شيطانٌ يؤذي الناس، وأن سقوط الثريا كان غضبًا من روح شريرة لأن الحفل أقيم دون إذن، بل حتى وفاة الدوق نسبوها إلى لعنة القصر.
كلامٌ مليءٌ بالأكاذيب.
“حتى الدوق الراحل لم يسلم من ذكرهم! هذا تعدٍ غير مقبول. أي صحيفةٍ هذه التي تتجرأ على نشر مثل هذا؟ يجب أن نذهب ونعترض.”
“اهدئي يا آنسة سوبيل.”
أشارت السيدة مايل بيدها، فتقدمت خادمةٌ صغيرة تحمل الشاي.
ثم تحدّثت السيدة بصوت حانٍ تهدئ من غضبي،
“الغضب يؤذي الجسد، تفضلي ببعض الشراب الدافئ.”
“شكرًا لكِ.”
“ثم إن الاعتراض لن يجدي، بل سيُظهر أننا نهتم بهذه المقالات التافهة.”
وبينما كنت أدفن وجهي في بخار الشاي، تابعت السيدة مايل بهدوئها المعهود،
“وليس هذا ما تريدينه، أليس كذلك؟”
“قطعًا لا….لكنني..…”
اشتعل غضبي من فكرة أن أولئك الأوغاد يضحكون في الخفاء.
“أنا غاضبةٌ بشدة…..من أن يستغلوا مآسي الآخرين ليدرّوا المال، ومن أن تُزج أسماؤنا في مثل هذه الكتابات.”
“غضبكِ طبيعي.”
تأملت بخار الشاي المتصاعد محاوِلةً تهدئة نفسي.
“أعتذر…..أعلم أن انفعالي هنا لن يغير شيئًا.”
“أجل، كلامهم جارحٌ وبالغ في التجاوز، لكن لا تُثقلي قلبكِ به.”
“…….”
“القراء يعلمون أن هذه الأحاديث بلا دليل، مجرد ثرثرة فارغة.”
“صحيح.”
“ليس القصد من الأمر إهانة أسرة أغريست أو النيل منها، بل لأنها أصبحت محطَّ أنظار الجميع. الجميع يريد أن يعرف ما سيؤول إليه وضع الدوق الصغير.”
“…….”
ومنذ رحيل الدوق، أصبح من الطبيعي أن يسود الاضطراب في هذا المكان، لذا لا تجعلي الأمر يثقل صدركِ.
“سأفعل يا سيدتي…..وأعتذر على تسرعي.”
أجبتها بتهذيب، لكن الغضب الذي اشتعل في داخلي لم يخمد بسهولة.
فالسبب الحقيقي لانزعاجي الشديد…..كان الرسم الذي نشرته تلك الصحف الصفراء.
‘يزعمون أن هذه أنا؟’
فوق المقالة رُسمت صورة كاريكاتير لي: عينان صغيرتان، أنفٌ وأذنان مدببتان، كأنني ساحرة شريرة.
[الابن الضال لأسرة أغريست يقع في حب ساحرة طمّاعة بالثروة]
[تقريرٌ حصري: حبّ خطير لأميرٍ أجوف – فما مصير هامهين؟]
[إلى أين تمتدُّ أطماع الساحرة؟]
ساحرة تطمع في المال؟
أنا؟!
ويصفونني بالمتكبّرة أيضًا؟ أهذا كلّه موجّهٌ لي حقًا؟
كلمات المقالة لم تزدني إلا غيظًا وحيرة.
“سيدة مايل…..هل اطّلع السيد أغريست على هذا كله؟”
“بالطبع، أجل.”
ثم أضافت ببرود،
“لكن السيد الشاب ليس ضعيفًا ليتأثر بمثل هذا الهراء.”
طبعًا، فهم لم يرسموا وجه ريكايل بتلك الصورة المشينة…..
لماذا إذاً صوّروني أنا وحدي كساحرة؟!
“هذا مطمئنٌ إذًا.”
“سأدعكِ الآن…..أتريدين أن أتخلص من هذه؟”
أشارت إلى الصحف فوق الطاولة.
“لا، دعيها.”
وما إن غادرت السيدة وخادمتها، حتى دخل السيد ميتيوس ليفحص كاحلي المصاب.
و لحسن الحظ، لم يكن الالتواء خطيرًا، وأخبرني أن بإمكاني المشي ببطء بدءًا من اليوم.
“كيف تشعرين الآن؟”
“أفضل بكثير من الأمس.”
“هذا مفرحٌ يا آنسة سوبيل.”
أنهى فحصه سريعًا، لكنني نهضت من السرير مباشرةً بعده.
كان يكرر أن السماح بالمشي يعني ضرورة الراحة أكثر، لكنني لم أطق البقاء ساكنة.
‘عليّ الذهاب إلى الدير الآن.’
فقد أخبرني المساعد أن حالة الرئيسة هناك ليست بخير.
وكان ريكايل يحقق في أمرٍ ما…..وآن لي أن أعرفه أنا أيضًا.
لا أدري ما الذي سأواجهه هناك، أو أي حقيقة ستتكشف، لكن قلبي كان يحثني على المسير فورًا.
‘كما أنني أريد التأكد بنفسي من المكان الذي رأيته في الحلم.’
كان الكاحل يؤلمني قليلًا، لكن لم يكن مانعًا من الحركة.
ثم فتحت الباب، فإذا بالممر خاوٍ تمامًا.
“همم.”
سعلتُ بلا سبب، فقط لأكسر الصمت الثقيل الذي بدا مختلفًا تمامًا عن أجواء الأمس، صمتٌ جعل قشعريرة تتسرب إلى جسدي.
ثم خطوت خطوةً بطيئة، لكن وقع أقدامي بدا أضخم من المعتاد، كأن صدى الصوت يتردد أكثر مما ينبغي…..
لعلها مجرد أوهام.
طَبطَب… طَبطَب.
‘كل هذا بسبب أولئك الحمقى الذين يثرثرون بتفاهاتهم.’
شيطان، عفريت…..ألا يجدر بهم على الأقل أن يتحدثوا بعقلانية؟
أخذت أرمق بطرف عيني اللوحات الضخمة المعلقة على الجدران وأنا أتابع سيري.
“هممم.…”
وفجأة، انبثق في ذهني أصل كل هذه الفوضى، والسؤال الذي لا بد أن أجد جوابه.
لماذا ترك الدوق أغريست هذه القلعة لي أنا؟
كلاريتا سوبيل ليست ابنة أسرة عريقة، ولا تربطها صلة نسب بعائلة أغريست، مجرد امرأة عادية لا أكثر.
فلماذا إذاً يورّثها دوقٌ عظيم ما كان ينبغي أن يخرج إلا لابنه؟
أيمكن أن…..
هل تعيش في هذه القلعة أشياءٌ لا ينبغي أن تكون موجودةً أصلًا؟
ارتجفت من الفكرة المريعة، فسارعت إلى طردها من رأسي.
“توقفي عن الهذيان…..ستخيفين نفسكِ بلا طائل.”
لكن ما إن يُفتح باب الخيال حتى يصعب إغلاقه.
‘آه، أليست قلعةً عاشت آلاف السنين؟ يكفي ذلك لتجد فيها الأشباح والجن والشيطان مسكنًا.’
حاولت التهوين على نفسي، لكن كلما فعلت ذلك أسرعت خطواتي أكثر وأكثر.
ثم خطرت لي فكرةٌ غريبة، هل تمتلك كلاريتا سوبيل قدرةً خاصة؟
“كأن تكون…..مطاردة الأرواح مثلًا؟”
رفعت يدي أتأملها من كل جانب. لكنني لا أعرف شيئًا عن طرد الأرواح، ولا أؤمن أصلًا بإمكان حدوث مثل ذلك.
“أم..…”
هل كان بين أقاربي من يملك مثل هذه الموهبة؟
أفكارٌ متتابعة أخذت تُغري عقلي بوجاهتها، حتى وجدت نفسي أتوقف فجأة.
ثم سمعت وقع خطواتٍ خلفي.
“سيدة مايل؟”
لكن توقفي أعاد السكون الموحش فورًا، سكونًا أثقل من ذي قبل.
لم يكن خلفي أحد. و استدرت ببطء، وأدركت حينها أن أنفاسي قد تسارعت، وأن حلقي جافّ كالصحراء.
ومع ذلك، حاولت جاهدةً أن أتماسك…..أن أبدو هادئة.
ربما كنتُ قد توهمت….فليست هذه أول مرة أسمع أصواتًا لا وجود لها.
لكن في تلك اللحظة دوّى الصوت من جديد، أوضح وأقرب من ذي قبل.
“ليلي؟”
ناديت بصوت أعلى وأنا ألتفت، غير أن الممر ظل خاليًا تمامًا.
“هاها…..يبدو أن الضغوط أنهكتني فعلًا، حتى بتُّ أسمع أشياء لا وجود لها.”
ضحكت أزعم طرد الخوف عني، لكن ضحكتي ارتدت عن الجدار لتصير صدىً مخيفًا يقشعر له البدن.
ترى، هل كان ممر غرفتي طويلًا إلى هذا الحد دائمًا؟
تملكني شعورٌ ملحّ بضرورة الإسراع للوصول إلى ريكايل، فانعطفت عبر الممر المؤدي إلى الزاوية.
وبينما كنت أعبر الدرج الحجري العريض، عاد ذلك الصوت ذاته يتردد خلفي، أشبه بما سمعته من قبل.
لكنني هذه المرة لم أجرؤ على الالتفات. فلا هي السيدة مايل، ولا هي ليلي…..
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"